أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

خيارات الرد الروسي على انضمام فنلندا لـ"الناتو"

14 أبريل، 2023


أسهمت عملية توسيع عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو" - التي تظل السمة الثابتة للسياسة الأمريكية تجاه روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق - في تشكيل تصورات موسكو بشأن متطلباتها الأمنية، والتي كان لها تأثير عميق في العلاقات بين الشرق والغرب. وقد ثبت أن معارضة روسيا غير كافية لوقف هذا التوسع، حيث تعامل الغرب مع هذه المعارضة على أنها من بقايا الأيديولوجية السوفيتية البالية. ومع بدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، تعززت وجهة النظر الغربية القائلة إن تمدد "الناتو" يُعد مسألة منطقية أكثر من أي وقت مضى كوسيلة لردع روسيا التي عادت لتصبح تهديداً خطراً لأوروبا. 

وهكذا، وفي واحدة من أسرع عمليات العضوية في تاريخ "الناتو" الحديث، أصبحت فنلندا العضو الحادي والثلاثين في التحالف العسكري، بعد تقدمها بطلب العضوية في مايو 2022، وذلك في تحول استراتيجي وتاريخي. وستصبح فنلندا سادس دولة في "الناتو" تشترك في حدود مع روسيا (بجانب كل من النرويج وجمهوريات البلطيق الثلاث وبولندا). وتضاعفت حدود "الناتو" المباشرة مع روسيا بعد انضمام فنلندا، حيث تبلغ حدود البلدين (1340 كم)، وهو بلا شك تطور مقلق لموسكو. ويُصادف انضمام فنلندا لـ"الناتو" رسمياً في 4 إبريل 2023، الاحتفال بالذكرى الـــ74 لتوقيع معاهدة واشنطن المنشئة للحلف في عام 1949، كما يأتي الانضمام قبل نحو ثلاثة أشهر على عقد قمة "الناتو" في ليتوانيا، والمقررة في يوليو 2023.

تعزيز "الناتو":

ثمة إجماع بين خبراء الاستراتيجية والأمن في الغرب على أن انضمام فنلندا، وكذلك السويد لاحقاً، كأعضاء كاملي العضوية في "الناتو" سيمثل إضافة كبيرة للحلف؛ نظراً لموقعهما الجيوستراتيجي وقدراتهما العسكرية وتوجهاتهما السياسية المتطابقة مع الأعضاء الآخرين في الحلف. ويُشار في هذا الشأن إلى الاعتبارات التالية:

1- يُعد انضمام فنلندا، والسويد لاحقاً، بمثابة تحول كبير في الأمن الأوروبي، وميزة إضافية من شأنها تعزيز حلف "الناتو" مادياً، إذ ستصبح الدولتان من مقدمي الخدمات الأمنية، وبصفة خاصة تقديم إسهامات كبيرة في تقاسم الأعباء بين الحلفاء وتعزيز قدرة "الناتو" على تحديث تخطيطه وتطوير قدراته الدفاعية. 

2- ستعزز عضوية البلدين ردع الحلف والاستقرار الأوروبي، من خلال تعقيد التخطيط العسكري الروسي إلى حد كبير في منطقة البلطيق. وتأخذ فنلندا بنظام الخدمة العسكرية الإلزامية، كما زادت ميزانيتها الدفاعية بنسبة كبيرة بلغت 54% في عام 2021، وبمقدار 2.2 مليار دولار إضافية في أعقاب الحرب الأوكرانية.

3- يُقدر الخبراء الغربيون أن قوات فنلندا من دفاع "الناتو" عن جناحه الشمالي الشرقي، الذي يمتد من بحر البلطيق مقابل شبه جزيرة كولا في القطب الشمالي، وهو ما يخلق فضاءً استراتيجياً متكاملاً للحلف في الشمال، ويوحد منطقة الشمال الأوروبي ويغطي بحر البلطيق بأكمله، فضلاً عن الشمال الأعلى والقطب الشمالي على الأرجح.

4- ارتباطاً بما تقدم، ستسهم فنلندا بدفاعات ساحلية ذات مواقع استراتيجية، وقوة جوية ذات قدرات عالية، بما في ذلك – بدءاً من عام 2026 – أسطول كبير من مقاتلات F-35 Joint Strike، وقوة برية كبيرة بمعايير اليوم، وأنظمة المدفعية بعيدة المدى مثل نظام صواريخ المدفعية عالية الحركة "HIMARS"، وقدرات كبيرة في التنافس في القطب الشمالي.

