تسعى الهند، على غرار توجه كثير من الدول النامية، إلى مضاعفة مساهمة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة لديها إلى نحو الربع بحلول عام 2030، وبزيادة عن المعدل المستهدف البالغ في السابق 15%، وذلك بهدف تنويع مصادر الطاقة، والحد من الانبعاثات الكربونية باعتبار أنه وقود أقل تلويثاً مقارنة بالنفط. وعلى مدار العقدين الماضيين، ضمنت الهند إمدادات ثابتة وآمنة من الطاقة عبر استخدام الفحم الرخيص المنتج محلياً، إلى جانب استيراد النفط الخام من الخارج. غير أنه في السنوات الأخيرة، تزايد استخدام الغاز الطبيعي نسبياً كمصدر للطاقة مع إقرار برامج لاستخدام مركبات الغاز المضغوط، واعتماد مزيد من المصانع عليه. وتحتاج الحكومة الهندية من أجل بلوغ هدفها ليس فقط إلى مجرد تطوير البنية التحتية التي تتطلب استثمارات ضخمة، وإنما أيضاً إلى تعديل السياسات التنظيمية والتشريعية لكى تشجع الأفراد والمنشآت لإحلاله محل الفحم والنفط الخام.
مساهمة محدودة:
منذ عقود عديدة، يسيطر الفحم والنفط الخام على قطاع الطاقة الهندي، حيث يعتبران المصدرين الرئيسيين لتشغيل العديد من الأنشطة الاقتصادية بالبلاد بما في ذلك الصناعة والنقل وغيرها، ويأتي ذلك في ضوء الموارد المحلية الوفيرة والرخيصة من الفحم، وكذلك سهولة استيراد النفط الخام عبر الموانئ الهندية، بخلاف الغاز الطبيعي الذي يتطلب بنية تحتية خاصة. ونتيجة لذلك، لم يساهم الغاز الطبيعي سوى بنسبة 6.3% من إجمالي استهلاك الهند من الطاقة الأولية حتى عام 2019.
وفي هذا السياق أيضاً، يشار إلى أن الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي يظل غير كافٍ لتلبية احتياجات السوق المحلية من الطاقة مقارنة بالفحم الرخيص. وتمتلك الهند احتياطيات من الغاز الطبيعي تقدر بنحو 1.3 تريليون متر مكتب أى ما يوازي 0.7% من الاحتياطيات العالمية الإجمالية. ويساهم الإنتاج المحلي فقط بحوالي نصف استهلاك السوق الهندية، بينما تقوم باستيراد الباقي عبر محطات الغاز المسال المنتشرة في البلاد. وفي عام 2019، بلغ الإنتاج المحلي نحو 26.9 مليار متر مكعب مقابل استهلاك 59.7 مليار متر مكعب، أى أن هناك فجوة في المعروض تقدر بأكثر 32.8 مليار متر مكعب.
ولم يبدأ اهتمام نيودلهي بالتوسع في استخدام الغاز الطبيعي سوى في السنوات الأخيرة، في ظل مساعي البلاد للحد من الانبعاثات الكربونية وتلوث الهواء من خلال استخدام مصادر الوقود النظيف. وعلى هذا النحو، شرعت الحكومة في التوسع في برامج مختلفة لتحويل السيارات من استخدام النفط إلى الغاز المضغوط.
بالإضافة إلى ما سبق، اتجهت الحكومة لتخصيص مزيد من الاستثمارات لبناء محطات كهرباء بالغاز الطبيعي بدلاً من الفحم، فيما كان التحول الأكبر بالقطاع الصناعي، الذي شهد الطلب على الغاز به نمواً ملموساً، لاسيما بصناعات الأسمدة والبتروكيماويات، وهو حالياً يعتبر أكبر مستخدم للغاز بالهند بحوالي 61% من إجمالي الطلب، ويليه قطاع الكهرباء بنسبة 22%، والقطاع السكني والتجاري بنسبة 17%.
ومع الزيادة في الطلب على الغاز، اتخذت الحكومة إجراءات لتطوير البنية التحتية للغاز بما في ذلك شبكات خطوط الأنابيب الداخلية، ومحطات استيراد الغاز المسال. ولدى الهند حالياً شبكة داخلية للغاز بطول 16.8 ألف كيلو متر، والتي تربط الأسواق الغربية والشمالية والجنوبية والشرقية وتخدم حوالي 5 ملايين أسرة. بينما تستورد الغاز المسال عبر ست محطات بسعة إجمالية بحوالي 35 مليون طن.
