أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تهديد البترودولار:

لماذا تستعد السعودية للتجارة بعملات أخرى بخلاف الدولار؟

03 فبراير، 2023


لأول مرة، أبدت المملكة العربية السعودية، بشكل صريح، انفتاحها على تسوية تجارتها بعملات أخرى بخلاف الدولار الأمريكي (مثل اليورو، أو الريال أو غيرها). وتم الإعلان عن ذلك من قبل وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، خلال مشاركته في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يناير 2023. وترى معظم التقديرات أن التصريحات السابقة تعكس استعداداً جدياً من الرياض لقبول التعامل باليوان الصيني في تسوية جزء من المعاملات التجارية، وخاصة المعاملات النفطية، وذلك باعتبار أن الصين الشريك التجاري الأهم للمملكة. وفي حالة تنفيذ ذلك فعلياً، فقد يدعم التوجه السعودي مساعي الصين نحو تدويل عملتها، وسيخصم تدريجياً من نصيب الدولار في المعاملات المالية والتجارية على مستوى العالم.
اعتبارات جوهرية
تأتي تصريحات الوزير السعودي حول استعداد السعودية للتعامل بعملات أخرى بخلاف الدولار، كانعكاس لبعض التوجهات التي تتبناها المملكة في الوقت الراهن على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ويتمثل أهمها فيما يلي:
1- ضبط الميزان التجاري: أدى ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات العالمية خلال الفترة الماضية إلى زيادة تكاليف الاستيراد بالدول النامية، ما انعكس سلباً على موزاينها التجارية، وأسواق الصرف بها. من ثم، يبدو التعامل بالعملات الأخرى مناورة استباقية من قبل البنك المركزي السعودي لتخفيف ضغط الطلب على العملات الصعبة، ومن بينها الدولار، وكذلك خفض أعباء الاستيراد. 
وفي كافة الأحوال، يمثل التعامل بالعملات الأخرى فرصة للسعودية للتحوط من ارتفاع سعر الدولار، جنباً إلى جنب مع تعزيز تنافسية وجاذبية الصادرات السعودية النفطية وغير النفطية في الأسواق المستهدفة. وجدير بالذكر أن السعودية تستهدف زيادة حصة الصادرات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 16% إلى 50% بحلول عام 2030.
2- تحول مراكز الطلب على النفط لآسيا: مع الانخفاض التدريجي في اعتماد الدول الغربية على صادرات النفط السعودية، وانتقال مركز الطلب على الخام إلى آسيا، تشير بعض التقديرات إلى أن المملكة لا تجد بعد الآن مكاسب كبيرة في تداول كافة معاملات النفط بالدولار الأمريكي، وإنما يمكن تنويع سلة العملات بعملات أخرى، مثل اليوان الصيني، أو الروبية الهندية، من أجل تعزيز جاذبية صادرات النفط السعودية في السوقين.
3- تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الصين: تسعى السعودية لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الصين في مجال الطاقة على وجه الخصوص؛ إذ تعتبر الصين أكبر مستورد للنفط عالمياً، كما تستحوذ على قرابة ربع صادرات المملكة من النفط. 
وعليه، تسعى السعودية للمحافظة على حصتها في السوق الصيني، خاصة مع استيراد الصين لشحنات من النفط الخام الروسي والإيراني منخفض السعر. وبخلاف الطاقة، تسعى السعودية أيضاً لبناء شراكة ممتدة مع بكين في مجالات أخرى، مثل التكنولوجيا والاتصالات والبناء وغيرها. 
4- محاولة الانضمام إلى مجموعة بريكس: أبدت المملكة مؤخراً اهتماماً بالانضمام إلى مجموعة دول بريكس، والتي تضم بعض الدول التي تمثل أسواق النفط الرئيسية بالنسبة للسعودية، مثل الصين والهند، وتجدر الإشارة إلى أن روسيا أعلنت عن العمل على إطلاق عملة احتياطية دولية على أساس سلة من عملات دول مجموعة بريكس.
5- التحوط للعلاقات مع واشنطن: تشهد العلاقات السعودية الأمريكية حالة من الفتور في العامين الأخيرين لأسباب تتعلق برفض المملكة للمطالب الأمريكية بزيادة إنتاج النفط في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية من أجل كبح ارتفاع أسعار الوقود. كذلك، فإن السعودية تجاهلت الجهود الغربية لتشديد القيود التجارية والاستثمارية على روسيا. 
ووسط تلك التطورات، تزايدت الهواجس لدى الرياض إزاء التحركات الأمريكية عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، حيث استخدمت الولايات المتحدة الدولار كوسيلة لمعاقبة موسكو عقب الحرب الأوكرانية، مع تجميد أصول موسكو المقومة بالدولار. وفي الوقت ذاته، يبدو أن تخلي السعودية عن الدولار في تجارة النفط واستبداله باليوان، بمثابة ورقة ضغط سعودية لوقف المساعي الأمريكية لإقرار قانون نوبك الأمريكي، والذي يهدف إلى مقاضاة الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها، بدعوى التآمر لرفع أسعار النفط.
تداعيات محتملة 
