أبدت العديد من القوى الدولية مجدداً اهتمامها بملف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. ورغم أن هذا الاهتمام ليس جديداً، حيث دائماً ما تندد تلك القوى بتنفيذ أحكام الإعدام في إيران، إلا أن تجديده، أو بمعنى أدق إبرازه بهذا الشكل، في المرحلة الحالية التي تتصاعد فيها القضايا الخلافية الأخرى، على غرار تفعيل واشنطن لآلية "سناب باك" أو العودة التلقائية للعقوبات الدولية، وقبلها محاولتها تمرير مشروع قرار لتمديد الحظر المفروض على إيران في مجال الأسلحة التقليدية، يوحي بأن ثمة أهدافاً محددة تسعى إلى تحقيقها تلك القوى من وراء ذلك.
فقد أدانت 47 دولة انتهاكات حقوق الإنسان في إيران أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في 25 سبتمبر الجاري، وقال السفير الألماني، الذي تحدث نيابة عن هذه الدول، التي كان من بينها دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى استراليا وكندا ونيوزيلندا: "التقارير الموثوقة عن الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة والاعترافات القسرية والتعذيب وسوء المعاملة فيما يتعلق بالاحتجاجات الأخيرة تبعث على القلق بشكل خاص". وأصدرت دول الاتحاد بياناً مشتركاً في هذا الصدد.
وقبل ذلك، استدعت وزارة الخارجية الفرنسية السفير الإيراني لدى باريس، في 22 من الشهر نفسه، لإبلاغه احتجاجها على سجل حقوق الإنسان في إيران، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أن "هناك حاجة لفعل المزيد تجاه تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في أعقاب احتجاجات مناهضة للحكومة في نوفمبر 2019".
لكن الخطوة الأبرز اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية، في 24 من هذا الشهر، حيث فرضت عقوبات على القاضيين محمود ساداتي ومحمد سلطاني، في الفرع الأول للمحكمة الثورية في مدينة شيراز، إضافة إلى سجون عادل آباد وأرومية ووكيل آباد، وركزت على ساداتي والفرع الأول للمحكمة الثورية تحديداً لدورهما في الحكم الذي صدر بالإعدام ضد الرياضي نويد افكاري وتم تنفيذه في 12 من الشهر الجاري.
مغزى التوقيت:
يمكن القول إن حرص القوى الدولية، لاسيما الدول الغربية، على تجديد اهتمامها بملف حقوق الإنسان في هذا التوقيت تحديداً يعود إلى اعتبارين رئيسين هما:
1- رسالة مباشرة لإيران: سعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى توجيه رسالة مباشرة لإيران مفادها أن الملفات الخلافية العالقة معها لا تنحصر في الاتفاق النووي والدور الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية، وإنما تمتد أيضاً إلى ملف حقوق الإنسان. وهنا، فإن الإدارة الأمريكية ربما تحاول امتلاك أوراق ضغط جديدة ضد إيران قبيل إجراء الانتخابات الأمريكية، في إطار سياسة الضغوط القصوى التي تنتهجها إزاء طهران وتسعى من خلالها إلى دفع الأخيرة إلى قبول إجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق مختلف عن الاتفاق النووي الحالي الذي انسحبت منه. وقد سبق أن أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إمكانية الوصول لاتفاق مع إيران في حالة فوزه بالانتخابات.
وربما لا تستبعد واشنطن احتمالات تجدد الاحتجاجات داخل إيران بسبب الضغوط التي تفرضها الأزمة الاقتصادية عليها في ظل العقوبات الأمريكية، والتي انعكست في تصريحات الرئيس حسن روحاني، في 13 سبتمبر الجاري، التي قال فيها أن "عوائد الصادرات النفطية تراجعت من 120 مليار دولار في عام 2011 إلى 20 مليار دولار في العام الماضي"، حيث دائماً ما تحاول واشنطن توجيه رسائل داعمة للمحتجين على غرار ما حدث في الاحتجاجات التي شهدتها إيران في نوفمبر 2019.
2- موازنة التوافق: رغم أن الدول الأوروبية حرصت في الفترة الماضية على التوافق، نسبياً، مع إيران في بعض الملفات، على غرار عزوفها عن تأييد مشروع القرار الأمريكي بتمديد الحظر المفروض على الأخيرة في مجال الأسلحة التقليدية ورفضها لتفعيل واشنطن آلية "سناب باك"، إلا أنها في الوقت نفسه ترى أنه من الضروري إقناع طهران بأن هذه التوافق مؤقت ولا يشمل مجمل الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانب الطرفين، ومرتبط بظروف محددة قد يتغير بعدها في ظل التحفظات العديدة التي تبديها تلك الدول على السياسة الإيرانية في مجمل تلك الملفات.
وبمعنى آخر، فإن مسارعة تلك الدول إلى تبني مواقف منددة بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران في هذا التوقيت تكشف عن مخاوفها من أن يوجه التوافق النسبي مع الأخيرة حول الاتفاق النووي رسالة قد تفهمها على نحو خاطئ ربما يدفعها إلى المضى قدماً في إجراءاتها التصعيدية في الملفات المختلفة، مطمئنة إلى أن هذه الدول لن تتخذ مواقف مناوئة لها. ومن دون شك، فإن ذلك يكشف عن دلالة مهمة تتمثل في أن عدم الثقة ما زال يمثل عنواناً رئيسياً للعلاقات بين إيران وتلك الدول.
خيار مؤقت:
رفضت إيران البيان المشترك للاتحاد الأوروبي في مجلس حقوق الإنسان، الذي اعتبرت أنه "يعبر عن نهج انتقائي وليس له أى أساس". وبالطبع، فإن هذا الموقف كان متوقعاً على ضوء خبرة تعامل طهران مع مثل هذه الإجراءات، التي تربطها دائماً بوجود مساعٍ دولية، غربية تحديداً، للتدخل في شئونها الداخلية، في ظل نظرية "المؤامرة" التي تتبناها وتقوم في الأساس على أن بعض القوى الغربية تسعى إلى تقويض دعائم النظام الحاكم عبر تأجيج أزمات داخلية.
لكن إيران ربما تؤجل اتخاذ أية إجراءات تصعيدية جديدة، في الملفات الخلافية المختلفة، إلى ما بعد نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث أنها ما زالت تسعى للحفاظ على مساحة التوافق النسبي مع الدول الأوروبية حول الملف النووي، على الأقل إلى حين استشراف ما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيستطيع تجديد ولايته الرئاسية من عدمه.