أهداف جديدة:
أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في 21 نوفمبر الجاري أن بلاده تستهدف زيادة حصة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة في البلاد إلى حوالي 25% بحلول عام 2030، وهو هدف طموح للغاية، إذ أنه يمثل أربعة أضعاف المستوى الحالي الذي يزيد قليلاً عن 6%، وحوالي ضعف الهدف السابق البالغ 15%.
ويأتي السقف الجديد لزيادة مساهمة الغاز الطبيعي في إطار خطة الهند ليس نحو تنويع مصادر الطاقة فقط، وإنما نحو التخلص من مصادر الوقود الملوثة مثل الفحم والنفط الخام وذلك من أجل تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 30-35% في العقد المقبل وفق خطتها. وجدير بالذكر أن الهند تعد ثالث أكبر دولة مصدرة للانبعاثات الكربونية بعد الصين والولايات المتحدة وبحجم قدره 2.65 مليار طن.
كما يعد تلوث الهواء إحدى المشاكل المزمنة بالهند ولاسيما بالعاصمة نيودلهي والناجمة عن وسائل النقل غير الكفؤة وانبعاثات المصانع. ويصل تركيز الجسيمات، التي يبلغ نصف قطرها 2.5 ميكروميتر، بالهواء، إلى أكثر من 500 ميكروجرام لكل متر مكعب في بعض شهور السنة، وهو ما يتسبب في أضرار صحية، وخسائر اقتصادية واسعة.
سياسات داعمة:
تحتاج الهند من أجل ذلك إلى تحقيق متطلبات عديدة: ينصرف أولها، إلى تحفيز طلب الأنشطة الاقتصادية المحلية على الغاز من خلال اعتماد مبادرات جديدة للتوسع في المركبات العاملة بالغاز المضغوط، ووقف بناء محطات الكهرباء العاملة بالفحم واستبدالها بالغاز، وتخصيص مزيد من الاستثمارات لذلك وغيرها.
ويتمثل ثانيها، في تعزيز استثمارات البنية التحتية للغاز الطبيعي، إذ أن الطلب المتزايد المستقبلي على الغاز يرتبط دون شك بتوسيع شبكة الغاز الداخلية، وبناء مزيد من محطات استيراد الغاز المسال لكى يتمكن جميع المستهلكين في السوق من الوصول إلى إمدادات الغاز الطبيعي. كما أن هناك حاجة لإنشاء مرافق تخزين للغاز الطبيعي لكى تتمكن الحكومة من التعامل مع المستويات المتغيرة للطلب على الخام.
ويتعلق ثالثها، بإعادة تسعير الغاز الطبيعي بالسوق المحلية، والذي تحدده عوامل مختلفة أبرزها ضرائب القيمة المضافة المفروضة على الغاز، بجانب تسعير نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب. ويتراوح معدل الضرائب المفروضة على الغاز حالياً بين 20-25%، مقارنة بما يتراوح بين 5-7% على الفحم، وهو ما يجعل استخدام الغاز غير اقتصادي بالنسبة لكثير من المستهلكين في الهند. بالإضافة إلى ذلك هناك حاجة لنهج موحد لتسعير نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب وذلك بخلاف السياسة القائمة حالياً، حيث تختلف أسعار النقل بين ولاية وأخرى. ويمكن أن يؤدي تسعير نقل الخام إلى تأسيس سوق أكثر تجانساً.
فضلاً عن ذلك، هناك ثلاث جهات مختلفة تشرف على قطاع الغاز الطبيعي، وهى وزارة البترول والغاز الطبيعي، والمديرية العامة للهيدروكربونات، وهيئة تنظيم النفط والغاز الطبيعي، وهناك تداخل كبير في الاختصاصات والأدوار بين الجهات الثلاث، مما ينجم عنه تعارض في سياسات الغاز الطبيعي ولاسيما في عملية تسعير الخام.
ختاماً، يمكن القول إن الهند تتبنى هدفاً واعداً بمضاعفة الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة، غير أن تحقيق ذلك يتطلب استخدام آليات جديدة في تسعير الخام، بجانب تطوير البنية التحتية، وإعادة هيكلة الجهات الإدارية المشرفة، وهو ما قد يساهم في أن يصبح الغاز أكثر جاذبية من مصادر الطاقة الأخرى ولاسيما الفحم.