أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

احتجاز الكربون:

حلول مبتكرة للتأثير المتبادل بين تغير المناخ وقطاع الطاقة

21 أكتوبر، 2021


تبدو العلاقة بين تغير المناخ وقطاع الطاقة متبادلة ومتداخلة إلى حد بعيد، حيث يؤثر كل منهما في الآخر، فقد أدت زيادة الطلب على الوقود الأحفوري على الأخص في العقود الماضية إلى زيادة الانبعاثات الكربونية؛ مما نجم عنه ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ العالمي، واللتان ربما تتضح آثارهما بشدة على العالم في العقود المقبلة. 

بينما من المحتمل أن تتأثر البنية التحتية لقطاع الطاقة العالمي سلباً بالتغير المناخي؛ نظراً لظروف الطقس الحاد، التي ستعطل مرافق إنتاج ونقل الطاقة. ويتعين على العالم لحل تلك الإشكالية المعقدة، تبني ثلاثة مسارات جوهرية؛ أولها اتخاذ تدابير وقائية في الأجل القصير للاحتياط من تداعيات ظروف الطقس الحاد على بنية الطاقة العالمية، وثانيها التوسع في استخدام تقنيات لاحتجاز الكربون في صناعة النفط والغاز العالمية، وثالثها التوسع مرحلياً في استخدام الطاقة المتجددة في مختلف القطاعات الاقتصادية على مستوى العالم.

انبعاثات الوقود الأحفوري:

تسارع الطلب العالمي على الطاقة في العقود الماضية، في ظل النمو السكاني ونمو النشاط الاقتصاد العالمي. وفي تلك الفترة، كان الفحم والنفط، إلى جانب الغاز الطبيعي، هي المصادر الرئيسية لتلبية معظم احتياجات دول العالم من الطاقة، وبنسبة تجاوزت ثلاثة أرباع إجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة.

وقد أدى الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري في الماضي إلى أضرار بيئية واسعة، شملت زيادة الغازات الدفيئة وتلوث الهواء، وتشكل ما يُعرف بـ "ظاهرة الاحتباس الحراري" وما صاحبها من ظروف مناخية مضطربة، شوهدت آثارها في بعض أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة، وسيتضح ملامحها بشكل أكبر في المستقبل القريب.

وكان 2020 عاماً استثنائياً بالنسبة لحجم انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، والتي تراجعت فيه على إثر إغلاق معظم الاقتصادات العالمية بسبب جائحة كورونا، وما نجم عنها من تباطؤ واسع في طلب القطاعات الرئيسية مثل النقل والكهرباء على الوقود الأحفوري. بينما في عام 2019، بلغت إجمالي انبعاثات الغاز الدفيئة نحو 59.1 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وبزيادة بنسبة 1.4% عن العام السابق له، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وطبقاً للتوزيع الجغرافي، تتحمل الصين والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي إلى جانب الهند، المسؤولية عن 55% من إجمالي الغازات الدفيئة عالمياً في عام 2019. وبإضافة روسيا واليابان، يزيد حجم الانبعاثات الصادرة على تلك الدول إلى 65% من إجمالي الانبعاثات العالمية.

بينما صدر عن الوقود الأحفوري المُستخدم في قطاع الطاقة، انبعاثات الغازات الدفيئة تُقدر بحوالي 38.5 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربوني في عام 2019، وهو مسؤول بذلك عن ما يُعادل 65% من إجمالي الانبعاثات الصادرة عن مختلف الأنشطة الاقتصادية في العالم هذا العام. 

ويُرجح تيار من العلماء أن زيادة الغازات الدفيئة (بما فيها الانبعاثات الكربونية) في العقود الماضية، نتج عنها حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري، وتبعها موجات طقس متطرف مثل تغير أنماط هطول الأمطار، وموجات الجفاف الشديد، والبرد أو الاحترار الشديدين، والأعاصير غير المتوقعة.

 وتؤكد بعض الدراسات أن متوسط درجة الحرارة العالمية قد يرتفع بمقدار 2.6-4.8 درجة مئوية بحلول عام 2100 عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، إذا لم يتم اتخاذ ما يكفي من التدابير العالمية للالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015.


