تدلل الهجمات الإرهابية التي شهدتها واجادوجو عاصمة بوركينافاسو، في 2 مارس 2018، وأسفرت عن مقتل 28 شخصًا بينهم ثمانية جنود وتسعة إرهابيين؛ على خلل استراتيجيات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، إذ يبدو أن تصاعد التواجد العسكري الدولي -خاصة الفرنسي- بالمنطقة، لم يكن حائلًا دون تكرار هذه الهجمات، سواء في هذا البلد أو ببلدان أخرى مجاورة كمالي والنيجر، الأمر الذي يثير تساؤلًا حول مدى فاعلية تلك الاستراتيجية في معالجة ظاهرة إرهابية تبدو أكثر تعقيدًا، وتتجاوز بُعدها الأمني لترتبط بعوامل أخرى تنموية وسياسية وإثنية ومناطقية.
إخفاق العسكرة الفرنسية:
حملت هجمات واجادوجو رسائل مباشرة لفرنسا من خلال استهدافها السفارة والمعهد الفرنسيين، وهو ما يشير إلى عدم نجاح الاستراتيجيات التي تبنتها فرنسا في مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، والتي تقوم على التواجد والتغلغل العسكري الفرنسي في المنطقة، مما يحمي المصالح الاقتصادية الفرنسية، ويحافظ على تدفق الموارد الطبيعية من هذه الدول الغنية بالموارد، لا سيما خام اليورانيوم الذي يغذّي الكهرباء في المصانع الفرنسية.
وفي هذا الإطار، اتجهت فرنسا للتدخل العسكري في مالي في عام 2013 تحت غطاء الأمم المتحدة، وهدف التدخل إلى محاربة الجماعات إرهابية في دولة تتميز حدودها بالهشاشة والانفتاح على جيرانها، فاتجهت هذه الجماعات إلى استخدام أراضي مالي كقاعدة لانطلاق عملياتها لضرب دول المنطقة وخاصة بوركينافاسو والنيجر.
كما انتقلت بعض الجماعات الإرهابية إلى هذه الدول التي تعاني هي الأخرى من أزمات مختلفة تجعل من أراضيها ملاذًا آمنًا وبيئة خصبة لاستقرار ونمو الجماعات الإرهابية، ولم يؤدِّ التدخل العسكري الفرنسي إلى استعادة الدولة في مالي، حيث تركز اهتمام فرنسا على مواجهة الإرهاب أكثر من تسوية الأزمة السياسية الداخلية المزمنة والتي أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان من شمال مالي خلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2013. كما تصاعد الصراع بين الدولة المالية والجماعات الانفصالية من الطوارق التي استعادت السيطرة على مدينة كيدال، وأصبحت إحداها "الحركة الوطنية لتحرير الأزواد".
ضعف التحالفات العسكرية:
من ناحية أخرى، استهدفت هذه الهجمات مقر قيادة أركان جيش بوركينافاسو، مما يدل على تصاعد استهداف الجماعات الإرهابية لجيوش دول الساحل الإفريقي، لا سيما التي انخرطت في تكتلات وتجمعات إقليمية مختلفة لمحاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وكان آخر هذه التكتلات هو القوة العسكرية المشتركة التي أعلنت مجموعة دول الساحل الخمس ((G5 موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد عن تكوينها في فبراير 2017، وقوامها عشرة آلاف جندي.
وقد حظيت هذه القوة بدعم غربي كبير؛ إلا أن الكثير من الانتقادات وُجِّهت لهذا التكتل، في ظل وفرة الأطر والتجمعات المشتركة التي أُنشئت لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، وكان يمكن توجيه الاهتمام الغربي لدعم التجمعات القائمة، مثل: لجنة الأركان المشتركة (CEMOC)، أو عملية نواكشوط (التي أنشأها الاتحاد الإفريقي في عام 2013، وتضم 11 دولة). ويشير بعض المحللين إلى أن هذا التجمع محاولة لإبعاد دول (G5) عن محيطها الإفريقي، كما أنها محاولة لتقليص النفوذ الجزائري في الساحل الإفريقي.
محفزات متداخلة للإرهاب:
عكست هذه الهجمات المشكلات التي تعاني منها استراتيجيات مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي التي تعتمد على الأبعاد الأمنية دون غيرها من الأبعاد الأخرى الضرورية في مكافحة هذه الظاهرة. فعلى سبيل المثال، تواجه بوركينافاسو مجموعة من المشكلات الخطيرة التي تؤدي إلى هشاشة بنية الدولة، وتراجع قدراتها في مواجهة الإرهاب، ومن هذه المشكلات عدم قدرتها على إقامة علاقات مع الدول الأخرى تتيح لها تدعيم اقتصادها ومعالجة العديد من الإخفاقات التنموية لديها دون أن تتحول هذه العلاقة إلى ما يمكن وصفه بالتبعية.
يضاف إلى هذا المشكلات السياسية التي تُعاني منها الدولة في السنوات الأخيرة، كما يصل معدل الفقر إلى %40.1 وفقًا لآخر تحديث للبنك الدولي في أكتوبر 2017، وتعد معدلات التحاق الأطفال بالمدارس من أدنى المعدلات في العالم، حيث بلغت ما يُقدر بحوالي 4% في عام 2014 وفقًا للبنك الدولي. ويتميز نظام التعليم بالفوارق الجغرافية، سواء من حيث معدل الالتحاق، مع ارتفاع نسب التسرب من التعليم.
كما تُعاني المناطق الريفية من الإهمال الحكومي، وانخفاض الاستثمارات، ومن ثم أصبحت بوركينافاسو بيئة خصبة للإرهابيين، لا سيما مع ارتفاع نسبة الفقر والأمية. من جانب آخر، تحتل بوركينافاسو المرتبة 74 على مؤشر الفساد لعام 2017، حيث تربط بعض التحليلات بين انتشار الفساد في الدول الإفريقية، وانخفاض الإنفاق العسكري على محاربة الإرهاب؛ إذ يتم توجيه الأموال بشكل غير صحيح، وقد تعجز بعض الدول الإفريقية عن دفع رواتب الجنود في الوقت الذي تتلقى فيه مساعدات عسكرية كبيرة في إطار مكافحة الإرهاب، وقد يدفع هذا بعض الجنود والضباط إلى ترك وظائفهم أو الانخراط في منظومة الفساد، وهو ما أدى إلى تحول إقليم الساحل إلى مركز للجريمة المنظمة، خاصة الاتجار في المخدرات والبشر، وتزايد هشاشة الحدود بين دول الإقليم( ).
تلاقي جماعات إرهابية:
لقد أسفرت العسكرة الفرنسية، فضلًا عن المحفزات المتداخلة للإرهاب والتطرف، عن نشوء تلاقٍ بين الجماعات الإرهابية في الساحل الإفريقي، حتى إن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" هي التي أعلنت مسئوليتها عن الهجمات الأخيرة في واجادوجو، وذلك ردًّا على مقتل عدد من عناصر وقادة هذه الجماعة، ومنهم "الحسين الأنصاري" القائد العسكري السابق لجماعة "المرابطون" والذي قُتل في قصف للطيران الفرنسي في شمال مالي.
وقد تأسست هذه الجماعة في عام 2017 ردًّا على إعلان مجموعة دول الساحل الخمسة "G5" تكوينها قوة مشتركة لمحاربة الإرهاب برعاية فرنسية وأوروبية، وقامت هذه الجماعة بمبايعة تنظيم "القاعدة"، واستطاعت هذه الجماعة توحيد عدد من التنظيمات الإرهابية تحت رايتها، وهي:
1-جماعة أنصار الدين: تأسست هذه الجماعة بزعامة القائد الأزوادي "إياد أغ غالي" في عام 2011 في مدينة كيدال بشمال مالي.
2- كتيبة "المرابطون" في مالي: تُعد اندماجًا لمقاتلي جماعة "التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، و"كتيبة الملثمون" برئاسة "مختار بلمختار"، وتنشط هذه المجموعة في منطقة جاو قرب الحدود المالية مع النيجر وبوركينافاسو. وقد أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية كتبية "المرابطون" على لائحة "المنظمات الإرهابية الأجنبية".
3-"إمارة الصحراء الكبرى": وتضم 6 كتائب كلها تابعة لـتنظيم "القاعدة" ببلاد المغرب الإسلامي.
4- كتائب "ماسينا": وتعرف أيضًا باسم "جبهة تحرير ماسينا"، وهي مجموعة إرهابية تتبنى فكر تنظيم "القاعدة"، لكنها مؤسسة على أسس "إثنية الفولان"، وقد تأسست في بداية عام 2015.
وتمكنت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" من تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية النوعية في كل من النيجر ومالي وبوركينافاسو، وقد استهدفت هذه العمليات كمائن الجيش والشرطة، والقوات الأجنبية، ومخيمات اللاجئين، بالإضافة إلى استهداف السائحين الأجانب.
وبصفة عامة يتزايد وجود الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل (والتي ينتمي معظمها إلى تنظيم "القاعدة")، وذلك على الرغم من التواجد العسكري الغربي في هذه المنطقة، والدعم الغربي لحكومات المنطقة الاستبدادية، وتكوين التجمعات الإقليمية لمحاربة الإرهاب، حيث لا تهتم الدول المتدخلة في المنطقة بطبيعة الأنظمة الحاكمة ومستوى الحريات وحقوق الإنسان في هذه الدول.
ويلاحظ أن الدول الغربية لا تزال رؤيتها قاصرة فيما يتعلق بفهم أبعاد ظاهرة الإرهاب في الواقع الإفريقي وآليات مواجهتها، حيث تحتاج الدول الإفريقية إلى تفعيل التعاون فيما بينها لمواجهة هذه الظاهرة، ومحاولة البحث عن حلول لمشكلة التمويل الذاتي الذي تعاني منه التجمعات الإقليمية الإفريقية المشتركة، وكذلك تجاوز المشكلات بين الدول الإفريقية لبناء استراتيجية فعالة لمواجهة الإرهاب تتناسب مع الخصوصية الإفريقية.
ختامًا، من المتوقع أن تتصاعد التهديدات الإرهابية خلال الفترة المقبلة مع قيام بعض الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل بمبايعة تنظيم "داعش"، وقد تتحول هذه المنطقة إلى مسرح للمواجهات بين تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وهو ما ستتخذه القوى الغربية ذريعة لزيادة تدخلها في المنطقة.