أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

تزامن العثرات:

أى مستقبل ينتظر الريال الإيراني؟

21 سبتمبر، 2020


تعيش العملة الإيرانية (الريال) في الوقت الحالي أحد أسوأ مراحلها التاريخية، مع تزامن الضغوط الاقتصادية والمالية التي تدفعها منذ فترة ليست بالقصيرة إلى التدهور المستمر، وفقدان المزيد من قيمتها أمام الدولار الأمريكي والعملات الرئيسية الأخرى. ولا تبدو الآفاق المستقبلية للريال الإيراني أكثر إيجابية عما هو قائم الآن، بل إن التوقعات تشير إلى أنه سيستمر في مواجهة المزيد من الضغوط، وسيفقد المزيد من القيمة، مُولِّداً نتيجة ذلك المزيد من الصعاب المالية والنقدية، ومظاهر الاضطراب على الاقتصاد الكلي.

حلقات التراجع:

تراجع الريال الإيراني إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار الأمريكي في السوق غير الرسمية، مطلع الأسبوع الجاري، وبالتحديد بعد يوم من إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على طهران، وهو ما أفقد الريال أي آمال للتعافي في الأفق المنظور، بعد أن كانت هناك طموحات لدى الإيرانيين، بأن الريال قد وصل إلى أسوأ ما يمكن الوصول إليه، وبعد أن تولدت لديهم آمال بأن المستقبل سيحمل للريال بعض الدعم، ويخرجه من كبوته.

فقد أفاد موقع "بونباست.كوم"، الذي يرصد السوق غير الرسمية، أن سعر صرف الدولار الأمريكي وصل إلى 273 ألف ريال، يوم الأحد الماضي، بعد أن كان بلغ 267 ألفاً و800 ريال، في يوم السبت السابق له مباشرة، وليرتفع سعر الدولار في السوق الإيرانية بمقدار 5,200 ريال، أو بالأحرى ليتراجع سعر صرف الريال بمقدار 5,200 ريال في الدولار الواحد، وليفقد نحو 2% من قيمته في 24 ساعة فقط، وليسجل مستوى قياسياً منخفضاً جديداً في مواجهة الدولار.

ولا يعد هذا التراجع هو الوحيد للعملة الإيرانية مقابل الدولار، بل إن مستواه قبيل الإعلان الأمريكي عن إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران، كان متراجعاً بنحو 4,800 ريال مقابل الدولار، ذلك مقارنة بمستواه قبل أسبوع واحد من ذلك التاريخ، ما يعني أنه فقد في ذلك الأسبوع 1.8% من قيمته. وبالرجوع إلى الوراء أيضاً، يتضح أن العملة الإيرانية تتخذ منذ فترة اتجاهاً عاماً تنازلياً في علاقتها بالدولار وغيره من العملات الرئيسية الأخرى. وفي المجمل، فقد تراجع الريال الإيراني بنحو 49% مقابل الدولار منذ بداية عام 2020.

ومنذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي لإيران مع مجموعة (5+1) في مايو 2018، وحتى مايو 2020، فقد الريال الإيراني ما نسبته 76.3% من قيمته أمام الدولار، حيث ارتفع سعر الدولار من 64 ألف ريال في مايو 2018، إلى مستواه الحالي البالغ 273 ألف ريال للدولار الواحد. 

وبالطبع، فإن الحديث عن سعر الريال الإيراني هنا يقصد به سعره في السوق السوداء (السوق الموازية) للعملة في إيران، خاصة وأنه برغم هذا التسارع في الانهيار في قيمة الريال في تلك السوق، فمازال البنك المركزي الإيراني يستخدم سعراً رسمياً للصرف وهو 42 ألف ريال للدولار. وهذا يُستخدم في الغالب لواردات الأغذية والأدوية التي تدعمها الدولة. وكان السعر الرسمي للعملة الإيرانية قد وصل إلى 32 ألف ريال مقابل الدولار في عام 2015، عند توقيع الاتفاق النووي.

