أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

استحقاقات مؤجلة:

رؤية إيران لتداعيات ما بعد معركة حلب

29 ديسمبر، 2016


رغم ترحيب إيران بإعلان النظام السورى، في 22 ديسمبر 2016، سيطرته بشكل كامل على مدينة حلب، بعد خروج آخر فوج للمسلحين منها، باعتبار أن ذلك يمثل، وفقًا لرؤيتها، متغيرًا جديدًا سوف تكون له تداعيات مباشرة على توازنات القوى داخل سوريا خلال المرحلة القادمة، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة مخاوف ما زالت تنتاب طهران تجاه المسارات المحتملة التي يمكن أن تنتهي إليها الأزمة في سوريا، سواء بسبب تصاعد حدة الخلافات حول أدوار بعض الأطراف المنخرطة في الصراع السوري، على غرار ميليشيا حزب الله، أو بسبب تزايد احتمالات وصول موسكو وواشنطن، في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب التي سوف تتولى مهامها في 20 يناير 2017، إلى تفاهمات قد لا تتوافق بشكل كبير مع مصالحها. 

مكاسب مؤقتة:

ترى اتجاهات عديدة في إيران أن سيطرة النظام السوري على مدينة حلب يمكن أن تنتج تداعيات إيجابية عديدة على المحور الذي تقوده إيران ويضم كلا من نظام الأسد وحزب الله والميليشيات الطائفية الأخرى التي قامت بتكوينها وتدريبها لدعم النظام في مواجهة قوى المعارضة. ومن دون شك، فإن ذلك يعود، في قسم منه، إلى الأهمية الخاصة التي تبديها إيران لتلك المدينة، باعتبارها محورًا رئيسيًا في الصراع بين النظام وحلفائه من ناحية وقوى المعارضة والأطراف الداعمة لها من ناحية أخرى، وهو ما عبر عنه المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 7 ديسمبر 2016، بقوله: "ندافع عن إيران من حلب"، مضيفًا: "ينبغي ألا ننتظر حتى يأتي العدو إلى داخل بيتنا لنفكر بالدفاع عن حياضنا بل يتعين قمع العدو عند حدوده"، بما يشير إلى أن إيران ما زالت تعتبر أنها أحد الأطراف المستهدفة، من الأساس، بتصاعد حدة الأزمة في سوريا.

وإلى جانب ذلك، فإن هذا التطور من شأنه تغيير توازنات القوى على الأرض لصالح النظام السوري قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد ترامب إلى البيت الأبيض، كما أنه سوف يعزز موقع النظام قبل المفاوضات المحتملة التي قد تجرى في كازاخستان، حسب ما اتفقت عليه كل من إيران وتركيا وروسيا خلال المباحثات التي أجريت في فترة ما بعد صدور "إعلان موسكو" في 20 ديسمبر 2016.

وبعبارة أخرى، فإن إعادة تفعيل المسار السياسي من جديد بعد سيطرة النظام على حلب معناه تقليص قدرة قوى المعارضة على تحقيق نتائج بارزة في المفاوضات القادمة، في حالة تم إجراءها، مع النظام في كازاخستان، على غرار المطالبة بخروج الرئيس بشار الأسد من السلطة، وهو المطلب الذي بات، في رؤية دوائر عديدة في طهران، خارج نطاق التفاوض، في ظل التحولات البارزة التي شهدها الصراع السوري خلال المرحلة الأخيرة.

فضلا عن ذلك، فإن مشاركة تركيا في تلك التفاهمات مع كل من روسيا وإيران، من شأنه إضعاف موقفها الداعم للمعارضة، وتوسيع نطاق الخلافات بين الطرفين، بشكل يمكن أن يصب في صالح النظام السوري والميليشيات الحليفة له، في ظل الدور الذي مارسته تركيا في الفترة الماضية كظهير إقليمي للمعارضة، وهو ما يتزامن، دون شك، مع الضغوط التي تواجهها تركيا بسبب تصاعد حدة العمليات الإرهابية، التي تتعرض لها، وكان آخرها عملية اغتيال السفير الروسي لدي أنقرة أندريه كارلوف في 19 ديسمبر 2016.

وبالطبع، فإن سيطرة النظام السوري على حلب يمكن أن يوفر لإيران ورقة إقليمية جديدة تستطيع استخدامها في إدارة تفاعلاتها مع إدارة ترامب القادمة، خاصة في ظل تزايد احتمالات حدوث تصعيد بين الطرفين، بسبب السياسة المتشددة التي يتبناها ترامب وبعض أعضاء إدارته الجديدة، والتي لا يبدو أنها سوف تركز فقط على الاتفاق النووي، وإنما سوف تمتد أيضًا إلى ملف دعم إيران للإرهاب، لكن في القضايا التي تحظى بأولوية خاصة لدى تلك الإدارة، أو التي سوف تؤثر، وفقًا لرؤيتها، على أمن ومصالح واشنطن.

