أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحليل كيفي:

كيف يهدد الإرهابيون الجهاديون غرب أوروبا؟

24 فبراير، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم


أعادت حادثة مجلة "شارل إيبدو" الفرنسية، الحديث بشكل مكثف عن الإرهاب في العالم بشكل عام، وأوروبا تحديداً، وكذلك ما يمكن أن يربط بين العنف الذي يحدث في منطقة الشرق الأوسط وما يمكن أن ينتج عنه من إرهاب في الدول الغربية.

وفي هذا الصدد، تبدو هناك حاجة إلى تقديم صورة أشمل عن الإرهاب في أوروبا، من حيث تتبع مسار وملامح العمليات الإرهابية هناك على مدار السنوات الماضية، وصولاً إلى استشراف مستقبل تلك العمليات الإرهابية وما يمكن أن تؤول إليه، وهو ما تتناوله دراسة صادرة عن "مبادرة بحوث الإرهاب"  Terrorism Research Initiative، تحت عنوان: "طريقة عمل الإرهابيين الجهاديين في أوروبا"، وأعدها كل من Nasser Petter وAnne stenersen، الأستاذان في جامعة أوسلو.

وتوفر هذه الدراسة نظرة عامة وشاملة بأسلوب علمي عن كيفية تخطيط الجهاديين لهجماتهم الإرهابية داخل أوروبا، وذلك من خلال تحليل أكثر من مائة حادثة إرهابية قد تمت خلال الفترة (1994-2013)، وتربط كذلك بين عودة المقاتلين الأجانب من سوريا إلى القارة الأوروبية وارتباط ذلك بالعمليات الإرهابية التي تحدث فيها.

منهجية الدراسة

فيما يتعلق بنطاق هذه الدراسة، فإنها تشمل أوروبا الغربية فقط، أي أنها لا تشمل أوروبا الشرقية أو روسيا. ويُفضِّل الباحثان تقليل نطاق الدراسة بهذا الشكل لوجود قيود على جمع المعلومات والبيانات، حيث إنهما يفضلان توفر بيانات مناسبة للمقارنة المنهجية والموضوعية من أجل الوصول إلى نتائج علمية دقيقة.

ويشير الباحثان إلى أن الدراسات التي تتناول الإرهابيين الجهاديين في أوروبا وطريقة عملهم، هي دراسات محدودة، حيث إن هناك دراسات تركز على تأثير العولمة، وأخرى تركز على التقدم التكنولوجي وما يمكن أن يكون أضفاه من عامل مساعد وحاسم في تنفيذ المخططات الإرهابية، وأعمال أخرى تركز على الإرهاب الانتحاري؛ وبالتالي فإنه لا يوجد سوى عدد قليل من الدراسات التي تركز على طريقة عمل الإرهابيين في أوروبا، وكذلك لا توجد دراسات سابقة تشتمل على منهجية لإحباط المؤامرات الإرهابية.

وتضع الدراسة تعريفات محددة لبعض المفاهيم المستخدمة، فبالنسبة لصفة "الجهادية"، فإنها تشير إلى الأفراد المسلحين والجماعات والشبكات والأيدولوجيات المنبثقة عن القتال في الشرق الأوسط أو العائدين من الجهاد الأفغاني. وتم توصيف تنظيم "القاعدة" والحركات ذات التفكير المشابه بأنهم "جهاديين سلفيين". كما تشير الدراسة إلى "الجهادية السلفية" على اعتبار أنها تجمع بين "الإسلام الثوري" والذي ظهر في مصر، وبين "الإسلام الأصولي" والذي ظهر في المملكة العربية السعودية، وهذا وفق ما ذهب إليه الباحثان.

ويستعرض الباحثان في السطور التالية نتائج تحليل عدد (122) حادث إرهابي وقع في أوروبا الغربية خلال الفترة من 1994 حتى عام 2013.

الأسلحة الأكثر استخداماً في الهجمات الإرهابية

كشفت الدراسة عن أن نوع السلاح المُفضَّل لدى الجهاديين الأوربيين كان "العبوات الناسفة"، حيث إن (78%) من الهجمات خلال الفترة (2001-2007) تمَّ استخدام العبوات الناسفة فيها، وخلال الفترة (2008- 2013) وصل استخدام العبوات الناسفة إلى 65%، بمعنى أنه انخفض تدريجياً، لكنه مازال الوسيلة الأكثر تفضيلاً لدى الجهاديين.

