أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

سقوط حر!

انهيار الحكومة الأفغانية أمام طالبان بعد الانسحاب الأمريكي

15 أغسطس، 2021


سيطرت طالبان على أكثر من 20 ولاية أفغانية البالغ عددها حوالي 34 في تسعة أيام، كما باتت تبتعد عن كابول بحوالي 50 كلم. وتشير تقديرات بأن طالبان تسيطر على 85% من أراضي أفغانستان، وأن سقوط العاصمة الأفغانية كابول باتت مسألة وقت.

ويجيء هذا التطور في الوقت الذي أعلنت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن تقديراتها لسيطرة طالبان على كابول قد تتم خلال 30 يوماً فقط بعد أن كانت تقديراتها السابقة تشير إلى من 6 أشهر لعام، كما أرسلت واشنطن حوالي ثلاثة آلاف جندي إضافيين في 13 أغسطس في مهمة مؤقتة لأفغانستان للمساهمة في تأمين سحب أعضاء البعثة الدبلوماسية الأمريكية من السفارة الأمريكية في كابول، في مؤشر على حجم الانهيار في صفوف القوات الحكومية، وكذلك الميليشيات التابعة لأمراء الحرب. 

استراتيجية طالبان العسكرية:

اتجهت حركة طالبان لتكثيف هجماتها في أفغانستان، منذ أن أعلنت واشنطن في أبريل اعتزامها سحب جميع قواتها من البلاد بحلول 11 سبتمبر 2021. واستندت استراتيجية طالبان للسيطرة على كامل الأراضي الأفغانية على العناصر التالية: 

1- أولوية شمال أفغانستان: قامت حركة طالبان بشن هجوم مباغت على شمال أفغانستان، المعقل التاريخي لأمراء الحرب المناهضين لطالبان، وتمكنت في 5 مايو 2021 من السيطرة على إقليم بغلان، ثم مدينة قندوز في شمال أفغانستان في 8 أغسطس، كما أنها تفرض حالياً حصاراً على مدينة مزار شريف. وتجدر الإشارة إلى أن طالبان لم تنجح في السيطرة عليها عندما كانت تحكم أفغانستان خلال الفترة من عام 1996، وحتى عام 2001. 

ويعكس اتجاه طالبان للسيطرة عليها، بعيداً عن معاقلها في جنوب شرق البلاد حرص الحركة على عدم تكرار سيناريو "التحالف الشمالي"، والذي كان عبارة عن جبهة عسكرية مناهضة لطالبان تشكلت عام 1996، بقيادة أحمد شاه مسعود، وحكمت شمال أفغانستان بصورة منفصلة عن كابول. 

2- السيطرة على الحدود الأفغانية: ركزت حركة طالبان في المرحلة التالية على الاستيلاء على المعابر الحدودية لتحقيق الأهداف التالية:

‌أ- تقليص إيرادات الحكومة: تمكن سيطرة طالبان على المعابر الحدودية من حصولها على العائدات الجمركية، التي كانت الحكومة الأفغانية تحصلها، حيث تُمثل هذه العوائد نحو نصف إجمالي الإيرادات المحلية لأفغانستان، والتي قدرت بنحو 216.5 مليار "أفغاني" 2021. 

واستطاعت الحكومة الأفغانية جمع حوالي 4.6 مليار أفغاني فقط، أي ما يوازي 58 مليون دولار، من الرسوم خلال يوليو مقارنة بـ 7.3 مليار أفغاني في يونيو الماضي من جميع المراكز الجمركية الثلاثين الواقعة على الحدود والمدن والمطارات، وهو ما يعني تمكن الحركة من الحصول على أكثر من 2.7 مليار أفغاني.

‌ب- منع السلع الاستراتيجية: تمكنت طالبان من السيطرة على معبرين من أصل ثلاثة معابر حدودية بين أفغانستان وإيران، وهما إسلام قلعة، وأبو نصر فراهي، وكانت الحكومة الأفغانية تستورد عبرها وارداتها من السلع، خاصة النفط من إيران. 

‌ج- الحصول على الدعم العابر للحدود: تمكنت طالبان من السيطرة على معبر سبين بولداك الحدودي مع باكستان، في 14 يوليو 2021، وهو يعد من المعابر الرئيسية، وتؤهل السيطرة على هذا المعبر طالبان للحصول على دعم من الجماعات الباكستانية المتعاطفة مع الحركة، خاصة مع امتداد إثنية البشتون، التي ينتمي إليها أغلب عناصر طالبان، بين أفغانستان وباكستان. 

3- الاستيلاء على عواصم المدن: انتقلت طالبان من مرحلة السيطرة على المجتمعات الريفية إلى هجوم شامل على المدن الرئيسية، بما في ذلك قندهار وهرات ولاشكر جاه. ومن الملحوظ أن حركة طالبان أظهرت قدرة على شن هجمات على عدة جبهات بصورة متزامنة، وهو ما وضح في نجاحها في السيطرة على نصف ولايات أفغانستان في ثمانية أيام. 

