أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قطاع غزة يستغيث

12 أبريل، 2017


تمر غزة منذ الثلاثاء الماضي بأيام حزينة بعد قرار السلطة الفلسطينية خفض رواتب موظفيها بنسب تتراوح بين 30٪‏ للدرجات الدنيا والمتوسطة وأكثر من 50٪‏ للدرجات العليا، وهو قرار طال أكثر من خمسين ألف موظف يتبعون السلطة توقفوا عن العمل بناءً على أوامرها بعد الصدام الدموي بين «فتح» و«حماس» في القطاع في عام 2007 الذي أدى إلى انفراد «حماس» بالحكم في غزة. وبررت السلطة قرارها بعدم القدرة على دفع رواتب موظفيها بسبب تراجع الدعم المالي الدولي، وعلى سبيل المثال فإن الاتحاد الأوروبي الذي يسهم في ميزانية السلطة بمئة وستين مليون يورو سنوياً قد أبلغها بأنه لا يستطيع الاستمرار في دفع رواتب موظفين لا يعملون منذ عشر سنوات. وحاولت السلطة تحميل «حماس» المسؤولية باتهامها بأنها تجبي الضرائب من مواطني القطاع وتنفقها على موظفيها الذين عينتهم بعد انفرادها بالسلطة، فيما ردت «حماس» بأن السلطة تحصل على جمارك البضائع القادمة إلى قطاع غزة عبر الاستيراد من إسرائيل أو من خلالها بما قيمته 400 مليون دولار سنوياً.

كان من الطبيعي أن تحدث ردود أفعال شديدة الحدة لأنه لا يوجد ما هو أخطر من قطع الأرزاق وخاصة في ظل الحصار الخانق الذي يمر به قطاع غزة منذ عقد، فضلاً عن كون سلطة «حماس» تثقل كاهل سكانه حقاً بضرائب ثقيلة ناهيك عن تدهور الخدمات الذي يُحَمّل المواطنين فوق طاقتهم، وعن تداعيات أعمال العدوان المتكررة على القطاع التي لم يتعافَ منها حتى الآن. ولم تقتصر ردود الأفعال على المضارين من القرار وحدهم وإنما شاركت فيها أيضاً الفصائل الفلسطينية كافة، بما في ذلك الفصائل الإسلامية وصولاً إلى «حماس» ذاتها، وكذلك النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني، وطالب الجميع بالتراجع عن القرار. بل ووصل الأمر إلى دعوة الحكومة إلى الاستقالة، وتراوح الموقف من رئيس السلطة بين مناشدته التدخل لإلغاء القرار وبين اتهامه صراحة بأن سياساته هي المسؤولة عن كل ما جرى ويجري في أراضي السلطة الفلسطينية، وكان المناخ مثالياً للحديث عن اتهام السلطة بالفساد، وهدد المحتجون بتصعيد احتجاجاتهم إلى أعلى سقف ممكن، وقد وصل الأمر بالفعل بعد أيام من صدور القرار إلى مظاهرات حاشدة شارك فيها الآلاف من أبناء القطاع. ومن الأهمية بمكان أن المصدر الرئيسي للاحتجاجات جاء من داخل حركة «فتح» ذاتها، التي كانت قد أصدرت بياناً رافضاً للقرار ومحذراً من التداعيات الخطيرة لما أسماه التمييز بين أبناء الشعب الواحد! ويلفت هذا إلى أن تداعيات القرار لم تتوقف عند حد تأثيره على الأحوال المعيشية المتدهورة فقط وإنما كان لها أيضاً بعدها السياسي حيث اعتبره البعض تدعيماً ولو على نحو غير مباشر للانقسام بين القطاع والضفة، وتشجيعاً للفكرة التي تتردد كثيراً في هذه الأيام عن دولة في غزة، وهي فكرة تزيد القضية الفلسطينية ضياعاً وتدميراً.

لا تبدو السلطة الفلسطينية واعية بخطورة موقفها فهي تكتفي بشرح أسباب القرار المتمثلة في الضائقة المالية التي تمر بها، ولكن ظروف أهل القطاع لا تخفى أيضاً على أحد بمن فيهم الموظفون المضارون. والمشكلة أن تطور الأحداث على هذا النحو يهدد شرعية السلطة ذاتها، فقد فشلت حتى الآن في التفاوض الذي اعتمدته خياراً وحيداً لتحقيق تسوية، وفشلت في حماية الفلسطينيين من التغول الإسرائيلي على ممتلكاتهم وحقوقهم بما فيها الحق في الحياة ذاته، وها هي تفشل أيضاً في توفير لقمة العيش الكريمة للموظفين التابعين لها الذين التزموا بأوامرها. وفرق بين أن تجيء المعارضة من فصائل سياسية وجماهير لا تنتمي لـ«فتح» وبين أن يأتي الاعتراض هذه المرة ممن يُفترض أنهم أنصارها، لأن معنى هذا أن الشرعية المستمدة من «فتح» ذاتها أصبحت موضع تساؤل، بل إن جدوى السلطة نفسه يصبح موضع تساؤل أيضاً. والمشكلة أن هذه التطورات تأتي في وقت عربدة إسرائيلية في كل ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية، وملاحقة للفلسطينيين بقوانينها الجائرة التي تجيز مرة الاستيطان على أراضٍ مملوكة ملكية خاصة للفلسطينيين، ومرة أخرى هدم البيوت غير المرخصة علماً بأن هذا القانون ينطبق أساساً على الفلسطينيين، لأن إسرائيل لا تمنحهم تراخيص عادة، فمن يبقى للفلسطينيين وأهل غزة؟

*نقلا عن صحيفة الاتحاد