أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

"انخراط إقليمي":

خيارات الشراكة الأمنية الهندية مع دول الخليج

10 يونيو، 2014


إعداد: أحمد عاطف

تعاني منطقة غرب آسيا أوضاعاً أمنية هشة خلال السنوات الأخيرة، في ظل اندلاع الانتفاضات في عدد من الدول العربية، وتأزم الصراع السوري، وتعقد القضية النووية الإيرانية، إضافة إلى وجود مخاوف لدى دول الخليج العربية من خفض وتراجع الالتزامات الأمنية الأمريكية في المنطقة، فكلها أوضاع وقضايا تستلزم من دول الخليج البحث عن صيغ جديدة لضمان أمنها في ظل استمرار الأهمية الحيوية للمنطقة.

واستناداً إلى هذا التوصيف الأمني للوضع في المنطقة، أعد Rajeev Agarwal الباحث في "معهد دراسات وتحليلات الدفاع الهندي" IDSA – دراسة تحت عنوان: "الأمن في منطقة الخليج.. مخاوف الهند ومصالحها وخيارات الشراكة"، والتي كانت موضوع الفصل الثاني من كتاب (التطورات في منطقة الخليج.. الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين)، الذي نشره المعهد في عام 2014، حيث ينطلق الباحث من فرضية تقوم على ضرورة أن تظهر الهند كشريك إقليمي موثوق به، وأن تتخذ خطوات استباقية لتأمين مصالحها الأمنية في المنطقة.

أولاً: البيئة الأمنية في منطقة الخليج

تلقي الدراسة نظرة سريعة على التاريخ الحديث للصراعات في منطقة الخليج حتى يتسنى الوقوف بشكل أفضل على ملامح البيئة الأمنية الحالية في المنطقة، إذ يبرز Agarwal عدداً من التطورات التي تشهدها المنطقة، والتي من المرجح أن يكون لها تأثير كبير على الوضع الأمني فيها على المديين المتوسط والطويل.

ويأتي في مقدمة هذه التطورات خفض واشنطن اعتمادها على نفط المنطقة، وما قد يترتب عليه من تقليل الوجود العسكري الأمريكي في الخليج خلال العقد المقبل، الأمر الذي سيلقي تبعاته على الحسابات الأمنية لدول الخليج وعلى التوازن العسكري الإقليمي.

أما ثاني التطورات فيتعلق بعودة مصر كقوة إقليمية، وهو ما من شأنه أن يعيد تقسيم الأدوار بين أقطاب المنطقة (السعودية/ تركيا/ إيران).

ومن ناحية ثالثة فإن التحسن الاقتصادي المضطرد في العراق مع مرور الوقت من المرجح أن يؤدي إلى تزايد الثقة في استقرار البلاد رغم الاضطرابات الحالية، وقد يتزامن ذلك مع إعادة بناء وتطوير القوات المسلحة العراقية، ففي هذه الحالة قد تعود العراق إلى قوة محتملة في المنطقة خلال 10 إلى 15 سنة، وبالطبع فإن مدى العلاقات العراقية - الإيرانية سيحدد في هذه الحالة ميزان القوى بمنطقة الخليج.

وأخيراً فإن نتائج الأزمة الراهنة في سوريا ستكون عاملاً رئيسياً في تشكيل الأمن الإقليمي، حيث إن احتمالية سقوط نظام بشار الأسد من شأنه أن يؤدي إلى تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.

ثانياً: العوامل الرئيسية المؤثرة على أمن منطقة الخليج

يعد الوضع الأمني في منطقة الخليج العربي نتاجاً لمجموعة من المحددات التي سوف تؤثر على استقرار مختلف الدول الخليجية، وتتمثل وفقاً لما طرحته الدراسة فما يلي:ـ

1- مسار العلاقات الإيرانية – الخليجية، حيث تشكل طهران أكبر مصادر القلق الأمني لدول مجلس التعاون الخليجي، في ضوء قوتها العسكرية والإقليمية، والاختلافات الأيديولوجية مع دول المنطقة، وبصفة خاصة السعودية.

2- خطر انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، باعتباره من أخطر التحديات الأمنية في المنطقة، وتعد إيران أيضاً أحد مصادر هذه القلاقل الأمنية، لأنه في حال تملكها السلاح النووي سيؤدي ذلك إلى انتشار القوى الراديكالية والإرهابية، وسيكون من الصعوبة بمكان منع سباق التسلح النووي في المنطقة.

3- فقدان التوازن العسكري في المنطقة بين السعودية وإيران بعد انهيار العراق كقوة عسكرية، حيث كان نظام صدام حسين "السني" يلعب دوراً ليس فقط في توازن القوة العسكرية مع إيران، بل وفي مواجهة نفوذها الشيعي كذلك؛ لذا ظهر خلال السنوات الأخيرة الصراع الطائفي بين طهران والرياض، وتزايد التنافس بينهما بعد اندلاع الثورات العربية، حيث تمثل البحرين وسوريا نقطتين للصراع السعودي – الإيراني في ظل تباين الرؤى والأهداف لكل منهما، على حد ما تذكره الدراسة.

