أعلن الحرس الثوري الإيراني، في 13 مارس الجاري، عن هجوم صاروخي، استهدف مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، باستخدام 12 صاروخاً باليستياً بعيد المدى من نوع "فاتح – 110"، والذي يبلغ مداها 300 كم، وإن كان من الملاحظ أن الأضرار المادية والبشرية كانت محدودة للغاية، فلم يترتب على الهجوم سوى إصابة شخصين.
غموض الموقع المستهدف:
أطلقت إيران بشكل مباشر الصواريخ من إحدى القواعد الصاروخية التابعة للحرس في شمال غرب إيران، وتضاربت الروايات حول المواقع التي تم استهدافها جراء القصف الصاروخي، ويمكن توضيحها على النحو التالي:
1- الرواية الإيرانية: أكد بيان الحرس الثوري الإيراني أن القصف طال موقعاً تابعاً لإسرائيل سمته بـ"المركز الاستراتيجي للتآمر وجرائم الصهاينة"، ومحذرة إياها من تكرار أفعالها ضد إيران، إذ أكدت طهران أن أي هجوم إسرائيلي سيواجه برد حازم ومدمر.
وقد نفى المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمود عباس زاده مشكيني، أي علاقة لإيران بهذا الحادث، وهو ما يُشير إلى تضارب وتخبط التصريحات الإيرانية بشأن الهجوم، وهو ما تم تداركه لاحقاً عبر إعلان الحرس الثوري مسؤوليته المباشرة عن الهجوم.
2- الرواية العراقية: أكدت السلطات في إقليم كردستان العراق أن هجوماً صاروخياً نُفِذَ من خارج البلاد وتحديداً من جهة الشرق، في إشارة إلى إيران، مستهدفاً المقر الجديد للقنصلية الأمريكية في أربيل والمناطق المدنية القريبة، مضيفة أن الهجوم أسفر عن خسائر مادية دون ضحايا. وأكد مسؤول أمريكي أن الهجوم قد تم من إيران بشكل مباشر.
رسائل تصعيدية:
يُعد هذا القصف الصاروخي من جانب إيران هو الأكبر منذ الهجمات التي استهدفت قاعدة عين الأسد وقاعدة أربيل اللتين تضمان قوات أمريكية في العراق، عقب مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، مطلع عام 2020، وإن لم يترتب عليه أي خسائر مادية أو بشرية كبيرة. ويحمل الهجوم الأخير عدداً من الرسائل التي يمكن تسليط الضوء عليها على النحو التالي:
1- الرد على التصعيد الإسرائيلي: أكدت إيران أن الهجوم يستهدف التهديدات الإسرائيلية في إقليم كردستان المجاور، باعتباره جبهة متقدمة لإسرائيل ضد إيران، يمكن استخدامها في توجيه الهجمات ضد الداخل الإيراني، وهو ما أكده متحدث الخارجية الإيرانية بأن إسرائيل تسببت في انعدام أمن إيران انطلاقاً من الأراضي العراقية أكثر من مرة، كما زعمت إيران أن القصف على أربيل أسفر عن مقتل وجرح عدداً من ضباط الموساد الإسرائيلي.
ويأتي هذا القصف بعد يومين من مقتل اثنين من كوادر الحرس الثوري الإيراني في سوريا وهما العقيدان إحسان كربلائي بور ومرتضى سعيد نجاد، بقصف إسرائيلي استهدف مواقع قرب دمشق، وهو ما أعقبه توعد الحرس الثوري بدفع تل أبيب الثمن.
وزعمت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، في 15 مارس الجاري، عن هجوم قامت به ست طائرات إسرائيلية، الشهر الماضي، انطلقت من إقليم كردستان العراق واستهدفت معسكراً داخل إيران يضم شبكة طائرات مسيّرة، ما أوقع خسائر فادحة لم تعلن عنها طهران.
ويلاحظ أن كلاً من الرواية الإيرانية والإسرائيلية تحتاج إلى تدقيق، إذ إنه لو صدقت ما ذهبت إليه الصحيفة الإسرائيلية بأن تل أبيب شنت هجوماً باستخدام مقاتلات ضد هدف داخل إيران، كان من المفترض أن تستهدف الأخيرة هذه القاعدة بالصواريخ، وهو ما لم يحدث، إذ أعلنت طهران أنها استهدفت مركزاً استراتيجياً للتآمر، وفقاً لزعمها، وهو ما قد يشير إلى محطة إسرائيلية للتجسس، على سبيل المثال، وليس قاعدة جوية، كما أن مكان الصواريخ كان في مناطق مدنية، وليس خارج المدن.
2- زيادة الضغط على واشنطن: أعلنت السلطات الكردية إن الهجوم الإيراني استهدف القنصلية الأمريكية في أربيل، من دون حدوث خسائر في الأرواح، وهو ما يُشير إلى رغبة إيرانية في توضيح أن البديل عن التوصل إلى صفقة مع إيران في فيينا، سيكون تعريض المصالح الأمريكية في المنطقة للتهديد.
ويتزامن ذلك الهجوم مع تشدد إيران في المفاوضات النووية، خاصة مع مطالبتها برفع إدراج الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب لديها، وهو ما ردت عليه واشنطن بفرض شروط جديدة في المفاوضات، في محاولة للضغط على إيران للتراجع.
كما تحاول طهران من وراء ذلك الهجوم التأكيد على أنه حتى في حال تم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي في فيينا، فإن سلوكها التصعيدي ضد المصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة لن يتوقف.
ومن جهة أخرى، فإن إيران ربما تسعى إلى إرسال رسائل لواشنطن مفادها أن عليها أن توقف الهجوم الإسرائيلي ضد إيران، وإلا فإنها، سوف تتجه لاستهداف المصالح الأمريكية عوضاً عن تهديد إسرائيل، وذلك نظراً لإخفاقها أو خوفها، من تهديد إسرائيل بشكل مباشر.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين سبق وأن أكدوا أن هجوم إيران على قاعدة التنف الأمريكية في سوريا في أكتوبر 2021 جاء رداً على الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا.
3- التأثير على الحكومة العراقية: يتزامن القصف الإيراني على أربيل، مع احتدام أزمة تشكيل الحكومة العراقية، إذ إنه جاء بعد ساعات قليلة من إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، رفضه تشكيل حكومة وحدة وطنية، في إشارة إلى رفضه شروط الإطار التنسيقي، الذي يضم الفصائل الموالية لإيران، بشأن تشكيل الحكومة، بعد اللقاء الذي جمع بينهما في النجف في 12 مارس الجاري.
هذا بجانب ما يحمله الهجوم من رسائل إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه الحاكم للإقليم، والذي تتهمه طهران بالإسهام في تشتيت "البيت الشيعي" نتيجة لتحالفه مع مقتدى الصدر ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي.
ولعل ما يؤكد هذا المعنى ثناء كتائب حزب الله العراقي، أحد القوى المنضوية تحت الإطار التنسيقي، على القصف الذي تعرضت له أربيل، وإن أرجعه إلى ما اعتبره رداً على قصف صهيوني سابق استهدف إيران بالمسيرات من الأراضي العراقية.
4- استغلال الأزمة الأوكرانية: تسعى إيران إلى توظيف الانشغال الأمريكي والغربي بالتدخل الروسي العسكري ضد أوكرانيا، في القيام بعمليات تصعيدية تدرك أنها لن تواجه برد أمريكي صارم، خاصة أن واشنطن تسعى للتركيز على أوروبا، وتجنب فتح أي جبهة جديدة للصراع في الشرق الأوسط.
وقد تأكد ذلك من خلال نفي الخارجية الأمريكية وجود ما يُشير إلى أن الهجوم كان موجهاً ضدها، وذلك على الرغم من أن بعض هذه الصواريخ سقط بالقرب من مبني القنصلية الأمريكية في أربيل، وهو ما يؤشر إلى رغبة واشنطن في تجنب الرد على هذا الهجوم.
5- مواصلة التصعيد الإقليمي: يتزامن القصف الصاروخي الذي قام به الحرس الثوري الإيراني على أربيل، مع تصعيد ميليشيا الحوثي، التابعة لإيران، ضد السعودية، إذ هاجمت الجماعة الإرهابية مصفاة تكرير بترول في الرياض، في 11 مارس الجاري، وهو ما عبّر عنه المرشد الأعلى، علي خامنئي، قبيل أيام من انطلاق القصف على أربيل، عندما قال إن بلاده لن تتخلى عن وجودها الإقليمي، في إشارة إلى استمرار إيران في دعم ميليشياتها في دول المنطقة.
وفي الختام، يمكن القول إن إيران ستواصل تصعيدها خلال الفترة القادمة بالتزامن مع تعقد المفاوضات في فيينا، واستمرار الصراع الأوكراني، وفي حين أن الولايات المتحدة سوف تتحاشى الرد على إيران، فإن إسرائيل سوف تستمر في نهجها القائم على تنفيذ هجمات ضد المصالح الإيرانية في سوريا. ويلاحظ أن الهجمات الإيرانية المتكررة ضد العراق سوف تدفع واشنطن إلى تأجيل سحب قواتها من العراق لحماية مصالحها هناك، كما قد يدفع إلى زيادة التنسيق بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي لإبعاد إيران عن الساحة السورية.