أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

توتر مستمر :

أبعاد تصريحات أردوغان الغاضبة ضد الرئيس الأمريكي بايدن

03 أكتوبر، 2021


أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 23 سبتمبر 2021، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، عن توتر العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة، ووصفها بأنها علاقات "ليست صحية"، في إشارة إلى عقوبات واشنطن التي فرضتها على صناعة الدفاع التركية؛ وتعليق واشنطن شراء أنقرة لطائرات إف-35 من واشنطن على خلفية تعاقد تركيا على شراء نظم الدفاع الجوي الروسية "إس 400"؛ وهدد أردوغان الإدارة الأمريكية بأن بلاده ستلبي احتياجاتها الدفاعية من دول أخرى إذا لم تساعدها واشنطن في ذلك.

كما هاجم الرئيس التركي الولايات المتحدة خلال مؤتمر صحفي في 24 سبتمبر 2021، حيث أعلن أن واشنطن تدعم المنظمات الإرهابية وتمولها وتقدم الأسلحة لها بشكل يفوق المتوقع، وأوضح أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا لا ينبغي أن تقتصر على أنهما دولتان من دول حلف شمال الأطلسي "ناتو" فقط، وقد عكست هذه التصريحات مدى تصاعد حدة التوتر بين البلدين.

أبعاد توتر العلاقات التركية الأمريكية

أعلن أردوغان أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن شهدت تطورات سلبية مع إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، بصورة غير مسبوقة مع أي من الإدارات الأمريكية السابقة، وقد جاء ذلك عقب تجاهل بايدن له في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ 76، حيث رفض الرئيس الأمريكي سعي نظيره التركي لعقد اجتماع خاص معه. 

وتجدر الإشارة إلى أن التوتر الراهن في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة يتضمن أبعاداً متعددة، ويمكن الإشارة إلى أهم أبعاد هذا التوتر فيما يلي:

1- الخلاف حول دعم أكراد سوريا: تدعم الولايات المتحدة بشكل أساسي وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني اليساري، والذي تتهمه أنقرة بأنه تنظيم إرهابي نظراً لأنه يتمتع بعلاقات قوية بحزب العمال الكردستاني (التركي)، والمصنف تنظيماً إرهابياً في تركيا. 

وقدمت واشنطن للأكراد تدريبات ودعم عسكري، كما يقوم الكونجرس الأمريكي هذه الأيام بإعداد ميزانية تقدر بعشرات ملايين الدولارات لدعمهم، عسكرياً واقتصادياً، وتنتشر قواعد أمريكية في مناطق تواجد الأكراد لتوفير المظلة الأمنية لهم في مواجهة الجيش التركي، والفصائل الإرهابية المدعومة منها، في المقابل. وتعتمد الولايات المتحدة على الأكراد في محاربة تنظيم داعش، كما أنهم يديرون سجوناً تضم عناصر داعش، ويقدر عددهم بحوالي 60 ألف عنصر. 

2- العقوبات العسكرية على أنقرة: فرضت واشنطن عقوبات على صناعة الدفاع التركية، في عام 2019، بسبب شراء أنقرة نظم الدفاع الصاروخي الروسية "إس – 400"، كما قامت باستبعاد أنقرة من برنامج المقاتلات "إف – 35". وأخفقت المفاوضات التي تمت بين الجانبين لحل هذه الأزمة، حتى تلك التي أجريت مع الإدارة الجديدة برئاسة بايدن. 

وانهارت المحادثات بسبب تمسك تركيا بعدم قبول أي عرض، إلا إذا تضمن نقل التكنولوجيا، فضلاً عن تهديدها المستمر بأن روسيا عرضت عليها صفقة بشروط جيدة تتضمن نقل التكنولوجيا.

3- التعاون الدفاعي التركي – الروسي: تقيم تركيا علاقات برجماتية مع روسيا، وفي حين أن البلدين يتعاونان في المجال العسكري، خاصة مع إعلان أنقرة عزمها التعاقد على مزيد من نظم الدفاع الجوي الروسية "إس – 400" في تحد إضافي لواشنطن، فإنهما في المقابل يختلفان بشدة حول الملف السوري. 

ومن المقرر أن يكون أحد الملفات التي ستتناولها الزيارة المرتقبة للرئيس أردغان إلى مدينة سوتشي الروسية في 29 سبتمبر الجاري؛ فقد أعلن أردغان أنه سيناقش مع الرئيس بوتين في تلك الزيارة العلاقات الثنائية والوضع في سوريا لا سيما في إدلب، معقل المعارضة. ولا يتوقع أن تكون هذه المفاوضات يسيرة، خاصة مع تصعيد موسكو عسكرياً ضد المعارضة المسلحة، المدعومة من تركيا، قبل اللقاء في مؤشر أن موسكو تنتظر تنازلات جدية من أنقرة، وتحجيم حركة حلفائها من التنظيمات الإرهابية. 

