أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تغيرات المكانة:

هل تعيد قمة هلسنكي رسم مستقبل النظام الدولي؟

25 يوليو، 2018


"لقد انتصر الرئيس الروسي".. كانت هذه هي خلاصة التحليلات والتغطيات الصحفية التي نشرتها الصحف الأمريكية تعليقًا على قمة هلسنكي التي عُقدت بين الرئيسين الروسي "فلاديمير بوتين" والأمريكي "دونالد ترامب"، إذ انتقدت مختلف التيارات السياسية في الولايات المتحدة التقارب بين الرئيسين، وثناء الرئيس الأمريكي على نظيره الروسي، وقيامه بنفي تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية رغم تقارير المؤسسات الأمنية والاستخباراتية الأمريكية، وإعلان المحقق الخاص "روبرت مولر" عن تورط بعض عناصر الاستخبارات الروسية في عمليات اختراق سيبراني للحزب الديمقراطي.

 القضايا الخلافية:

عقد الرئيسان الروسي "فلاديمير بوتين" والأمريكي "دونالد ترامب" اجتماعين بهلسنكي، الأول منفصل استمر لأكثر من ساعتين، ثم اجتماع موسع حضره أعضاء وفديهما، تلا ذلك مؤتمر صحفي وصف فيه الرئيسان المباحثات بينهما بأنها كانت ناجحة ومثمرة، وعُقدت في أجواء "بناءة وإيجابية"، دون الكشف عن نتائج معلنة أو اتفاقات محددة حول القضايا الخلافية بينهما. وتُعد هذه هي القمة الرسمية الأولى بين الولايات المتحدة وروسيا منذ عام 2016، وكان بوتين قد التقى ترامب مرتين على هامش مجموعة العشرين وقمة "أبيك"، بيد أنهما لم يعقدا مباحثات رسمية منفصلة. 

ودعا "بوتين" في المؤتمر الصحفي بهلسنكي إلى تشكيل لجنة خبراء معنية بتطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن تضم محللين سياسيين من الدولتين لإيجاد القواسم المشتركة لتفعيل التعاون الدولي بينهما، ومواجهة التحديات العالمية المشتركة، مثل: الإرهاب، والجرائم العابرة للحدود، ومشكلات الاقتصاد العالمي، والتغيرات المناخية، فيما أكد ترامب على ضرورة الاحتفاظ بالحوار الوثيق بين موسكو وواشنطن، لأن الحوار البناء بينهما يمهد الطريق نحو السلام والاستقرار في العالم. وعلى الرغم من هذه التوافقات المعلنة فإنه لا تزال هناك قضايا خلافية لم تُحسم خلال قمة هلسنكي بين الدولين، مثل: 

1- قاعدة التنف: استبق "بوتين" قمة "هلسنكي" بتصعيد على جبهة جنوب سوريا بدأ منتصف يونيو 2018، وأدى لاستعادة دمشق السيطرة على 90% من مدينة درعا، ومما يجدر ذكره أن العملية العسكرية في درعا تمت بتنسيق أمني بين موسكو وواشنطن لكي تضمن الأولى نجاح حملتها لاستعادة درعا، ولذا طالبت طهرانَ بسحب عناصرها من جنوب سوريا، ولكي تستطيع الثانية الحفاظ على المصالح الأمريكية في سوريا والتي يُعتبر من أهمها: ضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على حدود فك الاشتباك، وبقاء إسرائيل في الجولان، وتقليص النفوذ الإيراني بسوريا، واستمرار التواجد العسكري الأمريكي بقاعدة "التنف" شرق سوريا.

وربما يتوافق الطرفان على تحقيق الهدفين الأولين، إلا أنهما يختلفان على مسألة التواجد الأمريكي "بالتنف" الذي وصفته وزارة الخارجية الروسية بأنه سبب لتواجد الإرهاب بالمنطقة. وعلى الرغم من أن "بوتين" قد ألمح في المؤتمر الصحفي بهلسنكي إلى استمرار التنسيق الأمني بين موسكو وواشنطن في سوريا، إلا أن واشنطن لن تقبل بالانسحاب من "التنف" وإنهاء تواجدها العسكري بشكل كامل في سوريا.

2- العلاقة مع إيران: يُعد الملف الإيراني من أكثر الملفات خلافًا بين موسكو وواشنطن، فالتعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران سمح لروسيا بالتواجد عسكريا في سوريا، وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط بصفة عامة، وتسعى موسكو لرفع العقوبات عن طهران، والحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه "ترامب" ويرفض أي تفاوض بشأنه.

3- الأزمة الأوكرانية: لا تعد قضية ضم جزيرة القرم لروسيا قضية خلافية بعدما ذكر "بوتين" في المؤتمر الصحفي أن "المسألة مقفلة ومنتهية"، وهو تمسك بالأمر الواقع الذي فرضه بمنطق القوة على المجتمع الدولي بعدما قرر عام 2014 وإثر الأزمة السياسية في أوكرانيا إعلان استقلال شبه جزيرة القرم، ثم أجرى استفتاء شعبيًّا شارك فيه 80% من سكان القرم ووافق 95% منهم على الانضمام إلى أراضي الدولة الروسية، وقد أكد "ترامب" موقفه الرافض لانضمام القرم إلى روسيا لأنه أمر غير قانوني، بيد أنه لم يشر إلى أي إجراء جديد سيُتخذ ضد موسكو في هذا الشأن، ولهذه القضية أبعاد اقتصادية هامة، حيث إن موسكو اعترضت على تمديد اتفاقية لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، بيد أنها أعلنت قبيل القمة استعدادها لتمديد الاتفاقية.

4- معاهدة ستارت: خلال العامين الماضيين اللذين شهدا توترًا في العلاقات بين موسكو وواشنطن تبادلت الدولتان الاتهامات بخرق اتفاق خفض التسلح المنصوص عليه بمعاهدة "ستارت" الجديدة الموقعة في أبريل 2010، حيث اتهمت موسكو واشنطن في فبراير 2018 بتعديل بعض الغواصات والقاذفات لتصبح قادرة على حمل أسلحة تقليدية وربما نووية، وقد أبدى "بوتين" مرونة كبيرة في هذه القضية، حيث أكد خلال حواره لقناة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية بعد قمة هلسنكي أن بلاده على استعداد لتمديد معاهدة (ستارت) وإطالة أمدها، شريطة الاتفاق على التفاصيل أولًا مع واشنطن.

5- التدخل الروسي في الانتخابات: منذ الإعلان عن فوز "ترامب" بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، يُشاع أن هناك تدخلًا روسيًّا أثّر على النتيجة، وتلاعب بالناخبين وقاعدة البيانات ليسفر ذلك في النهاية عن فوزه. وقد وجه الادعاء الأمريكي اتهامات إلى 12 ضابطًا في المخابرات الروسية بالتجسس واختراق شبكات البريد الإلكتروني لحملة مرشحة الحزب الديمقراطي "هيلاري كلينتون"، بيد أن ترامب لا يزال مصرًّا على عدم وجود أي اتصال بينه وبين موسكو خلال حملته الانتخابية، وهو ما أعلنه خلال قمة هلسنكي، مما يُمثّل تشكيكًا ضمنيًّا في المخابرات الأمريكية التي كشفت ملابسات القضية.

6- توسع حلف الناتو: قبل قمة هلسنكي شارك "ترامب" في قمة حلف الناتو ببروكسل التي شهدت خلافًا بينه وبين سائر الأعضاء حول مشاركتهم السنوية في تمويل الإنفاق العسكري للناتو، كما أعرب بعض مسئولي الحلف عن مخاوفهم مع عقد ترامب اتفاقات مع بوتين ضد مصالح الحلف وأعضائه، ولذا فإن العلاقات بين الحلف وموسكو من أهم القضايا الخلافية، لا سيما في ظل التصعيد العسكري المتبادل بينهما. وخلال حواره مع "فوكس نيوز" الأمريكية عقب قمة هلسنكي أكد "بوتين" أن بلاده مضطرة للرد على كل ما يدور حولها كتوسع حلف الناتو على حدودها، مما يُنذر باستمرار حالة التصعيد، حيث قرر الحلف مؤخرًا مضاعفة عدد قواته بشرق أوروبا، وإجراء مناورات عسكرية ضخمة بدول البلطيق خريف 2018، الأمر الذي سيثير استياء موسكو. 

وتعد هذه أبرز القضايا الخلافية بين موسكو وواشنطن، وليس بالضرورة أن تكون جميعها تم طرحها خلال قمة هلسنكي، بيد أنه يجب على الدولتين إيجاد حلول نهائية لها لتطوير العلاقات الثنائية بينهما.

دلالات ونتائج القمة:

يمكن القول إن هناك عددًا من التداعيات لهذه القمة، وذلك فيما يلي:

1- انتصار سياسي: تعد القمة انتصارًا سياسيًّا "لبوتين" المزهوّ بنجاح بلاده في تنظيم كأس العالم لكرة القدم، والساعي لتعزيز موقعها ونفوذها بالشرق الأوسط والعالم كقطب دولي فاعل ومؤثر، وقد عبر عن ذلك في حواره مع "فوكس نيوز"، حيث أكد "أن روسيا أكبر من أن تُعزل"، وأكد فشل الجهود الأمريكية والأوروبية لتهميش دورها وعزلها منذ 2014 وحتى اليوم، بل إن تلك الجهود أتت بنتائج عكسية.

