أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

عودة السفير!

29 أغسطس، 2017


صدر بيان عن الخارجية القطرية مساء الأربعاء الماضي أعلن عودة السفير القطري إلى طهران الذي كانت حكومته قد سحبته في يناير من العام الماضي على خلفية ردود الفعل الخليجية والعربية بعد الهجمات على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. ولم يكتف البيان بهذا الإعلان، وإنما أضاف تطلع الدوحة إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع إيران في كل المجالات. وقد ذكرت صحيفة «وول ستريت چورنال» يوم الجمعة الماضي أن هذه الخطوة -وفقاً لمسؤول أميركي رفيع المستوى رفض ذكر اسمه- تأتي تعبيراً عن غضب الدوحة من استقبال العاهل السعودي وولي عهده الشيخ عبدالله بن على آل ثاني. والواقع أن هذا التفسير حتى ولو كان صحيحاً فإنه يحرف النظر عن كون قرار إعادة السفير القطري إلى طهران يتسق كل الاتساق مع خبرتنا مع السياسة القطرية منذ تسعينيات القرن الماضي. وهو ما يذكرني بما قيل عند اندلاع الأزمة من أن تصريحات أمير قطر التي تسببت في الأزمة كانت نتيجة عملية قرصنة إلكترونية لموقع وكالة الأنباء القطرية وكان تعليقي آنذاك أن المشكلة ليست في أن التصريحات حقيقية أم نجمت عن قرصنة إلكترونية، ذلك أن التصريحات بغض النظر عن صحتها أو زيفها تتسق تماماً مع السياسة القطرية التي تُمارس منذ عقود. وهكذا فإنه بغض النظر عن صحة القول بأن الغضب من استقبال الشيخ عبدالله آل ثاني في السعودية هو السبب في إعادة السفير فإن الخطوة متسقة كل الاتساق مع السياسة القطرية التي هي السبب الأصيل في تفجر الأزمة الراهنة بعد صبر طال كثيراً على هذه السياسة.

ولكي أُدلل على ما أقول وعلى رغم السجل الحافل للتعاون بين النظامين القطري والإيراني، والذي يشمل تقارير عن تعاون متعدد الأبعاد بما في ذلك تعاون عسكري واستخباراتي وحضور إيراني مهم في الدوحة، فإنني سأتجاوز هذا كله لأني لا أملك كباحث أدلة دامغة عليه وإن كانت معرفتي بالنظام القطري وممارساته تجعلني واثقاً من صدق هذه التقارير، وأكتفي في هذا السياق بحالات معلنة وموثقة لتصرفات هذا النظام تؤكد صحة جوهر هذه التقارير بغض النظر عن دقة كل ما ورد فيها. والواقعة الأهم التي أود التوقف عندها هي دعوة النظام القطري الرئيس الإيراني المتشدد أحمدي نجاد لحضور القمة الخليجية في الدوحة 2007 التي مثلت في حينه مفاجأة لكل الخليجيين والعرب. وقيل في حينه تبريراً لهذه الدعوة إننا نريد أن نبني جسوراً مع الجار المسلم، وهو أمر طيب في حد ذاته، ولكن ماذا إذا كان هذا الجار يمتلك مشروعاً للهيمنة على محيطه الخليجي والعربي ويترجمه في كل لحظة بإصراره على احتلال الجزر الإماراتية، وتهديده الدائم حتى لو كان مبطناً لأمن البحرين وسلامتها الإقليمية، وأعماله التخريبية في البلدان الخليجية والعربية؟ ولماذا بناء الجسور في وقت جلوس سياسي متشدد على مقعد الرئاسة في طهران مع العلم بوجود معتدلين شغلوا هذا المنصب كمحمد خاتمي؟ ولا ننسى أيضاً لقاء أمير قطر السابق المرشد الإيراني في 2010 وزيارات ولي عهده لطهران قبل أن يصبح أميراً وإن لم يتمكن من لقاء المرشد. وأخيراً وليس آخراً نذكر جيداً كيف هرعت طهران لتقديم المساندة الاقتصادية والدبلوماسية للنظام القطري بعد تفجر الأزمة الراهنة.

وبغض النظر عن اتساق خطوة إعادة السفير مع السياسة الراسخة للنظام القطري فإنها لا شك تمثل دليلاً على إمعان هذا النظام في التعنت وتعميق الأزمة، ولا ننسى أن مطالب الدول المقاطعة تضمنت ما يتصل بعلاقاته مع إيران، وهو الآن يفعل عكسها، فهل يريد أن يجعل بلاده في وضع مشابه لعلاقات إسرائيل بجيرانها؟ بمعنى أن تقطع السبل بينها وبين جيرانها بسبب سياساتها المعادية لهم واعتمادها على الدعم الخارجي وبالذات الأميركي الدائم والهائل كضمانة لأمنها، مع العلم أن إسرائيل تملك من القوة الذاتية ما يجعلها قادرة على الحفاظ على قرارها المستقل عند اللزوم، وهل يقبل الشعب القطري العربي العزيز طويلاً وضعاً كهذا يُنشئ جداراً سميكاً بينه وبين أشقائه في الخليج والوطن العربي؟

*نقلا عن صحيفة الاتحاد