أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الأمراض غير السارية:

الأبعاد الاستراتيجية لأزمات الصحة العالمية

08 يوليو، 2015


إعداد: نوران شريف مراد


 لم تعد البكتيريا والفيروسات وما تسببه من أمراض معدية هي الأشد خطراً على حياة البشر في الوقت الراهن، بل تعتبر الأمراض غير السارية Noncommunicable Diseases السبب الأول لحالات الوفاة والعجز في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل؛ ففي عام 2013، قتلت أمراض السرطان والسكر والقلب حوالي 8 مليون شخص قبل عيد ميلادهم السادس في الدول النامية. وعلى الرغم من الانعكاسات الاستراتيجية للقضية، فإنه لا يوجد اهتمام كاف بها على صعيد الجماعة الدولية والدول ذاتها.

وفي ضوء أهمية هذه القضية، نشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي تقريراً تحت عنوان: "أزمة الصحة العالمية المتنامية.. الأمراض غير السارية في الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة". وقد أعد هذا التقرير عدد من الخبراء في المجلس، حيث تطرقوا إلى أسباب انتشار هذه الأمراض في الدول النامية، ودلالات الاهتمام بها، واستراتيجيات مواجهتها.

الأمراض غير السارية.. الأسباب والآثار

يُسلط التقرير الضوء على الانتشار السريع للأمراض غير السارية خلال السنوات القليلة الماضية في البلدان ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة. فبدايةً، يعرض التقرير تعريف منظمة الصحة العالمية للأمراض غير السارية بأنها "تلك الأمراض التي لا تنتقل بين البشر، وتدوم لفترات طويلة - قد تكون مزمنة - كما أنها تتطور ببطء، وتنقسم هذه الأمراض إلى أربعة أنماط رئيسية: الأمراض القلبية الوعائية، والسرطانات، والأمراض التنفسية المزمنة، والسكري.

وتتواجد الأمراض السابق ذكرها في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء، إلا أن الفارق الأساسي يكمن في سرعة التحولات الوبائية التي تتم بصورة أكبر في الدول النامية التي تفتقر للتشخيص المبكر والعلاج الفعَّال زهيد الثمن. ففي الوقت الذي يُشفَى 90% من الأطفال المصابين بسرطان الدم في الدول المتقدمة، يتعرض 90% من الأطفال المصابين به للموت في الدول النامية.

وفي واقع الأمر، لا يقتصر أثر هذه الأمراض فقط على الصعيد المحلي، بل انعكاسات على الصعيدين الإقليمي والعالمي، حيث تؤدي إلى ضعف النظام الصحي العالمي، وانخفاض معدلات التجارة والنمو العالمي، وتزايد احتمالات عدم الاستقرار السياسي.

وبصفة عامة، ثمة مجموعة من العوامل تكمن خلف الإصابة بالأمراض غير السارية، منها؛ العادات والنظم الغذائية غير السليمة، وتعاطي الكحوليات، والإسراف في تناول الأملاح، والتدخين بأنواعه، وتلوث الهواء، وعدم ممارسة الأنشطة البدنية، بالإضافة إلى التوسع العمراني العشوائي، وعولمة أنماط الحياة بصورة غير صحية، الأمر الذي يترتب عليه ارتفاع ضغط الدم، وزيادة نسبة السكر في الدم، وارتفاع مستوى الدهون في الجسم وفرط الوزن.

ومن دون التحرك للحد من انتشار الأمراض غير السارية في الدول النامية، فإن تأثيراتها ستتضاعف في أفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا، وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. ويتوقع التقرير أن تزداد حالات الوفاة المبكرة في المناطق السابق ذكرها لمن هم أقل من 16 عاماً بنسبة 18% (أي 6 ملايين نسمة) بحلول عام 2025.

دلالات الاهتمام بالأمراض غير السارية في الدول النامية

حققت الولايات المتحدة إنجازات عدة في سياق مكافحة عدد من الأمراض المعدية في البلدان النامية، على رأسها الإيدز والمالاريا والسل. وعلى الرغم من ذلك، تظل استجابة الولايات المتحدة للأمراض غير السارية متواضعة نسبياً، فحتى عام 2014، لم تخصص برامج أو ميزانية خاصة لمواجهتها، لكنها بصفة عامة، تبذل جهوداً عبر مؤسساتها ومراكزها البحثية قد لا تستهدف بالضرورة الدول النامية، غير أنها قد تلعب دوراً في الوقاية من هذه الأمراض.

