إعداد: أحمد عبدالعليم
تمر منطقة الشرق الأوسط باضطرابات غير مسبوقة من الممكن أن تغير المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي فيها. ومن المحتمل أن تستمر هذه التغيرات في التأثير علی المنطقة لسنوات مقبلة، لأن التحديات والانقسامات التي تعانيها الدول والمجتمعات فيها هيأت الأرضية المناسبة لنمو التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.
وتأتي العراق على رأس دول المنطقة التي تواجه تهديدات وأزمات داخلية عديدة، وذلك منذ الغزو الذي تعرضت له في عام 2003. ومع بداية الربيع العربي في عام 2011 ودخول إقليم الشرق الأوسط مرحلة من عدم الاستقرار السياسي، تأثرت العراق بشكل كبير، خاصةً مع ظهور تنظيم "داعش". ومع مرور الوقت، باتت أزمات العراق مستعصية على الحل في ظل تعدد الأطراف الفاعلة، ورغبة كل طرف في تحقيق مصالحه الخاصة.
انطلاقاً مما سبق، نشرت مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث MERI تقريراً، في شهر فبراير 2016، يتضمن ملخصاً لملتقى سنوي نظمته المؤسسة في نوفمبر 2015 عن مستقبل منطقة الشرق الأوسط، وقد شارك في نقاشات الملتقى عدد كبير من الباحثين والأكاديميين وصانعي السياسات وقادة الرأي. وركزت جلساته على العراق وقضاياها، ومنها مستقبل كركوك والمناطق المتنازع عليها وتحديد مصيرها، وتزايد أزمة السكان النازحين بالتزامن مع تصاعد نفوذ تنظيم "داعش"، وصولاً إلى المشاكل المرتبطة بحماية السكان المدنيين من النزاعات المسلحة القائمة في العراق.
مستقبل كركوك
سلط التقرير الضوء على الأزمات التي يواجهها إقليم كردستان العراق، مشيراً إلى وجود أزمات داخلية متعلقة بالتدهور الاقتصادي وتزايد المظالم الاجتماعية، وذلك منذ تشكيل حكومة إقليم كردستان الموحدة في عام 2006. كذلك فإن ثمة مخاطر متعلقة بالتهديدات الأمنية الخطيرة لتنظيم "داعش"، فضلاً عن القضايا الخلافية بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد بشأن النفط ومستقبل المناطق المتنازع عليها.
وفي هذا الإطار، دارت أغلب المناقشات في الملتقى حول تطبيق المادة (140) من الدستور العراقي، والتي تنص على أن تقوم السلطة التنفيذية المنتخبة بعمل استفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها من أجل تحديد إرادة المواطنين. ومع التسليم بوجود الكثير من الصعوبات في تطبيق هذه المادة، فقد انقسم المشاركون في ملتقى MERI بين من يرى إمكانية تطبيق المواد الدستورية الخاصة بمستقبل كركوك في ظل دعم أممي وأمريكي، فيما أعرب آخرون عن شكوكهم في إمكانية تطبيق المادة (140)، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار العرب الموجودين في كركوك، وأغفلت ضرورة أن يتم بناء الثقة بين الأعراق المختلفة في العراق، وأنه قبل أي استفتاء حول تقرير المصير لابد من وجود حوار داخلي يتيح مستقبلاً أفضل للجميع.
كذلك فقد أكد بعض الحضور في الملتقى على رفض إنشاء قوات عسكرية عربية في إقليم كركوك، لأن ذلك سوف يزيد التوترات الحالية الاجتماعية والسياسية، كما طالبوا بضرورة وجود دعم مالي كبير لإقليم كركوك حتى يكون قادراً على استقبال النازحين. واعتبروا أن اللامركزية هي المفتاح الذي يسمح بمستقبل أفضل للعراقيين في ظل وجود عدالة في توزيع الموارد المالية، مع توفير الأمن للجميع.
"داعش" وتفاقم أزمة النازحين في العراق
أشار التقرير إلى أن أزمة النزوح في العراق شديدة الخطورة، خاصةً في ظل تقديرات تشير إلى نزوح حوالي أربعة ملايين عراقي حالياً، بينهم ثلاثة ملايين بسبب تنظيم "داعش"، ومليون بسبب غزو العراق في عام 2003. وحذر التقرير من أن العراق تواجه كارثة إنسانية واسعة النطاق تتطلب دعماً كبيراً من المجتمع الدولي من أجل إنقاذ هؤلاء النازحين.
