أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مخاطر محتملة:

تقييم الاتجاه الروسي للاعتماد الاقتصادي على الصين

07 يناير، 2024


عرض: هبة محيي

مهد الصراع الروسي الأوكراني في فبراير 2022 الطريق أمام تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين، ولاسيما مع امتناع الصين عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن، وتكثيف حضور البلدين في العديد من المنظمات الدولية، كـ"البريكس" و"شنغهاي"، والأهم أنهما يتشاركان السعي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب يتجاوز الهيمنة الأمريكية.

مع تصاعد العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا في أعقاب الصراع مع أوكرانيا، اتجهت موسكو وبكين إلى تعزيز العلاقات التجارية، إذ شكَّلت الصين مصدراً أساسياً للسلع الاستهلاكية الرخيصة والمنتجات التكنولوجية، بينما كانت روسيا مورداً مهماً للمواد الخام والنفط، ولاسيما في ضوء وجود خط أنابيب نفطي ضخم يصل بين البلدين منذ عام 2000.

أقلقت تلك العلاقات المتنامية الأوساط الأوروبية، خاصة أنها أضعفت تأثير العقوبات الأوروبية في روسيا، بل وحفَّزت الأخيرة على مواصلة سياسات فرض النفوذ داخل القارة الأوروبية. أضف لذلك، فقد تشكل تلك العلاقات بديلاً استراتيجياً للعلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوروبا التي كانت قد شهدت ازدهاراً إثر سقوط الاتحاد السوفيتي، ثم تدهورت تدريجياً بعد الأزمة المالية العالمية عام 2007، وضم موسكو شبه جزيرة القرم في 2014 لتتأزم بشكلٍ حاد مع الحرب الأوكرانية.

في هذا السياق، طرح المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في ديسمبر2023 تقريراً حول "العلاقات الروسية الصينية، وتورط موسكو في فخ الاعتمادية الاقتصادية" يحلل فيه الآثار المحتملة لتلك العلاقات، مع تقييم مدى مخاطرها المستقبلية. 

التوجه الروسي شرقاً:

ظلت العلاقات الروسية الصينية، بحسب التقرير، تعاني ضعفاً إلى أن جاء العام 2000 لتشهد نمواً على استحياء، خاصة في المجال الاقتصادي، من خلال إبرام العديد من الاتفاقات التجارية. ثم ما لبثت أن خفتت وتيرة التعاون مرة أخرى، مع مساعي الطرفين حينها إلى التوجه نحو الولايات المتحدة وأوروبا للاستفادة من التكنولوجيا ورؤوس الأموال الأوروبية. ففي تلك الفترة، كان التناغم الروسي الأوروبي متصاعداً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، خاصة مع تحول روسيا إلى اقتصاد السوق بدلاً من الاقتصاد المخطط مركزياً.

إلا أن العلاقات الروسية الأوروبية شهدت تراجعات في العلاقات التجارية على خلفية الأزمة المالية العالمية عام 2007، إذ عانى الاقتصاد الروسي حينها ركوداً، مما دفع النخب الروسية إلى تنويع حلفائها الاقتصاديين والتوجه شرقاً، وهو ما أعطى الفرصة لإعادة إنعاش العلاقات الروسية الصينية التي تصاعدت بوتيرة منتظمة منذ ذلك الحين.

إذ ازدهرت العديد من المشروعات المشتركة بين موسكو وبكين، خاصة في مجالي الدفاع والطاقة، إلا أن التعاون بينهما لم يبلغ ذروته لخشية موسكو منافسة السلع الصينية لصناعاتها، ومن ثم شهدت الفترة بين عامي 2014 و2022 تعاوناً معتدلاً نتج عنه إنشاء اللجنة الروسية الصينية للتعاون الاستثماري، وزيادة صادرات روسيا إلى الصين من الفحم والغاز السائل والمعادن، بالإضافة إلى بعض المنتجات الزراعية.

مع نشوب الحرب الأوكرانية، شهدت العلاقة التجارية بين البلدين طفرة غير مسبوقة، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية نحو 114,5 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2023، وفي نفس تلك الفترة تجاوزت الواردات الصينية نسبة 35%، والتي لم تكن تتجاوز حتى عام 2000 نسبة 3%.

لم يقتصر تطور علاقات البلدين على حجم التجارة فقط، إذ كان هناك تغير نوعي في طبيعة تركيبة الصادرات والواردات، فحتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة ارتكزت الواردات الروسية على السلع الرخيصة كثيفة العمالة من الصين مثل: الأحذية والملابس والسلع الجلدية. ثم تغيرت نوعية الصادرات الصينية لروسيا تدريجياً منذ ذلك الحين، إذ أصبح التوجه السائد في روسيا هو التركيز على استيراد السلع الاستثمارية المتطورة.

ففي النصف الأول من 2023، بلغت الواردات الصينية من السلع الاستثمارية 50% في مجالات عدة أهمها: الهندسة الميكانيكية، وصناعة المركبات، والإلكترونيات، وفي الوقت ذاته تغيرت تركيبة الصادرات الروسية إلى الصين تغيراً ملحوظاً، فحتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة احتلت المنتجات الكيميائية والآلات ومنتجات الصلب قائمة الصادرات. إلا أن ذلك الأمر تغير حتى منتصف عام 2023، إذ احتل الوقود الأحفوري 74% والمعادن والخامات 10% من قائمة الصادرات الروسية للصين.

