أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

أدوار متحولة:

الأبعاد غير الطبية لاستخدام "عربات الإسعاف" في المنطقة العربية

29 يونيو، 2020


تزايد استخدام بعض الجيوش النظامية والقوى الدولية فضلاً عن الفاعلين المسلحين من غير الدول، سواء الميلشيات المسلحة أو الجماعات المرتزقة أو التنظيمات الإرهابية، لعربات الإسعاف، وبصفة خاصة في بؤر الصراعات العربية، في أغراض غير طبية، باعتبارها أحد تكتيكات المواجهة الميدانية، ومنها رصد ومراقبة تحركات الجيوش الوطنية ونقل المعدات والذخائر للميلشيات الموازية، وتنقل أفراد الجيوش النظامية بين جبهات القتال الداخلية، ومحاولة تنفيذ الهجمات الإرهابية داخل التجمعات السكنية أو لإحداث خسائر بشرية عند الأكمنة الأمنية بعد تفجيرها، وتهريب الأسلحة غير المرخصة عبر الحدود غير المسيطر عليها من قبل الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وحرس الحدود. فضلاً عن استغلال المساعدات الأممية لخدمة أهداف الميلشيا الحوثية، وتعزيز سيطرتها الميدانية، ونقل قتلى وجرح الميلشيات المسلحة من دول الجوار الجغرافي القريب، وإطالة بقاء القوات الروسية في المناطق الاستراتيجية بسوريا.

أنماط متعددة:

لم يعد دور سيارات الإسعاف قاصراً على توفير الإسعافات الأولية وتقديم الرعاية الصحية العاجلة للمرضى والمصابين في الحالات الطارئة بدول الإقليم، ولعل التحذير الصوتي عبر صفارات الإنذار التي تطلقها لتسهيل حركاتها خلال إشارات المرور يعبر عن خطورة التأخر في وصولها. ويرافقها في بعض الأحيان، الأطباء أو الممرضون أو المتطوعون، الذين يقومون بتقديم إسعافات طبية حتى الوصول إلى المستشفى. 

غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً في أدوار تلك السيارات بعد اختطافها من قبل الجماعات الإرهابية أو السيطرة عليها من خلال الميلشيات المسلحة في مناطق نفوذها، أو الاستعانة بسيارات الإسعاف التابعة لإحدى هيئات الإغاثة الإنسانية، أو استغلال المساعدات الأممية بتحويل نمط استعمال تلك السيارات بما يخدم مصالح تلك الميلشيات، على نحو ما تشير إليه النقاط التالية:

رصد الجيوش: 

1- مراقبة تحركات الجيوش الوطنية: وهو ما ينطبق على ممارسات ميلشيات الوفاق تجاه الجيش الليبي، فقد عرض اللواء أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، في 18 يونيو الجاري، مقطع فيديو يوثق ما وصفه بالانتهاكات الجسيمة، التي ترتكبها ميليشيات حكومة "الوفاق" و"المرتزقة" السوريون داخل ليبيا، فضلاً عن مجموعات مسلحة تابعة لقوة دفاع طرابلس بما في ذلك استخدام سيارات الإسعاف التابعة لكل من الهلال الأحمر والصليب الأحمر لمراقبة تحركات الجيش الليبي. 

وتهدف ميلشيات الوفاق من وراء ذلك إلى توفير إحداثيات مواقع الجيش للميلشيات التركية، التي تحرك الطائرات المسيرة، ونقل المعدات والذخائر لتلك الميلشيات على نحو يجعلها جريمة حرب تنافي القوانين الدولية والمحلية، وقد طالب المسماري وحدات الجيش بملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، ومن يوفر لهم الغطاء الرسمي، وتقديمهم إلى القضاء بوصفهم "مجرمي حرب".

تجنب الاستهداف:

2- تنقل أفراد الجيوش النظامية بين جبهات القتال الداخلية: تناقلت صفحات موالية للنظام السوري، في بداية مايو الماضي، تسجيلاً مصوراً يظهر عناصر من جيش النظام داخل سيارة إسعاف طبية التي استحوذت عليها، بهدف التنقل بين جبهات القتال بريف إدلب شمال غرب البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن العناصر المسلحة التابعة للنظام السوري تستخدم تلك السيارات بعد الاستهداف المتكرر من قبل الطائرات المسيرة التركية "بيرقدار" لمواقع وتجمعات النظام، الأمر الذي نتج عنه خسائر بشرية ومادية.

