أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

دوافع متداخلة:

لماذا يُستهدف موظفو الإغاثة في بؤر الصراعات بالإقليم؟

07 مايو، 2018


تزايد بشكل لافت استهداف عمال وموظفي الوكالات الإغاثية الإنسانية، سواء التابعة للأمم المتحدة أو منظمات المجتمع المدني الإقليمية والمحلية، في بؤر الصراعات المسلحة ببعض دول الشرق الأوسط، وخاصة في السودان وجنوب السودان والصومال وليبيا واليمن وسوريا والعراق وأفغانستان، وهو ما يمكن تفسيره وفقًا لحزمة من العوامل، تتمثل في سيطرة الميلشيات المسلحة على مساحات من أراضي الدولة، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة الخصوم، وإحكام السيطرة على المناطق الطرفية، واستمرار عمل جماعات المصالح الاقتصادية غير الشرعية، الأمر الذي ينسجم مع التيار الرئيسي في الأدبيات الذي يشير إلى أن الإقليم يشهد علاقة عكسية بين عدد وكثافة الصراعات المسلحة الداخلية من جانب وعرقلة عمليات الإغاثة من جانب آخر.

فبرامج وعمليات الإغاثة الإنسانية في بؤر الصراعات المسلحة بالشرق الأوسط تواجه مجموعة من التحديات الضاغطة على أداء مهامها، تتعلق بنقص المخصصات التمويلية من الوكالات والمنظمات العاملة في هذا المجال نتيجة اتساع رقعة الصراعات، وصعوبة إيصال المساعدات للمواقع والمناطق المنكوبة، حتى في ظل نظام "الهدن الإنسانية المؤقتة"، والتزايد المتصاعد لأعداد مستحقي المساعدة، والاستهداف الممنهج لعمال وموظفي الإغاثة.

مؤشرات عاكسة:

ثمة مجموعة من المؤشرات الدالة على تصاعد التهديدات، سواء بالاختطاف أو القتل، الموجهة للفرق العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية في دول الإقليم المضطربة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- اختطاف عشرة من عمال الإغاثة في جنوب السودان: وذلك وفقًا لبيان صادر عن الأمم المتحدة في 26 إبريل الماضي، بينهم ثلاثة موظفين بالمنظمة، وجميعهم من مواطني جنوب السودان، فقدوا على أيدي جماعة مسلحة داخل مدينة ياري بولاية الاستوائية في اليوم المذكور. ويعمل أحد المفقودين لدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، ويعمل آخران لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وواحد لدى منظمة التنمية في جنوب السودان، واثنان من جماعة "أكروس" المسيحية للإغاثة، وثلاثة من منظمة "بلان انترناشيونال"، وواحد من منظمة "أكشن أفريكا هيلب"، وهو ما يشير إلى تعدد منظمات الإغاثة التي يعمل بها الموظفون، سواء التابعة للأمم المتحدة أو المنظمات غير حكومية.

وتعد هذه المرة الثانية التي يتعرض فيها عمال الإغاثة للهجوم خلال شهر إبريل والمرة الثالثة خلال الأشهر الستة الماضية، ولم يتم توجيه الاتهامات إلى جهة محددة، وإن كانت الشبهة تدور حول المعارضة المسلحة التي يقودها نائب الرئيس السابق رياك مشار. وفي هذا السياق، قال ألان ناودهو منسق مكتب الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في جنوب السودان: "نحن قلقون بشدة، ونسعى لمعرفة حالتهم ووضعهم بشكل عاجل"، لا سيما في ظل تهديدات متصاعدة تعرض لها فريق الأمم المتحدة، حيث لقى أكثر من 98 موظفًا في الأمم المتحدة مصرعهم منذ اندلاع الحرب في ديسمبر 2013، وعلى الرغم من توقيع أطراف الصراع اتفاق وقف الأعمال العدائية في نهاية عام 2017، فإن استهداف العاملين في الإغاثة يتجدد بشكل مستمر.

