أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (زلزال انتخاب فاي.. اتجاهات التغيير القادم في السنغال)

«ظريف» بين البراغماتية وتجميل «تصدير الثورة»

06 مارس، 2019


ماذا حقّقت استقالة محمد جواد ظريف لصاحبها؟ عملياً، لا شيء. دافع وزير الخارجية الإيراني عمّا سماه «المكانة القانونية» لوزارته، وكأن هذه المكانة تختصّ فقط بالظهور في الصورة لدى استقبال رئيسه حسن روحاني لرئيس النظام السوري بشار الأسد، بينما كان قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني حاضراً. احتجّ ظريف على تهميش وزارته في ترتيبات زيارة الأسد وكأنه لا يعرف أو لا يعترف بأن جناح «الثورة» لا تزال له أولوية على جناح «الدولة» الذي يعتبر نفسه أحد أبرز ممثّليه. واشتكى ظريف في سياق الاستقالة من أن الصراعات الداخلية «سمٌّ قاتل»، ما كشف أنه لجأ إلى «انستغرام» ليجهر بضيقه من تراكمات حملات متواصلة يخوضها المتشدّدون بتحريض من «الحرس»، وتصوّب عليه، لكنها تستهدف أيضاً روحاني.

لم يغرّد ظريف ولم يصرّح بما جناه من استقالته، حتى أنه لم يعلن عودته عنها بل استأنف العمل كأنها لم تكن، لكن الواضح أن دعوته لزيارة دمشق رتّبها سليماني كجزء من الترضية التي شارك فيها المرشد علي خامنئي. وجرى التعامل مع مشكلة الاستقالة على أنها نتيجة «خطأ بروتوكولي» اعتذر عنه روحاني من خلال نائبه اسحق جهانجيري الذي زار ظريف لاسترضائه. إذ بدا الجميع بمن فيهم الخصوم متفقين على أن توقيت الاستقالة محرج وغير مناسب، نظراً لظروف الأزمة مع الولايات المتحدة وضرورة مواجهة العقوبات. وإذا كانت الخطوة التي أقدم عليها ظريف نبّهت الآخرين إلى الأدوار التي لعبها كمفاوض أساسي منذ منتصف التسعينيات، ودائماً إلى جانب روحاني، واضطرّتهم إلى استذكار مديح المرشد له، فإنه لا إشارة إلى تحصيله أي امتياز سياسي مستحدث أقنعه بالاستجابة لخطاب رئيسه بأن «ابقَ في منصبك».

كان تلويح دبلوماسيين في الخارجية وفي السفارات مؤشّراً إلى أن ظريف صاحب تيار في الدبلوماسية الإيرانية، ودلّ على ذلك أيضاً الدعم الذي تلقّاه من نواب «إصلاحيين» في البرلمان. لذلك استنتجت بعض المصادر أن ظريف عاد أقوى بفضل دعم الرئيس والمرشد، لكن «الحرس» اكتسب قوة إضافية وإنْ خفّف حملته على الوزير. وفي أي حال، إذا كانت الاستقالة «تتعارض مع المصلحة الوطنية»، كما قال روحاني، فهذا أوضحَ للداخل والخارج معاً أن الفارق بين المحافظين والإصلاحيين يكاد يكون معدوماً، وأن الخط العام هو التشدد، وإذا وُجد صراع فهو على المصالح، وإذا وُجد تمايز فهو بين براغماتيين يجتهدون في التحايل على الخارج (ظريف من أبرز رموزهم) وبين متصلّبين يعبّرون عن «الحرس»، ولا يجيدون سوى إشهار القوة وإطلاق التهديدات للخارج. 

أي تدقيق في تصريحات ظريف وتغريداته يبيّن أنه يستوحي منطق «فائض القوّة» الذي يتّبعه المرشد و«الحرس»، وإن لم يستخدم المصطلحات نفسها، أما براغماتيته  فقد ظهرت في إدراكه أن الاتفاق النووي لم يكن وثيقة تقنية فحسب، بل فتح أفقاً سياسياً مع الولايات المتحدة يُفترض التعامل معه أيضاً بمنهج تفاوضي جدّي، لكن المرشد أقصى الثنائي روحاني -ظريف عن الشأن السياسي المرتبط بالتوسع في النفوذ الإقليمي. ورغم إدراك هذا الثنائي باكراً أن توجّهات خامنئي تشكّل خطراً على الاتفاق النووي، وبالأخص على نتائجه الاقتصادية المتوقّعة، فإنه لم يستطع الاعتراض. لذلك لم تكن نداءات روحاني من أجل تحسين العلاقات مع العرب ذات مصداقية، ولا كان ظريف مقنعاً في دفاعه عن سياسات إيران أو في محاولاته لتجميلها. 

في مؤتمر ميونيخ للأمن، انتقد ظريف عدم تمرّد الاتحاد الأوروبي على العقوبات الأميركية، انطلاقاً من اقتناع غير واقعي بأن إيران تستطيع إحداث شرخ بين أوروبا وأميركا. كان ظريف قد خاض مواجهة صعبة مع المتشدّدين في البرلمان لتمرير قانون يجيز الانضمام إلى اتفاق مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لقاءَ تأجيل إدراج إيران على اللائحة السوداء، ولحفز الأوروبيين على إقرار آلية خاصة للتجارة مع طهران بالالتفاف على العقوبات. وكما كان متوقّعاً فإن الآلية اقتصرت على الغذاء والدواء، أي دون طموحات طهران، ما صعّد حملة المتشدّدين على ظريف، الذي يعرف أن الأوروبيين ذهبوا إلى أقصى ما يستطيعونه. ورغم أهمية ذلك القانون وضرورته، فإن مجلسي صيانة الدستور وتشخيص مصلحة النظام رفضاه، أي أن المرشد يرفضه وبالتالي لن يُنفّذ. كان ذلك عشية استقالة ظريف، ولم يتضح ما إذا كان هذا الإشكال قد حُلّ بالعودة عن الاستقالة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد