أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مناورات الدوحة:

كيف وظّفت قطر مبادئ القانون الدولي خلال الأزمة؟

29 يوليو، 2017


لم يتوقف توظيف الدوحة لمبادئ وقواعد القانون الدولي منذ بدء الأزمة القطرية في 5 يونيو 2017، إذ تصاعد اعتماد المسئولين القطريين على مصطلحات ومبادئ، مثل: "الحصار" و"المقاطعة" و"السيادة" و"العقوبات"، في إطار توجيههم لاتهامات متعددة للدول العربية المضادة للإرهاب بانتهاك قواعد القانون الدولي ضمن الحرب الدعائية التي تخوضها الدوحة ضد الدول العربية؛ إلا أن مراجعة قواعد وأحكام القانون الدولي تؤكد مدى التباين بين الادعاءات القطرية وقواعد القانون الدولي.

قواعد النزاعات الدولية:

يمكن القول إن التوصيف القانوني لطبيعة العلاقة بين قطر ودول الرباعية العربية يقع في إطار مفهوم "النزاع الدولي" الذي يُعد الإطار القانوني الحاكم للتفاعلات بين الطرفين نتيجة التعارض في المصالح والتوجهات بسبب الأضرار المترتبة على السياسة الإقليمية لقطر التي دفعت الدول العربية إلى اتخاذ مجموعة إجراءات لحماية أمنها من هذه التهديدات.

ويُعد "النزاع الدولي"، وفقًا لغالبية الفقهاء القانونيين، تصادمًا بين الأفكار والاتجاهات المتناقضة بين فاعلين دوليين بسبب عدم التوافق في المصالح، مما يدفع الأطراف التي يتعلق بها موضوع الخلاف إلى السعي لتغيير الوضع القائم لتحقيق مصالحها وحماية أمنها.

ويرى فريق آخر من المتخصصين في القانون الدولي أن النزاع الدولي هو: الادعاءات المتناقضة بين شخصين دوليين أو أكثر، والتي تتطلب تسوية طبقًا لقواعد القانون الدولي، وهو ما ينطبق على الوساطة الكويتية التي تعد ضمن الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الدولية والمنصوص عليها في المادة رقم 33 من ميثاق الأمم المتحدة.

يتضح مما سبق أن النزاع الدولي يتعلق بوجود مصالح متضاربة وسلوكيات متعارضة بين دولتين أو أكثر، ويكون هذا التعارض من الجسامة والجدية مما يُهدد مصالحها وأمنها، مما يدفع الطرف الأول في النزاع للاحتجاج في مواجهة إنكار الطرف الثاني باستمرار. وفي المقابل فإن مجرد الاختلاف في الآراء حول المسائل السياسية الدولية التي لا ترتب التزامات أو حقوقًا للأطراف الأخرى لا يؤدي إلى نشوء نزاع دولي.

ومن هذا المنطلق فإن الحالة القطرية ينطبق عليها توصيف النزاع الدولي، حيث ينحصر النزاع في مطالب دول الرباعية العربية لقطر بتأمين مصالحها العليا وحماية أمنها في مواجهة الانتهاكات القطرية الموثَّقة للأمن والاستقرار في المنطقة العربية. وفي المقابل، تنكر قطر هذه الاتهامات، وتصفها بالإملاءات الخارجية، وانتهاك السيادة، والتدخل في الشئون الداخلية.

وتتعارض الادعاءات القطرية مع قواعد النزاعات الدولية التي لا تمنع الدول من إبداء اعتراضها على السياسات الإقليمية لدول أخرى لتسببها في تهديدات لأمنها وإضرار مباشر بمصالحها، كما يحق لدول الرباعية العربية توجيه مطالبات لقطر بالكف عن هذه السياسات ووقف تهديداتها.

أركان مفهوم السيادة:

تُمثل السيادة للدولة السلطة العليا على الأفراد والرعايا داخل الدولة، كما تواجه بها الدول الأخرى خارجيًّا للامتناع عن التدخل في شئونها، ومن مقتضيات السلطة أن يكون مرجع تصرفات الدولة في مختلف شئونها إرادتها وحدها، وتعبر عن هذه الإرادة الهيئةُ التي تتولى الحكم في كل دولة وفقًا لنظامها السياسي.

ولا تعدو الادعاءات القطرية حول تدخل دول الرباعية العربية في شئونها الداخلية أقوالاً مرسلة، دون سند قانوني حقيقي، فالدول الأربع المضادة للإرهاب لم تفرض قوانينها وتشريعاتها على الدولة القطرية، ولم تُعقِّب مرة واحدة على تشريع وطني صدر من جانب السلطات المختصة في الدوحة أو حكم قضائي قُضي به داخل الإقليم القطري، ولا تستطيع الدوحة أيضًا أن تدفع بأن أيًّا من دول الرباعية العربية قد حاولت بحال من الأحوال التصرف في الموارد أو الثروات الوطنية القطرية.

