أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحديات قائمة:

فرص نجاح حكومة ميقاتي الرابعة في نيل موافقة الرئيس اللبناني

13 يوليو، 2022


سارع رئيس الوزراء اللبناني المكلف، نجيب ميقاتي، إلى تقديم تشكيلة حكومته الجديدة إلى الرئيس ميشال عون، في 29 يونيو 2022، بعد نحو يوم واحد من انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة مع الكتل السياسية حول تشكيل الحكومة، وبعد 8 أيام فقط من الاستشارات النيابية الملزمة التي دعا إليها الرئيس عون، يوم 21 يونيو، وأسفرت عن إعادة تكليف ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة عوضاً عن حكومته التي انتقلت إلى مهمة تصريف الأعمال بعد الانتخابات النيابية، التي جرت في 15 مايو 2022. 

استباق التحديات:

تمثل الاستشارات النيابية الملزمة ثاني الاستحقاقات الدستورية، التي تمت بأغلبية ضعيفة للغاية تعكس، في حد ذاتها، حجم التشرذم الناتج عن نتائج الانتخابات النيابية. فقد نجح ميقاتي في الفوز بإعادة التكليف بأغلبية أصوات 54 نائباً فقط من أصل 128 نائباً في مجلس النواب، وهي أغلبية ضمن الأقل تاريخياً، التي تستطيع بموجبها شخصية سنية خوض غمار تأليف الحكومة. ومن هذا المنطلق، قد تمثل مسارعة ميقاتي إلى تقديم تشكيلة حكومته الجديدة إلى عون هروباً إلى الأمام في محاولة لاستباق التحديات التي يعلم أنها ستواجهه في مسار تشكيل هذه الحكومة، ومنها:

1- الحكومة الأخيرة في عهد عون: كشفت عملية تشكيل الحكومات في عهد الرئيس ميشال عون أن توقيعه على مرسوم تشكيل الحكومة يأتي لاحقاً في كل الأحوال لما يمكن أن يُطلق عليه ماراثون طويل من المشاورات والجلسات التي تضمن، في النهاية، أن تخرج الحكومة متوافقة مع ما يريده وتحقق له الحدود الدنيا من أهدافه، التي لا تنفصل عن مصالح وأهداف التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل. 

ولذلك، فإن حكومة ميقاتي التي ستكون الحكومة الأخيرة في عهد عون الذي تنتهي ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر المقبل، قد ينطبق عليها ما حدث في الحكومات السابقة. وهو أمر مدفوع بعدد من العوامل بالنسبة للرئيس عون، يأتي في مقدمتها الاحتمالات القوية لأن تتولى هذه الحكومة مهمة تصريف أعمال رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية عون وحتى انتخاب بديل له، وهو الأمر الذي تشير المعطيات إلى أنه قد يستغرق فترة طويلة. ومن ثم، يريد عون أن يضمن دوراً محورياً للتيار الحر في هذه الفترة من خلال هذه الحكومة.

2- مداورة الحقائب الوزارية: درجت عملية تشكيل الحكومة في لبنان، خلال السنوات الأخيرة، على وجود خلاف حول مداورة الحقائب الوزارية على الطوائف، فضلاً عن اختيار بعض القوى السياسية لوزراء حقائب بعينها، مثل تمسك الثنائي الشيعي، وتحديداً حركة أمل، بتسمية وزير المالية على أن يكون شيعياً، وكذلك تشبث التيار الوطني الحر باختيار وزير الطاقة على أن يكون مسيحياً. 

ولذلك فإن هذه المداورة ستمثل أحد التحديات الكبرى التي سيواجهها ميقاتي في مسار تأليف الحكومة. ويمكن قراءة طرحه في تشكيلته الأولى للحكومة وزيراً للطاقة من الطائفة السنية على أنه رسالة إلى التيار تحديداً برفض مداورة الحقائب، فيما يبدو أنه يأتي انعكاساً لنتائج الانتخابات النيابية، وخسارة التيار للأكثرية المسيحية في البرلمان، خاصة وأنه حافظ للثنائي الشيعي على حقائبهم. وانعكاساً كذلك لعدم تسمية التيار ميقاتي في الاستشارات النيابية الملزمة.

3- انقسام المعارضة اللبنانية: يشكّل امتناع نسبة كبيرة من النواب عن ترشيح نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، سواء عن طريق الامتناع عن التصويت مطلقاً، أو ترشيح آخرين أبرزهم السفير نواف سلام تحدياً يواجه ميقاتي في تأليف الحكومة، وذلك من وجهين، الأول هو أن ذلك يفرض على ميقاتي مراعاة مواقف هذه الكتل السياسية عند مفاوضات التأليف لضمان عدم إفشال التصويت على منح الثقة للحكومة داخل مجلس النواب، والثاني أن بعض الكتل بعدم ترشيحها لنواف سلام يمنحها فضلاً في وصول ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، وقد تلعب دوراً في تعطيل تأليف الحكومة، ومن ثم يتعين عليه مراعاة ذلك في شكل الحكومة التي سيقدمها. 

سيناريوهات تشكيل الحكومة:

بعث رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بتقديمه تشكيلته الحكومية إلى الرئيس عون في هذه المدة القصيرة التي وُصفت بأنها أسرع تشكيلة حكومية قُدمت في تاريخ لبنان برسالة إلى الفاعلين داخل لبنان وخارجه بأنه حريص على تشكيل الحكومة، في أسرع وقت، لتتمكن من البناء على ما قامت به حكومة تصريف الأعمال الحالية فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاحات واستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. 

