أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مسار متعثر :

تراجع فرص نجاح جلسات الحوار الشامل في تشاد

21 سبتمبر، 2022


انطلق الحوار الوطني الشامل في العاصمة التشادية، نجامينا، في 20 أغسطس 2022، بحضور نحو 1400 مندوب، يمثلون المعارضة المدنية والمسلحة، وكذلك المجلس العسكري الحاكم في البلاد. وكان يفترض أن يستمر الحوار لمدة ثلاثة أسابيع للتوصل إلى توافقات حول وضع دستور جديد للبلاد والتحضير للانتخابات، غير أن الحوار لا يزال يشهد العديد من التحديات التي تهدد بإفشاله، على الرغم من انتهاء المهلة المحددة له.

مشهد مأزوم:

انطلقت جلسات الحوار الوطني الشامل بعد نحو أسبوعين فقط من توصل المجلس العسكري الحاكم ونحو 40 حركة من المعارضة المسلحة إلى اتفاق الدوحة، غير أن الحوار واجه على مدار الأسابيع الأخيرة تحديات يمكن عرضها على النحو التالي:

1- مقاطعة المعارضة للحوار: وقعت العديد من حركات المعارضة المسلحة على اتفاق الدوحة، وانخرطت في الحوار الشامل في نجامينا، مثل اتحاد قوى المقاومة برئاسة تيمان إرديمي، وحركة اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية برئاسة محمد نوري، غير أن هناك عدداً من حركات المعارضة المسلحة التي رفضت المشاركة في الحوار بعد انسحابها من اجتماعات الدوحة، ولعل أهمها جبهة الوفاق من أجل التغيير "فاكت"، والتي قادت الهجوم الذي أسفر عن مقتل الرئيس السابق، إدريس ديبي في أبريل 2021.

كما قاطع عدد من قوى المعارضة المدنية أيضاً الحوار الشامل، لعل أبرزها تجمع أمة للجميع وائتلاف أحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدني "واكت تاما"، حيث وجه الأخير اتهامات للمجلس العسكري تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، والعمل على التحضير لترشح محمد ديبي في الانتخابات المقبلة، وذلك على الرغم من تعهد المجلس العسكري الحاكم منذ بداية المرحلة الانتقالية بعدم ترشح أي عضو بالمجلس للانتخابات المقبلة.

2- الاعتراض على رئاسة الحوار: انتخب المندوبون الـ 1400 المشاركون في الحوار الوطني الشامل أعضاء الهيئة الرئاسية، المكونة من 21 عضواً، والمنوط بها الإشراف على جلسات الحوار وإدارتها، وتم اختيار المرشح الرئاسي السابق في عام 2016، غالي نغوتي، رئيساً للهيئة، إلا أن تشكيل الهيئة لاقى احتجاجات واسعة من بعض المندوبين، الذين علقوا مشاركتهم في الجلسات وهددوا بالانسحاب من الحوار.

3- تعليق متكرر للحوار: تم تعليق جلسات الحوار عدة مرات منذ إطلاقه في 20 أغسطس الماضي، وذلك نظراً لدعوة قوى المعارضة لمقاطعة الجلسات، فضلاً عن ممارسة القوات التشادية العنف ضد المعارضة. فقد أعلنت نحو 12 حزباً وحركة مسلحة انسحابها من الحوار عقب أسبوع واحد من بدايته، كما أعلنت الكنيستان البروستانتية والكاثوليكية تعليق مشاركتهما كذلك. ولم يتراجع عن الانسحاب سوى أربعة أحزاب فقط.

4- تصعيد "المغيّرين" للاحتجاجات: استدعت السلطات التشادية الأسبوع الماضي القيادي المعارض، سوكسيه ماسارا، للتحقيق معه بشأن الاشتباكات التي اندلعت مؤخراً في نجامينا، ويعد ماسارا رئيساً لحزب المغيّرين، والذي يمثل أحد القوى الرئيسية المعارضة للحوار الشامل الذي تنظمه تشاد. وأدت عملية استدعاء ماسارا من قبل المدعي العام التشادي إلى احتشاد المئات من أنصار الحزب وحدوث اشتباكات مع عناصر الشرطة، ودعا ماسارا أنصاره إلى تصعيد المقاومة المدنية والتظاهرات ضد المجلس العسكري.

