اختُتمَت مفاوضات السلام بين أطراف الصراع (الحكومة الشرعية - الميليشيات الحوثية) التي استضافتها العاصمة السويدية ستوكهولم في الفترة 6 – 13 ديسمبر 2018، بإعلان المبعوث الأممي لليمن "مارتن جريفيث" التوصل إلى اتفاق تضمّن أربع قضايا رئيسية، هي: الاتفاق على استكمال المفاوضات في شهر يناير 2019 تحت رعاية الأمم المتحدة وفقًا للمرجعيات الثلاث (مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة 2216)، وكذلك الاتفاق على تبادل الأسرى (16 ألف أسير) بين الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية (8500 أسير تابع للحكومة الشرعية في معتقلات الحوثيين – 7500 أسير حوثي في سجون الحكومة الشرعية).
كما تم الاتفاق على تطبيق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة على الساحل الغربي للبلاد، وانسحاب الميليشيات الحوثية منها على مرحلتين (تبدأ المرحلة الأولى خلال 14 يومًا من تاريخ الاتفاق – والمرحلة الثانية خلال 21 يومًا)، بالإضافة إلى إصدار بيان تفاهم حول مدينة تعز جنوب غرب البلاد ينص على انسحاب الميليشيات الحوثية منها، وذلك من خلال تشكيل لجنةٍ مشتركةٍ مهمتها وقف إطلاق النار وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية عبر خط "الحوبان - تعز - صنعاء" من خلال النص على تسهيل الطرفين لذلك، ولكن دون الإشارة إلى إجراءات محددة في هذا الخصوص، والاكتفاء بذكر كلمة تسهيل فقط.
مؤشرات التراجع الحوثي:
توجد مجموعة من المؤشرات الدالة على عدم التزام الميليشيات الحوثية مسبقًا بما تم الاتفاق عليه في مفاوضات السويد، ومن أهمها ما يلي:
1- عدم حسم القضايا العالقة: حيث تراجع وفد الميلشيات الحوثية في السويد عن التوصل إلى اتفاق محدد مع وفد الحكومة الشرعية بشأن إعادة فتح المطارات وعلى رأسها مطار صنعاء، وكذلك رفض الحديث بخصوص الملف الاقتصادي الذي يشمل دفع الرواتب المتأخرة لموظفي المؤسسات الحكومية التي تسيطر عليها الميليشيات الحوثية حتى الآن رغم فشلها في إدارة شئون الدولة وما ترتب على ذلك من تدهور واضح في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين نتيجة لذلك، بالإضافة إلى عدم الاتفاق على وضع إطار سياسي لتنفيذ كل ما تم التوصل إليه في هذه المفاوضات.
2- التفسير الحوثي لبنود الاتفاق: ومن ذلك إعلان رئيس وفد الميليشيات الحوثية "محمد عبدالسلام" بعد عودته من السويد أنه تم الاتفاق على انسحاب القوات الشرعية مدعومة بقوات التحالف من جنوب مدينة الحديدة، وأن يتم تسليم المدينة بأكملها للعناصر الحوثية، وهذا مخالف لما تم الاتفاق عليه بشأن مدينة الحديدة، حيث تم الاتفاق على انسحاب الميليشيات الحوثية من الميناء والمدينة، وإعادة انتشار القوات المسلحة بشكل مشترك بين القوات الحكومية وعناصر الميليشيات في عدة مواقع هامة، وخاصة في موانئ "الحديدة" و"الصليف" و"رأس عيسى" وكذلك الانتشار المشترك لهذه القوات في عدة مواقع تم الاتفاق عليها داخل وخارج مدينة "الحديدة" في مدة زمنية تبلغ 21 يومًا بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
كما أعلن أنهم قدموا تنازلات كثيرة بشأن مدينة الحديدة، وأنهم غير مستعدين لتقديم تنازلات أخرى وخاصة فيما يتعلق بملف المطارات، وهو ما يشير إلى النوايا الحقيقية للميليشيات الحوثية التي ترغب في تعظيم مكاسبها السياسية دون تقديم تنازلات تتعلق بتسليم السلاح أو المدن، وهو ما يزيد من احتمالات فشل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في السويد من قبل الحوثيين.