من المحتمل أن يترتب على اتجاه السعودية لاستخدام عملات أخرى بخلاف الدولار عدد من التداعيات الاقتصادية والسياسية، وهي كالتالي:
1- نمو المعاملات التجارية مع آسيا: من المتوقع أن يسهم التعامل بالعملات الوطنية بين السعودية وشركائها الأساسيين في آسيا، مثل الهند والصين، في خلق أسس قوية للتجارة مع البلدين، وإنعاش الصادرات السعودية للسوقين أخذاً في الاعتبار أنه بحسب أحدث إحصاءات التجارة الخارجية السعودية، جاءت الصين كأهم شريك تجاري للمملكة خلال شهر نوفمبر 2022، حيث استحوذت على 18.3% من إجمالي الصادرات، ونحو 23% من إجمالي الواردات، بينما استحوذت الهند على حوالي 9.1% و4.8% من إجمالي الصادرات والواردات على الترتيب.
2- تعزيز موقع النفط السعودي: قد تسمح السعودية ببيع النفط، ولو جزئياً، باليوان الصيني، خاصة وأن بعض التقارير الصحفية قد أفادت، في مارس 2022، بأن السعودية تدرس هذا الأمر، كما حث الرئيس الصيني، شي جين بينج، دول الخليج على الاستفادة من بورصة شنغهاي للنفط والغاز لإجراء المبيعات باستخدام اليوان، وذلك خلال زيارته للسعودية مؤخراً. ومن شأن ذلك أن يعزز موقع النفط السعودي في الأسواق الصينية، ويسهل حصول مصافي النفط الصينية على النفط السعودي. 
3- تحوّل نظام سعر الصرف: مع البيع المحتمل للنفط السعودي بعملات أخرى غير الدولار، تتوقع وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة للإيكونوميست أن تقوم السعودية باستكشاف بعض البدائل لنظام سعر الصرف بما في ذلك التحول من الربط بالدولار الأمريكي إلى سلة مرجعية من العملات. 
4- فتور إضافي في العلاقات مع واشنطن: قد يتسبب تحول الرياض نحو استخدام العملات الأخرى، خاصة اليوان، في فتور دبلوماسي وسياسي مع الولايات المتحدة، وإن كان من غير المتوقع أن يؤثر ذلك في المصالح الأساسية المشتركة بين البلدين. وتتوقع الاستخبارات الاقتصادية التابعة للإيكونوميست أن تتحاشى الولايات المتحدة تعليق التعاون العسكري، أو الاستراتيجي مع السعودية، حتى لو تحولت الأخيرة نحو استخدام اليوان.
تحولات عالمية
إن قبول المملكة للتعامل بالعملات الأخرى بخلاف الدولار، ولاسيما فيما يتعلق بتسوية المعاملات النفطية، قد يضعف هيمنة الدولار في النظام الاقتصادي العالمي، وهو ما يُمكن إيضاحه على النحو التالي:
1- تقويض سيطرة الدولار تدريجياً: تخصم خطوة السعودية نحو بيع نفطها الخام، ولو جزئياً، للصين باليوان، من نصيب الدولار في المعاملات التجارية والمالية العالمية في السنوات المقبلة، إلا أن هذا التحول لن يتم بين يوم وليلة، بل سيتم على مدى سنوات طويلة، نظراً لجاذبية الدولار، حتى الآن، بسبب السيولة الوفيرة منه، واستقرار سعر صرفه، إلى جانب أنه العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم. فضلاً عن عدم نجاح المحاولات السابقة لبكين بشأن إطلاق عقود نفط مسعرة باليوان في إسقاط الهيمنة الدولارية. وبالتالي فمن السابق لأوانه التكهن بأن المملكة ستتخلى عن الدولار نهائياً في تسعير النفط. 
وجدير بالذكر أن الدولار الأمريكي ما يزال يستحوذ على حوالي 59.8% من إجمالي احتياطي العملات الأجنبية العالمي خلال الربع الثالث من عام 2022، مقارنة بحوالي 2.76% يستحوذ عليها اليوان. كما أن الدولار ما يزال العملة الأهم في تسوية المعاملات التجارية عالمياً.
2- دعم تدويل اليوان مستقبلاً: في حال تمكنت الصين من تسوية التعاملات التجارية وخاصة النفطية باليوان مع السعودية، فإن ذلك لن يسهم فقط في تحقيق مستهدفات بكين بشأن تأمين الحصول على موارد الطاقة دون الحاجة للدولار، بل يدعم أيضاً مستهدفاتها بشأن تدويل عملتها الوطنية اليوان، خاصة مع سعيها الحثيث نحو توسيع استخدام عملتها في معاملاتها التجارية مع العديد من الدول، فالاستخدام الأوسع للعملة في التعاملات التجارية وقبولها على نطاق أوسع يعتبران شرطان أساسيان لتدويلها.
والجدير بالذكر أن تحوّل اليوان ليصبح العملة الاحتياطية عالمياً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحجم اقتصاد الدولة، ومن المتوقع وفقاً لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال البريطاني (Centre for Business & Economic Research) ألا تصبح الصين الاقتصاد الأكبر عالمياً متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام 2036.
وخلاصة القول إن المملكة تحاول إعادة هيكلة علاقاتها الاقتصادية الخارجية، في ضوء تحولات نظام الاقتصاد العالمي، وبروز قوى اقتصادية جديدة، مثل الصين والهند، على نحو سوف يدعم مساعي الرياض ليس فقط لفك ارتباطها بالدولار الأمريكي، ولو بشكل جزئي وتدريجي، وإنما أيضاً مد أواصر التعاون مع الدولتين في مجالات أخرى غير الطاقة.