4- الدعم الأمريكي لفتح الله جولن: لا تزال الولايات المتحدة ترفض طلب أنقرة تسليم فتح الله جولن، الذي تتهمه تركيا بالتخطيط لمحاولة انقلاب فاشلة ضد حكومة أردوغان عام 2016. 

وكرر الرئيس أردوغان مطالبته الإدارة الأمريكية بإعادة جولن أو ترحيله خارج الولايات المتحدة؛ حيث يتذرع أردوغان بخطورة منظمة جولن على الأمن القومي التركي، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة، وهو الموقف الذي تعتبره أنقرة دعماً لانقلاب 2016. 

5- التوجهات السلطوية لأردوغان: تتهم الولايات المتحدة الحكومة التركية باعتقال ما يقرب من 300 ألف شخص وإيقاف، أو فصل حوالي 150 ألف موظف مدني، وإغلاق مئات المنافذ الإعلامية، وسجن العشرات من نواب المعارضة. 

كما أن الرئيس بايدن، قد أطلق تصريحات عدائية ضد أردوغان عندما كان مرشحاً للرئاسة في أغسطس 2020، حيث وصفه بـ "المستبد"، وأكد أنه "سيشجع المعارضة من أجل هزيمة الرئيس التركي في الانتخابات". ونظراً لأن المعارضة التركية تسعى، حالياً، لتوحيد صفوفها في مواجهة أردوغان، فإن قلق الأخير تزايد، خاصة فيما يتعلق بإمكانية دعم واشنطن المعارضة في مواجهة أردوغان.

ووافقت أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في 10 فبراير 2021 على ضرورة قيام إدارة الرئيس بايدن بالضغط على تركيا لتحقيق تقدم في ملف حماية حقوق الإنسان، كما وقع 54 من أعضاء مجلس الشيوخ على اتهام الرئيس التركي بتهميش المعارضة وملاحقة بعض وسائل الإعلام وسجن الصحفيين وشن حملة ضد القضاة المستقلين.

وإلى جانب ما سبق، اعترف الرئيس بايدن 24 أبريل 2021 بالإبادة الأرمنية، على أيدي السلطنة العثمانية عام 1915؛ مما أثار غضب أنقرة التي استدعت السفير الأمريكي احتجاجاً على هذا الاعتراف.

مسارات محتملة

من غير المحتمل أن تتراجع تركيا عن خطتها لتطوير نظم دفاعها الجوية بالتعاون مع روسيا، في إطار مساعيها وتطلعاتها لأن تحقق استقلالية في المجال العسكري، بما يمكنها من تبني السياسات الخارجية التي ترغب فيها، دون تعرضها لضغوط من جانب الغرب. وفي ضوء ما سبق، يمكن توقع أن تتخذ مستقبل العلاقة بين واشنطن وأنقرة أحد المسارات التالية:

1- استمرار التوتر مع واشنطن: قد تلجأ تركيا إلى شراء نظام صاروخي آخر من روسيا، حال استمرار العقوبات الأمريكية على صناعة الدفاع التركية، خاصة في ظل الزيارة المرتقبة لأردوغان إلى روسيا، وهو الأمر الذي يجعل العلاقات الأمريكية – التركية مرشحة لمزيد من الانتكاسة. 

وفي المقابل، فإن هناك خلافات حقيقة بين أنقرة وموسكو حول سوريا، ولا يتوقع أن يسهم حرص أنقرة على إبرام صفقات دفاعية مع موسكو أن تقوم الأخيرة بالتراجع عن الضغط على تركيا لضبط سلوك تنظيماتها الإرهابية في إدلب. ولذا، فإن هناك سقف لتطور العلاقات الروسية – التركية. 

2- وساطة دولية لاستيعاب الخلافات: من المحتمل عقد صفقة بوساطة إحدى دول الناتو، بشأن المنظومة الدفاعية التركية؛ وطرحت في السابق حلول مثل أن تقوم تركيا ببيعها إلى دولة أخرى، أو عدم تشغيلها، وهو ما قوبل برفض تركي حينها. 

3- التوافق في العلاقات: يفترض هذا السيناريو أن تعود انقرة حليفة للولايات المتحدة، ويتم تجاوز الملفات الخلافية في العلاقات الثنائية، وهو سيناريو يعد مستبعداً بدرجة كبيرة، في ضوء تعدد الملفات الخلافية بين الجانبين، فضلاً عن وجود توتر شخصي بين أردوغان وبايدن.

وفي النهاية، تدرك أنقرة جيداً مدى أهمية علاقاتها مع واشنطن، وبالتالي فهي لن تستمر في التصعيد ضد الإدارة الأمريكية، لكنها تسعى في الوقت الراهن للمناورة فقط من أجل تحقيق مزيد من المكتسبات، مع محاولتها الحثيثة للوصول إلى نوع من المواءمة التي تضمن لها الحفاظ على علاقاتها بروسيا من دون خسارة الحليف الأمريكي، بيد أن قدرة أنقرة على القيام بذلك لا تزال محل شك.