أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

أيام ترامب الأخيرة

19 يناير، 2021


جرى العرف على وصف الرئيس الأميركي الذي تنتهي ولايته الثانية أو يفشل في تمديد ولايته الأولى بالبطة العرجاء في المدة الواقعة بين إعلان نتيجة الانتخابات وتنصيبه رسمياً، في إشارة إلى أنه يكون في هذه المدة التي تقل عن ثلاثة أشهر غير راغب في اتخاذ قرارات رئيسية جديدة أو أي قرارات تنطوي على تغييرات مهمة في السياسة الداخلية أو الخارجية، طالما أن خلَفه يمكن أن يغيرها إذا تصادمت مع رؤيته وأولوياته. غير أن ترامب منذ هزيمته تصرف على نحو أبعد ما يكون عن نظرية «البطة العرجاء»، فقد تحدى أولاً نتيجة الانتخابات ورفض الاعتراف بها بدعوى تزويرها، واستنفد في هذا كل السبل القضائية، وصولاً إلى المحكمة العليا والتنفيذية، ثم صولاً إلى الضغط على حاكم جورجيا ومسؤولين فيها لتغيير نتائج الانتخابات. وعندما أخفقت محاولاته دعا أنصاره إلى الاحتشاد أمام الكونجرس يوم تصديقه على النتيجة كخطوة نهائية لتثبيتها، وهو ما أدى إلى الحادثة غير المسبوقة لاقتحام أنصاره للكونجرس. ورغم ما حاوله بعضهم من ادعاء أن المقتحمين هم من خصومه اليساريين سعياً لتشويه صورته، ورغم إدانته لاحقاً للاقتحام ودعوته أنصاره للانصراف بسلام، فإن نقطة البداية فيما حدث تبقى دعوته للاحتشاد بما يحمّله ولو مسؤولية غير مباشرة عما وقع. والآن تحتبس الأنفاس في انتظار ما يمكن أن يحدث غداً يوم تنصيب بايدن في ضوء التقارير التي تتحدث عن احتمال وقوع تظاهرات مسلحة من اليمين، لا في واشنطن وحدها، وإنما في مدن عديدة غيرها. في إطار ما سبق، لم يكن ترامب بحال بطة عرجاء.

لكن ثمة جانباً آخر لافت في سلوك ترامب خلال أيامه الأخيرة، جانب مناقض لفكرة «البطة العرجاء»، وهو حرصه بعد هزيمته على اتخاذ قرارات تنطوي على مبادرات يعلم أن بعضها لن يمر، كما في اعتراضه على الميزانية الدفاعية التي أقرها الكونجرس، أو على قيمة التعويضات التي أقرها لضحايا كورونا، وبعضها الآخر يمكن للإدارة الجديدة التراجع عنه. كما فرض عقوبات جديدة على الصين وإيران، بل إن تقارير أفادت بتشاوره مع مستشاريه العسكريين بشأن إمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران، وإن لم يحبذوا قراراً كهذا، بالإضافة إلى إعلانه انسحابات جديدة لقواته من أفغانستان والعراق بمقدار النصف تقريباً. فما السبب في هذه المبادرات المتلاحقة على نحو غير مسبوق من جانب رئيس لم يبق له سوى أيام معدودة في السلطة سوف يتولى بعد انقضائها رئيسٌ جديدٌ يختلف معه كثيراً في توجهاته حيال قضايا عديدة، وسوف يعمل في ظل بنية مواتية للكونجرس بعد أن حقق «الديموقراطيون» الأغلبية في مجلسيه؟ ظني أن هذه المبادرات التي قد يتم التراجع عن بعضها بعد تنصيب بايدن، ليست سوى رسالة واضحة من ترامب بأنه ينوي الاستمرار في الساحة السياسية، سعياً للعودة إلى السلطة لتحقيق ما لم يستطع إنجازه في ولايته المنقضية. ولا شك أن مما سوف يساعده على الاستمرار في المشهد السياسي ذلك الكم الهائل من الأصوات بالنسبة لمرشح خاسر حصل على ما يزيد على 74 مليون صوت سوف يمثل أصحابها قاعدة قوة حقيقية له في معاركه السياسية القادمة. وسواء واصل ترامب دوره السياسي من خلال الحزب الجمهوري أو منبر جديد خاص به، فسوف يكون بالتأكيد رقماً مؤثراً في المعادلة السياسية الأميركية، لذلك فإن المعركة الدائرة الآن حول عزله لا تتعلق برئاسته الحالية فحسب، وإنما تنصرف أساساً إلى المشهد السياسي الأميركي في السنوات الأربعة القادمة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد