في تطور لافت للحرب الدولية على تنظيم "داعش"، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني، في 19 نوفمبر 2019، أن "القوات الحكومية محت التنظيم في معقله الرئيسي بإقليم ننجرهار"، لاسيما بعد استسلام 600 من قياداته ومقاتليه لتلك القوات، خلال الفترة الأخيرة، وذلك بعد الهجمات المشتركة التي قامت بها بالتعاون مع القوات الأمريكية. ومع ذلك، فإن اتجاهات عديدة تبدي شكوكاً في القضاء تماماً على التنظيم (الذي تمثله ما يسمى بولاية خراسان) بشكل يساعد في إنهاء وجوده في أفغانستان التي سعى إلى تحويلها إلى معقل جديد لعناصره بعد الهزائم التي تعرض لها في المناطق الرئيسية التي سيطر عليها منذ منتصف عام 2014، وخاصة في كل من العراق وسوريا.
موقف حذِر:
رغم أن الجنرال أوستن إس ميلر قائد القوات الأمريكية والأخرى التابعة لحلف الناتو في أفغانستان قال، في أول ديسمبر الجاري، أن "سقوط إقليم ننجرهار يمثل ضربة قوية للتنظيم"، إلا أنه في الوقت ذاته حذر من استمرار خطر "داعش" داخل أفغانستان، حتى وإن لم يسيطر على مساحات واسعة من الأرض، وهو ما يوحي بأن سقوط معقله لا يعني نهايته، لاسيما في ظل الاختراقات التي حققها في مناطق متعددة من البلاد، على نحو يشير إلى أنه من السابق لأوانه القول بأنه تم القضاء على "داعش" في أفغانستان بشكل نهائي. فالمسألة لا تتعلق فقط بالسيطرة الترابية، رغم أهميتها بالطبع، وإنما ترتبط أيضاً بالنفوذ الفكري والاستقطاب الاجتماعي.
كما أن اتجاهات عديدة أشارت إلى أن تراجع نفوذ "داعش" لا يعود فقط إلى الضربات التي شنتها القوات الحكومية ضد مواقعه وعناصره، وإنما إلى توسيع نطاق المواجهات التي انخرط فيها التنظيم خلال العامين الأخيرين مع القوى والأطراف المناوئة له في أفغانستان، والتي كان لها دور في إضعاف نشاطه لدرجة أدت في النهاية إلى فقدانه معقله الرئيسي الذي حاول التمسك به رغم كل الضربات التي تعرض لها في الفترة الماضية.
ومن هنا، فإن أهمية وتأثير الضربة القوية التي تعرض لها "داعش" بفقدانه إقليم ننجرهار، لا تنفي في الوقت نفسه أن ثمة عقبات عديدة قد تواجه محاولات القضاء على نفوذه نهائياً داخل أفغانستان، يمكن تناولها على النحو التالي:
1- توافر الموارد البشرية: ما زالت لدى تنظيم "داعش" في أفغانستان قدرة على استقطاب وتجنيد أعداد من الإرهابيين، ليس من الشباب المتطرف فحسب، وإنما أيضاً من عناصر حركة "طالبان"، التي تتنافس معه على النفوذ في أفغانستان، ويستند في ذلك إلى تأثير بعض كوادره الحاليين، الذين كانوا في الأساس أعضاء في الحركة قبل انشقاقهم عنها وانضمامهم له، حيث ما زالوا حريصين على فتح قنوات تواصل مع بعض العناصر داخل "طالبان" لإقناعهم بتبني الخطوة نفسها.
كما أن التنظيم حاول خلال الفترة الماضية تكوين رصيد اجتماعي داخل بعض شرائح المجتمع الأفغاني من أجل مساعدته على تجاوز الضغوط التي يتعرض لها من جانب الأطراف المناوئة له، وتوفير مصدر بشري يستطيع الاستناد إليه لتعويض خسائره البشرية نتيجة الضربات العسكرية القوية التي يتعرض لها. وقد حاول التنظيم استغلال وجود بعض هذه العناصر في تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، إضافة إلى القيام ببعض الأدوار اللوجيستية، على غرار عمليات الرصد والمراقبة، إلى جانب زرع عبوات ناسفة تستهدف قوات الأمن وحركة "طالبان" والمدنيين على حد سواء.
وقد اتبعت المجموعات الفرعية التابعة لـ"داعش" في بعض المناطق الآلية نفسها من أجل تعزيز قدرتها على "التعايش" مع الضغوط التي فرضتها الهزائم العسكرية التي منى بها، حيث اعتمدت في المقام الأول على توسيع القاعدة المؤيدة لها واستقطاب قيادات من التنظيمات الإرهابية المنافسة للانضمام إليها.
2- استقطاب المقاتلين الأجانب: كان لافتاً أن تنظيم "ولاية خراسان" كان أحد أبرز المجموعات الفرعية الموالية لـ"داعش" التي استقطبت أعداداً من المقاتلين الأجانب الذين انتقلوا من المناطق التي سبق أن سيطر عليها وفقدها بسبب الهزائم العسكرية التي منى بها. وربما تتزايد وتيرة انتقال بعض تلك العناصر إلى داخل أفغانستان، لاسيما بعد مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي، في 27 أكتوبر الماضي في محافظة إدلب السورية.
ورغم أن المتحدث باسم حاكم إقليم ننجرهار عطاالله خوغياني أشار إلى أن "مقتل البغدادي شكل ضربة لقيادة التنظيم وهيكليته، وأن هذا الأمر أثر على المقاتلين الموجودين على الأرض هنا، هم إما يستسلمون للحكومة وإما يعودون إلى الحياة الطبيعية التي كانوا يعيشونها قبل انضمامهم إلى التنظيم"، فإن اتجاهات أخرى ترى أن هذا المسار ربما يتراجع تدريجياً لصالح تزايد قدرة التنظيم على جذب مزيد من الإرهابيين إليه من جديد.
3- القدرات التنظيمية: استطاع التنظيم ضم بعض العناصر التي تمتلك قدرات تنظيمية وعسكرية ملحوظة، على نحو يمكن أن يساعده في العمل على احتواء تداعيات الضربات العسكرية التي يتعرض لها، وفي الوقت نفسه تنفيذ عمليات إرهابية نوعية تثبت قدرته على نفى الروايات الخاصة بانتهاء دوره ونفوذه داخل أفغانستان. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن التنظيم حاول إثبات قدرته على تنفيذ عمليات حتى خارج أفغانستان، على نحو بدا جلياً في العملية التي قام بها في 6 نوفمبر الفائت، على الحدود مع طاجيكستان، وأسفرت عن مقتل 17 شخصاً.
أخيراً، على ضوء ما سبق، يمكن القول إن الانتصار الذي حققته القوات الأفغانية بالقضاء على تواجد تنظيم "ولاية خراسان" في معقله الرئيسي في ننجرهار، سوف يؤدى إلى انحسار التنظيم من الناحية الجغرافية وليس من الناحية التنظيمية، لاسيما في ظل العقبات السابق ذكرها، وهو ما يعني أن "داعش" ربما يكون قد خسر معركة ولكنه لم يخسر الحرب بعد، خاصة وأن كل الأطراف المعنية ما زالت تترقب الآن ردود فعله خلال الأيام القادمة على سقوط معقله الرئيسي في أفغانستان، على أساس أن ذلك سوف يمثل مؤشراً على حدود تأثير ذلك التطور على قدراته التنظيمية والعسكرية.