وتأتي الاحتجاجات بعد أيام من التظاهرات التي قام بها المغيّرين وبقية قوى المعارضة السياسية والمجتمع المدني الرافضين للحوار الوطني، حيث اعتبروا أن هذا الحوار يعكس بالأساس مساعي المجلس العسكري الحاكم، برئاسة محمد إدريس ديبي، للبقاء في السلطة. وحاصرت قوات الأمن التشادية مقر الحزب واعتقلت نحو 84 ناشطاً. فيما اكتفت عدة دول غربية بالإعراب عن قلقها من هذه الإجراءات.

مؤشرات إيجابية:

على الرغم من التحديات السابقة، يمكن رصد بعض المؤشرات الإيجابية التي ربما تعزز فرص تحقيق بعض التقدم في الحوار الراهن في نجامينا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- الإفراج عن توم إرديمي: أعلنت مصر، في 13 سبتمبر الجاري، العفو والإفراج عن المتمرد التشادي، توم إرديمي، شقيق زعيم اتحاد قوى المقاومة، تيمان إرديمي. وكان الإخوان إرديمي أحد عناصر نظام الرئيس الراحل، إدريس ديبي، خلال التسعينيات من القرن العشرين، قبل أن يتمردا في عام 2005، ويقودا عدة هجمات للإطاحة بنظام ديبي الأب. ويعد إطلاق سراح توم إرديمي أحد المطالب الرئيسة لاتحاد قوى المقاومة للمشاركة في الحوار الوطني الشامل.

2- وساطة الرئيس السنغالي: ينخرط الرئيس السنغالي ورئيس الاتحاد الأفريقي في دورته الحالية، ماكي سال، للوساطة بين الأطراف التشادية لمنع انهيار الحوار الوطني، وذلك من خلال استقباله للأطراف المنسحبة منه مؤخراً. وكان رئيس "اتحاد الحركات من أجل الديمقراطية والتنمية"، محمد على يوسف، أعلن نهاية أغسطس 2022، عن وجود اتجاه لإطلاق جولة جديدة من المشاورات في داكار، مع الجماعات المسلحة الرافضة للمشاركة في الحوار الشامل.

3- تدخل لجنة الحكماء: تم تشكيل لجنة "الحكماء"، برئاسة نصور جلينجدوكسيا اويدو، ومحمد جرمة، ومشاركة الزعماء الدينيين، المسلمين والكاثوليك والبروتستانت، بغية التفاوض مع الأطراف المقاطعة للحوار لدفعها للعودة له، وعقدت اللجنة عدة لقاءات خلال الأيام الأخيرة مع بعض القوى السياسية. وهناك أخبار غير مؤكدة عن توصلها لاتفاق مع ائتلاف واكت تاما وتجمع أمة للجميع، غير أنها لم تتوصل لاتفاق مع المغيرين، أو المجموعات المسلحة المنسحبة من الحوار. 

ومن جهة أخرى، فإن السلطات التشادية لم تقر الاتفاق الأخير الذي توصلت إليه اللجنة، خاصةً أنه يتضمن إعادة النظر في تمثيل الأطراف المشاركة، ومن ثم تخفيض عدد المندوبين المشاركين في الحوار، كما ينص الاتفاق على إعادة تشكيل الهيئة الرئاسية المسؤولة عن إدارة الحوار، وبالتالي ثمة ترقب حالي لموقف نجامينا من هذا الاتفاق، إذ أن رفضها له سوف يعني تفاقم الخلافات بين المعارضة والمجلس العسكري الحاكم.

4- دعم دولي وأممي: هناك دعم دولي وأممي واسع للحوار الشامل في تشاد، وهو ما انعكس في تأكيد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في أغسطس الماضي، دعم واشنطن لمساعي نجامينا لإجراء حوار وطني شامل يفضي إلى وضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرة وسلمية. والأمر نفسه تتبناه فرنسا حالياً، والتي تأمل في أن يؤدي هذا الحوار إلى تحقيق الاستقرار في تشاد، وذلك لحماية مصالحها هناك. 

وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن ترحيبه بانطلاق الحوار الشامل في نجامينا، معتبراً أنها تشكل فرصة مهمة لتحقيق الاستقرار في البلاد. كما شهدت اجتماعات الحوار الوطني الشامل حضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، والذي أكد على دعم الاتحاد للحوار.

قضايا عالقة:

لا تزال هناك عدة تحديات ربما تعيق مساعي إنجاح الحوار الوطني الشامل في نجامينا، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- رفض المعارضة لترشح ديبي: تتمسك قوى المعارضة المدنية، وكذا بعض حركات المعارضة المسلحة، بعدم ترشح ديبي الأبن، للانتخابات الرئاسية المقبلة، كشرط رئيس للانخراط في الحوار الوطني. وكان ديبي الابن قد تعهد سابقاً بعدم الترشح في الانتخابات القادمة، غير أنه لوّح مؤخراً بنيته للترشح، وهو ما يزيد حدة الخلافات بين المعارضة والمجلس العسكري الحاكم.

2- دعم فرنسي للمجلس العسكري: باتت باريس تعول كثيراً على تشاد لدعم نفوذها في الساحل الأفريقي، لاسيما بعد انسحابها من مالي، والتي لطالما كانت حليفها الاستراتيجي في المنطقة، وهو ما يفسر الدعم الفرنسي الكبير لديبي الأبن، على الرغم من أن وصوله للسلطة جاء بالمخالفة لدستور البلاد. 

وأصبح هناك قناعة راسخة لدى المعارضة بأن المجلس العسكري الحالي مدعوماً بقوة من قبل باريس، وهو ما يعني عدم جدوى الحوار الوطني الشامل الراهن، وأنه لا يعدو عن كونه تكراراً لتجربة ديبي الأب في عام 1993، عندما أطلق مؤتمراً وطنياً لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة لإضفاء شرعية على سلطته.

3- احتمالية تجدد الاشتباكات: أعلن مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية، برئاسة محمد سليمان سنوسي، في نهاية أغسطس 2022، عن مقتل عشرة جنود تشاديين وأسرها لحوالي ثمانية آخرين في منطقة تبيستي بشمال البلاد، وهو ما نفته الحكومة التشادية، وإن أكدت دخول 20 عربة تابعة للحركة المتمردة إلى الأراضي التشادية، من دون وقوع اشتباكات. 

وتنذر هذه التطورات باحتمالية تجدد الصراعات المسلحة مرة أخرى، خاصةً في ظل رفض جبهة "فاكت" الدخول في حوار مع السلطات التشادية، ودعوة الحركات المسلحة الرافضة للحوار للتحالف ضد المجلس العسكري. ويزداد القلق من تجدد الاشتباكات بسبب الاتهامات بوجود دعم من قبل عناصر فاجنر الروسية لبعض حركات التمرد التشادية، وهو ما قد يجعل نجامينا تتحول إلى بؤرة جديدة للتنافس الروسي – الفرنسي في المنطقة.

4- محدودية الإطار الزمني: يفترض أن تنتهي المرحلة الانتقالية، والتي كانت مدتها نحو 18 شهراً، في أكتوبر 2022، وهو ما يعني ضيق الوقت المتاح أمام الحوار الراهن في تشاد، الأمر الذي قد يدفع باتجاه تمديد الفترة الانتقالية. ورجحت تقديرات أن يقوم محمد ديبي، بتمديدها لنحو 18 شهراً أخرى، وهو ما قد يزيد من تصعيد المعارضة ضد المجلس العسكري الحاكم.

وفي الختام، يمكن القول إن احتمالات نجاح الحوار الشامل لاتزال ضعيفة، في ظل استمرارية القضايا الخلافية، وتصاعد المؤشرات على سعي ديبي الابن لتكريس بقائه في السلطة، فضلاً عن اتساع رقعة المقاطعة للحوار، ويتوقف الأمر حالياً على مدى استجابة السلطات التشادية لمطالب المعارضة كشرط لمشاركتها في الحوار، والتي تتعلق غالبيتها بتحقيق التوازن في تمثيل المشاركين، وتشكيل هيئة رئاسية جديدة تتولى إدارة الحوار، تكون أكثر موضوعية وحيادية.