أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

خيارات صعبة:

هل ما زال الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "1+5" هشًا؟

13 أكتوبر، 2016


يواجه استمرار تنفيذ الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة "5+1"، في 14 يوليو 2015، ورُفعت بمقتضاه معظم العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران في بداية يناير 2016، تحديات عديدة لا تبدو هينة في الفترة الحالية، دفعت بعض الاتجاهات داخل إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى التلويح بإمكانية إلغاءه.

ورغم أن ذلك يبقى احتمالا صعبًا، نظرًا للتداعيات السلبية المتوقعة التي قد يفرضها ذلك على أطراف التفاوض خاصة في ظل انشغالهم بملفات أخرى لا تقل أهمية على غرار الحرب ضد الإرهاب والأزمة السورية، إلا أنه يبقى مطروحًا، خاصة في حالة استمرار الخلافات القائمة حاليًا بين تلك الأطراف، أو صعود شخصيات سياسية أكثر تشددًا إلى الرئاسة في كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجري الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2016، وتليها الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد ذلك بستة أشهر.

أزمة سياسية:

وقد برز احتمال انهيار الاتفاق أكثر من مرة في تصريحات بعض المسئولين الإيرانيين والدوليين، وكان آخرهم المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو الذي أشار، في حواره مع وكالة الأنباء الألمانية في 7 أكتوبر 2016، إلى أن "تطبيق الاتفاق النووي لا يزال هشًا"، مضيفًا أن "الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية وإيران سوف تخلق شكوكًا حول الاتفاق"، في إشارة إلى أن تغير الإدارة الأمريكية، بالتوازي مع عدم التيقن من مدى قدرة الرئيس الإيراني حسن روحاني على الاستمرار في منصبه لفترة رئاسية جديدة، ربما يزيد من احتمال التراجع عن تنفيذ الاتفاق خلال المرحلة القادمة.

لكن اللافت في تصريحات أمانو هو أنها تركز على قضايا سياسية وليست فنية، بمعنى أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يرى أن المشكلة ترتبط بالجوانب التقنية في الاتفاق الخاص بالالتزامات التي يجب على كل طرف تنفيذها، على غرار تخفيض مستويات تخصيب اليورانيوم من 20% إلى 3.5%، وتقليص عدد أجهزة الطرد المركزي ورفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وغيرها، رغم أن ذلك ربما كان من المفترض أن يمثل المحور الأهم في تقييم مدى إمكانية استمرار العمل بالاتفاق النووي من عدمه، وإنما تتعلق بالخلافات السياسية القائمة بين أطراف التفاوض، لا سيما إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

وبعبارة أخرى، فإن ما يُبقى احتمال انهيار الاتفاق النووي مطروحًا حتى الآن رغم مرور أكثر من عام على التوصل إليه، هو أزمة الثقة التي ما زالت قائمة بين طهران وواشنطن، والتي لم يؤد الاتفاق إلى احتواءها، وليس التزام كل طرف بالاتفاق، بدليل أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت، قبل تصريحات أمانو بأسبوع واحد، على أن "إيران لا تزال ملتزمة ببنود الاتفاق".

أسباب متعددة:

ومن دون شك، فإن ثمة أسبابًا عديدة تزيد من فجوة الثقة القائمة بين الطرفين. إذ أن إيران، رغم التزامها ببنود الاتفاق حسب تأكيدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدت حريصة على البحث عن ما يمكن تسميته بـ"ثغرات" في تفاهماتها مع القوى الكبرى، على غرار إصرارها على مواصلة إجراء تجارب لإطلاق صواريخ باليستية، معتبرة أن ذلك لا يشكل انتهاكًا للاتفاق أو قرارات مجلس الأمن بحجة أن المنظومة التي تمتلكها ليست مخصصة لحمل أسلحة نووية.

وفي مقابل ذلك، فإن رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران لا يتم على النحو الذي كانت تتوقعه الأخيرة، التي توجه اتهامات مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية بأنها تعرقل التعاملات المالية والمصرفية بين المصارف الإيرانية والأجنبية، وتدفع بعض الشركات الأجنبية إلى العزوف عن إبرام صفقات مع شركات إيرانية خشية تعرضها لعقوبات أمريكية. وقد بدا ذلك جليًا في تأكيد الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2016، على أن تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع رفع العقوبات "معيب".

تصعيد متبادل:

وبالطبع، فإن هذه الخلافات منحت الفرصة لتيارات أخرى داخل إيران والولايات المتحدة الأمريكية لتبني سياسة أكثر تشددًا، مهددة بإمكانية إلغاء الاتفاق. فقد وصف المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب الاتفاق النووي بـ"الكارثة"، ملوحًا بإمكانية إلغاءه في حالة ما إذا فاز في الانتخابات. كما تبني نواب جمهوريون بارزون السياسة نفسها.

 ففضلا عن الرسالة التي قاموا بتوجيهها إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، في مارس 2015، وأكدوا فيها أن "الاتفاق النووي يمكن إلغاءه بجرة قلم مع انتخاب رئيس جديد"، فقد تبنوا عدة مشروعات قوانين داخل الكونجرس، لتحجيم الخيارات المتاحة أمام إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للمساعدة في رفع العقوبات المفروضة على إيران، وكان آخرها مشروع القانون الذي وافق عليه الكونجرس في 23 سبتمبر 2016، ويقضي برفض دفع أموال في صورة فدية إلى إيران، أو منحها أموال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في صورة نقدية أو عبر حيازات بنكية دون موافقة الكونجرس.

 أما بالنسبة لإيران، فقد وجه المرشد خامنئي تهديدات مماثلة بـ"حرق" الاتفاق النووي، ردًا على تصريحات المسئولين الأمريكيين، وأشار أكثر من مسئول إيراني إلى إمكانية العودة إلى تنشيط البرنامج النووي الإيراني من جديد، على غرار رفع مستويات تخصيب اليورانيوم إلى 20% وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي ونقل عمليات التخصيب إلى منشأة "ناتانز" التي تم بناءها تحت الأرض. 

مأزق حرج:

 لكن المشكلة تكمن في أن الخيارات المتاحة أمام إيران والولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بإلغاء الاتفاق لا تبدو متعددة. فالظروف والمعطيات الجديدة التي فرضها الاتفاق النووي تبدو مختلفة، إلى حد كبير، عن تلك التي كانت موجودة قبل الوصول إليه، بشكل يعني أن الطرفين لا يستطيعان العودة إلى المسار السابق بسهولة.

 كما أن الطرفين في الفترة الحالية حريصان على عدم تحمل مسئولية أى انهيار محتمل للاتفاق، رغم التهديدات التي أطلقها المسئولون الأمريكيون والإيرانيون في هذا السياق. إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تجد صعوبة في تكوين حشد دولي قوي ضد إيران داخل مجلس الأمن يمكن أن يساعدها على رفع سقف العقوبات على إيران من جديد، لا سيما في ظل خلافاتها التي تتسع تدريجيًا مع روسيا تحديدًا، خاصة حول الأزمة السورية. فضلا عن أن التهديد باستخدام الخيار العسكري من جديد سوف يواجه عقبات عديدة، في الوقت الذي يتسع فيه نطاق المعارضة في الداخل الأمريكي لهذا الخيار. 

 كذلك فإن إيران من جهتها لا تمتلك خيارات واسعة في هذا الإطار، فرغم البطء الذي يتسم به رفع العقوبات الدولية، إلا أنها لن تغامر في الفترة الحالية بتعزيز فرص إعادة فرضها من جديد. إلى جانب أن تهديداتها المستمرة ومحاولاتها استعراض قوتها العسكرية لا ينفي في الوقت ذاته أنها حريصة على عدم التورط في مواجهة عسكرية مباشرة، فضلا عن أن انشغالها بالأزمات الإقليمية المختلفة سوف يدفعها، في الغالب، إلى عدم تغيير موقفها بشكل جذري تجاه الاتفاق النووي.

 وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة "5+1" يواجه اختبارات صعبة كفيلة بعدم استبعاد احتمال انهياره في النهاية، لكن عزوف واشنطن وطهران عن تحمل مسئولية هذا الاحتمال، فضلا عن انشغالهما بملفات داخلية وإقليمية عديدة لا تقل أهمية، يشير في النهاية إلى أن استمرار الاتفاق النووي يبقى هو الاحتمال الأرجح على الأقل في المرحلة الحالية.