أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

ارتدادات التصعيد:

هل تتجه العلاقات الإيرانية-الأوروبية إلى مزيد من التوتر؟

15 ديسمبر، 2019


بدأت مساحة الخلافات بين إيران والدول الأوروبية تتسع تدريجياً خلال الفترة الأخيرة، على نحو يوحي بأن التوتر سوف يكون السمة الأساسية لتلك العلاقات خلال عام 2020، الذي ربما يشهد خطوات تصعيدية جديدة من جانب طهران، رداً على العقوبات الأمريكية وعدم وصول التعاملات الثنائية مع أوروبا إلى المستوى الذي يمكن أن يساعدها في مواجهة تداعياتها. ويبدو أن إيران لم تعد تُعوِّل بشكل كبير على تلك العلاقات، بعد أن سعت خلال الفترة الماضية إلى استثمارها من أجل تصعيد حدة التباينات بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتوسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها على الساحة الدولية.

ملفات خلافية:

لم تعد الخلافات العالقة بين إيران والدول الأوروبية تقتصر فقط على الاتفاق النووي، رغم أهميته، وإنما بدأت تمتد إلى ملفات أخرى، يتمثل أبرزها في الأحداث الداخلية التي شهدتها إيران في الفترة الأخيرة، ولاسيما الاحتجاجات التي اندلعت في منتصف نوفمبر 2019 اعتراضاً على رفع أسعار الوقود. إذ بدا لافتاً أن إيران كانت حريصة على الربط بين مواقف القوى الدولية تجاه هذه الأحداث وبين اتجاهات العلاقات معها.

وبمعنى آخر، فإن المعطيات التي فرضتها الاحتجاجات الأخيرة أنتجت بشكل ملحوظ تأثيرات على السياسة الخارجية الإيرانية، التي بدا التصعيد هو سمتها البارزة، خاصة إزاء الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بعد أن اتهمت إيران تلك القوى بأنها دعمت الاحتجاجات الداخلية التي اعتبرت أنها تمثل مخططاً خارجياً لتقويض دعائم النظام الحاكم.

وربما يطرح ذلك دلالة مهمة تتمثل في أن إيران لم تعد تفصل بين ما تتعرض له من ضغوط خارجية، بسبب العقوبات الأمريكية، وبين ما يحدث في الداخل من مواجهات متجددة بين الشارع والنظام، بسبب الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة لتقليص حدة التداعيات التي تفرضها تلك العقوبات. وربما سيكون لذلك أيضاً تأثير مباشر على التوازنات السياسية الداخلية في الفترة القادمة، التي سوف تشهد استحقاقين مهمين هما انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) التي سوف تجرى في 21 فبراير 2020، وانتخابات رئاسة الجمهورية التي سوف تجرى في منتصف عام 2021.

وفي هذا السياق، كان لافتاً مسارعة إيران إلى الرد على التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في 12 ديسمبر الجاري، والتي أدان فيها السياسة القمعية التي اتبعتها السلطات الإيرانية في التعامل مع المحتجين. إذ لم تكتف طهران باعتبار أن ذلك يمثل تدخلاً في الشئون الداخلية، وإنما بدأت في استدعاء أحداث تاريخية لتوجيه انتقادات مضادة لألمانيا، حيث أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، في اليوم نفسه، إلى أن "الشعب الإيراني لم ينس من جهَّز صدام بالأسلحة الكيماوية التي استخدمها ضد المواطنين الإيرانيين والعراقيين".

وبالتوازي مع ذلك، شنت وسائل الإعلام الإيرانية القريبة من النظام، لاسيما صحيفة "كيهان" (الدنيا)، حملة عنيفة ضد ألمانيا، حيث اعتبرت أن مثل هذه التصريحات تهدف إلى توجيه الانتباه بعيداً عن فشل الدول الأوروبية في إنقاذ الاتفاق النووي والالتزام بتعهداتها، وفقاً لرؤية طهران، التي تقضي برفع مستوى التعاملات الثنائية بين الطرفين من أجل احتواء تداعيات العقوبات الأمريكية.