مخاوف كامنة:

  لكن في مقابل ذلك، فإن التحولات المحتملة التي قد تساهم نتائج معركة حلب في بلورتها خلال المرحلة القادمة تثير مخاوف عديدة لدى دوائر صنع القرار في إيران. إذ كان لافتًا أن اتجاهات عديدة داخل إيران أبدت تحفظات إزاء غياب نظام الأسد عن التفاهمات التي جرت بين إيران وروسيا وتركيا، وهى خطوة يبدو أن الأخيرة أصرت عليها ولم تعرقلها روسيا، وهو ما يشير، وفقًا لتلك الرؤية، إلى أن روسيا تبذل جهودًا حثيثة من أجل الحفاظ على استمرار تفاهماتها مع أنقرة، بشكل بدا جليًا في موقفها "المهادن" من اغتيال السفير الروسي، حيث اعتبرت أن الهدف منه هو "تخريب العلاقات مع تركيا"، واتجهت إلى رفع مستوى التنسيق مع الأخيرة في الملف السوري، بشكل ربما لا يكون محط ترحيب من جانب إيران، التي تدرك أن تلك التفاهمات القائمة الآن مع تركيا مؤقتة، وقد تتسبب في خلافات، إن لم يكن صراعات مستقبلية، خاصة أن تلك الخلافات لا تبدو ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة، وهو ما بدأت مؤشراته في الظهور خلال المباحثات التي سبقت صدور "إعلان موسكو"، حيث دعت تركيا إلى قطع الدعم عن الأطراف المرتبطة بالنظام السوري، وتحديدًا حزب الله، وذلك لضمان وقف إطلاق نار مستقر، حسب تصريحات وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو، وهو ما رد عليه نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، بقوله أن "الحديث في الاتفاق الثلاث يدور حول المنظمات المصنفة في قرارات مجلس الأمن على أنها منظمات إرهابية". 

وقد عبر المساعد الثقافي والإعلامي لقائد الحرس الثوري حميد رضا مقدم فر عن استياء طهران من غياب النظام السوري في تلك المباحثات، بقوله أن "غياب السوريين أثار تساؤلات وعلامات استفهام"، مضيفًا أن "وجودهم في إعلان موسكو كان ضروريًا وواجبًا".

ومن هنا، ربما يمكن تفسير أسباب مسارعة إيران إلى اطلاع كل من النظام السوري وحزب الله على ما جرى في المباحثات مع أنقرة وموسكو، إذ قام مساعد وزير الخارجية للشئون العربية والأفريقية حسين جابري انصاري بزيارة كل من دمشق وبيرت، في 22 و23 ديسمبر 2016، حيث التقى كلا من رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله.

وربما يمكن القول إن قلق إيران من تداعيات اتساع نطاق التفاهمات بين تركيا وروسيا، بدأ قبل إصدار "إعلان موسكو"، وتحديدًا خلال الفترة التي اتجهت فيها الدولتان إلى فتح قنوات تواصل للاتفاق على إخراج مقاتلي المعارضة من حلب، وهو ما دفعها إلى الإصرار على السماح للمقاتلين الموالين لها بالخروج من قريتي "الفوعا" و"كفريا" الشيعيتين المحاصرتين من جانب "جيش الفتح". 

كما أن إيران لا تخفي قلقها إزاء إمكانية اتجاه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الانخراط في مباحثات ثنائية مع موسكو، من أجل الوصول إلى تفاهمات جديدة مع الأخيرة في الملف السوري، قد تفرض تهديدات محتملة لمصالح إيران، خاصة أن هناك تقارير عديدة تشير إلى أن تلك الإدارة، إلى جانب الكونجرس الأمريكي، تسعى إلى تجنب "خروج إيران منتصرة من الصراع السوري". وهنا، فإن دوائر عديدة في إيران تتابع بدقة اتجاهات التفاعلات بين إدارة ترامب وموسكو، ومساراتها المحتملة خلال المرحلة القادمة التي قد تفرض استحقاقات استراتيجية عديدة ليس فقط في الملف النووي، وإنما أيضًا في الملف السوري.

خطوات متعددة:

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن تفسير حرص إيران على توجيه رسالتين إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، تفيد أنها طرف رئيسي في الصراع، وأنه لا يمكن تجاوزها في أية تفاهمات تجري بين تلك القوى، في ظل قدرتها، حسب رؤية اتجاهات عديدة داخلها، على عرقلتها. 

الرسالة الأولى، تتمثل في الزيارة اللافتة التي قام بها قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني إلى حلب، وهى الزيارة التي سعت من خلالها إيران إلى تأكيد أن حضورها ونفوذها على الأرض كان المتغير الأهم الذي ساهم في التحولات الأخيرة التي شهدها الصراع السوري، وأن الانخراط العسكري الروسي لم يكن يستطيع تحقيق نتائج بارزة دون تواجد الحرس الثوري والميليشيات المسلحة التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة.

أما الرسالة الثانية، فتنصرف إلى تأكيد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، في 20 ديسمبر 2016، على أن إيران لديها مقر مشترك مع روسيا في سوريا، يقوم بتقديم الخدمات الاستشارية إلى الجيش السوري وقوات المقاومة بمساعدة الروس، بما يعني أن مستوى التنسيق مع روسيا ما زال مرتفعًا رغم الخلافات القائمة بين الطرفين.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن حسم معركة حلب لصالح النظام السوري، قد يعزز من حضور إيران في الأزمة السورية، لكنه قد يفرض تحديات لمصالحها على المدى الطويل، في ظل تزايد احتمالات اتساع نطاق خلافاتها مع العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بهذه الأزمة.