أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

مراوغة مستمرة:

أبعاد إعلان بعض الفصائل العراقية حل أجنحتها العسكرية

25 نوفمبر، 2021


أعلن المسؤول الأمني باسم كتائب حزب الله العراقي، أبو علي العسكري، في 19 نوفمبر، حل تشكيل سرايا الدفاع الشعبي وإيقاف جميع أنشطتها وإغلاق مقرتها، حيث جاء هذا الإعلان عقب إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حل تشكيل "لواء اليوم الموعود"، بينما رفضت "الهيئة التنسيقية للمقاومة الإسلامية العراقية"، والتي تضم عدداً من المجموعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران، الاستجابة لدعوة تسليم سلاح الفصائل. 

توقيت دعوات الحل:

تزامن إعلان كتائب حزب الله العراقي عن حل الميليشيا المرتبطة بها مع عدد من التطورات الداخلية، والتي يمكن توضيحها في التالي:

1- محاولة التصفية الفاشلة للكاظمي: يهدف إعلان الصدر عن حل بعض ميليشياته المسلحة في العراق إلى إلقاء الضوء على السلاح المنفلت للميليشيات الشيعية، والتي وظفتها، بناء على توجيهات إيران، في محاولة تصفية رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في 7 نوفمبر 2021، أي أن دعوة الصدر كانت تهدف بصورة أساسية إلى الضغط على هذه الميليشيات لإجبارها هي الأخرى للتخلي عن سلاحها، خاصة أن الكتائب هي أبرز القوى المتهمة في محاولة تصفية الكاظمي. 

2- مطالبة الصدر بحل الميليشيات: جاء إعلان كتائب حزب الله العراقي عقب دعوة زعيم التيار الصدري، مقتدي الصدر، في 18 نوفمبر الجاري، بأهمية حل الفصائل المسلحة دفعة واحدة، وتسليم سلاحها كمرحلة أولى إلى الحشد الشعبي عن طريق قائد القوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء. كما أكد الصدر في خطابة أن قوة المذهب الشيعي لا تكون بفرض القوة والخلافات الطائفية، فضلاً عن دعوته إلى تصفية الحشد الشعبي من العناصر غير المنضبطة، وعدم الزج باسم الحشد في السياسة.

3- حل الصدر بعض ميليشياته تدريجياً: عمل مقتدي الصدر على تقديم نموذج لتطبيق دعوته سالف الذكر، حيث أعلن في 19 نوفمبر الجاري عن حل بعض الميليشيات العسكرية التابعة له، كحل ميليشيا "لواء اليوم الموعود". 

والجدير بالذكر أن "لواء اليوم الموعود"، هي أحد الفصائل المندمجة في "سرايا السلام"، أي أن الصدر لم يقدم على حل كل ميليشياته، وهو أمر منطقي بالنظر إلى أنه من غير المنطقي أن يقدم الصدر على حل ميليشياته بصورة كاملة في الوقت الذي تتجه فيه الأخيرة إلى التلويح بالحرب الأهلية اعتراضاً على هزيمتها في الانتخابات.  

ويلاحظ أن الصدر قد أعلن في 29 أكتوبر 2021، أي بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، غلق كل مقار "سرايا السلام"، عدا خمس مدن، وهي النجف وكربلاء وصلاح الدين وسامراء والعاصمة بغداد، خلال 15 يوماً.

وأشار الصدر كذلك إلى منع إقامة أي مقر، أو حمل سلاح في غير هذه المحافظات، كما استثنى المراقد والعتبات المقدسة ككربلاء والنجف من حمل السلاح، إلا بالتنسيق مع القوات الأمنية، وهو ما يمكن تفسيره باعتباره بادرة حسن النية وبداية لتطبيق وعوده التي أطلقها فور فوزه بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما أنها رسالة مباشرة للجهات المسلحة كافة بضرورة غلق مقار أجنحتها العسكرية، خاصة في مدن الوسط والجنوب.

4- استباق الإعلان النهائي لنتائج الانتخابات: جاء هذا التطور قبيل مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات بصورة نهائية وغير قابلة للنقض، وهو الأمر الذي سوف تترتب عليه إمكانية توظيف بعض ميليشيات الحشد الشعبي للعنف، في حالة تأكدت خسارة أجنحتها السياسية في الانتخابات. وبالتالي، فإن دعوة الصدر هدفت إلى تحميل هذه الميليشيات مسؤولية أي عمليات عنف قد تقع. 

دلالات الإعلان وأهدافه: 

يلاحظ أن إعلان الصدر حل جانب من ميليشياته في هذا التوقيت يهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف، وذلك على النحو التالي:

1- حل الميليشيات مقابل الاشتراك في الحكومة: يدرك الصدر أن هدف الفصائل السياسية الشيعية من رفض نتائج الانتخابات والتلويح بالعنف هو ضمان مشاركتها في الحكومة القادمة. ويسعى الصدر لاستثمار ذلك عبر التأكيد على إمكانية مشاركة الأحزاب السياسية الممثلة لتلك الفصائل، ولكن في حالة تخليها عن سلاحها.

ويلاحظ أن دعوة الصدر هذه لا تعدو أن تكون مجرد مناورة، خاصة مع كشف مصادر مرتبطة بالتيار الصدري عن استمرار مساعيه لتشكيل حكومة أغلبية، وجمع حوالي 180 صوتاً، وهو ما يعني أنه حتى في قبوله بمشاركة الفصائل الموالية لإيرن، فإن دورها في هذه الحكومة سوف يكون محدوداً.