وهناك من رأى أن عقد القمة يُعد بمثابة اعتراف مباشر من واشنطن بروسيا كقطب عالمي منافس يجب إجراء حوار معه لكي لا تتفاقم الأمور وتصل إلى مواجهة عسكرية، فرغم مرور عام ونصف على رئاسة "ترامب" لا تزال الإدارة الأمريكية في حالة "تخبط" وخلاف مستمر بين الرئيس "ترامب" ومؤسسات الدولة، ويسعى "ترامب" لتحقيق أي فوز خارجي يروّج به لنفسه في الحملة الانتخابية المقبلة 2020 عبر تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية، مثل: حل أزمة الملف النووي الكوري الشمالي، أو تطبيع العلاقات مع روسيا.

2- معارضة داخلية: قبيل عودته لواشنطن، بدأت عاصفة من الانتقادات "لترامب" من قبل حلفائه وخصومه، فقد دعا زعيم الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي "بول راين" "ترامب" إلى أن "يدرك أن روسيا ليست حليفة لبلاده، وطالبه بمحاسبة روسيا، ووضع نهاية لهجماتها على الديمقراطية".

بينما اتهم زعيم المعارضة الديمقراطية في مجلس الشيوخ "تشاك شومر" الرئيس الأمريكي بأنه تصرف بشكل "غير مسئول، وخطير، وضعيف" أمام نظيره الروسي. وفي مسعى منه لاحتواء عاصفة الانتقادات تراجع "ترامب" يوم 18 يوليو 2018، وأكد أنه أساء التعبير في هلسنكي حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وجدد ثقته في مخابرات بلاده.

بيد أن استطلاعًا للرأي أجرته وكالة "رويترز – إبسوس" كشف أن 42% ممن استُطلعت آراؤهم يؤيدون أداء "ترامب" في قمة هلسنكي، و55% يرفضونها، منهم 71% من الحزب الجمهوري مقابل 14% من الديمقراطيين، مما يظهر أن "ترامب" لا يزال يحظى بدعم واسع بين الجمهوريين على الرغم من الانتقادات الموجهة له.

3- استياء أوروبي: فور انتهاء قمة هلسنكي أشاد "ترامب" بلقائه مع بوتين، وأكد أنه كان أفضل من اجتماعه بقادة حلف الناتو ورئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي"، مما فاقم الاستياء الأوروبي منه، لا سيما وأنه اختتم الشهر الحالي بجولة أوروبية زار خلالها بريطانيا وبروكسل ثم فنلندا، ولم ينجح في توطيد علاقته بالقيادات الأوروبية إثر تصاعد الخلافات بينهما بفعل الحرب التجارية التي أعلنها ومطالبه المستمرة بزيادة إنفاقهم العسكري داخل حلف الناتو.

إن قمة هلسنكي تلقي بظلالها على مستقبل النظام الدولي، حيث إن هناك اتجاهًا ينفي وجود تهديد روسي لمكانة واشنطن. فعلى الرغم من القوة العسكرية والثقل السياسي المتصاعد لروسيا، إلا أنها لا تمثل تهديدًا مباشرًا لواشنطن، لأن الاقتصاد الروسي أصغر حجمًا من نظيره الأمريكي، وهناك تفوق نوعي وكمي لحلف الناتو على روسيا. بيد أن الصعود الروسي وتمدد نفوذها بالشرق الأوسط ودول الاتحاد السوفيتي السابق أحد عوامل إضعاف مكانة واشنطن، وهو الأمر الذي لا يبدو أن ترامب يدركه بوضوح، حيث وصف الاتحاد الأوروبي والصين بأنهم خصوم اقتصاديون لبلاده، ووصف العلاقات مع روسيا بأنها جيدة.

فيما يؤكد اتجاه ثانٍ وجود تهديد روسي حقيقي لمكانة الولايات المتحدة، مبررين ذلك بالنجاحات، وهنا ينصح العديد من الخبراء واشنطن بالتقارب مع موسكو لمواجهة التمدد الصيني الذي يمثل تهديدًا اقتصاديًّا مباشرًا لواشنطن، ولعل الحرب التجارية الحالية بين الدولتين أكبر دليل على ذلك. 

وختامًا، مثلت هذه القمة اعترافًا ضمنيًّا من واشنطن وموسكو بضرورة الاعتماد على الحوار والمباحثات السياسية لمعالجة القضايا الخلافية المتعددة بينهما، بعيدًا عن التصعيد العسكري والسياسي. وربما ستظهر النتائج الفعلية للقمة خلال الأشهر القليلة المقبلة من خلال طبيعة التفاعلات بين واشنطن وموسكو ومسار التعاون بينهما في مختلف القضايا.