أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مهام جديدة:

تحولات أدوار الحرس الوطني في الدول العربية

01 يناير، 2021


شهدت أدوار أجهزة الحرس الوطني، القائمة أو المحتملة، في دول عربية عدة مثل ليبيا وتونس وموريتانيا والعراق والسعودية والكويت، تغيرات خلال العقد الأخير، وهو ما يكشف عن أبعاد عدة منها تغلغل دور الميلشيات في بنية "الحكومات الموازية"، والتصدي لهجمات العناصر الإرهابية الخطرة، وغلبة الانتماءات الطائفية على تشكيل قوات الحرس الوطني، وتقديم الدعم والإسناد لأجهزة الدولة في ظل انتشار كوفيد-19، وضبط وتأمين الحدود الرخوة مع دول الجوار "القلق" لمحاربة جماعات التهريب.

وعلى الرغم من أن نشأة الحرس الوطني في عدد من الدول العربية ارتبطت بتأمين كيان الدولة الوطنية والحد من التهديدات الموجهة لأمنها واستقرارها، إلا أن التحولات التي شهدتها المنطقة على مدار عقد كامل فرضت تغييرات في هذا الدور، بأشكال مختلفة ودرجات متباينة، على نحو ما تعكسه الأبعاد التالية:

كتائب الميلشيات

1- تغلغل دور الميلشيات في بنية "الحكومات الموازية": وهو ما تعكسه، إلى حد كبير، الحالة الليبية التي يغلب عليها نمط السلطة "ذات الرأسين"، إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، إذ يسود تخوف لدى قادة وكوادر الميلشيات المسلحة الداعمة لحكومة الوفاق من الضغوط الخارجية على الأخيرة لتفكيكها، حيث يدعمون فكرة تأسيس جهاز "الحرس الوطني الليبي". وفي هذا السياق، أكد ما يعرف بـ"تجمع ثوار ليبيا" في بيان ختامي خلال اجتماعهم في مدينة الزاوية في 5 ديسمبر 2020، ضرورة إنشاء هذا الكيان العسكري الجديد للحفاظ على مؤسسات الدولة، ودعم جيشها، في إشارة إلى القوات العسكرية الداعمة لحكومة الوفاق.

وقد سبق هذا الاجتماع مطالبة عدد من الميلشيات المسلحة المساندة للوفاق، أو ما يعرف بكتائب الثوار، في أكتوبر الماضي، حكومة الوفاق ومجلسي النواب والدولة الموالين لها، بسرعة تفعيل الجهاز وفقاً للقانون رقم "12" لعام 2015. وطالب البيان كذلك باعتماد ميزانية الجهاز لمباشرة عمله في جمع السلاح وتنظيم القوات المساندة تحت شرعية الدولة الليبية، لقطع الطريق أمام المجرمين والعابثين بأمن واستقرار الوطن. وتوازى مع ذلك اقتراح قدمه الفريق محمد الشريف، رئيس الأركان السابق لقوات الوفاق، في مذكرة لفائز السراج رئيس حكومة الوفاق، بإنشاء حرس وطني للحفاظ على مدنية الدولة، ومواجهة أي خطر يهددها.

ولم يكن هذا المقترح جديداً، إذ كان هناك مقترح سابق بإنشاء حرس رئاسي تابع لحكومة الوفاق، يتخذ من العاصمة طرابلس مقراً له، وأن يتولى قيادته ضابط برتبة لا تقل عن عقيد، ويفتح باب الانضمام إليه عن طريق التجنيد أو التعيين أو النقل أو الندب أو الإعارة. ولعل كل تلك المداخل تسهل على العناصر الميلشياوية الانخراط في بنى مؤسسية وتحافظ على مكتسباتها الميدانية وتتمم شرعيتها التشريعية والقانونية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تصريحات عميد الزنتان لوسائل الإعلام في 7 ديسمبر 2020، حيث أكد أن "الجهاز سيكون الضامن لثورة 17 فبراير، واللبنة لبناء الدولة المدنية، والحامي لمؤسساتها ومكتسبات الثورة".

وتعد هذه التعبيرات فضفاضة، ويتمثل الغرض الرئيسي منها في الالتفاف على المطالب الدولية وجذب التأييد الخارجي عموماً والأمريكي خصوصاً لحكومة الوفاق والميلشيات الداعمة، إذ سيكون من مهام الحرس الوطني الليبي "المقترح" تأمين المقار الرئيسية والسيادية، وحراسة الأهداف الحيوية، بما فيها منافذ الدخول البرية والبحرية والجوية. وتكون له مخصصات مالية مستقلة عن بقية الأبنية العسكرية والمؤسسات الأمنية الأخرى. فالكيان الوحيد المعنى بحماية الدولة وطابعها المدني هو "الجيوش الوطنية". فما تقوم به الوفاق هو أقرب إلى إعادة تشكيل الميلشيات في قالب جديد، لاسيما في ظل تقارير تتحدث عن دور تركيا في إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية بغرب البلاد.