2- وقف أي تصعيد ضد واشنطن أو دول الجوار: يحاول مقتدي الصدر من خلال تلك الدعوات إلى فرض ضغوط على الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران لمنعها من الدخول في حرب ومواجهات مع الجيش الأمريكي، بحجة أن الانسحاب الأمريكي من العراق غير كامل، وأنها بعد سحبها القوات الأمريكية القتالية في 31 ديسمبر 2021، لاتزال تحتفظ بمستشارين عسكريين، وذلك في محاولة لاستحداث أزمات إضافية تغطي من خلالها على الدعوات المطالبة لنزع سلاحها. 

وكان أبو ألاء الولائي، زعيم فصيل كتائب سيد الشهداء قد دعا أنصاره للتطوع في صفوف جماعته المسلحة استعداداً لقتال القوات الأمريكية، وهو ما جاء في إطار رده على دعوة مقتدي الصدر سالفة الذكر، وهو بمنزلة ممارسة الضغوط، سواء على الولايات المتحدة من جهة والحكومة العراقية من وجهه أخرى للالتزام بالجدول الزمني بالانسحاب الأمريكي. 

كما يخشى الصدر من اتجاه ميليشيات الحشد الموالية لإيران إلى التصعيد ضد الدول المجاورة للعراق، وهو ما أشار إليه الصدر نفسه، فقد أكد ضرورة عدم التدخل في شؤون دول الجوار وزج الشعب العراقي في حروب خارجية لا طائل منها.

3- فتح الباب أمام حل الحشد الشعبي: أشار الصدر في خطابه إلى ضرورة إعادة هيكلة الحشد الشعبي، بل وإمكانية حله، وذلك بهدف إنهاء ازدواجية الانتماء الحالية في داخل الحشد من خلال تحويله إلى مؤسسة عسكرية عراقية مهنية وإبعاده عن المشروع الإقليمي الإيراني الذي يضر بالمصالح العراقية بشكل مباشر.

وعلى الرغم من صعوبة تطبيق تلك الخطوة، فإنها على الأقل، تمثل أداة ضغط على الميليشيات المرتبطة بإيران لردعها عن محاولة توظيف سلاحها بصورة أكبر في أزمة نتائج انتخابات أكتوبر 2021، بالإضافة إلى الضغط على إيران لضبط إيقاع الأحزاب الموالية لها لوقف التصعيد، خاصة أنه في حالة اتجاه هذه الميليشيات للتصعيد، فإن الخيار البديل سوف يكون الوصول إلى حالة الحرب الأهلية، وهو خيار غير مضمون العواقب للأطراف المعنية كافة.

ردود فعل ميليشيات إيران

تفاعلت الميليشيات المرتبطة بإيران، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر مع دعوة الصدر، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- الالتفاف على دعوة الصدر: يمثل إعلان كتائب حزب الله العراقي حل الميليشيات المرتبطة به التفافاً على دعوة الصدر، والذي لم يقم بحل ميليشياته، ولكن ألحق تبعيتها بعدتهم وعتادهم لقيادة الحشد الشعبي. ويلاحظ أن استجابة الكتائب، على عكس باقي الميليشيات المرتبطة بإيران، تكشف عن مصداقية الاتهامات الموجهة لها بالتورط في محاولة اغتيال الكاظمي.

وبالتالي حاولت كتائب حزب الله العراقي إبداء تجاوبها الظاهري لتحسين صورتها الداخلية وتقليل الانتقادات الموجه لها خلال الفترة الأخيرة، خاصة عقب محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء مصطفي الكاظمي.

2- التهديد بنموذج الحرس الثوري: يعكس إعلان حزب الله العراقي حل ميليشياته ودمجها في الحشد الشعبي تهديداً ضمنياً للصدر، إذ إن دمج مختلف الميليشيات في كيان واحد يعد محاولة لاستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني عبر محاولة دمج الفصائل كافة المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي في إطار كيان واحد، خاصة عقب تصريحات رئيس الحشد الشعبي، فالح الفياض، عن ضرورة الاقتضاء بالحرس الثوري الإيراني وضرورة الاستفادة منها في منتصف أغسطس 2021. 

3- اتباع سياسة خلط الأوراق: دعت كتائب حزب الله لدمج البيشمركة الكردية مع القوات الاتحادية وتسليم أسلحتها رداً على دعوات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لنزع سلاح الميليشيات، وهو ما يمثل محاولة منها لخلط الأوراق، ومحاولة الإيحاء بتبني الصدر سياسة مزدوجة على أساس أنه يطالب بحل الميليشيات الشيعية دون الكردية، وإن كانت الكتائب تتجاهل بوضوح أن قوات البيشمركة الكردية هي قوات اتحادية تتبع إقليم كردستان العراق.

4- رفض الميليشيات الشيعية الأخرى التخلي عن سلاحها: رفضت "الهيئة التنسيقية للمقاومة الإسلامية العراقية"، والتي تضم عدداً من المجموعات المسلحة الشيعية الموالية لإيران، الاستجابة لدعوة تسليم سلاح الفصائل، وهو أمر كان متوقعاً لا سيما أنه كانت هناك قرارات حكومية سابقة بهذا الشأن لم تلتزم بتنفيذها.

وفي التقدير، يمكن القول إن دعوة الصدر لحل بعض الميليشيات المرتبطة به تمثل محاولة من جانبه لإلقاء الضوء على سلاح الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، والتي تسعى من خلالها لإثارة الفوضى والتهديد بالحرب الأهلية، على نحو ما وضح في التظاهرات التي أقامتها عند المنطقة الخضراء، والتي سعت من خلالها لاستحداث مواجهة مع قوات الأمن العراقية، فضلاً عن تورطها في محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي.