أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

أبعاد متعددة:

مغزى تعيين العنابي قائداً لـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"

02 ديسمبر، 2020


بعد مرور قرابة خمسة أشهر على مقتل زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أبو مصعب عبد الودود الذي يلقب بعبد المالك دروكدال، إثر عملية عسكرية نفذتها وحدة من القوات الخاصة الفرنسية بشمال غرب منطقة تساليت في مالي، أعلن التنظيم، في 22 نوفمبر الفائت، تعيين يزيد مبارك الذي يعرف بأبو عبيدة يوسف العنابي، زعيماً جديداً له، على الرغم من كونه ليس من القيادات الرئيسية التي تقود مجموعات مستقلة داخله، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول دلالات ذلك، لاسيما أنه جاء متأخراً بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح تعرض التنظيم لحالة من الانقسام الداخلي ربما تؤثر على تماسكه خلال المرحلة القادمة.

توقيت لافت:

جاء إعلان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، الذي يعتبر أحد أبرز التنظيمات الفرعية لـ"القاعدة"، عن تنصيب قائد جديد له في وقت تتصاعد حدة الأزمات التي يواجهها الأخير، لاسيما بعد أن برزت تقارير عديدة لا تستبعد احتمال وفاة زعيمه أيمن الظواهري، وهو ما توازى مع تنفيذ بعض العمليات الأمنية إلى أدت إلى مقتل بعد قياداته الرئيسية، مثل أبو محمد المصري، الذي أعلن عن مقتله في 13 نوفمبر الفائت في طهران، رغم أن العملية نفسها نفذت في 7 أغسطس الماضي.

اللافت في هذا السياق، أن تلك الضربات تتوافق مع تزايد المؤشرات التي تكشف عن اتجاه التنظيم الفرعي تدريجياً نحو الاستقلال تنظيمياً عن الرئيسي، لاسيما في ظل التراجع المستمر في نشاط الأخير في أفغانستان، حيث أصبح دوره يقتصر، في كثير من الأحيان، على إصدار بعض البيانات التي يتناول فيها رؤيته لبعض القضايا المطروحة على الساحة. ويبدو أن هذا الاتجاه سوف يتزايد خلال المرحلة القادمة وربما يصبح سمة عامة داخل التنظيمات الإرهابية، على ضوء تطلع بعض الأفرع إلى تعزيز نفوذها حتى لو أدى ذلك إلى تقليص أدوار التنظيمات الرئيسية.

دلالات مختلفة:

يطرح إعلان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عن تعيين العنابي قائداً جديداً له، دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- حسم الصراع على القيادة: تشير تلك الخطوة بوضوح إلى أن الجناح الأكثر تأثيراً داخل التنظيم تمكن من حسم الصراع على القيادة لصالح العنابي، الذي تضعه الولايات المتحدة الأمريكية على القائمة السوداء للإرهابيين الدوليين، بما يعني أن الفترة التالية على مقتل دروكدال شهدت خلافات حادة بين الأجنحة المختلفة على هوية القائد الجديد الذي يحل محل الأخير ويستطيع ملء الفراغ الناتج عن غيابه. 

وفور الإعلان عن مقتل دروكدال طرحت أسماء عديدة لتولي منصبه، على غرار اياد اغا غالي قائد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، ومختار بلمختار زعيم جماعة "المرابطين"، إحدى أهم الفصائل "القاعدية" في الساحل والصحراء، فضلاً عن امادو كوفا زعيم "جبهة تحرير ماسينا". وربما يفسر ذلك، إلى حد كبير، أسباب تأخر التنظيم في الإعلان عن قائده الجديد لمدة 5 أشهر، على عكس ما كانت تقوم به التنظيمات الإرهابية في الفترة الماضية، حيث كانت تسارع إلى تعيين قيادات جديدة لتوجيه رسالة مباشرة بأن الضربات الأمنية القوية التي تتعرض لها لم تنجح في التأثير على بقائها أو تماسكها.

2- تصاعد المواجهة مع "داعش": يبدو أن التنظيم سوف يضع ضمن أولوياته خلال المرحلة القادمة تصعيد حدة المواجهة مع تنظيم "داعش"، الذي أدى اتساع نطاق نفوذه إلى تراجع نشاط الأول بشكل بارز. وربما يكون ذلك هو أحد الأسباب التي زادت من فرص تولي العنابي لمنصب القائد الجديد للتنظيم، في ظل توجهاته المناوئة لـ"داعش" ودعواته المستمرة لمواجهته على الأرض وعدم السماح بانتشاره في مناطق النفوذ التقليدية لـ"القاعدة". وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد أن يتجه "القاعدة" إلى توسيع نطاق تحالفاته الأيديولوجية والعرقية على الأرض من أجل توجيه ضربات نوعية لـ"داعش" ومنعه من تكريس نفوذه في منطقة الساحل والصحراء بعد أن تراجع تأثيره ونشاطه في كل من سوريا والعراق، عقب العمليات الأمنية المتتالية التي استهدفت قياداته، لاسيما زعيمه السابق أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر 2019.

3- تكثيف النشاط الإعلامي: سوف يحاول التنظيم تعويض جزء من خسائره في الفترة الماضية، فضلاً عن تراجع نشاطه، من خلال شن حملة إعلامية للترويج للأهداف والتوجهات التي يتبناها والعمليات التي يقوم بتنفيذها، وهو ما يعود إلى الخلفية التنظيمية والعملياتية للقائد الجديد، الذي يمتلك خبرة في المجال الإعلامي. وربما يستند التنظيم إلى ذلك في مساعيه لاستقطاب عناصر إرهابية جديدة للانضمام إليه أو إقناع بعض قيادات وكوادر التنظيمات المنافسة، خاصة تنظيم "داعش"، بالانشقاق عنها.

4- توسيع نطاق الانتشار: يتعرض العنابي منذ تعيينه في منصبه الجديد لضغوط قوية من جانب الأجنحة المناوئة له، والتي تروج إلى أنه يفتقد للقدرة على قيادة التنظيم وتفعيل نشاطه من جديد، وهو ما يمكن أن يدفعه إلى العمل على محاولة تخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية بهدف إثبات قدرته على إدارة شئون التنظيم والعودة لتصدر خريطة التنظيمات الإرهابية من جديد.

أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن تجاوز تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لأزمة الصراع على القيادة، من خلال الدفع بالعنابي لمنصب القائد، ربما يدفعه إلى العمل على توسيع نطاق نفوذه ووجوده في منطقة الساحل والصحراء، وقد يحاول التمدد في مناطق أخرى، في ظل الصراع المستمر الذي يمثل سمة بارزة في العلاقات بين التنظيمات الإرهابية.