ومن ثم فإن أي تعطيل لتشكيل الحكومة لن يكون من جانبه، وإنما من أطراف أخرى يأتي في مقدمتها الرئيس ميشال عون، خاصة أن الثنائي الشيعي هو الذي أمّن لميقاتي التكليف، ويبدو حريصاً على إنجاز التأليف بسرعة. وبناء على هذه المعطيات، يبرز سيناريوهان يحكمان مسار تشكيل حكومة ميقاتي الرابعة، وهما:

1- تشكيل حكومة سريعة: يفترض هذا السيناريو موافقة الرئيس ميشال عون على التشكيلة التي طرحها ميقاتي، أو إجراء مباحثات تفضي إلى الوصول إلى تشكيلة حكومية بشكل سريع قبل استحقاق انتخابات الرئاسة. ويستند هذا السيناريو إلى أوراق القوة التي يملكها ميقاتي هذه المرة، سواء المتعلقة بشخصيته وقدراته التفاوضية التي مكّنته من تشكيل حكومة تصريف الأعمال الحالية في غضون نحو شهر ونصف من التكليف بعد أن عجز قبله كل من السفير مصطفى أديب ورئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري عن تشكيلها طوال 13 شهراً، أو تلك المتعلقة بالمعطيات الراهنة للتكليف الرابع له. 

ويأتي في مقدمة أوراق القوة التي يملكها ميقاتي في الظرف الراهن أنه يظل رئيساً للوزراء أياً كانت النتيجة؛ إذ إن تعطيل تشكيل الحكومة بهدف دفعه إلى الاعتذار، كما حدث مع سعد الحريري سابقاً، سيؤدي إلى استمرار حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها هو، فضلاً عن أنه من مصلحة كافة القوى والأطراف أن تكون الحكومة التي ستدير دفة الأمور خلال الأشهر المقبلة التي قد تشهد على الأرجح فراغاً رئاسياً بانتهاء ولاية الرئيس عون وتعثر انتخاب بديل له حكومة كاملة الصلاحيات، وليست حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة كما ينص الدستور.

ويُضاف إلى ذلك رغبة مختلف الأطراف، وفي مقدمتها الثنائي الشيعي، في تشكيل حكومة بسرعة بدافع استمالة اللبنانيين بدعوى تقديم مصلحتهم ومصلحة لبنان، وحل مشكلاته على أي معارك سياسية، وكذلك بهدف التفرغ بعد ذلك لاستحقاق انتخابات الرئاسة. ولذلك جاءت التشكيلة التي قدمها ميقاتي لتعكس تمتعه بهذه القوة، وأنه في مرحلة التفاوض مع الرئيس عون لن يقبل بتنازلات كبيرة.

2- تعطيل تشكيل الحكومة: يفترض هذا السيناريو أن يعلن عون رفض التشكيل الحكومي الذي قدّمه ميقاتي، ومن ثم البدء في مسار تفاوضي طويل لتشكيل الحكومة يستغرق شهوراً، ويستند هذا السيناريو إلى ما سبق طرحه بشأن منطلق القوة الذي يدخل به ميقاتي معترك تشكيل الحكومة، علاوة على ما عُهد عن الرئيس عون من مماطلة في المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة طالما لم تحقق تطلعاته، وأن ما لم يتنازل عنه طيلة السنوات الماضية في تشكيل الحكومات، خاصة في الحكومة الأخيرة التي استغرق تأليفها أكثر من عام، لن يتنازل عنه في نهاية عهدته الرئاسية، لاسيّما وأن الاتفاق على شخص الرئيس القادم بعده لم يتضح بعد لصالح صهره جبران باسيل، أو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

ويضاف إلى ذلك العمل من جانب عون وباسيل على استغلال ورقة تأليف الحكومة لإعطاء المزيد من نقاط القوة التي تصب في صالح باسيل في معركة انتخابات الرئاسة، أو على أقل تقدير إيجاد حكومة تضمن دوراً قوياً ووازناً له في مرحلة الفراغ الرئاسي بدءاً من نوفمبر المقبل، وهو ما اتضح من الاستياء الشديد الذي أبداه قادة في التيار الوطني الحر من التشكيلة الأولى التي طرحها ميقاتي، خاصة أن انسحاب حزب القوات من المشاركة في الحكومة رفضاً للتشارك مع حزب الله يضع الميثاقية المسيحية في يد التيار الوطني الحر. 

ولا تبدو بعيدة في هذا الإطار احتمالات أن يطالب الرئيس عون بعدم تسليم السلطة إلا لرئيس مُنتخب، أو لحكومة ذات صلاحيات كاملة، ما يصب في اتجاه عدم توقيعه على مرسوم تشكيل الحكومة، وبالتالي يكون تسلّم حكومة تصريف الأعمال لمهام رئاسة الجمهورية أمر يمكن الطعن عليه دستورياً.

وفي الختام، تبدو موافقة الرئيس ميشال عون على التشكيلة الحكومية التي قدمها رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي مستبعدة تماماً لتقديمها من جانب ميقاتي بشكل منفرد دون التشاور مع عون، وعدم مراعاتها لأساسيات التشكيلة الحكومة بالنسبة لعون. ومن هنا يصبح السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحاً بأن تستغرق عملية تشكيل الحكومة فترة طويلة قد تمتد إلى ما بعد 31 أكتوبر المقبل، ما يعني أن تصبح حكومة تصريف الأعمال الحالية في موضع تصريف أعمال رئاسة الجمهورية أيضاً.