أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

قيود عديدة:

فاعلية محدودة لجهود الوساطة بين الرياض وطهران

09 ديسمبر، 2015


تعيش منطقة الشرق الأوسط لحظة جديدة من التوتر بسبب الخلاف الذي أشعلته إيران مع السعودية والعديد من الدول العربية، في أعقاب إعدام المملكة رجل الدين الشيعي، نمر النمر، وهو الحدث الذي قوبل في إيران باقتحام محتجين للسفارة السعودية هناك. ورداً على ذلك قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وتضامنت معها العديد من الدول العربية.

هذه التطورات تثير قلقاً دولياً من تداعيات قطع العلاقات بين قطبين إقليميين يختلفان، بل يقفان على طرفي نقيض، في مواقفهما تجاه أزمات المنطقة، لاسيما في كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان.

وإزاء تصاعد المخاوف من التداعيات السلبية لتوتر العلاقات بين الرياض وطهران، تكاثرت عروض الوساطة من أطراف عدة عرضت خلالها رغبتها في تأمين وجود قنوات دبلوماسية لتخفيف حدة التوتر بين الجانبين. بيد أن هذه العروض تتباين في مدى جديتها وقدرتها على التأثير في مسار الأزمة ومآلاتها.

غياب طوعي للفاعلين التقليديين

ترتبط أولى الملاحظات في هذا السياق، أي فيما يخص جهود الوساطة، باستمرار النهج الذي تتبعه القوى الدولية الكبرى ذات الحضور التقليدي في المنطقة، أي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية؛ إذ اختارت تلك الدول تقليص انغماسها في شؤون المنطقة، وهو ما تجلى على نحو ملحوظ مع غيابها عن الأزمة اليمنية، ليتكرس ذلك مرة أخرى مع هذه الموجة من التوتر في علاقات الرياض- طهران، حيث اقتصر الأمر على دعوات لتدارك تداعيات الأزمة الدبلوماسية صدرت من دول عدة، أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.

ولم تعرض واشنطن الوساطة على الرغم من أنها مؤهلة للعب هذا الدور في ضوء تحالفها التقليدي مع الرياض، فضلاً عن الخطوط المفتوحة الآن بينها وبين وطهران. واكتفت واشنطن في هذا السياق بقيام وزير الخارجية، جون كيري، بالاتصال هاتفياً بنظيريه الإيراني محمد جواد ظريف والسعودي عادل الجبير، ومناشدتهما ضبط النفس ومنع تفاقم الازمة.

ويمكن تفسير هذا الغياب الطوعي للفاعلين الدوليين عن هذه الأزمة، في ضوء العلاقة الأمريكية – الإيرانية التي ما زالت في مهد المهادنة والتوافق على خلفية إنجاز الاتفاق النووي، إذ تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف محرج بسبب رغبتها في عدم هدم الإنجاز الذي تم التوصل إليه مع إيران.

واتساقاً مع التوجه ذاته، اقتصر موقف "الاتحاد الأوربي" على التحذير الذي أطلقته مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، من أن إحياء التوتر بين إيران والسعودية قد يهدم جهود إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا.

ويبدو أن غياب القدرة على التوسط في الأزمة بين الرياض وطهران يمتد إلى المنظمة الأممية، التي ربما لا تمتلك القدرة على القيام بدور الوسيط الحيادي في مثل هذه الأحداث، فقد حث مجلس الأمن الدولي كلاً من إيران والسعودية على اعتماد الحوار واتخاذ إجراءات لتقليل التوتر في المنطقة، فضلاً عن إدانته لاقتحام محتجين إيرانيين للسفارة السعودية في طهران والهجوم على قنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية، ومطالبته طهران بـحماية المنشآت الدبلوماسية والقنصلية وطواقمها، طبقاً لالتزاماتها الدولية في هذا الخصوص، وأهمها اتفاقيات فيينا التي تلزم الدول بحماية البعثات الدبلوماسية.

ويمكن القول إن الأمم المتحدة قد لا تكون الطرف القادر على القيام بخطوات تقريبية بين الطرفين، لاسيما بعدما أثارت حفيظة الرياض مع تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أعرب عن "خيبة أمله" من تنفيذ الإعدامات في السعودية بحق 47 شخصاً بينهم نمر النمر، وبالتالي فإن أية تحركات من قبل الأمم المتحدة ستهدف بالأساس لتدارك تداعيات الأزمة على الملفات الساخنة في المنطقة، خاصة جهود حل النزاع في سوريا واليمن. وهذا ما تأكد مع زيارة المبعوث الدولي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، إلى الرياض قبل نحو ثلاثة أسابيع من المفاوضات المنتظرة في جنيف.