وفي هذا الإطار، يوضح التقرير الأسباب التي بناءً عليها يتعين على الولايات المتحدة الاهتمام بمكافحة الأمراض غير السارية في الدول النامية، وهي كالتالي:

1- ضمان فاعلية استثمارات الولايات المتحدة في مجال الصحة العالمية Global Health: فعلى مدار القرن الماضى، أدت الاستثمارات الأمريكية في مكافحة الأمراض المعدية إلى إنقاذ العديد من الأرواح في البلدان النامية. بيد أن تنامي أزمة الأمراض غير السارية وما يرتبط بها من حالات وفاة مبكرة وعجز، بدأ يطغى على نجاحات الولايات المتحدة في المجالات الصحية الأخرى. كما أن انتشار الأمراض غير السارية قد يكون عاملاً مساعداً على ظهور الأمراض المعدية وانتشارها، الأمر الذي يبدد الجهود الأمريكية في قطاع الصحة في الدول النامية، حيث إن احتمالية الإصابة بمرض السل المعدي قد تصل إلى ثلاثة أضعاف لدى مريض السكر.

2- ضمان المصالح الاقتصادية والإستراتيجية الأمريكية: يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة ترتبط اقتصادياً بعدد من الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة، حيث وصلت استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في أفريقيا جنوب الصحراء إلى معدلات قياسية مقارنةً بأي منطقة أخرى. ففى عام 2013، قُدرت قيمة الصادرات الأمريكية لهذه المنطقة بـ 7,6 مليار دولار. ومن ثم، فإن تفشي الأمراض غير السارية وما يرتبط بها من حالات وفاة وعجز يكون في غير صالح الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، صنف المنتدى الاقتصادي العالمي الأمراض غير السارية كمهدد رئيسي للنمو الاقتصادي العالمي؛ يفوق في تأثيره الأزمات المالية والكوارث الطبيعة والجريمة والفساد. أما على صعيد المصالح الاستراتيجية، فتستغل الإدارة الأمريكية نشاطها في مجال الصحة العالمية كأداة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية على الصعيد الدولي ونشر قيمها، ومن ضمنها التعاون في تحقيق السلام والاستقرار العالمي، ومواجهة التهديدات غير التقليدية.

استراتيجيات مقترحة لمواجهة الأمراض غير السارية

يشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة ليس عليها التدخل لمكافحة الأمراض غير السارية في البلدان النامية فحسب، بل عليها فعل ذلك بأقصى سرعة، فالتعامل الفعَّال يبدو أعقد مع مرور الوقت. ويطالب معدو التقرير من الولايات المتحدة تحديد استراتيجية واقعية تراعي احتياجات البلدان النامية، وتأخذ في الإعتبار مجموعة من الأبعاد مثل استهداف الفئة العاملة في البلدان النامية (15- 60 عاماً)، والتدخل الفعَّال منخفض التكاليف، والانخراط في العمل الجماعي مع شركاء آخرين، مع ضمان نفوذ البرامج الأمريكية في هذا السياق.

وفي هذا الصدد، يعرض التقرير مجموعة من الاستراتيجيات المُقترح أن تتبعها واشنطن لمكافحة الأمراض غير السارية، وهي:

1- تحديات يتعين على الولايات المتحدة مواجهتها الآن:

أ- أمراض القلب الوعائية: تتسبب هذه الأمراض في 13 مليون حالة وفاة في الدول النامية سنوياً. وفي سبيل مواجهتها، يشير التقرير إلى أهمية أن تسعى الولايات المتحدة لتوفير الأدوية الفعَّالة - خاصةً أدوية علاج ضغط الدم- وبذل مزيد من الجهود في إطار التشخيص المبكر، والعلاج، والتقييم والمتابعة لحالات المرضى.

ب- التبغ: يعتبر التبغ السبب الرئيسي في الوفاة المبكرة على مستوى العالم، إلى جانب ارتفاع ضغط الدم. وتجني شركات التبغ أرباحاً كبرى من الدول النامية، مقارنةً بالدول الأخرى. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ستقتل الأمراض المرتبطة بالتبغ مليار شخص بحلول نهاية هذا القرن، وهم يتركزون أساساً في الدول النامية. كما أدى التدخين إلى أن يكون سرطان الرئة هو الأكثر شيوعاً وتسبباً في الوفاة بالدول النامية. وفي هذا الإطار، يقترح التقرير أن تساعد واشنطن الدول النامية الراغبة في فرض نُظم ضريبية على السجائر، ومحاربة تجارة السجائر غير المشروعة.

ج- سرطان الكبد: يعتبر فيروس الكبد الوبائي (ب) هو السبب الرئيسي لسرطان الكبد الذي يتسبب في 500 ألف حالة وفاة على مستوى العالم سنوياً. وتحدث الإصابة بهذا المرض خاصةً في الدول النامية، ويعد تطعيمHBV  هو الأكثر فاعلية في الحد من خطر الإصابة بسرطان الكبد، كما أن ثمنه في متناول اليد. وفي هذا السياق، يؤكد التقرير على أهمية مساعدة الولايات المتحدة للدول التي لا يتواجد بها برامج التحصين والتطعيم في مواجهة هذا المرض.