4- وجود ما وصفه الكاتب بـ"حالة من التوتر" بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب الخلافات التاريخية حول الحدود وحقول النفط والغاز، وذلك على الرغم من أنه قد تم حل معظم هذه الخلافات والنزاعات الإقليمية.

5- محدودية القوة العسكرية الإقليمية "درع الجزيرة" طبقاً لتقييم الدراسة، وهو ما انعكس على تفاقم الوضع الأمني في المنطقة، وقد بدا الأمر ملحوظاً بعد سقوط العراق.

6- الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة، والذي ساعد في الحفاظ على الأمن، وتدفق حركة التجارة، وتقييد نفوذ إيران، لكنه أدى من ناحية أخرى إلى الاعتماد المفرط من جانب دول الخليج على الوجود العسكري الأجنبي، الأمر الذي يهدد استقرار هذه المنطقة في حالة سحب أو تقليص تلك القوات الأمريكية.

7- "تنظيم القاعدة" والإرهاب العابر للحدود، والذي تعانيه معظم دول المنطقة، خاصةً سوريا واليمن والعراق التي تعد الأكثر تضرراً، وقد اكتسبت هذه المنظمات الارهابية فرصة جديدة للحياة مع اندلاع الثورات العربية وتحديداً بعد الأزمة السورية، حيث أصبحت قضية الإسلاميين تُهيمن على الخطاب السياسي الإقليمي والمحلي، مما عزز من دور الجماعات الراديكالية.

ثالثاً: خيارات الشراكة الأمنية للهند مع دول الخليج

تؤكد الدراسة أن البيئة الأمنية في منطقة الخليج دائماً ما يكون لها تأثير مباشر على المصالح الأساسية والهواجس الأمنية للهند، وبالتالي فإن أي صراع في المنطقة سوف يجبر الهند على ضمان أمن مواطنيها الذين يعملون في هذه الدول وتأمين إمدادات الطاقة لديها.

ولم تكن للهند علاقات أمنية قوية مع الخليج حتى وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 التي كانت بمنزلة الشرارة لإعادة النظر في العلاقات الأمنية للهند مع دول المنطقة، فنتيجة للمخاوف الناشئة تم منح الهند صفة "شريك حوار Dialogue Partner" من قبل دول مجلس التعاون الخليجي في أكتوبر 2003، وهي بذلك تعد ثالث دولة بعد الولايات المتحدة واليابان تتمتع بهذه الميزة. وقد أدى تطابق المصالح في توطيد العلاقات الأمنية الهندية – الخليجية خلال العقد الماضي، حيث بدا واضحاً تحسن الروابط الدفاعية للهند مع دول المنطقة، لتشمل أبعاداً جديدة مثل مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية.

ووفقاً لذلك تشير الدراسة إلى وجود مجموعة من العوامل الحاسمة التي يتعين أخذها في الاعتبار عند قيام الهند بأي نوع من الشراكة الأمنية مع دول المنطقة وهي:ـ

* مدى أهمية الشراكة للمصالح الهندية؛ حيث تعد (إمدادات الطاقة، والتجارة، والعمالة الوافدة إلى دول الخليج، ومكافحة القرصنة البحرية) مبررات كافية لتأكيد مدى أهمية هذه المنطقة بالنسبة للهند.

* رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في إتمام هذه الشراكة، إذ تعتقد معظم دول الخليج العربية، كما يرى الكاتب، أن نيودلهي يمكن أن تلعب دوراً فعالاً بشأن تهديدات طهران وإقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي، ومن ثم فإنه يُنظر إلى الهند باعتبارها واحدة من اللاعبين الإقليميين الأكثر ملاءمة وقدرة على الانخراط في قضايا الأمن الإقليمي.

* مدى قدرة الهند على الاضطلاع بهذا الدور، وهو الأمر الذي لابد أن يتم تقييمه بعناية، لأن هذه الشراكة لن تكون قاصرة على مجرد الزيارات المتبادلة والتدريبات المشتركة، بل ستكون شراكة أمنية أكثر شمولاً. وفي هذا الصدد ثمة سببان من وجهة نظر الكاتب يدعوان إلى تفاؤل الهند. الأول، أن الهند – وعلى عكس الولايات المتحدة - تتمتع بميزة القرب الجغرافي من منطقة الخليج، وهذا من شأنه أن يحول دون اشتراط تمركز القوات الهندية في المنطقة بل سهولة نشرها بسرعة حال الضرورة. ويتعلق السبب الثاني بقدرة نيودلهي على تلبية الاحتياجات العسكرية لدول المنطقة في ظل وجود خطط حالية لتطوير القدرات الهندية في هذا المجال.

وتطرح الدراسة عدداً من الخيارات المتاحة أمام الهند في سبيل تعزيز شراكاتها الأمنية – سواء الثنائية أو متعددة الأطراف - مع منطقة الخليج، وتتمثل في الآتي:ـ

1- دور أكثر فعالية للأذرع الدفاعية، فإلى جانب دعم دور السفارات الهندية والملحقيين العسكريين في منطقة الخليج، تحتاج الهند إلى تعزيز نظم الدفاع العسكري وتوسيع نطاقها مع البلدان العربية التي ترغب الهند في القيام بشراكة أمنية معها.

2- الاتفاقيات الأمنية البحرية: فثمة اتفاقية بين الهند وقطر في مجال الأمن البحري تتيح للبلدين التعاون معاً في مجال مكافحة مجموعة متنوعة من التهديدات الإرهابية البحرية، فضلاً عن تأمين المنشآت النفطية البحرية. وفي هذا الشأن تحتاج نيودلهي إلى إبرام اتفاقيات مماثلة مع بلدان أخرى في المنطقة.

3- التعاون في مكافحة القرصنة: فهناك نسبة كبيرة من التجارة الهندية - بما في ذلك النفط والأسمدة - تمر عبر خليج عدن، ووفقاً لإحصائيات الحكومة الهندية، فإن الواردات والصادرات الهندية عبر خليج عدن تقدر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات، وإذا كان للهند دور في الأمن البحري بالمنطقة من خلال قوة المهام المشتركة (CTF -150)، فإنه يتعين عليها أيضاً أن تتخذ إجراءات أكثر فاعلية في مواجهة القرصنة عبر المياه الإقليمية.

4- اتفاقيات مشتركة لمكافحة الإرهاب: فالهند لديها اتفاقيات أمنية بالفعل مع عدد من دول المنطقة، حيث تمثل مكافحة الإرهاب جزءاً أساسياً من بنودها، وتحتاج نيودلهي إلى توسيع مثل هذه البروتوكولات مع كافة بلدان المنطقة، على أن تشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية وتسليم العناصر الإجرامية. وإضافة لذلك يمكن للهند أن تقوم بتدريب قوات خليجية على عمليات مكافحة الإرهاب، أو تدشين مؤسسة إقليمية لمكافحة الإرهاب تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي.

5- التعاون العسكري الإقليمي: إذا كانت الهند تسعى للظهور كـضامن أمني لدول الخليج، فعليها أن تُظهر قدراتها العسكرية في المنطقة، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق الدخول في تدريبات عسكرية مشتركة مع الجيوش الإقليمية، على نحو يساهم في تعزيز الثقة المتبادلة، فعلى سبيل المثال من الممكن إجراء تدريبات سنوية مع "قوات درع الجزيرة" لمواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية.

6- توفير المعدات العسكرية: بالرغم من أن الدول الخليجية لديها مثل هذه المعدات من الولايات المتحدة والغرب، إلا أنها  تسعى إلى الحصول على معدات عسكرية إضافية يمكن أن توفرها الهند، مما يتيح للأخيرة ليس فقط الحصول على إيرادات إضافية بل أيضاً تعزيز الروابط الدفاعية مع دول المنطقة، ويستدعي هذا الأمر من نيودلهي تطوير نظمها الدفاعية حتى يتسنى لها المنافسة مع القوى الأخرى المصدرة للأسلحة لدول المنطقة.

7- دور محدد في الأمن الإقليمي: لعل أهم دور يمكن للهند أن تقوم به في المنطقة هو أن تقوم بإجراء محادثات وحوارات أمنية مع دول الخليج لتسوية العديد من القضايا الإقليمية، والتغلب على حالة العداء وانعدام الثقة السائدة حالياً بين المعسكرين المؤيد والمناهض لإيران، وتقترح الدراسة لتعزيز هذا الدور أن تصبح الهند "عضواً مراقباً" في مجلس التعاون الخليجي.

* عرض مُوجز للفصل الثاني تحت عنوان: "الأمن في منطقة الخليج: مخاوف الهند ومصالحها وخيارات الشراكة"، من كتاب: "التطورات في منطقة الخليج.. الآفاق والتحديات بالنسبة للهند خلال العقدين القادمين"، الصادر عام 2014 عن معهد دراسات وتحليلات الدفاع في نيودلهي.

المصدر:

Rajeev Agarwal, Security in the Gulf Region: India’s Concerns, Vulnerabilities, Interests and Engagement Options, in Rumel Dahiya (Editor), Development in The Gulf Region: Prospects and Challenges for India in the Two Decades (New Delhi: Institute for Defense Studies and Analyses, 2014( PP 34-64