أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

التعطيل المحتمل:

تأثير نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس على الشرق الأوسط

11 نوفمبر، 2018


أثارت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي جرت في 6 نوفمبر 2018، جدلًا حول انعكاساتها على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. إذ أسفرت الانتخابات عن سيطرة الحزب الديمقراطي على 225 مقعدًا بمجلس النواب، بما يعادل نسبة 51.7% من المقاعد، في مقابل حصول الحزب الجمهوري على 197 مقعدًا. وفي مجلس الشيوخ احتفظ الجمهوريون بأغلبية 51 مقعدًا في مقابل حصول الديمقراطيين على 44 مقعدًا وفقًا للنتائج المعلنة.

وعلى الرغم من التأثيرات المتوقعة للديمقراطيين على السياسة الخارجية الأمريكية في قضايا حقوق الإنسان، والعلاقات مع الحلفاء الإقليميين، وفرض العقوبات على إيران، وتوظيف القوة العسكرية الأمريكية في الإقليم، والعلاقة مع تيارات الإسلام السياسي بالمنطقة؛ إلا أن الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب ستواجه عدة عوائق، يتمثل أهمها في: احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في الكونجرس، والصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي في إدارة السياسة الخارجية، بالإضافة إلى الانقسامات الحادة داخل الحزب الديمقراطي التي ستؤثر على قدرتهم على طرح بدائل متماسكة لسياسات "ترامب". 

ملامح "سياسة الديمقراطيين":

يحتفظ الكونجرس الأمريكي بمجلسيه بعدة أدوات للتأثير في مسارات السياسة الخارجية من خلال إصدار التشريعات في مجالات، مثل: فرض العقوبات، ومنح المساعدات الخارجية، وإقرار الاتفاقيات والمعاهدات، وتحديد ميزانية السياسة الخارجية والدفاعية، والموافقة على مبيعات الأسلحة، بالإضافة للرقابة على تنفيذ السياسة الخارجية من جانب السلطة التنفيذية التي يقودها الرئيس الأمريكي. وفي هذا الإطار، تتمثل أهم قضايا الشرق الأوسط التي قد تتأثر بوجود أغلبية ديمقراطية في مجلس النواب فيما يلي:

1- عودة ملف حقوق الإنسان: شغلت قضايا حقوق الإنسان مكانة مركزية في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس السابق "باراك أوباما"، وهو ما يرتبط بقيام الديمقراطيين في مجلس النواب والشيوخ بطرح مشروعات قوانين لتجميد المساعدات لبعض الدول استنادًا إلى حالة حقوق الإنسان.

وجاءت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" على رأس الأغلبية الجمهورية في الكونجرس التي رفعت بعض هذه القيود، خاصة عن الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في بعض أقاليم العالم في ظل تراجع مكانة حقوق الإنسان في السياسة الخارجية مقابل التركيز على المصالح القومية، وهيمنة منطق الصفقات على سياسة "ترامب". وفي المقابل قد يؤدي حصول الديمقراطيين على أغلبية مجلس النواب إلى إعادة الاهتمام بملف حقوق الإنسان من جديد، وربطها بالمساعدات السنوية، لا سيما مع فوز عدد من المقربين لأوباما بمقاعد في الكونجرس، مثل "توم مالينوسكي" من الحزب الديمقراطي بمقعد في الكونجرس الأمريكي عن ولاية نيوجيرسي، والذي سبق وأن شغل عددًا من المناصب الحقوقية، منها أنه كان عضوًا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ومساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشئون حقوق الإنسان والعمال في الفترة من 2014 إلى 2017.

2- الانتشار العسكري الأمريكي: يعارض الديمقراطيون التواجد العسكري الأمريكي في اليمن، وقد سبق وأن تقدم عدد من النواب الديمقراطيين بمذكرة للاعتراض على توسع عمليات الجيش الأمريكي في اليمن بموجب تفويض "الإذن باستخدام القوة العسكرية" Authorization to use Military Force الممنوح للرئيس الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لشن عمليات عسكرية دون المرور بالكونجرس للحفاظ على أمن الولايات المتحدة، ويرى النواب الديمقراطيون أن الوضع في اليمن لا يشكل خطرًا على الأمن القومي الأمريكي، مما يجعل القيام بهجمات أمريكية في اليمن تخطيًا للدستور الأمريكي. وفي هذا الإطار، أكد النائب الديمقراطي "إليوت إنجل" الذي من المحتمل أن يترأس لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب أن اللجنة سوف تدفع نحو إعادة النظر في التصريح المخول للرئيس باستخدام القوة العسكرية في الخارج، وهو التصريح الذي بقي دون نظر منذ 15 عامًا.

