أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الحفاظ على الردع:

رسائل مناورات حزب الله العسكرية لإسرائيل

30 مايو، 2023


أجرى حزب الله مناورة عسكرية في بلدة عرمتى جنوب لبنان وُصفت بالأضخم في تاريخه يوم 21 مايو 2023، دعا إليها وسائل الإعلام المحلية والدولية قاصداً الترويج لها على مستوى عالمي. وجاءت هذه المناورة العسكرية قبل يومين من الذكرى الثالثة والعشرين لعيد المقاومة والتحرير الذي يخلد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000. وعلاوة على ذلك، جاءت المناورة في سياق تصعيد كبير بين إسرائيل وإيران، بما حمّل هذه المناورة مجموعة واسعة من الرسائل والدلالات التي تتعلق بالداخل اللبناني وتتعداه إلى الساحتين الإقليمية والدولية.

دلالات ورسائل

تتمحور الرسائل التي أراد حزب الله توجيهها من وراء هذه المناورة بشكل أو بآخر لإسرائيل في التالي:

1- إثبات القوة: الرسالة الأهم التي أراد حزب الله من وراء مناورته العسكرية في بلدة عرمتى إرسالها هي إثبات قوته بشكل غير تقليدي؛ فعلى الرغم من أن حزب الله قد اعتاد إجراء مناورات شبيهة بهذه المناورة ما بعد 2006، وخاصة بعد تدخله في سوريا عام 2013، فإن دعوة وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى مشاهدة هذه المناورة عن قرب لا تُقرأ إلا من خلال رغبة حزب الله في جذب أكبر قدر من الاهتمام العالمي للترويج لقوته العسكرية التي توازي جيوشاً نظامية، وليس فقط مجرد جماعات وتنظيمات، أو فواعل مسلحة من دون الدولة.

وتنقسم رسائل إثبات القوة، في هذا الإطار، إلى رسالتين خارجية وداخلية، تتمثل الرسالة الخارجية والأساسية لإسرائيل والولايات المتحدة بأن الضغوط المالية والسياسية التي تعرض لها الحزب خلال السنوات الماضية لم تؤثر في قدراته العسكرية، وأنه قادر على الاشتباك والرد والعبور إلى الداخل الإسرائيلي، ولاسيّما وأن المناورة قد حملت اسم "سنعبر" وتضمنت محاكاة لعملية هدم الجدار بين إسرائيل ولبنان واقتحام إسرائيل. 

وجاءت هذه المناورة بعد التصريحات المتواترة عن المسؤولين الإسرائيليين بعزم تل أبيب على توجيه ضربة للأهداف النووية الإيرانية، مثل تصريح رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في 9 مايو حين قال: "نحن نتعامل مع محاولة من جانب إيران لبدء حملة متعددة الجبهات ضدنا. وأصدرت تعليماتي للجيش الإسرائيلي وقوات الأمن بالاستعداد لهذه المعركة.. إذا احتجنا إلى ذلك، فسنقوم بذلك"، وكذلك تصريح رئيس الأركان، هيرزي هاليفي الذي قال فيه: "لدينا القدرة على ضرب إيران. نحن لسنا بمعزل عما تحاول إيران فعله من حولنا. إيران أيضاً لا يمكن أن تكون بمعزل عما يمكن أن نفعله ضدها". 

هذا بالإضافة إلى المناورات العسكرية التي أجرتها إسرائيل سواءً منفردة أو بالاشتراك مع الولايات المتحدة، مثل المناورة العسكرية "شمس زرقاء" التي أجرتها، في 8 مايو 2023، في قبرص وتضمنت محاكاة لاستهداف حزب الله، وقبلها التدريب المشترك الأضخم على الإطلاق بين إسرائيل والولايات المتحدة "جونبير أوك" في يناير 2023، والذي تضمن محاكاة لاستهداف مواقع نووية في إيران. 