ونجحت طالبان في السيطرة على قندهار وهرات، ثاني وثالث أكبر مدن أفغانستان على التوالي. كما استطاعت الحركة السيطرة على 20 ولاية أفغانية من أصل 34 ولاية. وفي هذا السياق، أفادت بعض المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بأن العاصمة الأفغانية كابول قد تسقط في يد حركة طالبان خلال 30 يوماً. 

4- عزل العاصمة الأفغانية: تعمل طالبان على عزل كابول، وذلك من خلال تطويقها من مختلف الجهات. وقد قامت حركة طالبان بالاستيلاء على مدينة غزنة الاستراتيجية، التي تقع جنوب كابول وتبعد عنها بحوالي 150 كيلومتراً، كما أنها تمكنت من السيطرة على مدينة "بل خمري" والتي تقع على بعد 225 كيلومتراً شمال العاصمة كابول، وهو ما مكن طالبان من عزلها عن شمال وغرب البلاد. وبالمثل، تمكنت طالبان من السيطرة في 13 أغسطس على مدينة بولي علم، عاصمة ولاية لوغار، والتي تقع على بعد 50 كلم شرق كابول.

ومن جهة أخرى، أحكمت طالبان سيطرتها على مزار شريف، عاصمة ولاية بلخ، في 14 أغسطس، وتعد مزار شريف الرئة الاقتصادية للبلاد. وتعني السيطرة عليها فرض حصار كامل على العاصمة كابول من الجهات كافة. وتشير تقديرات أمريكية إلى أن سيطرة طالبان على ولاية بلخ يجعل كابول تسقط في حدود 72 ساعة فقط. 

ويبدو أن طالبان تتحاشي السيطرة على كابول الآن، حتى تتمكن الولايات المتحدة وحلف الناتو من إجلاء دبلوماسييهما ورعاياهما خارج أفغانستان. ولذلك يتوقع أن تتجه الحركة لإكمال سيطرتها على مزيد من الولايات الأخرى، ثم تشرع بعد ذلك في السيطرة على العاصمة إن أرادت. 

5- مهاجمة المطارات والقواعد: قامت طالبان باستهداف المطارات بصورة منهجية، وذلك بهدف إعاقة قدرة الحكومة على نشر القوات، فضلاً عن عزل أفغانستان عن العالم الخارجي. ومن جهة ثانية، سيطرت طالبان على عدد من القواعد العسكرية التابعة للجيش الأفغاني، واستولت على ما بها من أسلحة دون أي قتال يذكر. 

أسباب الانهيار السريع

يمكن إرجاع عوامل انهيار القوات الأفغانية أمام طالبان إلى عدد من العوامل، تتمثل في التالي: 

1- الانسحاب الأمريكي من دون تسوية: أعلنت الولايات المتحدة في أبريل 2021 انسحابها من أفغانستان بحلول 31 أغسطس، وذلك في ظل تعثر مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان. وقد أغرى ذلك الوضع طالبان بشن هجمات لا هوادة فيها في جميع أنحاء البلاد، وهو ما حد من قدرة واشنطن على توظيف الضربات الجوية لإعاقة تقدم طالبان، خاصة مع إغلاق أهم قاعدتين جويتين أمريكيتين في قندهار وباغرام في شهر يوليو الماضي، كما أن القوات الأفغانية لا تستطيع صيانة المقاتلات، وهو ما حد من توظيفهم هذا السلاح ضد طالبان. 

ولم يتوقف الأمر عند مغادرة القوات الأمريكية والقوات التابعة لحلف الناتو لأفغانستان، بل غادر أيضاً الآلاف من المتعاقدين الذين يوفرون الخدمات اللوجستية، مثل صيانة أنظمة الأسلحة الجوية والبرية التي قدمتها الولايات المتحدة لها. 

2- انهيار القوات الأفغانية: ظلت القوات الأفغانية معتمدة على الدعم الأمريكي في جميع العمليات تقريباً، وهو ما كان أحد العوامل التي ساهمت في انهيارها فور الانسحاب الأمريكي. ومن الملفت هذا الأداء المتدني للقوات الأفغانية على الرغم من الدعم الأمريكي. 

فقد أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن في 10 أغسطس أن "بلاده أنفقت أكثر من ألف مليار دولار في 20 عاماً، لتدريب وتجهيز أكثر من 300 ألف جندي أفغاني، كما صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي، أن "القوات الأفغانية تمتلك القدرة والميزة العددية والقوة الجوية"، مشيراً إلى أن الأمر يعود إلى القيادة والإرادة باستخدام هذه القدرات. وتكشف هذه التصريحات وجود إحباط من أداء القوات الأفغانية أمام تقدم طالبان. 


3- الدعم الباكستاني لطالبان: تعد باكستان تاريخياً أحد الداعمين لحركة طالبان، خاصة أن الحكومة الأفغانية كانت مقربة من الهند، الخصم اللدود لإسلام آباد. وأكدت الأمم المتحدة في 27 يوليو أن جماعة طالبان باكستان الإرهابية التي تتخذ من باكستان مقراً لها حافظت على علاقات مع حركة طالبان الأفغانية، وأن هناك ما يقرب من 6000 عضو من أعضاء حركة طالبان باكستان يتمركزون في المنطقة الشرقية من أفغانستان على الحدود مع باكستان، حيث يقدمون الدعم العسكري لهجوم طالبان المستمر ضد الحكومة الأفغانية.

