أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الشروق:

كيف تصاعد الاهتمام بالاقتصاد الأخضر فى المنطقة العربية؟

19 مايو، 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا يشرح فيه تزايد أبعاد الاهتمام بالاقتصاد الأخضر فى عدد من الدول العربية مثل الإمارات والسعودية والأردن ومصر والمغرب وتونس والجزائر، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، على نحو ما عكسته جملة من الشواهد الدالة... نعرض منه يلى:

شهدت بعض الدول العربية تداول مصطلحات متعددة فى خطاب حكوماتها مثل «الاقتصاد الأخضر» و«الاستثمارات الخضراء» و«الوظائف الخضراء»، والتى تعكس الاهتمام المتزايد من جانب الحكومات والقطاع الخاص وربما الأفراد الذين يطلق عليهم «الخضر» Greens، وينشط هؤلاء الأطراف فى مجالات محددة مثل الطاقة المتجددة ومصادر المياه المتجددة وإعادة استخدام المياه المعالجة وتحلية المياه والزراعة العضوية، جنبا إلى جنب مع النظم المتكاملة لإدارة النفايات الصلبة.

اتجاهات مترابطة

فى هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن ثمة مجموعة من الاتجاهات المترابطة التى تعكس طلب عدد من الدول العربية على الاقتصاد الأخضر، وذلك على النحو التالى:

1 ــ استضافة الإمارات للحوار الإقليمى للتغير المناخى فى 4 إبريل الماضى، بما مهد لانعقاد مؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ. وقد شهد الحوار مشاركة جون كيرى المبعوث الرئاسى الأمريكى لشئون تغير المناخ، وألوك شارما رئيس الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ، وكبار المعنيين بشئون المناخ من دول مجلس التعاون الخليجى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان الهدف الرئيسى من استضافة الإمارات لهذا الحوار هو التباحث بشأن الانتقال إلى الاقتصاد النظيف بما يعود بالفائدة على الجميع من خلال إيجاد فرص عمل، وتحفيز التنمية المستدامة، وتأمين الهواء النقى.

كما وضعت دبى استراتيجية بعنوان «دبى للطاقة النظيفة 2050» بهدف تحويل الإمارة إلى مركز عالمى للطاقة النظيفة، وتهدف الاستراتيجية إلى توفير 7 فى المئة من طاقة دبى من مصادر الطاقة النظيفة بحلول عام 2020، و25 فى المئة بحلول عام 2030، و75 فى المئة بحلول عام 2050. كما تسعى دبى إلى إنشاء «صندوق دبى الأخضر» بقيمة تصل إلى 27 مليار دولار لتحفيز الاستثمارات الخضراء.

2 ــ تأكيد الملك سلمان بن عبدالعزيز فى كلمة خلال رئاسته وفد بلاده فى القمة العالمية للمناخ فى 22 أبريل الماضى على أن «المملكة أطلقت وفق رؤية 2030 حزمة من الاستراتيجيات والتشريعات، مثل الاستراتيجية الوطنية للبيئة، ومشاريع الطاقة النظيفة، بهدف الوصول إلى قدرة إنتاج 50 فى المائة من احتياجات المملكة بحلول عام 2030»، لافتا النظر إلى إطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضى وحماية الشعب المرجانية.

وقد أعلن الأمير محمد بن سلمان ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء السعودى فى 27 مارس الماضى، أن مبادرة «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» اللتين سيتم إطلاقهما قريبا، سترسمان توجه المملكة والمنطقة فى حماية الأرض والطبيعة ووضعهما فى خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة وستسهمان بشكل قوى فى تحقيق المستهدفات العالمية. وذكر أن بلاده ستعمل بهذا الصدد مع جميع الشركاء الدوليين من منظمات ودول لتطوير هاتين المبادرتين وما يندرج ضمنهما من جداول زمنية، مشيرا إلى أنه سيتم العمل على إطلاق تجمع إقليمى بحضور الشركاء الدوليين لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر فى الربع الثانى من العام المقبل.

3 ــ إعلان رئيس الوزراء المصرى د. مصطفى مدبولى، خلال مؤتمر إطلاق المرحلة الثانية من البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى، فى 27 أبريل الماضى، أن برنامج الإصلاح الهيكلى يستهدف تعزيز مفهوم الاقتصاد الأخضر، وهو موضوع نصب أعين الدولة والحكومة، مضيفا أن «الحكومة تعتزم التركيز فى كل مشروعاتها وفى كل استثماراتنا العامة أو الخاصة على أنشطة اقتصادية تحقق موضوع خفض انبعاثات الكربون والتلوث، وكذا تعزيز كفاءة الطاقة والموارد الطبيعية إلى جانب الحفاظ على التنوع البيولوجى».