أما رسالة إثبات القوة الداخلية، فهي للتيارات والقوى اللبنانية المعارضة لحزب الله، وخاصة بعد تواتر التعليقات بعد اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران التي تنتقد سلاح حزب الله؛ فأراد حزب الله إثبات قوته على كافة المستويات وتوجيه رسالة بإجراء المناورة قبل أيام من عيد المقاومة والتحرير بأن سلاح حزب الله هو سلاح مقاومة بالأساس وكان له دور في أن يحتفل لبنان بهذا العيد، وبالتالي ليس من المقبول الحديث عن هذا السلاح، وفقاً للحزب.

2- التماسك مقابل الانقسام: استكمالاً للرسائل التي أراد حزب الله توجيهها إلى إسرائيل على وجه التحديد، تبرز رسالة بقدرة الحزب على التماسك والتفاعل مع مختلف التطورات الداخلية والخارجية والنجاح في إعادة التموضع مع كل هذه التطورات، وخاصة فيما يتعلق بالتطورات الإقليمية التي أعقبت الاتفاق بين إيران والسعودية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؛ في مقابل الهشاشة التي يتسم بها الداخل الإسرائيلي على وقع العديد من الأزمات، سواءً ما يتعلق بهشاشة الائتلاف الحاكم، أو بسبب مشروع الإصلاح القضائي الذي خلّف أسابيع من الاحتجاجات العارمة أو تزايد عمليات المقاومة داخل المدن الإسرائيلية، بالإضافة إلى توتر علاقاتها الخارجية بشكل ملموس وخاصة بعد التصعيد الأخير مع حركة الجهاد الإسلامي. 

ويظهر ذلك بوضوح في تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بعد المناورة، والتي أكد فيها أنها جاءت لتؤكد جاهزية المقاومة، وأنها أثرت سلباً في السياحة والمستوطنين الإسرائيليين. يضاف إلى ذلك أن رسائل التماسك مقابل الانقسام تتعدى ذلك لتصل إلى مستوى القرار الاستراتيجي؛ إذ أراد حزب الله توجيه رسالة إلى إسرائيل، حتى وإن كان مبالغاً فيها، بأنه قادر على اتخاذ قرار بمهاجمة إسرائيل في حين تظل إسرائيل عاجزة عن اتخاذ مثل هذا القرار بسبب الهشاشة الداخلية رغم تكرار التهديدات.

3- وحدة الساحات: يبعث مجيء مناورة حزب الله بعد أيام من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتصعيد مع حركة الجهاد الإسلامي واغتيال عدد من قادتها برسالة أراد حزب الله توجيهها، وهي تأكيد مبدأ وحدة الساحات الذي يتبناه محور المقاومة بزعامة إيران، ويؤكد أن تصعيد إسرائيل في مواجهة أي من الفصائل في فلسطين سيواجه برد من جانب كل الفصائل في بقية البقاع الجغرافية ذلك على الرغم من أن هذا المبدأ لم يجرِ تفعيله في التصعيد الأخير مع تجنب حركة حماس وحزب الله الاشتباك مع إسرائيل في هذا التصعيد. 

ولكن رغم ذلك، فقد أكد حزب الله هذا المبدأ قبل التصعيد الأخير في الضربات التي استهدفت إسرائيل من داخل لبنان، في إبريل 2023، ووجهت إسرائيل أصابع الاتهام فيها إلى حركة حماس في لبنان، وليس حزب الله واستهدفت بعض المواقع في لبنان قالت إنها لحماس تجنباً لمواجهة موسعة مع حزب الله. 

وعلى الرغم من تأكيد قيادات حزب الله لها مثل نعيم قاسم، نائب الأمين العام للحزب بقوله إن الحزب مع وحدة الساحات ويمتلك قدرات استثنائية لأي معركة تفرض عليه مع إسرائيل، وقول رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، إن الحزب قوة ممتدة ومحور كامل سيبقى يتطور من غزة والضفة والداخل الفلسطيني ولبنان انطلاقاً من إيران؛ فإنها لا تعد رسالة من جانب حزب الله فقط، وإنما رسالة واضحة من إيران بشكل رئيس بأنها قادرة على استهداف إسرائيل من عدة جبهات بحيث لا تدرك إسرائيل أيها يشتعل أولاً، ويبرز على هذا المستوى تفقد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، لنقطة التماس الحدودية بين إسرائيل ولبنان خلال زيارته إلى الأخيرة في إبريل الماضي.