وتُعد السيادة الخارجية للدولة في القانون الدولي نسبية، ومقيدة بمدى التزام الدولة بمبادئ وقواعد القانون الدولي، فالدول لا يجوز لها التشبث بأهداب السيادة المطلقة، وإلا أضحت سيادتها فوق القانون، كما لا تمنح السيادة حقًّا للدول في التدخل في الشئون الداخلية السيادية للدول الأخرى، ويعني الادعاء بوجود سيادة مطلقة أن يتحول محيط العلاقات الدولية إلى فوضى يحكمها قانون الغاب وشريعة البحر وليس القانون الدولي.

ووفقًا للادعاءات القطرية، فإن الدولة لا يمكن أن تسلم بوجود أي قوة أخرى فوق إرادتها، ولو كانت قوة القانون وقواعد الأخلاق، ولا تقبل أن يقف أمام مطامعها أي حائل، فتصبح إرادتها القانون الأعلى، ومن ثم تتحلل من أية تعهدات دولية ترتبط بها، فإذا كان الفرد مُقيَّدًا في استعمال حريته بحقوق غيره من الأفراد، فكذلك تتقيد الدول في تصرفاتها، ويتعين عليها عدم الإخلال بحقوق الآخرين، وليس للدولة في سبيل تحقيق أغراضها أن تتجاهل مصالح الدول الأخرى، ويجب أن تكون ممارستها لسلطانها في نطاق قواعد القانون الدولي وحدود التزاماتها الدولية.

نسبية مبدأ السيادة:

لقد غاب عن الدولة القطرية أنها وبمحض إرادتها الحرة، كسائر دول العالم، قد وضعت حدودًا لسيادتها، حين انضمت للمنظمات الإقليمية، سواء العالمية أو الإقليمية، ومنها بالطبع مجلس التعاون الخليجي، كما أن كافة المواثيق المُنشِئة للمنظمات الدولية تجعل من شرط قبول الالتزام بمواثيق هذه المنظمات الدولية شرطًا موضوعيًّا إلزاميًّا لا تستطيع الدولة المنضمة لهذه المنظمات أن تتهرب أو تتحلل منه كما فتئت قطر تفعل في محيط كافة المنظمات الدولية المنضمة إليها.

وفي السياق ذاته، لم يدعِ أي مسئول قطري أن دول الرباعية العربية قد أجبرت الدولة القطرية على عقد أي اتفاقية أو معاهدة دولية دون إرادتها، أو أجبرتها أيضًا على الانضمام لأي من المنظمات الدولية عالمية كانت أو إقليمية.

كما أن التصديق على الاتفاقيات الدولية، يلزم الدولة بأحكامها، بمعنى أنها توافق على تقييد سيادتها فيما يخص القضايا التي تنظمها الاتفاقية، وهنا يثور التساؤل المشروع: هل نكوص قطر عن تنفيذ كافة المواثيق الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، كان مرده السيادة باعتبارها الحجة القطرية الرسمية للنكوص عن تنفيذ هذه التعهدات الدولية؟

وينطبق هذا التساؤل على عدم تنفيذ الدوحة لاتفاق الرياض عام 2013م، واتفاق الرياض التكميلي عام 2014م، وكافة المواثيق والقرارات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب، ولكن يهمنا -في المقام ذاته- أن نشير إلى أن قطر تحديدًا قد خالفت كافة المواثيق الإقليمية والدولية التي صدرت عن منظمة دول مجلس التعاون الخليجي في مجال مكافحة الإرهاب، اعتبارًا من عام 2002، وهو العام الذي شهد إقرار الاستراتيجية الأمنية لدول المجلس لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب، فضلاً عن العديد من الاتفاقيات والإعلانات والآليات الخاصة بمكافحة الإرهاب.

أسانيد شرعية "الجزاءات":

تكررت الادعاءات القطرية بعدم شرعية الإجراءات التي اتخذتها دول الرباعية العربية في مواجهتها ضمن التدابير الزجرية التصحيحية، نتيجة استمرار قطر في نهج سلوك متواتر مخالف للقانون الدولي، تسبب في ضرر جسيم ومباشر بمصالح الدول المشار إليها، فزعمت قطر أن الدول الأربع فرضت عليها وشعبها حصارًا مخالفًا لأحكام القانون الدولي، وروّجت الدعاية القطرية لهذه الادعاءات غير الحقيقية. 

وتعترف قواعد القانون الدولي بشرعية الجزاءات الاقتصادية التي تُفرض على الدول التي تنتهك أحكام القانون الدولي، والتي تتدخل بصورة سافرة في شئون الدول ذات السيادة، إذ تعد هذه الجزاءات إجراءات اقتصادية شرعية هدفها التأثير على إرادة الدول المستهدفة، وتغيير سلوكها الذي يعد انتهاكًا لقواعد القانون الدولي، وهو ما أكدته دول الرباعية العربية في تصريحات عديدة، أي أن باعث الدول الأربع إلى تبني هذه الإجراءات الزجرية الردعية الشرعية ضد قطر، هو ذات الباعث الذي درجت عليه كافة دول العالم.