3- تحجيم العقوبات على إيران: سارع "دونالد ترامب" لتنفيذ أكبر حزمة من العقوبات الممكنة على إيران قبيل انتخابات التجديد النصفي نظرًا لأنه يعرف بموقف الديمقراطيين الأقل حدة بشأن العقوبات، وفي الغالب لن يستطيع الديمقراطيون الدفع بإصدار تشريع في الكونجرس بسحب العقوبات عن إيران، حيث إن إصدار تشريع يحتاج توافقًا جمهوريًّا ديمقراطيًّا في الكونجرس، وهو الأمر المستبعد، إلا أن أكثر ما يمكن أن يقوم به الديمقراطيون في هذا الملف هو منع "ترامب" من إصدار عقوبات جديدة ضد إيران، خصوصًا وأن الديمقراطيين يرون أن "ترامب" أهدر جهودهم التي بذلوها للوصول للاتفاق النووي في عهد "أوباما".

ويعزز من هذا التوجه رغبة تيار واسع في الحزب الديمقراطي في الحفاظ على العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تأثرت سلبًا بسبب العقوبات، حيث يرى العديد من دول أوروبا -وعلى رأسها فرنسا وألمانيا- أن العقوبات تضر بمصالحهم الاقتصادية، وفي هذا الإطار أشار وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" في أغسطس 2018 إلى أنه يجب إنشاء نظام مالي مستقل عن الولايات المتحدة لإنقاذ الصفقة النووية حتى لا يظل مرهونًا بنظام "السويفت" الذي يقع تحت السيطرة الأمريكية، بالإضافة إلى أن وزير المالية الفرنسي "برونو ماير" قد أعلن عن أهمية استحداث آلية مالية مستقلة لتفادي التأثيرات السلبية للعقوبات الأمريكية التي تلجأ لها دائمًا والتي كان آخرها على إيران.

وسيراقب الديمقراطيون أي ميزانية يتم اعتمادها في الكونجرس، ومنها ميزانية "مكتب مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية" المختص بمراقبة التعاملات التجارية من وإلى إيران، وفي ظل التوسع في بنود العقوبات فإن هذا المكتب من المحتمل أن يكون في احتياج ما يقدر بحوالي 160 مليون دولار -حسب بعض المحللين- لمتابعة أعماله، وهو الأمر الذي لن يمرره الديمقراطيون بسهولة.

4- تقييمات متعارضة لسياسات إسرائيل: لا يمكن القول بوجود اختلاف شاسع في وجهات النظر بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن القضية الفلسطينية، والموقف من إسرائيل، فأوباما -الرئيس الديمقراطي الذي كان يوصف بأنه مثالي- لم يأخذ موقفًا حادًّا من إسرائيل، ولم يتم تسجيل اعتراض من الحزب الديمقراطي عندما كان على رأس السلطة بشأن تمويل منظومة القبة الحديدية لصالح إسرائيل، إلا أنه من المتوقع قيام تيار أقصى اليسار في داخل الحزب بالتنديد بسياسة الاستيطان الإسرائيلية، خصوصًا في ظل وصول عدد معقول من الشبان إلى مقاعد مجلس النواب.

لكن ربما يهتم الديمقراطيون بقرار سحب تمويل الأونروا، خصوصًا لما يحمله هذا الملف من بعد إنساني أكثر منه سياسيًّا، وهو ما يمكن أن يشكل مدخلًا جيدًا لبعض النواب الديمقراطيين الذين تعهدوا للناخبين بالاهتمام بالبعد الإنساني أكثر من البعد السياسي، مثل "رشيدة طليب" الأمريكية من أصل فلسطيني، و"إلهان عمر" النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا. ويمكن القول إن إسرائيل سعت لتكثيف تحركاتها الخارجية قبل فوز الديمقراطيين لأنهم يدعمون سياسة "حل الدولتين" لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتحسبًا لسيناريو عدم فوز "ترامب" بفترة رئاسية جديدة في 2020.