وقد توقع التقرير أن يستغرق حل مشكلة النازحين في العراق وقتاً طويلاً، لكنه يبدأ بوجود عقد اجتماعي بين المواطنين والدولة، وكذلك ضرورة وجود مصالحة حقيقية بين كافة فئات المجتمع العراقي وبين انتماءاته السياسية والدينية المختلفة. ومن الضروري أن يتم ذلك بشكل متوازٍ بهدف خلق أكبر قدر من الثقة بين جميع الأطراف. كذلك فإن مواجهة "داعش" بطرق غير تقليدية أمر مهم من أجل عودة الاستقرار إلى العراق، خاصةً في ظل عدم وجود تجهيزات عسكرية حديثة لدى الجيش العراقي، نظراً لتأثره بالانقسامات والاختلافات السياسية بين المسؤولين العراقيين.
وفيما يخص الأكراد، فقد أكد التقرير أن إقليم كردستان وقوات البشمركة قد نجحا في دحر "داعش"، وهو ما يتطلب فهماً أمريكياً ودولياً لذلك، وأنه يتعين على الولايات المتحدة أن تغير من سياساتها بخصوص الموافقة على شراء الأكراد للسلاح، خاصةً في ظل القلق الكردي المتزايد من السياسات التركية في العراق، وما يمكن أن يترتب على ذلك من عرقلة أي جهود مبذولة نحو محاربة تنظيم "داعش".
حماية المدنيين العراقيين من النزاعات المسلحة
أكد التقرير أن العراق يمر بحالة من عدم الاستقرار في السنوات الأخيرة في ظل تعدد الجهات المؤثرة فيه، وهي جهات ليست على علم بالقانون الدولي أو تشعر أنها غير ملزمة به، ولذا فإنها تقوم بالعديد من الانتهاكات، وتشمل بعض هذه الانتهاكات الاستخدام المفرط للقوة، والإعدام والقتل خارج نطاق القانون، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة الاختفاء القسري، وتدمير المواقع الثقافية والبنى التحتية للمدنيين، واستهداف الأطفال في الصراع المسلح، واختطاف وقتل المدنيين.
وبالتالي، فإن هذا الوضع المأساوي يستوجب ضرورة قيام الأمم المتحدة بوضع الضمانات الكافية من أجل تنفيذ وتفعيل القانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى استمرار تحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" باعتباره المسؤول عن أغلب الأعمال المخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وفي هذا السياق، نقل التقرير عن "باسكال بونجارد"، مدير منظمة نداء جنيف؛ وهي منظمة سويسرية غير حكومية تعمل على إشراك الفاعلين المسلحين من غير الدول في الالتزام بالقواعد الإنسانية الدولية ومنها حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، أن المنظمة قد قامت بجهود كبيرة في مناطق النزاع المختلفة، ومن ذلك تدريب المجموعات الكردية المسلحة حول القانون الدولي الإنساني، وإطلاق حملة شملت كل الأحزاب السياسية والدينية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في العراق من أجل أن يكونوا أكثر وعياً بالسلوكيات المتوافقة مع القانون الدولي.
ختاماً، فقد خلصت المناقشات في ملتقى مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث MERI إلى عدد من التوصيات بهدف الوصول إلى أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية أفضل في العراق بشكل عام، وفي إقليم كردستان بشكل خاص، وذلك على النحو التالي:
- ضرورة مواصلة الحوار بين كافة الأطراف السياسية في العراق، وإنهاء حالة الجمود السياسي.
- تعزيز الجهود الدولية للحد من العنف، وحماية المدنيين من التنظيمات المسلحة في العراق، وعلى رأسها "داعش".
- الشراكة مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية من أجل تقديم إصلاحات اقتصادية تفيد المواطنين العراقيين، وتحسين سُبل المعيشة لهم.
- أن تقوم الأحزاب السياسية العراقية بالتوافق فيما بينها على وقف استخدام المنابر الإعلامية في التشهير ببعضها البعض.
* عرض مُوجز لتقرير عنوانه: "مشاركة الرؤى من أجل مستقبل الشرق الأوسط"، والصادر في فبراير 2016 عن مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث MERI، وهي مؤسسة بحثية كردية توجد في إقليم كردستان العراق.
المصدر:
Samuel Morris and others, Sharing vision for the future of the Middle East, (Iraq: The Middle East Research Institute, February 2016).