مبادرات الوساطة.. الدوافع والقدرات

عرض عدد من القوى الإقليمية والدولية خدماته للقيام بدور الوسيط لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران لمنع تفاقم الأزمة. وتتباين هذه المبادرات على كثرتها في قدرات أصحابها على التأثير على مسار الأزمة، كما تتباين اتجاهات علاقاتها بطرفي الأزمة، على نحو تثور معه العديد من علامات الاستفهام حول قدرة تلك القوى على القيام بدور فعلي في هذا السياق. ومن أبرز الدول التي قدمت تلك المبادرات ما يلي:

1 ـ روسيا: أعلنت موسكو أسفها لتصاعد الأزمة بين البلدين، مُعلنة رغبتها في الوساطة بينهما لإنقاذ الوضع قبل زيادة تدهوره، وبدا أن موسكو تحاول الظهور في وضعية الدولة المُحايدة التي تقف على مسافة واحدة من الدولتين، فهي ترتبط بعلاقات ودية بالفعل مع كل من طهران والرياض. وتخشى في الأساس على سير مُفاوضات فيينا التي تشارك فيها إلى جانب كل من: الولايات المتحدة، ومصر، وتركيا، وإيران، والسعودية، من أجل بحث سبل حل الأزمة السورية.

لكن هناك العديد من علامات الاستفهام حول جدية الإعلان الروسي وحول قدرة موسكو على تحقيق أي تقدم حقيقي في هذا الصدد؛ إذ تشهد العلاقات السعودية - الروسية توتراً ملحوظاً على خلفية الأزمة السورية، حيث تدعم موسكو نظام بشار الأسد، في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى إسقاطه عن طريق الحوار أو عسكرياً كما ورد على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير مراراً.

ولا يمنع التوافق الروسي – الإيراني حول الأزمة السورية من أن ثمة توتراً محدوداً ظهرت ملامحه حول تهميش الدور الإيراني في سوريا واحتمالية تراجع روسيا عن التمسك بالأسد في المستقبل، وهو التوتر الذي أزالته روسيا في زيارة أجراها بوتين أفرج خلالها عن صفقة توريد صواريخ S 300 إلى إيران.

وتدفع هذه المعادلات إلى الاعتقاد بأن  موسكو ستقف إلى جانب طهران في أزمتها مع الرياض، بيد أنها لن تكون متضررة أيضاً من أي ضعف يطرأ على مركز طهران الإقليمي على أثر هذه الأزمة.

2 ـ العراق: عرضت العراق التي تمتلك حدوداً مع كل من السعودية وإيران التوسط بين البلدين لإنهاء الخلاف بينهما، انطلاقاً من علاقتها الوطيدة مع إيران وكذلك مع الأشقاء العرب. وتأتي هذه الوساطة العراقية بسبب خوف بغداد من تأثير الخلافات بين السعودية وايران على الحملة الدولية ضد تنظيم "داعش" من جانب، وخوفها من تأثير التوتر الطائفي بين السنة والشيعة، والذي قد يؤدي لعودة النزاع الذي أدمى العراق قبل عقد من الزمن من جانب آخر، وهذا ما ظهرت بداياته مع التفجيرين اللذين استهدفا مسجدين جنوب بغداد في وقت لاحق بعد هذه الأزمة الإيرانية – السعودية.

ولأن الملف العراقي في مجمله يعتبر من أهم الملفات الخلافية بين السعودية وطهران، فهذا يخلق صعوبات أمام بغداد في لعب دور الوسيط المحايد بين القطبين الإقليميين، وثمة خلافات بين السعودية والعراق التي تحصل حكومتها على دعم مباشر من إيران.

ولهذا يمكن القول إن مسوغات إخفاق العراق في هذا الصدد ظهرت خلال المؤتمر الصحفي الذي عرض خلاله وزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، رغبته في الوساطة، إذ جرى هذا المؤتمر خلال زيارة للجعفري إلى طهران، وفي المؤتمر الصحفي نفسه اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف السعودية برفض عروض إيرانية للتعاون بشأن ما وصفه بـ "الإرهاب والتطرف"، كما حمّل السعودية "مسؤولية تأجيج التوتر في المنطقة"، مطالباً الرياض بالتوقف عما وصفه بـ "إثارة التوترات".