وعلى الرغم من ازدهار العلاقات التجارية بين البلدين، فإن ذلك لا يعني أن الطريق خالٍ من العقبات، إذ ثمة تخوفات صينية من الاستثمار الموسع في روسيا، لعدة أسباب أهمها أن ذلك التعاون الاقتصادي بين البلدين قد يعرقل مصالح بكين مع أوروبا ويجعلها عرضة للعقوبات التجارية، كما الحال مع شركة "هواوي" الصينية. أضف لذلك، تعاني روسيا ندرة في القوى العاملة، مع عدم توافر البنية التحتية المشجعة على جذب الاستثمارات، فضلاً عن العقبات الإدارية التي قد تواجه المستثمرين الخارجيين، ووجود العديد من جماعات الضغط الروسية التي تسعى لعرقلة الاستثمارات الأجنبية لحماية مصالحها.

مجالات التعاون:

أولى تقرير المعهد الألماني اهتماماً بانتعاش التعاون بين موسكو وبكين في مجالات أساسية إثر الحرب الأوكرانية مثل: النفط والغاز الطبيعي، وصناعة تكنولوجيا المعلومات، وصناعة الأسلحة. أضف لذلك، اتجاه البلدين إلى الاعتماد على العملتين المحليتين في التجارة بين البلدين لتقليل الاعتمادية على الدولار واليورو، ويمكن تفصيل ذلك على النحو الآتي:

- صناعة تكنولوجيا المعلومات: ازدهرت تلك الصناعة في روسيا في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ حققت بعض الشركات الروسية نجاحاً لا بأس به كشركة "ياندكس" التي تطورت من مجرد محرك بحث إلى مجموعة رقمية متنوعة، كما انتشرت العديد من مواقع البيع بالتجزئة الإلكترونية مثل، أوزون. ويرجع التطور في تلك الصناعة بالأساس إلى التعاون مع الغرب، والذي أمد روسيا بالبنية التحتية الرقمية والتكنولوجية المطلوبة. 

في السنوات الأخيرة، ازداد الحضور الصيني في السوق الرقمية الروسية، إذ بدأت الشركات الرقمية الصينية، بقيادة "هواوي" و"علي بابا" منذ عام 2018 في توسيع حضورها في روسيا. كما كان هناك اهتمام صيني بالمتخصصين المحليين في روسيا. إذ أقامت "هواوي" خلال سنوات قليلة شبكة علاقات وثيقة مع معاهد البحث والجامعات الروسية، التي تُعد رائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، من خلال إنشاء مراكز بحثية خاصة بها في مدن الجامعات مثل: نيجني، نوفغورود، نوفوسيبيرسك.

- التعاون المالي واستخدام اليوان: لم تكن فكرة الاعتماد على اليوان أو سلة عملات مختلفة عن الدولار واليورو وليدة الحرب الأوكرانية الأخيرة، بل ظهرت الحاجة لها بعد أزمة شبه جزيرة القرم، والتي أعقبتها عقوبات أوروبية على روسيا. وتم اتخاذ الخطوات الأولى في هذا المجال بين موسكو وبكين في عام 2014، إلى أن بلغت نسبة المدفوعات باليوان في الصادرات الروسية 25%، وفي الواردات الروسية 31%، إذ بدأت العديد من البنوك الروسية في تقديم حسابات توفير اليوان لعملائها. 

وتُعد هذه الحسابات جذابة للأفراد الروس لأنها تحمي الدولة ضد التضخم أو احتمالية تخفيض الروبل. ويستخلص التقرير أن التقدم الحادث في مجال التعاون المالي بين البلدين لا ينفي أن الطريق ما زال طويلاً للتخلص من هيمنة الدولار وتأثيره في الدولتين.

مخاوف الاعتمادية:

تدعم نخبة مديري الشركات وأصحاب المصالح العلاقات بين روسيا والصين، إذ تسيطر على أجزاء كبيرة من الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالطاقة والدفاع في روسيا. وغالباً ما تؤدي هذه النخبة دوراً أكثر أهمية في السياسة الصينية والروسية من خلال الهيئات المسؤولة رسمياً مثل: وزارة الخارجية أو وزارة الاقتصاد. أضف لذلك، ثمة ترحيب روسي عام بالعلاقات مع الصين التي تكتسب صورة ذهنية إيجابية في وسائل الإعلام الروسية الموالية لنظام بوتين.

إلا أن ذلك لا ينفي المخاوف من وقوع روسيا في فخ الاعتمادية مجدداً على الصين، كما يثير الاعتماد على اليوان بشكل متزايد قلقاً في الأوساط الروسية، لما يمكن أن يجلبه من مخاطر سياسية واقتصادية جمة، فقد تقوم بكين بتخفيض قيمة اليوان للحفاظ على تنافسية صادراتها؛ مما يؤدي إلى فقدان الاحتياطيات والودائع الروسية لقيمتها، علاوة على عدم تمتع اليوان بنفس قدر السيولة التي تتمتع بها العملات الغربية إلى الآن في روسيا، مما يؤثر في حركات البيع والشراء في روسيا.

المصدر:

Stiftung Wissenschaft und Politik, Janis Kluge, Russisch-chinesische Wirtschaftsbeziehungen, December, 2023.