وقد تم تحرير المختطفين من عمال الإغاثة طبقًا لبيان صادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 30 إبريل الماضي، حيث أشار إلى أن "المفرج عنهم ليسوا من مسئوليها وأنها لم تشارك في مفاوضات إطلاق سراحهم لكن طائرة تابعة للجنة أقلتهم إلى العاصمة جوبا بالتاريخ المذكور أعلى".

2- تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنشطتها في منطقة لير بولاية الوحدة في جنوب السودان: وقد بدأت اللجنة في تفعيل هذا القرار منذ 25 إبريل 2018، وذلك بعد تعرض مبانيها لهجوم مسلح في 10 الشهر ذاته، أصيب خلالها عامل من المنظمة، تم نقله إلى جوبا لتلقي العلاج، بالتوازي مع إجلاء موظفيها للعاصمة.

3- اغتيال مسئول الصليب الأحمر لشئون المحتجزين في تعز باليمن: وهو حنا لحود (اللبناني الجنسية)، حيث قتل في 21 إبريل الماضي، وهو في طريقه لزيارة أحد السجون، فيما لم تتضح حتى الآن الجهة التي قامت بذلك في المحافظة التي تشهد حصارًا منذ أكثر من ثلاث سنوات من قبل ميلشيا الحوثيين. وفي هذا السياق، قال المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط روبير مارديني في بيان: "ندين هذا الهجوم الوحشي، والمتعمد كما يبدو، الذي راح ضحيته أحد الموظفين المخلصين في مجال العمل الإنساني".

4- إعلان بعض المنظمات الإغاثية توقف عملها في البحر المتوسط: على غرار "أطباء بلا حدود" ومنظمة "عين البحر" الألمانية، وذلك في أغسطس 2017، بسبب مخاوف أمنية من قرار الحكومة الليبية حظر دخول أى سفن أجنبية إلى مياهها الإقليمية دون تنسيق معها، الأمر الذي دفع تلك المنظمات إلى التوقف عن استخدام أكبر زوارق النجاة لديها، بسبب البيئة المعادية للعاملين في الإغاثة، وهو ما سينتج فجوة قاتلة في البحر المتوسط حسب بعض الاتجاهات. 

أسباب مختلفة:

يمكن تفسير تزايد استهداف موظفي الإغاثة في بؤر الصراعات المسلحة بالإقليم في إطار مجموعة من العوامل التي يتمثل أبرزها في:

توحش الميلشيات:

1- سيطرة الميلشيات المسلحة على مساحات من أراضي الدولة: وهو ما ينطبق على المصاعب التي يتعرض لها العاملون في مجال الإغاثة في مناطق انتشار الحوثيين باليمن. فقد صدر بيان أخير عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في أعقاب اغتيال حنا لحود جاء فيه: "إن بعثة الصليب الأحمر الدولي بتعز كانت قد تعرضت في منطقة الحوبان المسيطر عليها من الحوثيين لتهديدات كثيرة، أعلنت البعثة الدولية على أثرها عدم قدرتها على البقاء في مناطق سيطرة الحوثيين، وأنها ستمارس عملها في عدن والنظر في نقل مكتب لها إلى قلب المدينة المحاصرة". وتعاملت ميلشيا الحوثيين مع ذلك بتوجيه تهديد جدي لبعثة الصليب الأحمر مفاده أنها (أى الميلشيا) لن تسمح لبعثة الصليب الأحمر بذلك، وهو ما جعل حياة أفراد البعثة في خطر حقيقي. لذا، دعا وزير الإدارة المحلية ورئيس اللجنة العليا للإغاثة عبدالرقيب فتح، في تصريحات إعلامية في 17 ديسمبر 2017، المنظمات الأممية إلى التوجه لمدينة عدن لـ"تتمكن من الاستمرار في عملها وتسيير القوافل الإغاثية للمحتاجين بكافة المحافظات، وذلك بعد إعلان تحالف دعم الشرعية إجلاء منظمات إغاثية لموظفيها من صنعاء نتيجة إجرام ميلشيا الحوثيين". 