5- في تقدير بعض خبراء "الناتو"، فإنه مع تهديد روسيا المباشر للسيادة الفنلندية والسويدية في دول البلطيق والجزء الشمالي الشرقي من شبة الجزيرة الإسكندنافية، من غير المرجح أن توافق حكومتا البلدين على إرسال أعداد كبيرة من القوات إلى مهام لا ترتبط مباشرة بمواجهة التهديد الروسي. وسيصعب على البلدين إقناع الرأي العام بالمشاركة في عمليات خارج أوروبا، خاصة في ضوء تجاربهما المُحبطة في أفغانستان ومالي، حيث كانتا حاضرتين إلى جانب "الناتو" في أفغانستان، وشاركت فنلندا في بعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب في مالي "EUTM Mali".

ويُلاحظ هنا أن سعي فنلندا والسويد للانضمام إلى "الناتو" لم يحدث إلا بعد تدخل روسيا عسكرياً في أوكرانيا، وهي خطوة استحضرت تهديداً مباشراً للبلدين. ففي فكرهما، يُعد الانضمام لـ"الناتو" خطوة دفاعية بحتة، اتُخذت لحماية الأجنحة الشرقية للبلدين، وإبقاء روسيا بعيدة عن دول البلطيق وأوروبا الشرقية. 

6- على الرغم من اشتراك جميع أعضاء "الناتو" في الدفاع الجماعي كمبدأ أساسي يقوم عليه التحالف، تختلف مستويات الانخراط السياسي والعسكري لكل عضو في هذا الشأن بشكل كبير بحسب كل دولة. وعلى خلاف الولايات المتحدة الأمريكية التي ما تزال العمود الفقري للحلف؛ نظراً لالتزامها وقدرتها على إبراز قوة عسكرية كبيرة عبر مسرح العمليات الأوروبي/ الأطلسي بأكمله، يسعى العديد من الأعضاء الأصغر – ومنهم فنلندا – إلى أداء دور محدود، سواء من حيث التركيز الجغرافي أو حجم القوات. 


خيارات موسكو:

في تصريحات للقيادة العسكرية الروسية يوم 4 إبريل 2023، رأى وزير الدفاع سيرجي شويجو أن انضمام فنلندا "خطأ تاريخي خطر سيضعف الأمن في المنطقة الأوسع نطاقاً، ويزيد من خطر نشوب صراع ويجبر موسكو على اتخاذ إجراءات مضادة". وأضاف أن روسيا ستشكل اثنتا عشرة وحدة وفرقة في منطقتها العسكرية الغربية.

كما نقل موقع "ريا نوفوستي" الإخباري عن نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر جروشكو، قوله إنه "في حال نشر قوات وأصول أعضاء آخرين في الحلف في فنلندا، سنتخذ خطوات إضافية لضمان الأمن العسكري الروسي بشكل موثوق". وفي سياق متصل، ذكر الأمين العام لـ"الناتو"، ينس ستولتنبرغ، أن الحلف لا ينوي على الفور تعزيز وجوده في فنلندا.

وتعكس تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي، وكذلك أمين عام "الناتو"، حقيقة أن عملية انضمام فنلندا مضت بسرعة، في وقت ينخرط فيه الحلف بنشاط وقوة في دعم أوكرانيا، وهو ما لم يترك مجالاً كبيراً للدخول في محادثات صعبة بين العضو الجديد والحلف حول قضايا عديدة، وبصفة خاصة الجوانب العملية للدفاع عن فنلندا ومستويات التخطيط الاستراتيجي لأي حرب محتملة والخدمات اللوجستية والتكتيكات. والمقصود هنا تحديداً وجوب أن يكون لدى الحلفاء خطة للدفاع عن العضو الجديد، فلا ينبغي التعويل في ذلك فقط على الالتزام الدفاعي لـ"الناتو" بموجب المادة 5 من المعاهدة المنشئة للحلف، فهذه المادة لا تردع العدوان تلقائياً، حيث إنه بمجرد أن يقرر مجلس الحلف أن هجوماً ما قد وقع ويستحق رداً بموجب المادة 5، فإن الأعضاء يقررون الرد المناسب، ثم يقرر كل منهم فردياً كيف سيسهم في هذا الرد. وبما أن عملية صُنع القرار في "الناتو" تستند إلى توافق الآراء، فإن الوفاء بالعتبتين الأوليين لاتخاذ إجراء بموجب المادة 5 ليس مضموناً. 