إرهاب الأطراف:

3- محاولة تنفيذ الهجمات الإرهابية داخل التجمعات السكنية: على نحو ينطبق على العناصر الإرهابية التي حاولت تنفيذ عمليات في بعض المناطق الطرفية بالجزائر في عام 2014، وبصفة خاصة أعالي جبال عزازفة، وفقاً لما أشارت إليه بعض المصادر الأمنية، حيث وجهت تلك العناصر أنظارها إلى سيارات الإسعاف التابعة للمصالح الاستشفائية من أجل استعمالها في تنفيذ هذه الهجمات، أو زرعها بمتفجرات شديدة المفعول للإيقاع بأكبر عدد من الضحايا. ومع قيام الأجهزة الأمنية بعمليات مباغتة، تم القضاء على أكثر من 7 عناصر إرهابية من بينهم أمير سرية إعكوران المنضوية تحت لواء تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال. 

ونظراً لتلك المعلومات، فقد أصدرت وزارة الصحة الجزائرية تعليمات صارمة من أجل تفتيش جميع سيارات الإسعاف الداخلة والخارجة من المستشفيات والمراكز الصحية على اختلاف أنواعها، فيما سمحت الوزارة بتفتيش سيارات الإسعاف عند نقاط المراقبة بكل أنواعها التابعة لمختلف المصالح الأمنية حتى ولو كانت تحمل مريضاً، وحددت مدة التفتيش من دقيقتين إلى 4 دقائق ما لم تشكل خطراً على صحة المريض.

اقتصاديات التهريب:

4- تهريب الأسلحة غير المرخصة عبر الحدود السائبة: وهو ما ينطبق جلياً على الحدود بين تونس وليبيا بعد تحولات 2011. فقد لجأت جماعات التهريب والجريمة المنظمة بالتحالف مع ما يطلق عليه "العصابات الإسلاموية" والقبائل الممتدة على الضفتين التونسية والليبية لمنطقة الجفارة، إلى ممارسة نشاطها غير المشروع وبصفة خاصة عبر معبرى ذهبية ورأس جدير باستخدام تقنيات جديدة، تتمثل في سيارات الإغاثة والإسعاف أو سيارات نقل السمك ذات البرّادات وسيارات تهريب المحروقات ونقل الخضروات والغلال والأجهزة الكهرومنزلية بالإضافة إلى الحمير المدربة، لنقل ترسانة من منظومات الدفاع الجوي المحمولة والصواريخ المضادة للدبابات المهربة من ليبيا في أعقاب انهيار نظام معمر القذافي ووقوع بعض مناطق وأقاليم البلاد في قبضة الجماعات المسلحة. 

وحدث ذلك عبر اتباع مسالك متعددة ومعقدة، وتنطلق بشكل أساسي من نقاط التماس غرباً مع ولايتى الكاف والقصرين وشرقاً على طول الشريط الحدودي مع ولاية مدنين وبشكل خاص مدينة بنقردان، لتستقر في نهاية المطاف في جملة من المخابئ ونقاط التخزين السرية على غرار بعض المناطق بصفاقس، ثم يتم بعد ذلك توزيعها على نقاط أخرى منتشرة في كامل تراب البلاد. 

وقد أثبتت لجنة مكونة من خبراء الأمم المتحدة، من خلال مقارنة أرقام الشحنات والأرقام التسلسلية لمنظومات الدفاع الجوي المحمولة المحجوزة مع تلك المفقودة في ليبيا، وجودها بشكل قطعي في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي ولبنان وتونس. وتجدر الإشارة إلى أن هناك تقارير دولية تكشف عن وقوع تلك المنظومات في أيدي عناصر القاعدة (أنصار الشريعة) في تونس. 

ووفقاً لما تشير إليه إحدى الدراسات الميدانية الصادرة عن مجموعة الأزمات الدولية المعنونة "الحدود التونسية بين الجهاد والتهريب" في عام 2013، فإن المهمة التي تقوم بها سيارات الإسعاف هى جزء من خطة متكاملة تنتهي بتفريغ الحمولة في موقف (باركينغ) إحدى المصحات الطبية الخاصة في ولاية صفاقس، لتتكفل سيارات أخرى خاصة بنقلها في شكل كميات صغيرة وعلى عدة مراحل إلى مستودعات بعيدة عن الأنظار.

 كما تشير دراسات أخرى إلى أنه تم نقل بعض الأسلحة إلى جبال الشعانبي (وجملة المرتفعات المتفرعة عنه أو المحاذية له على غرار جبال سمامة وسلوم ومغيلة وبوهرتمة) في القصرين بتونس، عن طريق إحدى السيارات التابعة للهلال الأحمر التونسي بولاية مدنين بعد عام 2011، نظراً للاضطراب الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي.

انتهاكات مستمرة:

5- استغلال المساعدات الأممية: بشكل تعكسه ممارسات حركة المتمردين الحوثيين في اليمن، حيث سلّمت منظمة الصحة العالمية، في الربع الأول من عام 2020، نحو 100 سيارة إسعاف للحوثيين لتوزيعها على المستشفيات في المناطق والمحافظات التي يسيطرون عليها وخاصة في المراحل الأولى لانتشار فيروس "كوفيد-19". فضلاً عما قدمته الأمم المتحدة قبل أشهر من عشرات السيارات ذات الدفع الرباعي للجماعة الحوثية في إطار عمليات نزع الألغام. غير أن الحوثيين استغلوها بشكل يعزز من نفوذهم الميداني. 