نتائج محتملة:

بناءً على الرسائل المتعددة التي وجهها حزب الله من وراء المناورة العسكرية، يُحتمل أن يترتب على هذه المناورة مجموعة من النتائج على النحو التالي:

1- تثبيت ترشيح فرنجية: توقع سياسيون لبنانيون أن تسفر التطورات الإقليمية المتعلقة بالعلاقة بين إيران والسعودية عن مزيد من الضغوط على حزب الله وحركة أمل للتراجع عن ترشيح سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ولاسيّما وأنه تربطه علاقات وثيقة بمحور المقاومة. 

ولكن استطاع حزب الله تأكيد قدرته على المستويات السياسية والعسكرية على فرض رأيه داخل المشهد السياسي اللبناني وتطويع كافة التطورات والمتغيرات لصالحه وهي خبرة تقليدية لدى الحزب حتى في ظل أكبر قدر من الضغوط بعد الحراك الشعبي، في أكتوبر 2019، والمبادرة الفرنسية بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020. ولاسيّما وأن التطورات بين إيران والسعودية ربما أظهرت أن الملف اللبناني لا يقع في مقدمة أولويات الأخيرة. وبالتالي يسهم تراكم القوة السياسية والعسكرية لدى حزب الله في تثبيت ترشيحه لسليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية حتى لو تطلب إنجاح هذا الترشيح المزيد من الوقت، بما يدفع كافة الأطراف إلى ضرورة التحاور معه لحل الأزمة السياسية في لبنان.

2- تثبيت معادلة الردع: نظراً لأن الرسالة والهدف الأساسي لمناورة حزب الله هو ما يتعلق بالمواجهة مع إسرائيل، يمكن القول إن إحدى النتائج الأساسية المترتبة عنها هي تثبيت معادلة الردع القائمة بين إسرائيل من جانب وحزب الله وإيران من جانب آخر، بالشكل الذي يؤدي إلى منع الاشتباك حتى مع تكرار التهديدات المتبادلة بالنظر إلى حسابات التكلفة الباهظة التي ستترتب على كلا الطرفين من اندلاع مواجهة شاملة بينهما. 

ويلاحظ أن القدرات العسكرية التي أظهرها حزب الله في المناورة الأخيرة ليست كل ما يمتلكه الحزب، خاصة وأن الصواريخ الدقيقة التي يعمل حزب الله منذ سنوات على تطويرها بمساعدة إيرانية لم تظهر في هذه المناورة وأكد قادة حزب الله أنهم ليسوا في حاجة إلى إظهارها في المناورة، وإنما ستظهر حقيقة في المعركة إذا ما أقدمت إسرائيل على الهجوم. 

ويلاحظ من هذه التصريحات أن الحزب أراد شن حرب معلوماتية ضد إسرائيل عبر تأكيد امتلاكه صواريخ دقيقة التوجيه، ومن ثم التأكيد لإسرائيل أن ضرباتها العسكرية المكثفة ضد إيران في سوريا أخفقت في تحقيق هدفها الرئيسي، وهو منع طهران من نقل هذه التكنولوجيا المتقدمة إلى الحزب، وهو ما يزيد من التهديدات النابعة من الحزب على إسرائيل في أي مواجهات عسكرية بينهما، ومن ثم تثبيط إسرائيل عن مواجهة الحزب.

وفي الختام، من المحتمل أن تسهم المناورة العسكرية التي أجراها حزب الله وما سبقها من تهديدات ومناورات عسكرية إسرائيلية وكذلك تلك التي تجهز لها إسرائيل خلال الفترة المقبلة وتحاكي حرباً على الجبهتين السورية واللبنانية؛ في تثبيت معادلة الردع بين الجانبين وعدم توجه الطرفين إلى الانجرار إلى حرب شاملة رغم أن مؤشرات التصعيد الحالية بينهما هي الأعلى تقريباً منذ 2006، وهو ما يعني أن الطرفين سيواصلان التحركات المشابهة لهذه المناورة، أو تنفيذ عمليات محدودة، مع زيادة الجاهزية لدى الطرفين لاحتمالات المواجهة نتيجة خطأ في الحسابات من أي منهما.