تكالب الأزمات:

فقد الريال هذه النسب الكبيرة من قيمته منذ بداية تدهوره، نظراً لأن الاقتصاد الإيراني يعيش مرحلة متأزمة منذ عودة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2018 إلى فرض العقوبات الاقتصادية والنفطية على إيران. ولقد تسببت هذه العقوبات في فقدان الاقتصاد معظم صادراته النفطية، ومن ثم مصدره الرئيسي للعملات الأجنبية. وقد أقر بذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأسبوع الماضي، خلال اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا، عندما أكد أن إيرادات بلاده من الصادرات النفطية تراجعت من 120 مليار دولار في عام 2011 إلى 20 مليار دولار في عام 2019، وهذا يعني أن الاقتصاد الإيراني فقد نحو 100 مليار دولار من إيراداته من صادرات النفط، بسبب العقوبات الأمريكية.

وما يشير إلى حقيقة الأزمة التي يعيشها الاقتصاد الإيراني بسبب ذلك التراجع هو معرفة أن إيرادات النفط تمثل نحو 80% من الإيرادات التصديرية الكلية لإيران، كما أنها تمثل نحو 60% من الإيرادات العامة للدولة، وهذا يعني أن العقوبات الأمريكية خصمت نحو 67% من إيرادات إيران من العملات الأجنبية من خلال التصدير، كما أنها قلصت الإيرادات العامة للدولة بنحو 50%. وإذا كان يمكن لأي اقتصاد تحمل حدوث ذلك الانكماش الكبيرة في إيراداته التصديرية والعامة لفترة وجيزة، لكن لا يمكنه التعايش مع ذلك التراجع لفترات طويلة، ولعل هذا الأمر هو ما يزيد من الصعوبات التي يعيشها الاقتصاد الإيراني.

ليس هذا فحسب، بل إنه منذ بداية العام الجاري، أضيفت أزمة  جديدة إلى أزمات الاقتصاد الإيراني، وهي أزمة فيروس كورونا المستجد، الذي انتشر في إيران، بل إن الأخيرة هي الدولة الأكثر معاناة من انتشار الفيروس بين سكانها على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وهي كذلك منذ بداية ظهور الفيروس، الذي قارب على إصابة نحو 450 ألف مواطن إيراني، وتسبب في وفاة ما يقرب من 25 ألف شخص. ولذلك فقد كان الاقتصاد الإيراني هو أول المتضررين من التداعيات السلبية لكورونا على مستوى منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الأزمة، التي أفقدت إيران معظم النسبة المتبقية من إيراداتها من العملات الأجنبية، والتي كانت تأتيها قبل كورونا من خلال السياحة والتصدير غير النفطي.

ووسط هذا الواقع المتردي والآخذ في التدهور يوماً بعد يوم، فإن جميع السيناريوهات المستقبلية الخاصة بالمسار المتوقع لقيمة الريال الإيراني، حتى المتفائل منها، تشير إلى أنه مرشح لتكبد المزيد من الخسائر خلال الشهور المقبلة، بل إن خسائره خلال تلك الشهور قد تكون هي الأكبر منذ بداية تدهوره. ويعود ذلك إلى الإعلان الأمريكي الأخير بشأن إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران مرة أخرى، والتي إن طبقت بالفعل، فإنها ستفقد الاقتصاد الإيراني المتنفس الأخير المتبقي، حيث كانت الآمال معقودة قبيل الإعلان الأمريكي، على أنه بمجرد انتهاء أزمة كورونا، أو حتى ظهور آمال لانتهائها في الأفق المنظور، فإن ذلك كان سيكون عاملاً محفزاً للصادرات الإيرانية غير النفطية، والإيرادات السياحية، لكن تأتي الخطوة الأمريكية، أو بالأحرى الأممية، في حال تنفيذها بالفعل لتقطع هذا الطريق أمامها.

ختاماً، لقد فقد الاقتصاد الإيراني معظم إيراداته من النقد الأجنبي، وتعرض لحالة من الشلل شبه التام على المستوى المحلي، بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة للحد من انتشار فيروس كورونا. ويمثل استمرار هذه الحالة وقوداً لأزمة مالية معقدة للغاية تلوح في أفق الاقتصاد، ويتوقع أن تتسبب في انهيار تام للعملة الإيرانية، وقد يتطلب الأمر من الحكومة تبني إجراءات استثنائية لم تتخذها من قبل، لكن تبدو جميع الخيارات أمامها في هذا الأمر غير ذات فاعلية كبيرة، في حال استمرت العقوبات بالتزامن مع أزمة كورونا.