وتهدف تدابير دول الرباعية العربية ضد قطر إلى التأثير على سياساتها لدفعها إلى احترام التزاماتها الدولية التعاهدية التي تعهدت بالوفاء بها، وتنفيذها بمحض إرادتها الحرة، بل إن قطر هي الدولة التي أجبرت الدول العربية على اتخاذ هذه الإجراءات لمواجهة تهديداتها المباشرة لأمنها واستقرارها.

ولا يتسع المقام -في هذا الصدد- لذكر الدول التي فُرضت أو لا يزال يُفرض عليها إجراءات مماثلة لتلك التي اتخذتها الدول الأربع، أو أكثر شدة، ويكفينا تدليلاً -في هذا السياق- أن نشير إلى روسيا الاتحادية، وإندونيسيا، وكوريا الشمالية، وإيران، وسوريا، والسودان، وهي دول اتُّخذ بحقها إجراءات زجرية تصحيحية من جانب عدد من الدول وخارج إطار المنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة، وهو ما يؤكد شرعية إجراءات دول الرباعية العربية ضد قطر.

 فالتدابير التصحيحية، سواء السياسية أو الاقتصادية أو التجارية، تهدف إلى إصلاح السلوك العدواني للدولة المستهدَفَة، وحماية مصالح الدول التي لجأت لهذه التدابير، بالإضافة إلى حماية مصالح المجتمع الدولي الذي يواجه تهديدات الإرهاب للأمن والسلم الدوليين.

وحديثًا، وُجّهت عقوبات اقتصادية في البداية ضد عمليات خطف الطائرات خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ليتم استخدام هذه العقوبات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ضد أربع دول اعتُبرت إرهابية، هي: ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن الجنوبية، ولم تتعرض الإدارة الأمريكية في ذلك الحين لأي انتقادات لفرضها عقوبات على دول اعتبرتها راعية للإرهاب.

تباين المقاطعة والحصار:

تُعد المقاطعة من أهم العقوبات الاقتصادية التي توقعها الدولة أو مجموعة من الدول ضد الدولة التي تخالف قواعد القانون الدولي وتهدد الأمن والاستقرار، بهدف تعديل سلوكها والالتزام بتعهداتها الدولية، وقد لجأت الدول إلى فرض هذه العقوبات الاقتصادية منذ قرون، إذ كان الاتحاد الألماني المعروف يطبقه خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين في علاقاته الدولية.

ويرخّص ميثاق منظمة الأمم المتحدة في فصله السابع فرض ذات التدابير التي فرضتها دول الرباعية العربية في مواجهة قطر، كما لم يحظر الميثاق أن تستهدف الدول ذات السيادة دولاً تهدد أمنها واستقرارها -كما في الحالة القطرية- بتدابير اقتصادية تواترت الدول على اللجوء إليها قبل إنشاء عصبة الأمم والأمم المتحدة.

وفي المقابل، تصف قطر إجراءات الدول العربية في مواجهتها بأنها "حصار" وانتهاك لسيادتها، وهو الوصف الذي يخالف كافة قواعد القانون الدولي التي تفرق بين "المقاطعة" و"الحصار"، حيث يعد الحصار ضمن أشد الإجراءات العقابية التي تُتخذ ضد الدول المخالفة لقواعد القانون الدولي، والأصل فيه أن يُصنف ضمن الأعمال الحربية.

وأدى تطور قواعد القانون الدولي، والعلاقات الدولية، إلى ظهور الحصار الاقتصادي السلمي الذي يهدف لمنع حركة السفن من موانئ وشواطئ الدولة، وحرمانها من الاتصال بالدول الأخرى عن طريق البحر، وتتعدد أمثلة الحصار البحري في التاريخ لتشمل الحصار القاري الذي فرضه نابليون على إنجلترا، وحصار ألمانيا من جانب دول الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية لحرمانها من المواد الأولية والبترول.

وفي المقابل، فإن الزعم القطري بعدم شرعية إغلاق المجال الجوي لدول الرباعية العربية أمام شركات الطيران القطرية واعتباره حصارًا لقطر؛ يُعد انتهاكًا لصحيح قواعد القانون الدولي، وتعديًا من جانب الدوحة على مفهوم السيادة، حيث تنص كافة المواثيق الدولية المعنية بتنظيم النقل الدولي على إقرار كافة الدول المتعاقدة بسيادة كل دولة على إقليمها الجوي وسلطتها في إغلاقه أمام طيران يتبع دولة أو دولاً أجنبية محددة، ومن ضمن هذه المواثيق الدولية، اتفاقية شيكاغو للنقل الجوي عام 1944.

ختامًا، نخلُص إلى حقيقة قانونية مهمة مفادها أن الدول التي تتمسك بمبدأ السيادة هي الدول التي تلتزم بواجباتها وتعهداتها الدولي التي يأتي في مقدمتها احترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شئونها الداخلية، وهو ما لا ينطبق على السياسات الإقليمية لقطر التي تهدد أمن واستقرار وسيادة الدول العربية.