وقد تداول ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً أظهرت المسلحين الحوثيين بلباسهم العسكري يستقلون سيارات دفع رباعي مقدمة من منظمة الصحة العالمية التي يظهر شعارها واضحاً على جانب السيارات، في الوقت الذي تعاني فيه أغلب مستشفيات اليمن الخاضعة للميلشيات من نقص الإمدادات وانعدام وسائل الإسعاف لنقل الحالات الحرجة. 

وهنا تجدر الإشارة إلى تسخير الحوثيين هذه السيارات لإسعاف جرحاهم في جبهات القتال دون أن يستفيد منها المدنيون في مناطق حكم الميلشيا، الذين يضطرون لاستئجار بعض السيارات الموجودة في المستشفيات بمبالغ ضخمة من أجل نقل الموتى للدفن في مسقط رأسهم أو ذوي الحالات الحرجة بين الأرياف ومراكز المدن.

لذا، أدان حساب منظمة الصحة العالمية (مكتب اليمن) على "تويتر" بشدة أى استخدام للتبرعات لأغراض أخرى وقال: "عملت منظمة الصحة العالمية على توفير الإمدادات والمعدات المنقذة للحياة لصالح القطاع الصحي والسكان في اليمن. نحن ندين بشدة استخدام أى تبرعات لأغراض لا علاقة لها بدعم النظام الصحي. يُعد هذا انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني ونحن نحقق في هذا الأمر". إرهاب "أبيض":

6- تعزيز السيطرة الميدانية للميلشيات المسلحة: ينتشر المسلحون الحوثيون في أحياء العاصمة صنعاء مسنودين بسيارات الإسعاف، وعربات الرش والتعقيم، حيث يتم إغلاق المتاجر ومنع حركة السكان لمدة تصل إلى 12 ساعة، تحت مزاعم محاربة "كوفيد- 19"، مع الأخذ في الاعتبار عدم الاعتراف بالحجم الكلي للإصابات بالجائحة. 

ويعتقد قطاع عريض من السكان في مناطق سيطرة الحوثيين أن ما يمارسه الحوثيون يمثل "إرهاباً أبيض" نسبة إلى استخدام الملابس المخصصة للكوادر الطبية في إرهاب الناس في إطار مزاعم "مكافحة الفيروس".

صراعات اندماجية:

7- نقل قتلى وجرح الميلشيات المسلحة من دول الجوار القريب: دخلت سيارات إسعاف تابعة لميلشيا الحشد الشعبي العراقية قادمة من مدينة القائم، إلى مدينة البوكمال عبر المعبر الحدودي لنقل قتلاها وجرحاها جراء الضربات الجوية التي طالت مقراتها من قبل الطائرات الأمريكية في 11 مارس الماضي، جنوب مدينة البوكمال في ريف محافظة دير الزور عند الحدود السورية– العراقية، وهو ما أشارت إليه العديد من وسائل الإعلام السورية. 

نفوذ موسكو:

8- إطالة بقاء القوات الروسية في المناطق الاستراتيجية بسوريا: تحركت سفينة شحن تابعة للبحرية الروسية "دفينيتسا-50" عبر مضيق البوسفور التركي في طريقها إلى سوريا، في 24 مارس الماضي، وعلى متنها ثلاث سيارات إسعاف لمساعدة سوريا في مواجهة جائحة "كوفيد-19"، وتدير روسيا منشأة بحرية في طرطوس بسوريا، إضافة إلى قاعدة جوية في اللاذقية، على نحو يشير إلى أن الهدف هو إطالة بقاءها في الساحل السوري. 

خلاصة القول، إن تصاعد الاستخدام "المسلح" لعربات الإسعاف في عدد من الدول العربية أصبح ظاهرة لافتة، على نحو ما كشفته مؤشرات مثل دعم تحركات الميلشيات المسلحة ورصد خطط الجيوش النظامية، وتنفيذ هجمات الجماعات الإرهابية في المناطق الأمنية الطرفية، واستهداف الأكمنة الأمنية، وتصاعد اقتصاديات الظل في الحدود الرخوة بين ليبيا وتونس، وسوء إدارة جهود الإغاثة في اليمن بعد تزايد استخدام الحوثيين لسيارات الإسعاف المرسلة من قبل منظمة الصحة العالمية حتى لا تستهدفهم مقاتلات التحالف العربي، فضلاً عن إرهاب السكان القاطنين في مناطق نفوذهم فيما يطلق عليه "الإرهاب الأبيض".