إضعاف الخصوم:

2- عرقلة وصول المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة الخصوم: على غرار ما يقوم به الجيش النظامي السوري إزاء المساعدات التي ترسل من الأمم المتحدة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة المسلحة. وتدعم روسيا رؤية النظام باعتبار أن ذلك يدخل ضمن أعمال السيادة السورية، بل إن بعض الشحنات التي تصل إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر حدود أو خطوط تماس لا تخضع لسيطرة الجيش السوري، لا تنقل مساعدات إنسانية لأنها تباع في السوق السوداء عبر شبكة أنفاق. وهنا تجدر الإشارة إلى ما أعلنه مسئول الأمم المتحدة للشئون الإنسانية مارك لوكوك منذ عدة أشهر من أن "الرقابة المفروضة على المساعدة الإنسانية في سوريا لا مثيل لها في أى مكان آخر".

استعادة الهيمنة:

3- إحكام السيطرة على المناطق الطرفية: وينطبق ذلك حرفيًا على ما تقوم به الحكومة السودانية في دارفور، حيث لازال الوضع الأمني هشًا في مناطق ريفية تقطنها قبائل أغلبها غير عربية. وهنا، تشير العديد من التقارير إلى مضايقات حكومية للعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية وفي دارفور الذي تعمل فيه وحدة من قوات حفظ السلام المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

ويأتي ذلك بعد ملاحظة أجهزة المراقبة الجوية اختراقًا للمجال الجوي السوداني في مايو 2016 من قبل طائرات تتبع منظمات دولية وإقليمية دون الحصول على إذن مسبق. وقد صدر بيان عن الجيش السوداني في 2 يونيو 2016 جاء فيه: "إن هذا الأمر يمثل انتهاكًا صارخًا لسيادة الدولة ومخالفة لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية التي تنظم حركة الملاحة الجوية"، وأكد أن "القوات المسلحة ستتعامل بكل حسم مع أى طائرة لا تتبع الإجراءات السليمة للحصول على التصريح والإذن المسبق باعتبارها هدفًا جويًا مشروعًا".

اقتصاديات الاحتيال:

4- استمرار عمل جماعات المصالح الاقتصادية غير الشرعية: أو ما يعرف بترسيخ نمط اقتصاديات الظل، إذ تدفع في اتجاه استمرار نقاط الاشتعال في الإقليم والاستثمار في الفوضى وإنعاش تجارة التهريب حتى لا تستقر الأوضاع الداخلية في هذه الدولة أو تلك. لذا، تستهدف قوافل الإغاثة سواء كانت مساعدات غذائية أو مواد طبية أو منتجات نفطية وغيرها من المستلزمات لإعاشة المدنيين أو النازحين.

وهنا، تركز تلك الجماعات على العاملين من موظفي وكالات الإغاثة حتى تضمن سياسات بقائها، على غرار ما تقوم به حركة طالبان باستهداف موظفي الصليب الأحمر، بشكل خاص، في بعض المناطق بأفغانستان، بالتعاون مع عناصر الجريمة المنظمة وشبكة حقاني، والتي تطلق عليهم بعض الأدبيات الغربية "مجموعة غير منظمة من المافيا المتداخلة" التي تهدف إلى منع استدامة المساعدات الإنسانية.

برامج الأمان:

خلاصة القول، إن جهود الإغاثة سوف تشهد تعثرًا خلال المرحلة القادمة في بؤر الصراعات المسلحة بالإقليم، في ظل استمرار الأوضاع على ما هى عليه، وهو ما يتطلب التفكير في حلول مبتكرة وغير تقليدية، لأن انعدام الأمن في بؤر الصراعات يثير قلق المنظمات الإنسانية بعد أن صار المحدد الأساسي لعملها، وهو ما يمكن تحقيقه عبر دراسة الوضع الميداني لكل منظمة أو بعثة إغاثية، ليس بغرض القضاء على التهديدات فحسب وإنما لتقليص تعرض الموظفين للمخاطر.