أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

صدام محتمل:

إعلان مالي إلغاء اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا

17 مايو، 2022


أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي، برئاسة الكولونيل عاصمي جويتا، في مطلع مايو الجاري، إلغاء الاتفاقيات الدفاعية كافة التي وقعتها باماكو مع فرنسا وشركائها الأوروبيين، بما في ذلك اتفاقيات وضع القوات "سوفا"، واتفاقية الدفاع المشتركة التي وقعت في 16 يوليو 2014، في خطوة تؤشر إلى تنامي التوتر بين باماكو من ناحية، وباريس والقوى الأوروبية من ناحية أخرى.

تصعيد باماكو:

عمد المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي إلى انتهاج سياسة تصعيدية إزاء فرنسا خلال الأيام الأخيرة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- إنهاء الاتفاقيات الثلاث: قررت السلطات المالية إلغاء ثلاث اتفاقيات كانت توفر الإطار القانوني للنشاط العسكري الذي تقوم بها فرنسا والشركاء الأوروبيين في باماكو، فقد أعلن المتحدث باسم الحكومة المالية، الكولونيل عبدالله مايغا، إلغاء اتفاقيات وضع القوات "سوفا"، الموقعة في مارس 2013، والتي تتضمن الإطار القانوني الحاكم للقوات الفرنسي الموجود في مالي، والبروتوكول الإضافي الموقع في مارس 2020، والمنظم لعمل القوات الأوروبية الموجودة في عملية تاكوبا. 

ويفترض أن يدخل القرار حيز التنفيذ بأثر فوري، كما تضمن قرار السلطات المالية إلغاء اتفاقية التعاون الدفاعي المشتركة، الموقعة في 16 يوليو 2014 بين مالي وفرنسا، غير أن هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ بعد نحو 6 أشهر.

2- انتهاكات فرنسية متكررة: أرجعت مالي القرارات السابقة إلى ما وصفته بـ "المساس الفاضح" بسيادتها الوطنية من قبل باريس، والموقف الأحادي الذي تتبناه فرنسا في تحركاتها العسكرية على الأراضي المالية، سواء عندما قررت تعليق العمليات المشتركة مع القوات المالية في يونيو 2021، فضلاً عن إعلانها انسحاب قوات برخان وتاكويا من دون تشاور مع باماكو. 

ويضاف إلى ما سبق انتهاك الطائرات الفرنسية المجال الجوي المالي بنحو 50 مرة خلال الأسابيع الأخيرة، كما أن هذه الانتهاكات تجاهلت منطقة الحظر الجوي الواسعة التي أنشأتها الحكومة المالية مؤخراً.

3- انتقادات فرنسية وأوروبية: اعتبرت الخارجية الفرنسية أن القرارات الأخيرة التي أقدمت عليها باماكو غير مبررة، وتمثل انتهاكاً للإطار القانوني الثنائي، كما استبعدت باريس إحداث أي تغييرات على جدول الانسحاب الفرنسي من مالي بناء على القرارات الأخيرة لمالي. 

وفي المقابل، عبر المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، عن أسفه لقرار مالي الأحادي بشأن إلغاء كافة اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا.

دلالات مهمة: 

عكست القرارات الأخيرة التي أصدرتها باماكو جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- استمرار تدهور العلاقات الثنائية: شهدت الأشهر الأخيرة تسارع وتيرة تدهور العلاقات بين باماكو وباريس، وهو ما اتضح في قيام مالي بطرد السفير الفرنسي في يناير الماضي، قبل أن تقرر باريس في الشهر التالي إنهاء عمليات برخان العسكرية في باماكو. 

وفي أبريل 2022، نشرت باريس مقاطع فديو، أشارت إلى أنها التقطتها بطائرات مسيرة، تظهر عناصر فاجنر، وهم يدفنون جثثاً بالقرب من قاعدة "جوسي"، بعدما سلمتها القوات الفرنسية للحكومة المالية. وألمحت باريس إلى أن هدف عناصر فاجنر هو توجيه الاتهامات لفرنسا بارتكاب جرائم حرب في مالي، فيما ردت الأخيرة على هذه الفيديوهات باتهام الجيش الفرنسي بالتجسس ومحاولة التخريب.

ويلاحظ أن الصدام كان نتيجة متوقعة في ظل التوترات القائمة بين فرنسا ومالي، خاصةً في ظل عدم اهتمام باريس بشكاوى باماكو المتكررة من التحركات الفرنسية الأحادية، وكذا تجاهلها لطلبات مراجعة معاهدة التعاون الدفاعي المشتركة، على الرغم من قيام باماكو بطرح جملة من التعديلات على هذه المعاهدة نهاية العام الماضي، بيد أن باريس عمدت إلى تأجيل مناقشة هذه المطالب.

2- رد باماكو على العقوبات الاقتصادية: ترتبط الخطوات الأخيرة التي اتخذتها مالي بالضغوط الاقتصادية التي تعانيها بسبب العقوبات القاسية المفروضة عليها من قبل الإيكواس مطلع 2022، رداً على قيام المجلس العسكري الحاكم بتمديد المرحلة الانتقالية. 

وترى مالي أن هذه العقوبات فرضت بناء على إملاءات فرنسية، وبالتالي ربما تلجأ باماكو للتصعيد في محاولة للضغط على باريس لدفعها لتخفيف هذه العقوبات. ولعل ما يدعم هذا الاستنتاج الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، إلى لومي، عاصمة توجو، في 4 مايو الجاري، لطلب تدخل رئيسها، فوري غناسينغبي، للقيام بدور الوساطة بين باماكو والقوى الأوروبية ومجموعة غرب أفريقيا (الإيكواس)، خاصة أنه يتمتع بعلاقات قوية مع فرنسا. 

ومع ذلك، فإنه يبدو أن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح، فقد أقدمت باماكو، في 12 مايو، على إصدار مذكرة استدعاء بحق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ونجله توماس، ليمثلا أمام العدالة بمخالفات تتعلق بمنح عقد لطباعة جوازات السفر البيومترية الخاصة بمالي من دون الإعلان عن مناقصة عامة، وهو ما يعني استمرار مالي في التصعيد ضد باريس.

3- غموض مستقبل بعثة المينوسما: ترتبط تحركات المجلس العسكري الحاكم في مالي كذلك بالجولة الأخيرة التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريتش، لمنطقة غرب أفريقيا، بما في ذلك زيارته للنيجر مطلع مايو الجاري، والتي دعا خلالها إلى ضرورة إحلال بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الابعاد لتحقيق الاستقرار في مالي "مينوسما" بقوات تابعة للاتحاد الأفريقي، حال تم سحب قوات الأمم المتحدة. 

وتأتي تلك التصريحات قبل نحو شهر من الاجتماع المقبل لمجلس الأمن، في يونيو 2022، والذي سيناقش فيه مستقبل وجود قوات مينوسما في مالي، في ظل وجود مراجعات تقوم بها بعض القوى المشاركة في هذه البعثة، الأمر الذي يرجح عدم التجديد للبعثة، أو التجديد لها لمدة محدودة فقط، مما يفرض ضغوطاً أمنية كبيرة على المجلس الحاكم في باماكو. 

وكانت القوات الأممية تعتمد على قوات برخان الفرنسية في حالة وجود أي تهديد خطير وشيك تتعرض له، وهو ما يعني أن هذه القوات سوف تكون عرضة للهجمات في حالة غياب القوات الفرنسية، بما يدفع في النهاية إلى انسحابها، وهو ما ألمح إليه المتحدث باسم مينوسما، أوليفييه سالغادو، إذ أكد أن هناك تداعيات لانسحاب القوات الفرنسية من باماكو على عمل البعثة.

انعكاسات محتملة:

في إطار المتغيرات التي يشهدها الملف المالي، هناك عدد من الارتدادات التي يمكن أن تتمخض عن القرارات الأخيرة للمجلس العسكري الحاكم في باماكو، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- احتمالات حدوث مواجهات مباشرة: لا تزال فرنسا تمتلك نحو 2400 جندي على الأراضي المالية، بالإضافة إلى عدد من القواعد العسكرية، وتحتاج عملية انسحاب هذه القوات إلى عدة أشهر. وفي ظل حالة الاحتقان الحادة في علاقة باماكو وباريس، يمكن أن يتمخض عن أي تحركات غير محسوبة للقوات الفرنسية حدوث احتكاكات ربما تفضي إلى مواجهات مباشرة بين القوات الفرنسية والمالية. خاصةً أن القرارات الأخيرة لباماكو ستزيد تضييق الخناق على حرية حركة القوات الفرنسية الموجودة في مالي.

وربما يدعم هذا الطرح، إعلان فرنسا عدم تأثر الجدول الزمني لعملية انسحاب قواتها من مالي بالقرارات المالية الأخيرة، وأن قواتها لن تخرج من القواعد العسكرية في مالي إلا بحلول الخريف المقبل في ظل التحديات اللوجستية والعملياتية القائمة.

2- تمسك ألمانيا بالاستمرار في مالي: أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستينه لامبريشت، في 4 مايو الجاري، إنهاء مشاركة برلين في مهمة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي في مالي، على أساس أن بلادها لا يمكنها الاستمرار في دعم النظام الحالي في باماكو. 

وفي المقابل، أكدت لامبريشت أن بلادها مستعدة لمواصلة دعم مينوسما، حيث أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية، كريستيان هوفمان، إلى أن برلين مستعدة لزيادة قواتها المشاركة فيها، من 1100 جندي إلى 1400 جندي. وتجدر الإشارة إلى أن قوات التدريب الألمانية كان قوامها حوالي 328 جندي، أي أن برلين سوف تنقل هذه القوات من المظلة الأوروبية إلى الأممية، من دون نقل قوات إضافية، وهو ما يعكس رغبة برلين في الحفاظ على وجودها العسكري في مالي.  

3- مخاوف فرنسية قائمة: سوف يدفع الموقف المالي الأخير فرنسا إلى الارتكاز على دول أخرى في الساحل الأفريقي، أبرزهم النيجر، التي أقرت مؤخراً قانوناً يسمح لفرنسا بنشر مزيد من قواتها على أرضها، وكذلك تشاد.

وعلى الرغم من ذلك، فإن نموذج مالي لايزال يمثل هاجساً بالنسبة لباريس، بسبب احتمالات تكراره في مناطق أخرى، في ظل تعدد اتفاقيات الدفاع المشتركة التي وقعتها عدة دول أفريقية مع روسيا مؤخراً، لعل أبرزها الكاميرون التي وقعت قبل نحو ثلاثة أسابيع اتفاق تعاون عسكري مع موسكو، بالإضافة إلى كل من نيجيريا وموريتانيا.

وفي الختام، وضعت قرارات مالي الأخيرة نهاية للتدخل العسكري الفرنسي والأوروبي في مالي منذ عام 2013، وهي القرارات التي لاتزال تلقى مقاومة غربية، كما في رفض فرنسا تسريع وتيرة انسحابها من مالي، أو نقل ألمانيا تبعية قواتها تحت المظلة الأممية. وسوف يحدث القرار المالي استقطاباً بين الدول الأفريقية في الساحل بين خيار الانضمام إلى روسيا، أو الدول الأوروبية، بما يمثل خصماً من نفوذ الأخيرة، في حالة أقدمت دول أخرى على التوجه نحو موسكو، وإن كان ذلك الأمر سوف يكون مقروناً بنجاح فاجنر في تحجيم التنظيمات الإرهابية في مالي.