4- سياسات الرئيس الأفغاني: أخفق الرئيس الأفغاني، أشرف غنى، حتى الآن في توحيد أمراء الحرب الأفغان ضد حركة طالبان، إذ إن سياسته كانت تقوم على تهميشهم، في محاولة لتعزيز الجيش الوطني الأفغاني، وهو ما دفعهم إلى تحاشي محاربة طالبان. غير أنه أمام انهيار القوات الأفغانية أمام طالبان، لجأ غني إليهم من جديد، حيث وافق في مطلع أغسطس، على تسليح الميليشيات الموالية للحكومة. 

وجاء هذا القرار متأخراً، فقد سافر غني، في 11 أغسطس، إلى مدينة مزار شريف الشمالية، والتي تعد معقلاً تقليدياً مناهضاً لطالبان، وأجرى محادثات مع أمير الحرب الأوزبكي، عبد الرشيد دستم، والزعيم الطاجيكي البارز، عطا محمد نور، وذلك لحثهما على الدفاع عن المدينة في مواجهة طالبان. وعلى الرغم من ذلك، فقد سقطت المدينة في 14 أغسطس.

سيناريوهات الصراع الأفغاني

تتمثل المسارات المحتملة للصراع الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في السيناريوهات التالية:  

1- سيطرة كاملة لطالبان: يمكن تصور، وفق هذا السيناريو، إخفاق الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لدفع طالبان للجلوس على طاولة المفاوضات والتوصل لاتفاق تقاسم سلطة مع الحكومة الأفغانية، وأن تتجه طالبان لتوسيع رقعة سيطرتها على كامل الأراضي الأفغانية، وليس فقط في المناطق ذات الأغلبية البشتونية. 

ويعد هذا السيناريو هو المرجح بشدة، خاصة في ظل الانهيار السريع لقوات الحكومة الأفغانية على الجبهات كافة، واتجاه بعضهم إلى الاستسلام وتسليم أسلحتهم إلى طالبان من دون قتال، ونجاح الحركة في الاستيلاء على عدد ضخم من الأسلحة الأمريكية من الدبابات والمدرعات من طراز هامفي وغيرها. 

ويضاف إلى ما سبق تمكن طالبان من السيطرة على مناطق واسعة شمال أفغانستان، والتي كانت معقل التحالف الشمالي المناوئ لطالبان. كما تتفاوض واشنطن حالياً مع طالبان لضمان أمن دبلوماسييها في السفارة في كابول، بالتزامن مع إرسال ثلاثة آلاف جندي بشكل طارئ إلى كابول لإجلاء موظفين ودبلوماسيين أمريكيين، وهو ما يعني أن التقديرات الأمريكية تتوقع حدوث ذلك السيناريو. 

2- سيطرة جزئية لطالبان: يعتقد وفقاً لهذا السيناريو أن تتمكن طالبان من السيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي الأفغانية، ولكنها تفشل في إحكام سيطرتها على كامل أفغانستان. فقد تدفع سلسلة الانتصارات المتتالية لحركة طالبان أمراء الحرب، والذين يمثلون مختلف الأقليات الأفغانية، إلى التوحد مع القوات الأفغانية ضد طالبان، ووقف نجاحات طالبان العسكرية. 

ويتوقع أن تقوم الحكومة الأفغانية، وفقاً لهذا السيناريو، بحشد مقاتليها كافة والتحالف مع أمراء الحرب للدفاع عن العاصمة الأفغانية كابول، وبعض المدن الاستراتيجية، مثل مزار شريف وجلال آباد، وغيرهما، ومنع طالبان من تحقيق أي تقدم عسكري إضافي، وذلك لتحقيق جمود في الصراع وتفرض على طالبان الجلوس للتفاوض.

وتتراجع فرص هذا السيناريو بشدة في ضوء خسارة العديد من أمراء الحرب مناطق نفوذهم بالفعل لصالح طالبان، فضلاً عن العلاقة المتوترة بين الحكومة الأفغانية وأمراء الحرب خلال السنوات الماضية. ومع سيطرة طالبان على مزار شريف، فإن فرص تحقق هذا السيناريو تكون محدودة، إن لم تكن منعدمة.

3- التوصل لتسوية سلمية: يتمثل في إبرام حكومة كابول اتفاق سلام مع طالبان، غير أن فرص حدوث هذا السيناريو ضعيفة، فقد رفضت حركة طالبان اتفاق تقاسم السلطة الذي عرضه الرئيس أشرف غني، بعد طول ممانعة من جانبه، وذلك في مقابل وقف طالبان العنف. وأكدت طالبان رفضها أي اتفاق سلام لا يتضمن الإشارة صراحة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. كما أن طالبان كانت تضع عراقيل أمام مفاوضات السلام السابقة.