3- التهديد بمواصلة التصعيد: حيث أعلنت الميليشيات الحوثية أنها سوف تواصل تصعيدها العسكري إذا لم تخرج القوات الموالية للشرعية من مدينة الحديدة، وفي ذلك مخالفة لما نصّ عليه اتفاق ستوكهولم الذي نصّ على إزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة في المدينة، والالتزام بعدم استقدام أية تعزيزات عسكرية من قبل القوات الموالية للشرعية والميليشيات الحوثية إلى مدينة الحديدة أو الموانئ التابعة لها.
4- غياب الضمانات الملزمة: حيث لم ينص اتفاق ستوكهولم على أية ضمانات تجبر الميليشيات الحوثية على الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه فيما يخص ملفي الحديدة والأسرى، وهو ما دفع "خالد اليماني" رئيس وفد الحكومة الشرعية للقول بأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يتحملان مسئولية إجبار الحوثيين على تنفيذ الاتفاق في هذين الملفين، وأن الضمانات التي تعتمد عليها الحكومة الشرعية في ملف الأسرى وإطلاق سراح المعتقلين كانت من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأمر الذي يمنح الميليشيات فرصة للتنصل من أية اتفاقات ملزمة، خاصة وأن الخبرة التاريخية لهم ترجّح ذلك الأمر، وظهر ذلك في عدم حسمهم للملف الاقتصادي والمطارات أثناء المفاوضات الأخيرة.
5- الدعم الإيراني للحوثيين: استناد الحوثيين إلى استمرار الدعم الإيراني لهم، وفي هذه المرة الدعم السياسي الذي تمثل في تصريحات الخارجية الإيرانية التي رحبت باتفاق ستوكهولم، حيث رأوه -من وجهة نظرهم- دعمًا لموقف الميليشيات الحوثية، وخاصة بعد الاتفاق على وقف إطلاق قوات التحالف العربي النار ضد المواقع الحوثية في مدينة الحديدة، وهو ما يُعد مكسبًا للميليشيات الحوثية ومن ورائهم إيران.
ويؤكد ذلك الاتجاه، تصريحات وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" (خلال مشاركته في أعمال "منتدى الدوحة" في العاصمة القطرية في 15 ديسمبر 2018) بأن بلاده فعلت كل ما بوسعها لجعل هذه المحادثات تبدأ، مؤكدًا استعداد بلاده لاستخدام نفوذها وتأثيرها من أجل تحقيق السلام والاستقرار في اليمن.
6- استثمار المتغيرات الدولية: حيث تسعى الميليشيات الحوثية لاستغلال البيئة الدولية المواتية لها حاليًّا، فمن جهة أولى فقد منحتهم المشاركة في مفاوضات السويد شرعية بصفتهم شريكًا أساسيًّا في العملية السياسية بالبلاد، وهو ما سوف يستثمرونه لتحقيق مزيدٍ من المكاسب السياسية والعسكرية خلال الفترة القادمة.
الخلاصة:
يُعد الإعلان عن اتفاق ستوكهولم خطوة هامة في طريق تحقيق التسوية السياسية للأزمة اليمنية، إلا أن الكثير من البنود التي تضمنها الاتفاق تحتاج إلى تفسير واضح ومحدد، خاصة وأن الميليشيات الحوثية بدأت في تفسير ما تم الاتفاق عليه وفقًا لأهدافها العسكرية، خاصة في الحديدة التي ستستفيد بالفعل من الاتفاق حول الحديدة لإعادة نشر قواتها، الأمر الذي يعني إخفاق جهود التسوية بسبب المراوغة الحوثية وخبرتها في عدم الالتزام بأية اتفاقات لحل الأزمة.
ومن المرجّح أن تشهد الفترة المقبلة اتجاه الميليشيات الحوثية لخرق وقف إطلاق النار، وذلك على خلفية خرقها للاتفاقات المماثلة سابقًا، والاستفادة منها في إعادة ترتيب صفوفها، ومحاولة استعادة ما فقدوه من مواقع بهدف استخدام ذلك كورقة ضغط أثناء عقد جولة المفاوضات القادمة. الأمر الذي يتطلب قيام الأمم المتحدة بالمزيد من جهود التسوية من خلال قيام مبعوثها لليمن "جريفيث" بمتابعة تنفيذ كل من الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية لما تم الاتفاق عليه في جولة السويد إلى أن يتم عقد الجولة القادمة لاستكمال مناقشة القضايا العالقة بين الطرفين، وفي حالة عدم التزام الميليشيات بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه فلن تكون هناك مفاوضات قادمة مما يعني إطالة أمد الأزمة.