أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

سيدة آسيا الحديدية:

انتخابات بنغلاديش التشريعية 2024 تقود الشيخة حسينة واجد لولاية خامسة

04 يناير، 2024


لا يبدو أن هناك جديداً سوف يُذكَر في الانتخابات العامة في بنغلاديش، المُقرَّر إجراؤها يوم 7 يناير الجاري، فليس هناك أي شك حول نتائجها، التي سوف تحقق فوزاً لشاغلة منصب رئاسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، التي تستعد لدخول الولاية الرابعة على التوالي، والخامسة في تاريخها السياسي، لتستحق الوصف الذي أطلقته عليها مجلة الإيكونوميست بأنها "سيدة آسيا الحديدية".

هذا اليقين حول فوز الشيخة حسينة يعود إلى عدة عوامل، أبرزها تأكيد استطلاعات الرأي الشعبية الكبيرة لحزب "رابطة عوامي" (رابطة الشعب) الحاكم وللشيخة حسينة؛ ومقاطعة 15 حزباً لهذه الانتخابات، أبرزها الحزب الوطني البنغالي، حزب المعارضة الرئيسي؛ وكذلك استعداد الحكومة والحزب الحاكم لهذه الانتخابات للحد من الانتقادات الغربية.

ويخوض حزب "رابطة عوامي" الحاكم هذه الانتخابات، مستفيداً داخلياً من الإنجازات الاقتصادية التي تحققت خلال حُكم الشيخة حسينة لمدة 15 عاماً (2009 – 2023)، وخارجياً من النجاح في إقامة علاقات جيدة وتلقي الدعم الدبلوماسي القوي من الصين وروسيا، والهند أيضاً، واتخاذ إجراءات عديدة للحد من انتقادات الدول الغربية للعملية الانتخابية.

4 ولايات في رئاسة السلطة التنفيذية:

تُعد الشيخة حسينة أكثر من تولى رئاسة السلطة التنفيذية في بنغلاديش (170 مليون نسمة) منذ نشأة الدولة في عام 1971، وهي مدة بلغت 20 عاماً حتى الآن؛ فقد تولت رئاسة الوزراء لأربع ولايات مختلفة، الأولى كانت بين أعوام 1996 و2001، ثم عادت لتشغل المنصب ثلاث ولايات متواصلة منذ عام 2009 وحتى الآن، وسوف تتولى الولاية الخامسة التي تمتد منذ عام 2024 وحتى عام 2029. وقد عرفت بنغلاديش في ظل وجود الشيخة حسينة على رأس السلطة التنفيذية نوعاً من الاستقرار السياسي على الرغم من ظهور احتجاجات متفرقة يقودها غالباً حزب المعارضة الرئيسي، الحزب الوطني.

ومنذ انفصالها عن باكستان في عام 1971، شهدت بنغلاديش تقلباً في شكل الحكم وحالة من عدم الاستقرار، ففي أغسطس 1975 تم اغتيال الرئيس مجيب الرحمن، المعروف بأنه "أبو الأمة" ومؤسس الدولة، وهو والد الشيخة حسينة، وذلك في انقلاب عسكري، ثم حدثت فترة اضطراب حتى عام 1977 إلى أن تولى الجنرال ضياء الرحمن رئاسة الوزراء (إبريل 1977 – مايو 1981)، وهو زوج السيدة خالدة ضياء، رئيسة الحزب الوطني البنغالي حالياً ورئيسة الوزراء سابقاً لولايتين؛ ثم تمت الإطاحة بضياء الرحمن واغتياله في انقلاب عسكري في عام 1981، ليتولى في العام التالي الجنرال حسين محمد إرشاد ويتمكن من إحكام سيطرته السياسية حتى عام 1990، من خلال التحالف مع الأحزاب والقوى الإسلامية، خاصة حزب "الجماعة الإسلامية"؛ إذ جعل الإسلام الدين الرسمي للدولة، وفق تعديل دستوري جرى في عام 1988، وظهر في عهده حوالي 14 حزباً إسلامياً.

لكن انتهى حُكم حسين إرشاد في عام 1990 بعدما تحالف ضده حزبا "رابطة عوامي" و"الوطني البنغالي"، وقادا مظاهرات ضخمة أدت إلى إجباره على الاستقالة من منصبه، والتوافق على ترسيخ الحكم المدني وفقاً للتعديل الذي أُجرِيَ على الدستور في عام 1991، والذي اعتمد النظام البرلماني نظاماً رسمياً للحكم؛ ثم أُجرِيَت انتخابات عامة في نفس العام أسفرت عن تولي خالدة ضياء رئاسة الوزراء حتى عام 1996، ولكن نشب صراع سياسي بين الحزبين وانتهى التحالف بينهما سريعاً، ولاسيما مع إصرار خالدة ضياء على التحالف مع الأحزاب الإسلامية.