اتجاه جديد:

تصاعد استياء إيران من تصريحات المسئولين الألمان ربما لا يعود فقط إلى حرص ألمانيا، على غرار بعض الدول الأوروبية الأخرى، على تبني مواقف رافضة للآليات التي استخدمتها السلطات الإيرانية في التعامل مع الاحتجاجات، وإنما يعود أيضاً، وربما يكون ذلك هو الأهم، إلى أن ذلك قد يمثل مؤشراً على أن الدول الأوروبية في طريقها نحو تغيير سياستها الحالية تجاه طهران.  

إذ باتت هذه الدول حريصة على توجيه رسائل مباشرة لطهران بأن إمعانها في السياسة التي تتبناها في الملفات المختلفة سوف يدفعها إلى اتخاذ مواقف مناوئة لها، بدلاً من محاولة تحييد أية خلافات قد تطرأ على العلاقات بين الطرفين لصالح منح الأولوية للاتفاق النووي، وللحيلولة دون اتجاه طهران نفسها إلى التصعيد في الاتفاق رداً على أية خلافات تظهر في هذه الملفات.

وهنا، فإن ذلك لا يمكن فصله عن سعى تلك الدول إلى محاولة إقناع طهران بأن الاتفاق النووي لا يعني أن الملفات الأخرى لا تخضع للتفاوض، أو أنها سوف تتغاضى عن ما تواصل إيران اتخاذه من خطوات تصعيدية فيها. فعلى سبيل المثال، لم تكتف فرنسا بالتهديد بتفعيل البند الخاص بعودة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران وتم وقفها بموجب الاتفاق النووي في حالة استمرارها في تخفيض مستوى التزاماتها النووية، وإنما أكدت، على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية أجنيس فون دير مول، في 5 ديسمبر الجاري، على أن "أنشطة الصواريخ الباليستية الإيرانية لا تراعي الاتفاق النووي ولا تتسق مع التزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231 وتمثل تهديداً للأمن الدولي".

وتوازى ذلك مع رسالة وجهها سفراء كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام للمنظمة الدولية انطونيو غوتيريش، في اليوم نفسه، قالوا فيها أن "إيران تطور صواريخ باليستية قادرة على حمل أسلحة نووية"، معتبرين أن "أفعال إيران تتناقض مع قرار مجلس الأمن الخاص بالاتفاق النووي"، في إشارة إلى القرار 2231.

كما قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في 8 مايو 2019، أن "دور إيران في سوريا واليمن يثير المشاكل". لكن الخطوة الأهم التي اتخذتها الدول الأوروبية الثلاث وحاولت من خلالها توجيه تحذيرات لطهران بأن خلافاتها "غير النووية" معها سوف تتصاعد تدريجياً، تمثلت في تأكيد كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خلال لقاءهم على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة، في 23 سبتمبر 2019، على أن "الوقت قد حان لإيران كى تقبل بإطار مفاوضات طويل الأمد على برنامجها النووي وكذلك على القضايا الأمنية الإقليمية، والتي تشمل برامجها الصاروخية".

حدود متوقعة:

مع ذلك، ورغم تلك الخلافات، فإن الدول الأوروبية ما زالت حريصة على الاحتفاظ بمسافة عن السياسة الأمريكية تجاه إيران. ففضلاً عن عدم تأييد العقوبات الأمريكية، ومواصلة العمل بآلية "انستكس"، التي انضمت إليها 6 دول جديدة في أول ديسمبر الجاري، فإن بعض تلك الدول أبدت تحفظات على المبادرة الأمريكية لتشكيل حشد بحري لحماية أمن الملاحة في منطقة الخليج بعد الهجمات التي تعرضت لها سفن وناقلات ومنشآت نفطية على خلفية التصعيد المستمر بين طهران وواشنطن.

لكن استمرار إيران في اتخاذ مزيد من الإجراءات الخاصة بتخفيض مستوى التزاماتها النووية، على غرار ما هو متوقع في يناير 2020، كفيل بتقليص مساحة الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بما قد يدفع الأخيرة إلى إعادة النظر تدريجياً في مقاربتها الحالية للاتفاق النووي، والتي لا تحظى، للمفارقة، بقبول سواء من جانب واشنطن أو طهران.