فضلا عن إجراء د. رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولى ومحافظ مصر لدى البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، مباحثات مع أوديل رينو باسو رئيسة البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، حول مجالات التعاون مع البنك، والذى يعد أحد أبرز شركاء التنمية متعددى الأطراف، من خلال دفع جهود التنمية الوطنية بالتمويلات التنموية للقطاعين الحكومى والخاص، ودفع استراتيجية الدولة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وفقا لما أشار إليه بيان صادر عن وزارة التعاون الدولى فى 24 أبريل الماضى. وهنا تجدر الإشارة إلى سعى مصر لتصبح نموذجا للتحول الأخضر فى المنطقة العربية من خلال المشروعات القومية المتوافقة مع المعايير البيئية، والمدن الذكية، واستراتيجية الطاقة المستدامة.

4 ــ عقد اجتماع بين وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسى على الكعلى والسفير الإيطالى لدى تونس لورنزو فانارا فى 24 مارس الماضى، تناول توثيق التعاون الاقتصادى والمالى خلال الفترة (2021ــ2024)، وتعزيز الاستثمار الإيطالى فى تونس خاصة فى قطاع الطاقة المتجددة، وهو ما أشار إليه بيان وزارة الاقتصاد التونسية. ومن الجدير بالذكر أن إيطاليا سوف توجه الدعوة لتونس لحضور اجتماعات مجموعة العشرين المزمع عقدها فى يونيو القادم بإيطاليا.

تفسيرات مختلفة

ثمة مجموعة من العوامل المفسرة لتزايد الطلب على الاقتصاد الأخضر فى الدول العربية، وهى:

1 ــ تنفيذ الرؤى الاستراتيجية للدول العربية:

فعلى سبيل المثال، ترتبط مبادرة «السعودية الخضراء» بشكل وثيق بمشروع الأمير محمد بن سلمان لتحديث المملكة من نواحٍ اقتصادية واجتماعية وبيئية، والذى يطلق عليه «رؤية المملكة 2030». فحماية البيئة تمثل هدفا استراتيجيا فى رؤية 2030. ولعل ذلك يفسر أسباب المكانة المتصاعدة للبيئة فى سلم أولويات القيادة السعودية الجديدة.

2 ــ دفع جهود مواجهة تحديات التغير المناخى:

يتمثل أحد العوامل «المعلنة» التى يطرحها الخطاب الرسمى للعديد من الدول العربية، فى الحد من تأثيرات تغير المناخ الذى يشمل كل دول العالم، وهو ما يأتى انطلاقا من استعداد الدول العربية للتحول من عصر النفط والغاز إلى عصر بيئى مختلف، لاسيما فى ظل تعهد الدول الغنية فى قمة المناخ التى استضافها الرئيس الأمريكى جو بايدن فى 23 أبريل الماضى بالمساهمة فى الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى.

غير أن هناك بعض الدول العربية، وخاصة الإمارات، تعمل على تحويل التحديات المناخية إلى فرص مستقبلية للجيل القادم، وهو ما أكده سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى، فى كلمته بقمة تغير المناخ، لاسيما فى ظل إشارته إلى استعداد الدولة للعمل عن قرب مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولى والقطاع الخاص لتحقيق نقلة نوعية فى الاستجابة العالمية للتغير العالمى.

3 ــ تحقيق التنمية المستدامة داخل الدول العربية:

تتجه بعض الدول العربية لتعزيز مكانتها فى الاقتصاد الأخضر فى سياق برامجها للإصلاح الداخلى، وهو ما ينطبق على مصر، لاسيما فى ظل إدراك الحكومة تكاليف الإضرار بالبيئة على الاستثمار، فضلا عن الدور المحورى للسياسات القائمة على تعزيز اقتصاد أكثر اخضرارا وتفعيل دوره فى توفير فرص عمل، الأمر الذى سلط الضوء عليه تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية فى مايو 2018 بأن 24 مليون فرصة عمل ستخلق بحلول عام 2030 فى حال اتباع سياسات خضراء.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه خلال عام 2020 وافقت الحكومة المصرية على تنفيذ 691 مشروعا صديقا للبيئة فى قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة والمياه والنقل. كما بدأت فى إصدار شهادات «النجمة الخضراء» للفنادق التى تقدم سياسات التوافق مع البيئة. ونجحت فى طرح أول سندات خضراء فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بقيمة 750 مليون دولار، يتم من خلالها تمويل تنفيذ مشروعات صديقة للبيئة.

خلاصة القول، إن التحول من الاقتصاد التقليدى إلى الاقتصاد الأخضر صار شعار المرحلة المقبلة لدى عدد من الدول العربية، بل تم ترجمة ذلك على مستوى السياسات والإجراءات، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك تحديات ضاغطة تتعلق بتوفير إطار تنظيمى سليم بعد تحديث القوانين والسياسات البيئية، ومصادر تمويل طويلة الأجل فى ظل تفشى كورونا وانخفاض أسعار النفط، وتبلور شراكات قوية بين الدول ومؤسسات التمويل الدولية، وتوافر الوعى والثقافة البيئية التى قد تشجع على ظهور رجال أعمال صغار ومؤسسات ناشئة فى الاقتصاد لديهم حوافز لإطلاق مشاريع بيئية مبتكرة ولاسيما فى مجال المهن الخضراء. يضاف إلى ذلك إنشاء لجنة إقليمية لتبادل الخبرات والمعلومات عن الاقتصاد الأخضر.

المصدر : الشروق