بعبارة أخرى، سيؤدي ذلك إلى تبلور ميلشيات جديدة ولكنها "مشرعنة" في غرب ليبيا، وتعبر عن أجندة جماعة الإخوان للسيطرة على المؤسسات الأمنية. غير أن هناك عائقاً في اتجاه إنشاء جهاز للحرس الوطني في غرب ليبيا يتمثل في الخلاف داخل معسكر الحكم لذلك الإقليم. فهناك اتجاه يرى أن المؤتمر الوطني العام (المنتهية ولايته) أصدر قانوناً بتبعية هذا الجهاز للسلطة التشريعية وليس للقائد الأعلى (فائز السراج)، وبالتالي تتعلق الإشكالية الرئيسية بكيفية إصدار قانون جديد للحرس في حين أن هناك قانوناً قائماً، على نحو يعتبر مخالفة دستورية. أما الاتجاه الآخر، فيعتبر أن السراج هو الأحق بإصدار وتنفيذ قرار تأسيس الحرس الوطني، وفقاً لما ينص عليه اتفاق الصخيرات بالمغرب.

صد الإرهاب

2- التصدي لهجمات العناصر الإرهابية الخطرة: ربما ينطبق ذلك الدور على وضع الحرس الوطني في تونس، التي تواجه تهديدات حادة من تنظيم "داعش"، وخاصة في المناطق الطرفية والسياحية معاً. إذ تعرض أحد عناصر الحرس الوطني للقتل على يد مسلح وجرح آخر في مدينة سوسة، في 6 سبتمبر 2020، وتم الاستيلاء على أسلحة عناصر الحرس والسيارة التي يستقلونها. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الحرس الوطني التونسي حسام الدين الجبالي لوكالة فرانس برس أن "دورية أمنية تضم اثنين من أعوان الحرس الوطني تعرّضت للاعتداء بسكين من طرف إرهابي في وسط مدينة سوسة"، على بعد 140 كيلومتر جنوب العاصمة تونس. 

وأضاف الجبالي أن "واحداً منهما استُشهد والثاني مصاب بجروح ويرقد في المستشفى". ولعل طريقة الدهس تعبر عن تنفيذ "داعش" لتلك العملية، على نحو ما تعكسه سوابقه في العمليات الإرهابية في مناطق جغرافية مختلفة، بخلاف أسلوب الذبح، إذ أن عائلة في منطقة حاسي الفريد بولاية القصرين التونسية، عثرت على جثة ابنها "راعي أغنام" مقطوعة الرأس، بالمنطقة العسكرية المغلقة في جبل السلوم في 20 ديسمبر 2020، بعد اتهامه بنقل المعلومات عن العناصر الإرهابية إلى إحدى الوحدات الأمنية.

واللافت للنظر أن ثلاثة من عناصر الحرس الوطني التونسي لقوا مصرعهم في حادث مرور أثناء مرافقتهم وزير الداخلية توفيق شرف الدين، خلال زيارته لولاية القصرين لتقديم واجب العزاء بمقتل راعي الأغنام على أيدي مجموعات مسلحة. كما أدى الحادث إلى إصابة اثنين آخرين من الحرس الوطني، تم نقلهما إلى المستشفى الجهوي بالقصرين، أحدهما في وضع صحي خطير، وفق ما نشرته وسائل إعلام تونسية.

مواقف متعارضة

3- غلبة الانتماءات الطائفية على تشكيل قوات الحرس الوطني: ويظهر هذا البعد جلياً في حالة العراق، إذ أدى الخلاف بين الكتل السياسية السنية من جانب والشيعية من جانب آخر إلى تعثر إقرار قانون تأسيس الحرس الوطني، حيث ظهرات رؤيتان إحداهما تتبنى تشكيل القوات من أبناء كل محافظة حصراً، في حين تدعم الثانية تشكيل القوات من أبناء العراق ككل، فيما تحفظ التحالف الكردستاني على مسودة القانون لاعتبارات عديدة أهمها عدم المساس بقوات البيشمركة المتواجدة فيما سمي بـ"المناطق المتنازع عليها"، فضلاً عن الخلاف حول قيادة الحرس الوطني وعدد منتسبيه وصلاحياته وميزانيته وتسليحه.

وحاولت بعض الميلشيات القريبة من إيران الإيحاء بأن تأسيس الحرس الوطني يؤدي إلى إعادة إحياء حزب البعث مرة أخرى. وحال كل ما سبق دون التوصل إلى صيغة توافقية بشأنه خلال عام 2015. وجاء ذلك في وقت كانت تلك المرحلة تتطلب المزيد من الجهود المشتركة لمواجهة تنظيم "داعش" الذي كان مسيطراً على أجزاء متفرقة من العراق، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء حينذاك حيدر العبادي إلى المطالبة، في سبتمبر 2014، بإعداد مشروع لتأسيس قوات الحرس الوطني وتنظيم المتطوعين من الحشد الشعبي ليكون قوة رديفة للجيش والشرطة في دعم الجهد الدولي في القضاء على الإرهاب الذي جسده "داعش".