وفي انتخابات 1996، فاز حزب "رابطة عوامي" بالأغلبية، وصعدت الشيخة حسينة للمرة الأولى إلى رئاسة الوزراء، ولكن تحالفت ضدها أحزاب المعارضة لإسقاط حكومتها في عام 2001، لتعود خالدة ضياء لتولي رئاسة الوزراء حتى عام 2006.

ومع عودة حزب "رابطة عوامي" للفوز في انتخابات 2008، عادت الشيخة حسينة لرئاسة الوزراء منذ عام 2009 وحتى الآن، إذ فاز حزب "رابطة عوامي" في انتخابات 2014 و2018. وبالطبع سوف تتولى ولاية رابعة على التوالي عَقِب انتخابات يناير 2024.

المشاركون والمقاطعون:

أعلن 29 حزباً سياسياً المشاركة في الانتخابات العامة 2024، يأتي على رأسهم حزب "جاتيا القومي"، الذي أسسه الرئيس الأسبق حسين إرشاد في عام 1986، ورغم أنه يكاد يكون الحزب الوحيد المعارض الموجود حالياً في البرلمان، فإن المعارضة تتهمه بالخضوع لإملاءات الحزب الحاكم. أما بقية الأحزاب المشاركة فهي ضعيفة وغير منظمة ولا تتمتع بشعبية.

وفي جبهة المقاطعين، أعلن 15 حزباً مقاطعة الانتخابات، يأتي على رأسهم "الحزب الوطني البنغالي"، الذي تتسم علاقة رئيسته خالدة ضياء بعداء تاريخي مع الشيخة حسينة، وهو ما حدث سابقاً في انتخابات 2014، إذ طالب الحزب في الأشهر الأخيرة الشيخة حسينة بالتنحي وإجراء الانتخابات في ظل حكومة تسيير أعمال غير حزبية، إلا أن الشيخة حسينة رفضت هذا المطلب واعتبرته غير دستوري استناداً إلى المرسوم الصادر عن المحكمة العليا في عام 2011، وأكدت أن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة تحت إشراف لجنة الانتخابات الوطنية ومراقبة منظمات خارجية.

أما بالنسبة للأحزاب الإسلامية، والتي يأتي على رأسها حزب "الجماعة الإسلامية"، فلن يشارك في هذه الانتخابات كما حدث في انتخابات 2014 و2018، بموجب حكم قضائي سابق صدر عن المحكمة العليا في عام 2013 بحظر الحزب سياسياً بسبب انتهاك ميثاق الدستور العلماني للبلاد، ومعاقبة العديد من قياداته على خلفية ارتكابهم جرائم حرب خلال حرب 1971. أما حزب "حفظة الإسلام"، فقد أعلن مقاطعته للانتخابات، ونظَّم مسيرات احتجاجية باتجاه مقر لجنة الانتخابات منذ اليوم الأول لموعد الإعلان عن موعد الانتخابات في 15 نوفمبر الماضي.

اهتمام دولي بالانتخابات:

انطلاقاً من كون بنغلاديش فاعلاً رئيسياً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بفضل موقعها الاستراتيجي في خليج البنغال، بالإضافة إلى سعيها نحو بِنَاء علاقات اقتصادية قوية مع الصين التي تستثمر مليارات الدولارات في مشروعات البنية التحتية في بنغلاديش؛ تحظى الانتخابات باهتمام كبير من المجتمع الدولي، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن إرسال بعثة تقييم ومراقَبة للانتخابات، وشددت العديد من الدول الكبرى والمنظمات الدولية على أهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وحثت وزارة الخارجية الأمريكية حكومة بنغلاديش، يوم 7 نوفمبر الماضي، على خَلْق بيئة آمنة تسمح بالتجمع السلمي للمواطنين والتعبير عن مخاوفهم. بل وأعلنت واشنطن عن سياسة تأشيرات جديدة تسمح للسلطات بفرض قيود على سفر مواطني بنغلاديش المُشتَبَه في ارتكابهم ممارسات من شأنها تقويض المسار الديمقراطي للانتخابات.

أما الصين وروسيا، فقد احتجتا على التدخل الأمريكي في شؤون بنغلاديش الداخلية، وحتى الهند تنظر إلى التصريحات الأمريكية بشيء من القلق لأنها تدعم ضمنياً حكومة الشيخة حسينة؛ نظراً لعلاقة الهند التاريخية القوية بحزب "رابطة عوامي"، وكذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار الراهن في بنغلاديش.

تدرك الحكومة البنغالية هذا الضغط الدولي الغربي، وقد واجهته من خلال اتخاذ عدة إجراءات قانونية خلال السنوات الأخيرة لضمان إجراء انتخابات ديمقراطية، مثل: آلات التصويت الإلكتروني لعام 2018، وقانون ترسيم الدوائر الانتخابية لعام 2021، وقانون تعيين رئيس مفوضي الانتخابات ومفوضي الانتخابات لعام 2022. هذا بالإضافة إلى تعديل قواعد سلوك الأحزاب السياسية والمرشحين لعام 2008، وقواعد سلوك الانتخابات لعام 2008.