وبعد عام 2008 أصبحت المتفجرات يدوية الصنع الأكثر استخداماً من المتفجرات العسكرية والتجارية. وفي عام 2004 بدأ استخدام أسطوانات الغاز في الهجمات الإرهابية، حيث تمَّ استخدامها في ألمانيا عام 2006، وكذلك في المملكة المتحدة عام 2007. أما المتفجرات التي تعتمد على الأسمدة فتمَّ استخدامها في إيطاليا عام 2009، وكذلك في السويد عام 2010.

كما أن ثمة زيادة في الهجمات الإرهابية المعتمدة على الأسلحة النارية والسكاكين، حيث وصلت نسبتها إلى (7.3%) خلال الفترة من 2001 حتى 2007، وزادت هذه النسبة لتصل إلى 33% خلال عام 2008.

وفي المقابل، هناك انخفاض في الهجمات الإرهابية المعتمدة على المواد الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، حيث تم استخدام مثل تلك المواد في الفترة من 2001 حتى 2007، ولكن منذ عام 2008 باتت مثل هذه الهجمات غائبة تماماً.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن الجهاديين الإرهابيين في أوروبا يتسمون بالتنوُّع في ترسانتهم من الأسلحة مع مرور الوقت، ويظل السلاح المُفضَّل هو العبوات الناسفة التي أحياناً تكون بسيطة في طريقة عملها، وأحياناً أخرى تكون معقدة.

نوعية الهجمات الإرهابية وأهدافها

يشير الباحثان إلى أن الانفجارات هي النوع المهيمن في الهجمات الإرهابية، حيث إنها حدثت في (65%) من الهجمات بعد عام 2008، ومع ذلك أصبح ثمة اتجاه شائع متمثل في الاغتيالات الفردية والاعتداءات المسلحة، حيث زادت الاغتيالات من (4.9%) خلال الفترة (2001-2007) إلى (25%) بعد عام 2008. ومعظم هذه التفجيرات تكون برّية، حيث إنه من إجمالي (122) حادثة تمَّ تحليلها، هناك ثماني حالات فقط تمَّ التفجير فيها في الجو أو في البحر، أما باقي التفجيرات فكانت في البر أو على الأرض.

وعلى جانب آخر، ثمة بعض حالات احتجاز الرهائن خلال الفترة (1994- 2013)، حيث كان هناك ثلاث حوادث رهائن، كلها حدثت بعد عام 2008، ولكن حالة واحدة منها كان شديد الخطورة.

أما فيما يتعلق بالهجمات الفردية والجماعية، فقد توصل الباحثان إلى أن هناك زيادة كبيرة في الهجمات الإرهابية الفردية من (12%) إلى (38%) خلال فترة البحث، في مقابل انخفاض الهجمات الإرهابية الجماعية، كذلك فإن الهجمات الفردية لا تنفي وجود مجهود جماعي خلف تنفيذ فرد واحد، أي أن هناك فريق يقوم بالإعداد وفرد واحد ينفذ الهجمة الإرهابية.

وعلى صعيد أهداف العمليات الإرهابية أو الغاية منها، كشفت نتائج الدراسة عن زيادة طفيفة في الهجمات ضد أهداف عسكرية بعد عام 2008، حيث زادت الهجمات خلال السنوات القليلة الماضية ضد أفراد الجيش مثل حادث "فورت هود" في تكساس بالولايات المتحدة عام 2009، وكذلك حدوث هجمات مؤخراً على جنود في كندا خلال أكتوبر 2014.

وتحذر الدراسة من أن مهاجمة العسكريين في الأماكن العامة هو طريقة عمل جديدة بين الجهاديين في أوروبا مثلما حدث ضد سيارة تنقل جنود أمريكيين في مطار فرانكفورت الدولي في مارس 2011، وقبل ذلك في عام 2007 عندما تمَّ ذبح جندي بريطاني من الذين خدموا في العراق.

وثمة اتجاه آخر من الهجمات الإرهابية يستهدف الطائرات والنقل العام، وهي هجمات باتت أقل استخداماً بعد عام 2008، حيث لم يتم استهداف سوى ثلاث طائرات وثلاث قطارات فقط، وبالتالي فإن الجهاديين يفضلون استهداف المناطق المزدحمة خاصةً في الشوارع.

وهناك اتجاه ثالث من الهجمات الإرهابية يستهدف الشخصيات العامة، وهو اتجاه قد زاد مؤخراً، وغالبية تلك الهجمات تكون بدافع الانتقام خاصةً ضد الذين يسيئون إلى النبي محمد أو الإسلام بشكل عام، وهو ما حدث ضد المخرج الهولندي "فان جوخ" عام 2004 عندما تمَّ اغتياله على يد محمد بويري بعد نشر أعمال مسيئة للإسلام.