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بدء الحديث عن انضمام فنلندا والسويد إلى "الناتو" مع بداية الحرب الأوكرانية، أكد كبار المسؤولين الروس أنه ستكون لديهم ردود "عسكرية تقنية" على هذا الانضمام، دون تقديم تفاصيل. وقد سبق أن بدأت موسكو مناورات بصواريخ مضادة للطائرات متنقلة على الطرق ونشر منظومة صواريخ S-400 ومضادات للسفن والصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت.

وتشير معظم تقديرات الخبراء الغربيين إلى أنه في ظل ظروف الحرب الحالية، سيكون على روسيا إما زيادة حجم جيشها بشكل كبير، الأمر الذي سيكون صعباً في ظل ظروفها الاقتصادية الحالية، أو إعادة نشر القوات من المناطق العسكرية الجنوبية أو الوسطى أو الشرقية إلى منطقة البلطيق، وهو أمر غير مرجح بسبب متطلبات روسيا المستمرة للدفاع عن منطقة القوقاز. وأحد الحلول الروسية الممكنة، وربما المرجحة، سيكون الإعلان عن عمليات نشر جديدة لصواريخ إسكندر البالستية وصواريخ "كروز" ذات القدرة المزدوجة المتنقلة على الطرق، والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والصواريخ المضادة للطائرات، وتلك المضادة للسفن، فضلاً عن الأسلحة النووية التكتيكية في كالينينغراد ومنطقة سان بطرسبرغ.

ومن شأن ذلك أن يزيد بشكل هامشي من المخزونات المنتشرة بالفعل في المنطقة، وهو ما قد تعترف به موسكو علناً الآن. ومن المعروف أن روسيا تمتلك بالفعل أصولاً عسكرية كبيرة في كالينينغراد، وحول منطقة سان بطرسبرغ، وشبه جزيرة كولا. وتشمل القوات البرية والجوية والبحرية عالية التأهب والقدرات العالية، ومجموعة الصواريخ البالستية وصواريخ "كروز" مزدوجة القدرة جواً وبحراً وبراً. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل شبه جزيرة كولا كمركز رئيسي للعمليات البحرية الروسية، بما في ذلك عمليات أسطول الغواصات النووية، في الشمال الأعلى وشمال المحيط الأطلسي. 

والواقع أن إعلان بيلاروسيا، في 28 مارس 2023، عن نشر أسلحة نووية تكتيكية روسية على أراضيها، هو جزء من رد موسكو على انضمام فنلندا، والسويد لاحقاً، إلى "الناتو". وتشترك بيلاروسيا في حدود مع كل من بولندا وليتوانيا ولاتفيا، فضلاً عن قربها الجغرافي من جيب كالينينغراد الروسي.

 وفي حين تشير التقديرات إلى أن الخطوات التي قد تتخذها موسكو لن تغير بشكل كبير التوازن الاستراتيجي في المنطقة أو تعقد كثيراً التخطيط الدفاعي لـ"الناتو" مع فنلندا والسويد، فإن الحلف سيتجنب استفزاز روسيا دون داع. ويخلص الخبراء هنا إلى القول إن فنلندا، وأيضاً السويد، ستتجنب إنشاء قواعد دائمة للحلف أو نشر أسلحة نووية على أراضيها، فهي لا تمتلك أسلحة نووية، فضلاً عن كونها عضواً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ولها تقاليد راسخة في دعم تحديد هذه الأسلحة وعدم انتشارها؛ وذلك ما لم تلجأ موسكو إلى تهديدات جدية ومباشرة وذات مصداقية. كما قد تتجنب فنلندا، من جانبها، أي زيادة ملحوظة في مناورات "الناتو" الواسعة النطاق على أراضيها.

ختاماً، من غير المرجح أن يزيد صُناع السياسة في فنلندا من انخراطهم في عمليات حلف "الناتو"، على الأقل في المدى القصير، في ضوء احتياجاتها الاستراتيجية والتكاليف السياسية والمالية التي قد تترتب عليها. وتوفر جغرافية فنلندا وتقاليدها العسكرية المزيد من القيود في هذا الشأن، فعلى العكس من السويد، تشترك فنلندا في حدود طويلة مع روسيا، كما أن غياب العوائق الطبيعية على طولها، بخلاف الغابات، يجعل البلاد عُرضه للتهديد الروسي بشكل خاص، وهو ما سيفرض عليها التركيز على الدفاع عن أراضيها كأولوية، مع ضبط النفس وتجنب الاستفزاز في الوقت ذاته، وهو ما لا يتطلب سوى قدر محدود جداً من التغيير في السياسات الحالية.