كما ترد الحكومة بأن مقاطعة بعض الأحزاب أمر يرجع لعدم ثقتها بالفوز، وأنه تم السماح لها بتنظيم مسيرات سلمية مثل التجمع الضخم الذي نظمه الحزب الوطني البنغالي في ديسمبر 2022 دون التعرض إلى أية مضايقات من قوات الأمن. كذلك تؤكد الحكومة أن الانتخابات المحلية التي تم إجراؤها في عام 2022 شهدت نسبة مشاركة عالية، وفاز فيها عدد كبير من المرشحين من خارج الحزب الحاكم.

الأداء الاقتصادي وارتفاع شعبية الشيخة حسينة:

على الرغم من إصرار أحزاب المعارضة على مقاطعة الانتخابات واتهام حزب "رابطة عوامي" الحاكم بمحاولة ترسيخ فكرة الحزب الواحد، فإنه في المقابل يوجد تأييد شعبي واسع للحزب وللشيخة حسينة بفضل الخطوات التي حققتها للنهوض بالبلاد اقتصادياً واستقرارها سياسياً وتأسيس علاقات خارجية متوازنة. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" (IRI)، في أغسطس 2023، تتمتع رئيسة الوزراء بنسبة تأييد تصل إلى 70% نظراً للنتائج الإيجابية التي حققتها في مجال التنمية، كما أعرب حوالي 60% من المواطنين عن معارضتهم التامة لمقاطعة الانتخابات.

ويساعد الشيخة حسينة على ارتفاع شعبيتها أن بنغلاديش سجلت خلال الـ15 عاماً الماضية، وهي الفترة التي تولت فيها رئاسة الوزراء منذ عام 2009، معدلات نمو تزيد عن نسبة 6% باستثناء عام 2020، وذلك بسبب تفشي وباء "كورونا"، والذي تعافت بعده بنغلاديش سريعاً وبقوة؛ إذ نما الناتج المحلي الإجمالي خلال عامي 2021 و2022 بنحو 7%.

أيضاً، فقد انخفض معدل الفقر من 11,8% في عام 2010 إلى 5% بحلول عام 2022. وفي عام 2015 دخلت بنغلاديش ضِمْن قائمة الدول ذات الدخل المتوسط - الأدنى، وتهدف الآن إلى الخروج من قائمة أقل البلدان نمواً في العالم بحلول عام 2026 وأن تصبح دولة ذات دخل متوسط - أعلى بحلول عام 2031.

ولعل تطوُر صناعة النسيج والملابس الجاهزة في بنغلاديش يُقدِّم نموذجاً للتنمية، فهذه الصناعة تمثل دعامة أساسية للاقتصاد البنغالي، إذ تسهم بنحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي، وبحوالي 80% من صادرات بنغلاديش السنوية البالغة 55 مليار دولار. وتضم بنغلاديش حوالي 4 آلاف مَصنَع لتوريد العلامات التجارية العالمية، يعمل بها ما يقرب من 4 ملايين عامل.

كما افتتحت الحكومة خلال السنوات الثلاث الأخيرة العديد من المشروعات الاقتصادية مثل: طريق دكا السريع، ونفق "بانجو باندو" تحت نهر كارنافولي (أول نفق تحت النهر في جنوب آسيا)، وتم الافتتاح التجريبي للمبنى رقم 3 بمطار حضرة شاه جلال الدولي في دكا، والذي تم بناؤه من قِبَل وكالة التعاون الدولي اليابانية "جايكا". وفي الأشهر الأخيرة، افتتحت الحكومة خط أخورا - أجارتالا العريض، وخط السكك الحديدية لميناء خولنا - مونغلا، وجسر بادما بريدج للسكك الحديدية، وخط مترو الأنفاق رقم 6، والوحدة الثانية من محطة مايتري لتوليد الكهرباء. كما تم تقديم عرض لاستلام الدفعة الأولى من اليورانيوم من روسيا لمحطة الطاقة النووية بقدرة 2400 ميجاوات في روبور.

أخيراً، يأمل البنغاليون في الولاية الجديدة للشيخة حسينة بتحقيق الأهداف الاقتصادية التنموية، وإيجاد حلول لارتفاع الأسعار وارتفاع معدل التضخم في الفترة الأخيرة؛ بينما يسعى الحزب الحاكم إلى محاولة الحفاظ على هذه الإنجازات الاقتصادية التي أكسبته شرعية سياسية وطنية، واستمرار حالة التوازن في علاقات بنغلاديش الخارجية مع كافة القوى الإقليمية والدولية.