كما يبدو أن الداخل العراقي ليس متجانساً إزاء الرغبة في الوساطة، إذ اعتبر أحد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية النيابية أنه كان الأجدر بوزير الخارجية إبراهيم الجعفري عرض الوساطة العراقية لحل الخلافات بين إيران والسعودية على الأحزاب ولجنة العلاقات الخارجية لضمان حصوله على دعم حزبي وسياسي يهدف لنجاح هذه الوساطة، معتبراً إياها "خطوة جيدة تحسب لصالح الدبلوماسية العراقية لكن نجاحها مشكوك فيه وستؤدي لخلافات كبيرة بين الأطراف".

3 ـ تركيا: عرضت أنقرة التدخل لتهدئة التوتر بين السعودية وإيران، فقد حث رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، الطرفين على اللجوء إلى القنوات الدبلوماسية، معرباً عن الاستعداد لمساعدة بناءة في هذا الحوار، وذلك بعدما أوضحت أنقرة ثوابتها من هذه الأزمة، وهي: عدم تأييد حكم إعدام النمر لأنها تعارض كل أشكال عقوبة الإعدام، واعتبار الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية "أمراً غير مقبول".

ومع أن كثيرين يتفاءلون بقدرة تركيا على الوساطة لما لها من علاقات قوية مع السعودية، والتي توجت بزيارة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى الرياض مؤخراً، إلا أن علاقاتها مع إيران ليست على القدر ذاته من السلاسة، فقد شهدت علاقات أنقرة - طهران توتراً ملحوظاً في ظل أزمة تركيا الحالية مع روسيا إثر انتقاد إيران إسقاط المقاتلة الروسية على الحدود السورية، فضلاً عن مطالبة طهران بسحب قوات نشرتها تركيا في العراق قبل شهر.

هل هناك أطراف قادرة على الوساطة؟

إزاء هذه المحدودية في قدرة الفاعلين الأكثر قرباً من طرفي الأزمة على التأثير في مجرياتها، والتقريب بين وجهات نظر الفرقاء، يبدو أن المجال قد يكون مفتوحاً لقوى أخرى لا تتورط بشكل تقليدي في شؤون المنطقة للعب دور الوسيط، وذلك لمنع تفاقم الأزمة بين الرياض وطهران.

ويثمن المراقبون في هذا الصدد دور عدد من الدول لعل أهمها الصين، والتي تزيد فرصها في ظل شبكة علاقاتها الاقتصادية الجيدة بدول المنطقة، فضلاً عن بعدها عن المصالح المباشرة التي تمس الأزمة السعودية - الإيرانية.

وقد أعلنت وزارة الخارجية الصينية أنها "أرسلت ممثلاً خاصاً إلى كل من السعودية وإيران، للإسهام في تخفيف حدة التوتر بين البلدين". كما دعت الخارجية الصينية البلدين للتهدئة، مشيرة إلى أن "مساعد وزير الخارجية الصيني، تشانغ مينغ، عقد لقاءات في السعودية بهذا الخصوص، وأنه سوف يزور إيران أملاً في تهدئة الأوضاع".

وهناك أيضاً إندونيسيا، فقد أعلنت وزارة الخارجية الإندونيسية أنها تسعى إلى التوسط بين السعودية وإيران. وتجري وزيرة الخارجية، رينتو مارسودي، اتصالات مباشرة مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إياد مدني، ومع كل من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ووزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، في إطار مشاركة إندونيسيا الفعالة للبحث عن وسيلة للخروج من هذه المشكلة. وربما تكمن نقاط قوة اندونيسيا في هذا السياق في إمكانية التحرك من خلال منظمة التعاون الإسلامي كإطار تنظيمي يقوم على الرابطة الدينية.

أخيراً، يمكن القول إن أية جهود حالية للوساطة بين الرياض وطهران لن تنجح ما دامت إيران تصر على افتعال أزمة جديدة تزيد التوتر بالمنطقة، وما دام هدفها هو إذكاء نيران الطائفية في دول الجوار من خلال تدخلها السافر في الشؤون الداخلية. كما أن هناك سقفاً للرياض لا يمكن التنازل عنه في الوقت الراهن، لاسيما في ظل حالة التضامن العربي التي تشير إلى السأم من استمرار طهران على نفس سياساتها التدخلية، وإلى أنه لا يمكن القبول بممارسات طهران الطائفية ودورها التخريبي في بعض الدول العربية.