تأثير التغير المناخي على الطاقة:

تشير المنظمات الدولية إلى أن المناخ العالمي قد يصبح أكثر اضطراباً في العقود المقبلة إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض بسبب زيادة الغازات الدفيئة، حيث من المتوقع أن يشهد العالم ظواهر جوية متطرفة تشمل موجات شديد الحرارة والبرودة الشديدين، والأعاصير غير المتوقعة، وموجات الجفاف الشديدة، والتي يمكن أن تفرض تحديات متزايدة أمام قطاع الطاقة العالمي، وذلك كما يتبين على النحو التالي:

1- زيادة الطلب على التبريد أو التدفئة: من المحتمل أن يواجه العالم موجات من الحر أو البرد الشديدين، على نحو يدفع إلى تزايد الحاجة لحلول التبريد أو التدفئة، وما يصاحبهما من زيادة الطلب على الوقود، وهو اتجاه لُوحظ بشدة في أنحاء مختلفة من العالم مؤخراً، لاسيما في أوروبا والشرق الأوسط، إلى جانب آسيا. وفي المدى المتوسط، من المتوقع أن يزيد الطلب على الكهرباء بسبب حلول التبريد من 2199 تيراوات في الساعة في عام 2020 إلى 2691 تيراوات، وفق الوكالة الدولية للطاقة، وهي زيادة ناجمة عن عوامل مختلفة من بينها تغير ظروف الطقس على الأرجح.

2- تعطيل البنية التحتية للوقود الأحفوري: قد تتأثر البنية التحتية لإنتاج الوقود الأحفوري ونقلها سلباً بسبب التغير المناخي. وبالتالي من المرجح أن تعاني صناعة النفط والغاز، بسبب ظروف الطقس الحاد مثل الأعاصير المدارية التي قد تكون لها آثار وخيمة على المنصات البحرية والبنية التحتية البرية، ما قد يؤدي إلى مزيد من الانقطاعات المتكررة للإنتاج، وهو ما شهدته الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة بسبب الأعاصير الممتدة على طول ساحل خليج المكسيك. 

كما أنه من المحتمل أن تتعرض البنية التحتية الحيوية لنقل الطاقة مثل خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي لمخاطر جسيمة، بسبب ما يمكن أن تؤديه الفيضانات والأعاصير أيضاً، أو زيادة هطول الأمطار، إلى حدوث أضرار مادية بمرافق النقل والتخزين.

3- تعطيل محطات الكهرباء الحرارية: مع درجات الحرارة العالية، قد يضطر المشغلون لمحطات الكهرباء الحرارية لتشغيلها بقدرة منخفضة أو حتى إيقافها تماماً؛ كون بعض التوربينات البخارية أو الغازية لا تتحمل تلك العتبة المرتفعة من درجات الحرارة. كما أن بعض المحطات الكهربائية عُرضة لأضرار مادية مع الانهيارات الأرضية أو ارتفاع مستوى البحر وكذلك الأعاصير. كذلك يشكل "الطقس المتطرف" تهديداً قوياً للمحطات النووية، حيث يمكن أن يتعطل عمل المفاعلات ومعدات التبريد وأدوات التحكم والمولدات الاحتياطية. 

4- انخفاض قدرات الطاقة الكهرومائية: من المحتمل أن تؤثر أنماط الطقس الحاد على الدورة الهيدرولوجية التي تؤثر على توليد الطاقة الكهرومائية. ففي بعض المناطق، يمكن أن يؤدي انخفاض مستويات هطول الأمطار، وكذلك ارتفاع درجة الحرارة، إلى زيادة تبخر المياه وفقدانه، ومن ثم تقليل القدرة على توليد الكهرباء أو انقطاعها بشكل تام.