مواجهة الجائحة

4- تقديم الدعم لأجهزة الدولة في ظل كوفيد-19: نظّم الحرس الوطني الكويتي، في 28 ديسمبر 2020، بمشاركة الحرس الوطني البحريني، تمرين (تعاون 5)، افتراضياً بواسطة تقنية (الاتصال عن بعد)، نظراً للظروف الصحية التي يمر بها العالم بسبب تفشي فيروس كوفيد-19. وقال وكيل الحرس الوطني الكويتي الفريق الركن مهندس هاشم الرفاعي - في بيان صحفي- إن التمرين يعد ترجمة صادقة لبروتوكول التعاون بين الحرس الوطني الكويتي ونظيره البحريني، بما يحقق تعزيز التنسيق العسكري المشترك، وتبادل الخبرات العسكرية بين الكويت والبحرين، مضيفاً أن التمرين سيسهم في رفع مستوى الجاهزية القتالية، ويعزز إمكانيات وكفاءة قوات الحرس الوطني في البلدين الشقيقين، في مواجهة الأزمات مثل أزمة كورونا، وتقديم الدعم والإسناد لأجهزة الدولة المختلفة.

في سياق متصل، أسهمت قوات الحرس الوطني السعودي بدور محوري في تنفيذ قرارات حظر التجوال بعدد من المدن السعودية في النصف الأول من عام 2020، ورعى الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، المنتدى السنوي الحادي عشر للأبحاث الطبية تحت عنوان "لقاحات كوفيد-19: التحديات العالمية والمستقبل" والذي نظمته الشئون الصحية بوزارة الحرس الوطني ممثلة بمركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) وجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية افتراضياً، وذلك في 4 و5 نوفمبر الماضي. وهدف المنتدى إلى الجمع بين المختصين في مجال تطوير وإنتاج لقاحات كوفيد-19 ومناقشة آخر التحديثات حول تطوير اللقاح.

وكذلك الحال بالنسبة لدور الحرس الوطني الموريتاني في الحد من تأثيرات كوفيد-19، إذ قال قائد أركان الحرس الوطني الفريق مسغارو ولد سيدي ولد اغويزي في خطابه بمناسبة الذكرى 108 لإنشاء القطاع في 30 مايو 2020، أن "تكليف الحرس الوطني بالمساهمة في مهمة تطبيق الإجراءات الأمنية للحد من انتشار فيروس كوفيد-19، كان شرفاً عظيماً بالنسبة لقطاعنا، فهي مهمة نبيلة حيث أنها تتعلق بحماية المواطنين الموريتانيين التي هي هدفنا وغايتنا. ويمثل قيام وحداتنا بهذه المهمة في العاصمة نواكشوط وعلى مستوى الحدود ومدن الداخل، استمرارية للدور الذي تميز به الحرس الوطني قديماً وحديثاً في مجال الدفاع وحماية المواطنين".

محاربة التهريب

5- تأمين الحدود الرخوة مع دول الجوار "القَلِق": أسندت الحكومة الموريتانية رسمياً مهمة تأمين المنطقة الحدودية الواقعة على طول الخط الرابط بين بلدة تكلوزه بولاية لعصابه وبلدية الفلانية بولاية الحوض الغربي، إلى جهاز الحرس، بما يؤدي إلى ضبط الحدود مع مالي، على نحو يساهم في التصدي لما تقوم به عصابات التهريب وجماعات الإرهاب في تلك المنطقة، مع الإبقاء على دور الحرس الوطني في مواجهة تطبيق الإجراءات الاحترازية داخل البلاد.

تغيرات موازية:

خلاصة القول، إن التغير في خريطة الفاعلين الميدانيين والتنوع في طبيعة التهديدات التي تواجهها الدول أو مناطق جغرافية من الدول، فرض تحولاً موازياً على الهياكل المؤسسية القائمة أو المحتملة، ومنها جهاز الحرس الوطني، الذي استغلته الدول لتعزيز علاقاتها العسكرية مع الدول الصديقة، وتأمين الحدود الرخوة من اعتداءات عصابات التهريب، ومراقبة مدى الالتزام بالإجراءات الصحية لمواجهة فيروس كوفيد-19. كما حاولت أجهزة داخل الحكومات المنقسمة والدول المتصدعة توظيفه للالتفاف على القرارات الدولية الداعية لحل الميلشيات المسلحة ونزع سلاحها، وتضررت العناصر المنضوية تحته في حالات أخرى من مواجهة العناصر الإرهابية الخطرة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.