وفيما يتعلق بأكثر الدول أو المناطق المستهدفة في أوروبا، فقد شهدت المملكة المتحدة وفرنسا معظم الهجمات الإرهابية في أوروبا، تليها كل من ألمانيا وسويسرا، ثم الدول الاسكندنافية، وإيطاليا.

الدول والمناطق الأوروبية الأكثر تعرضاً للإرهاب الجهادي خلال الفترة (1994 إلى 2013)

عدد الحوادث الإرهابية

الدولة/ المنطقة الأوربية

24فرنسا
23

المملكة المتحدة

12

ألمانيا وسويسرا

11الدول الإسكندنافية
10

إيطاليا

نظرة مستقبلية للهجمات الإرهابية في أوروبا

يرى الباحثان أن الإرهاب الجهادي في أوروبا أصبح أكثر تميُّزاً في الاستهداف، وكذلك فإن وسائل الهجوم باتت أكثر تنوعاً، بالإضافة إلى أن الصراع الدائر في سوريا وكذلك في العراق سوف يكون لهما أثر كبير على التهديدات الجهادية الإرهابية في أوروبا خلال السنوات المقبلة، وأنه كلما زاد تدخل القارة الأوربية في منطقة الشرق الأوسط سوف تزيد التهديدات للمجتمع الأوروبي ككل.

وقد توصل الباحثان إلى استقراء عدد من النقاط الهامة بشأن مستقبل الهجمات الجهادية الإرهابية في أوروبا، يمكن إيجازها كالتالي:

1- تبقى التفجيرات والاعتداءات المسلحة طريقة العمل الأكثر احتمالاً للإرهابيين الجهاديين في أوروبا خلال الثلاث أو الخمس سنوات القادمة. وتتوقع الدراسة زيادة كل من الهجمات الانتحارية والهجمات باستخدام أجهزة التحكم عن بُعد. أما بالنسبة للحوادث التي تنطوي على استخدام السكاكين والأسلحة النارية، فإنها لاتزال أقل استخداماً من مخططات التفجيرات.

2- ترجح الدراسة أن يكون استخدام القنابل في المناطق المزدحمة هو السيناريو الأكثر فداحة من حيث الخسائر في عدد الضحايا (أكثر من 10 وفيات) في أوروبا خلال السنوات القادمة، لأن ذلك الأمر يتطلب تنسيقاً أقل، ويمكن تنفيذه بواسطة أفراد وكذلك مجموعات. فيما يقلل الباحثان من احتمالية اعتماد الإرهابيين في أوروبا على أسلحة متطورة مثل الصواريخ أو الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، فمن غير المرجح أن يلجأ إليها الجهاديون خلال السنوات الخمس المقبلة، في ضوء اعتمادهم بشكل أكبر على الأسلحة التقليدية.

3- يتوقع الباحثان أن يؤدي استمرار توافد الجهاديين إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق والصومال، إلى زيادة تقدم الجهاديين في استخدام تقنيات حديثة لصنع القنابل. كما أنه من المرجح أن يكون للإنترنت دور أكثر في الهجمات الإرهابية نظراً لتوفير قنوات اتصال، بالإضافة إلى فتح مجال للتعلم عبر الإنترنت، كذلك فإن الإرهابيين باتوا أكثر استخداماً لشبكات التواصل الاجتماعي، وتوظيف مواقع "اليوتيوب" و"فيسبوك" و"تويتر" كمنصات دعائية لأفكارهم لجذب جمهور جديد.

4- من المرجح أن تستهدف غالبية الهجمات الإرهابية في أوروبا المؤسسات أو الفنانين أو السياسيين الذين ينظر إليهم على أنهم معادين للإسلام، ويأتي في المرتبة الثانية الهجمات ضد الأهداف العسكرية، ويليها في أولوية الاستهداف الهجمات الإرهابية ضد المصالح اليهودية في أوروبا.


* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "طريقة عمل الإرهابيين الجهاديين في أوروبا"، والمنشورة عن "مبادرة بحوث الإرهاب" في ديسمبر 2014.

المصدر:

Petter Nesser and Anne Stenersen,The Modus Operandi of Jihadi Terrorists in Europe, Perspectives on Terrorism, Vol 8, No 6 (Terrorism Research Initiative, December 2014).