وفي الفترة الأخيرة، ظهرت مؤشرات أولية في بعض أنحاء العالم تدل على تأثر قدرات توليد الطاقة الكهرومائية بسبب موجات الجفاف الشديد الناجمة عن التغير المناخي. ووفقاً لشركة "وود ماكيزي، من المحتمل أن تتعرض غالبية دول أمريكا الجنوبية، بما في ذلك البرازيل والأرجنتين، لانخفاض مستويات المياه بالسدود ومن ثم انخفاض قدرة محطات الطاقة الكهرومائية.

وقد قدّر "مشغل شبكة الكهرباء الوطنية" البرازيلية Operador Nacional do Sistema Elétrico أن الطاقة الكهرومائية بالبرازيل عُرضة للانخفاض بمقدار 5.5 جيجاوات في شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الجاري، إذا ظلت مستويات المياه في السدود منخفضة. 

5- تراجع توليد الطاقة المتجددة: تفرض أنماط الطقس المتغيرة، وأحداث "الطقس المتطرفة"، تحديات أمام توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. فقد تؤثر الزيادة المتوقعة في الغيوم في بعض المناطق على قدرات توليد الكهرباء عبر الألواح الشمسية. فيما يؤثر التغير المناخي سلباً على قوة وسرعة المناخ. 

وفي العام الجاري، انخفضت بشدة قدرة توليد الكهرباء في أوروبا عبر توربينات الرياح في ظل الظروف المناخية غير المواتية. وقدّرت "فورتكس"، وهي مجموعة مستقلة لنمذجة الطقس، أن قوة الرياح التي تهب عبر شمال أوروبا انخفضت بنسبة تصل إلى 15% في المتوسط. وأحد التفسيرات لتراجع قوة وسرعة الرياح، وفق العلماء، هي ما يُعرف بـ "ظاهرة السكون العالمي" الناجمة عن تغير المناخ. وفي هذا الصدد، لُوحظ بالمملكة المتحدة، على سبيل المثال، انخفاض مساهمة الرياح في توليد الكهرباء إلى 2.5% فقط من إجمالي الإنتاج في سبتمبر 2021، مقارنة بمتوسط 18% خلال العام الماضي.


مسارات مُقترحة:

يتضح من العرض السابق أن هناك ارتباطاً متبادلاً بين التغير المناخي وقطاع الطاقة العالمي، ومن ثم يبدو السؤال الجوهري هنا من أين يبدأ العالم من أجل الالتزام بهدف خفض الانبعاثات الكربونية العالمية وتأمين إمدادات الطاقة في الوقت نفسه؟ وفي الأجلين القصير والمتوسط، يبدو أن تخلص العالم تماماً من الوقود الأحفوري حل غير واقعي؛ لما ينطوي عليه من إشكالات اقتصادية وفنية ضخمة. 

وعليه، يتعين أن يسير العالم نحو تبني مسارات متوازية تعمل على الموازنة بين هدفي أمن الطاقة العالمي، والحد من الانبعاثات الكربونية، وذلك على النحو التالي:

المسار الأول: للحد من تأثير ظروف الطقس الحاد على صناعة الطاقة، يتعين اتخاذ تدابير وقائية مختلفة بما في ذلك تحديث البنية التحتية القائمة، واتباع الحلول التقنية والهندسية لكي تتماشى مرافق الإنتاج ونقل الطاقة مع الظروف القاسية، وكذلك إعادة توجيه خطوط إنتاج ونقل الطاقة بعيداً عن المناطق عالية الخطورة. 

المسار الثاني: يشمل توسع صناعة النفط والغاز العالمية في تقنيات احتجاز الكربون؛ نظراً لما لها من دور جوهري في المرحلة الراهنة في تقليل الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى تحسين برامج كفاءة الطاقة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة. 

المسار الثالث: وفقاً للمنظمات الدولية مثل الوكالة الدولية للطاقة والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، لا بديل أمام العالم للحد من الانبعاثات الكربونية والوصول إلى سيناريو صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، سوى التوسع في استخدام الطاقة النظيفة. وللحفاظ على درجة حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة ما قبل الثورة الصناعية، يحتاج العالم إلى إضافة سعات جديدة من الطاقة المتجددة تُقدر بنحو 840 جيجاوات سنوياً حتى عام 2050، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة تُقدر بنحو 131 تريليون دولار.