د- سرطان الرحم: تفقد حوالي 300 ألف سيدة صغيرة في السن حياتها سنوياً بسبب سرطان الرحم في الدول النامية. وقد يلعب تطعيم HPV دوراً فعالاً في الوقاية من المرض للسيدات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 13- 26 سنة. ويشير التقرير إلى العبء الذي من الضروري أن تتحمله الولايات المتحدة في ضمان وصول جرعة التطعيم مرتفعة التكاليف لفئة واسعة من سيدات الدول النامية.

2- تحديات على الولايات المتحدة مواجهتها على المدى القريب:

أ- السرطانات القابلة للعلاج والشفاء: فعلى الرغم من تنامي نسب الشفاء من عدد من السرطانات السائدة في الدول المتقدمة، فإن الأمر لا يسير على النحو ذاته في الدول النامية. فالدول الفقيرة لاتزال تعاني، ومعدلات الوفاة في ازدياد. ويشير التقرير إلى أهمية مساهمة الولايات المتحدة في إنشاء سجلات في الدول النامية بما يُمكن من معرفة حالات الإصابة ومعدلاتها وأنواعها وأعداد الوفيات والناجين، فكلها مسائل غاية في الأهمية لوضع خطط الوقاية والعلاج.

ب- أمراض السكرى: وفقاً للتقرير، زادت معدلات الوفاة المبكرة جراء المرض في الدول النامية خلال الفترة من عام 1990 إلى عام 2013 بنحو 82%. وفي هذا الإطار، يتعين على واشنطن مكافحة السكري بين صغار السن في الدول النامية، والذي لا ينتشر على النحو ذاته في الدول المتقدمة. كما عليها تزويد البلدان الفقيرة بالعلاج وبرامج مراقبة معدلات السكر في الدم، الأمر الذي من شأنه خفض معدلات الوفاة المبكرة والعجز في الدول النامية، ومن ثم الحفاظ على المصالح الأمريكية.

3- استراتيجيات مواجهة تحديات الصحة العالمية على الصعيد الجماعي :

في إطار التصدي للأمراض غير السارية، يشير التقرير إلى أهمية العمل الجماعي وإبرام الشراكات لتعميم المنافع، على أن تكون الشراكات على النحو التالي:

أ- شراكات بين الدول المتقدمة والنامية: يؤكد التقرير على أهمية أن يستفيد كل طرف من تجارب الآخر، وبذل الجهود المشتركة في مجال الوقاية من الأمراض غير السارية، والتغذية السليمة، والصحة النفسية والعقلية. كما يقترح التقرير أن تضع الولايات المتحدة قضية الوقاية من الأمراض غير السارية وتشخيصها وعلاجها على أجندة محادثاتها الثنائية مع البرازيل والصين والهند وإندونيسيا، وأن تجري تلك المحادثات بصورة سنوية لتوفير إطار عام لبناء الثقة والانخراط البنَّاء والتعاون حول الاستراتيجيات المشتركة والمصالح الاقتصادية.

ب- شراكات مع القطاع الخاص: يشير التقرير إلى العبء الكبير الذي يقع على القطاع الخاص في التصدى للأمراض غير السارية، فثمة علاقة طردية بين صحة الموظفين من ناحية وإنتاجية الشركة من ناحية أخرى. ومن ثم، على شركات الدول النامية الحرص على توفير بيئة صحية للعمال يتوافر بها الغذاء الملائم ووضع قيود على التدخين.

كما أنه من الممكن التعاون مع شركات القطاع الخاص المُصنعة للمنتجات الغذائية في الدول النامية، بما يضمن اتباعها للمعايير الصحية في إنتاجها. وأخيراً، قد يلعب القطاع الخاص القادر على الابتكار دوراً في تطوير أجهزة تكنولوجية حديثة تساهم في الحد من الأمراض غير السارية.

مُجمل القول، أوجز التقرير الدور الذي يتحتم على الولايات المتحدة ممارسته في خطوتين بالأساس؛ فبدايةً يتعين على الحكومة الأمريكية مراجعة برامجها الصحية في الدول النامية. وبالإضافة لذلك، ينبغي على واشنطن السعي لإقناع الشركاء المحتملين بتطوير خطط مستدامة للتحرك الجماعي في مواجهة الأمراض غير السارية في الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة.

 

* عرض مُوجز لتقرير نشر تحت عنوان: "أزمة الصحة العالمية المتنامية.. الأمراض غير السارية في الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة"، والصادر عن مجلس العلاقات الخارجية، ديسمبر 2014.

المصدر:

Mitchell E.Daniels Jr., Thomas E.Donilon, and Thomas J.Bollyky, The Emerging Global Health Crisis “Noncommunicable Diseases in low-and middle-income countries (Washington, Council on Foreign Relations, December 2014).