5- العلاقة مع جماعات الإسلام السياسي: دعمت منظمة "كير" CAIR (مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية) التي ترتبط بعلاقات متينة مع جماعة الإخوان المسلمين الحزب الديمقراطي أثناء عمليات التصويت، حيث قامت بتوزيع كتيبات في عدة ولايات أمريكية لتقديم الدعم للحزب الديمقراطي، والمسلمين الذين يخوضون الانتخابات عن الحزب، كما أطلقت المنظمة هاشتاجًا على مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الغرض تحت عنوان #my_muslim_vote


وقد يؤدي فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب إلى تعطيل أي مشروع لإدراج جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي في الولايات المتحدة، كما قد يعمل على إعادة إحياء لوبي المؤسسات الإسلامية التابعة بدورها لتنظيمات مثل الإخوان المسلمين، خاصة وأن هذا اللوبي يمتلك شبكة من العلاقات بشخصيات من داخل الحزب الديمقراطي.

تحديات صعود الديمقراطيين: 

لا يمكن التوصل إلى استنتاج قاطع بشأن السياسة التي سيتبعها الديمقراطيون في المجال الخارجي، إذ يتطلب الأمر متابعة أدائهم وتوجهاتهم بالكونجرس للكشف عن مدى قدراتهم على المناورة وملامح السياسة الخارجية التي يفضلونها. فالديمقراطيون لا يحملون مشروعًا واضحًا في هذا الصدد، وإنما يعتمدون على ما يعتبرونه أخطاء لـ"دونالد ترامب". ويؤكد هذا التصور السيناتور الجمهوري المعروف "ليندسي جراهام" الذي صرح بأن "الديمقراطيين لا يحسنون التعامل مع الشئون الدولية، ولا يوجد لديهم تصور واضح للسياسة الخارجية، إنهم لا يحبون ترامب، ولكن ما هي الحلول التي يطرحونها، سواء في ملف أفغانستان، أو ملف سوريا، أو ما هي الحلول التي يطرحونها للتعامل مع إيران، هذه أشياء لا يتحدثون عنها".

وفي حال تعمد الديمقراطيين عرقلة كافة قرارات الرئيس "دونالد ترامب" فإن هذا قد ينعكس بشكل إيجابي على الرئيس نفسه، حيث سيقوم بالترويج لهذا الأمر، وأن هناك جهة تعيق تنفيذ سياساته، مما سيخلق حالة من التعاطف المجتمعي معه، فترامب بهذا سيكون قد وجد ما يصفه بالعدو المرئي في الداخل الذي يمكن أن يوجه له الاتهام مباشرة.

كما قد تؤدي حالة الضغط على "ترامب" خلال الفترة المقبلة إلى دفعه للإسراع بإنهاء عدة ملفات مفتوحة، مثل الحرب في سوريا، وملفات أخرى خارج الشرق الأوسط، لا سيما وأن "ترامب" لا تزال لديه فرصة الحصول على منصب الرئاسة لفترة جديدة، وهو ما يدفعه لتكثيف تحركاته الداخلية والخارجية ليحافظ على موقعه داخل البيت الأبيض، وإنهاء الملفات التي سيحاول الجناح الديمقراطي استغلالها للتشهير به.

من جانب آخر، يعاني الحزب الديمقراطي من تعدد الأجنحة به، فعلى الأقل يمكن رصد 3 أجنحة؛ "جناح بيرني ساندر"، و"جناح أوباما"، و"جناح كلينتون"، وهو ما يضعف من قوة الحزب واتحاد كلمته، حيث لم يبرز حتى الآن ما يمكن وصفه بالشخصية الملهمة في الحزب، ولم يتم تقديم برنامج آخر سوى التصدي لتهديدات "ترامب".

ختامًا، سيواجه الديمقراطيون صعوبات في إصدار التشريعات التي تتفق مع طموحاتهم السياسية نظرًا لاستحالة إصدار تشريع دون موافقة أغلبية الكونجرس، وذلك غير ممكن في ظل وجود الجمهوريين، لذا سيكون أقصى ما يفعله الديمقراطيون هو تعطيل التشريعات أو انتقادها بشدة أو تقديم بدائل لها، وهو ما يعني من ناحية أخرى أن المرحلة التي كان يتمتع خلالها "ترامب" بسيولة منقطعة النظير في إصدار القرارات دون وجود معارضة قد انتهت.