أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

الاجتماع الثقافي:

منظور ثقافي لفهم الاحتجاج والحركات الاجتماعية

03 مايو، 2015


إعداد: باسم راشد

اجتاحت العالم خلال السنوات الماضية العديد من الحركات الاحتجاجية المختلفة؛ بدايةً من التظاهرات الإيرانية "الحركة الخضراء" في عام 2009، مروراً بالثورات العربية، و"حركة احتلوا وول ستريت" في الولايات المتحدة، والاحتجاجات ضد سياسات التقشف داخل بعض الدول الأوروبية، وصولاً إلى أحداث ميدان تقسيم في اسطنبول بتركيا، والحركات الثورية المستمرة في كييف، وغيرها. لذا، أصبح الاحتجاج جزءاً أساسياً من وجود الإنسان، كما أن كل بعض فترات التاريخ تشهد تغييرات كبيرة ومهمة.

وتُعد الحركات الاجتماعية هي الشكل الغالب الذي تتخذه الاحتجاجات في العالم حالياً، لكونها تعطي الفرصة للمواطنين العاديين للتعبير عن أفكارهم ومبادئهم دون قيود. وبرغم الاهتمام الذي برز بين الدارسين المهتمين بالحركات الاجتماعية في السنوات الأخيرة بهذه الاحتجاجات وكيفية التعبير عنها، فإنه لم يتم تسليط الضوء بشكل كاف على دراسة البُعد الثقافي في تصاعد هذه الظاهرة، وطبيعة الأشخاص الذي ينضمون لتلك الحركات الاحتجاجية؛ من هم؟ وما دوافعهم؟ وكيف يرون العالم؟!

الكاتب "جيمس جاسبر" James M. Jasper، وهو أكاديمي في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، ومتخصص في الأبعاد الثقافية للحركات الاحتجاجية، حاول الإجابة عن هذه التساؤلات في كتابه الذي يحمل عنوان "الاحتجاج.. مدخل ثقافي لفهم الحركات الاجتماعية"، حيث يولي فيه اهتماماً كبيراً للثقافة في تفسير طبيعة وسلوكيات الحركات الاجتماعية، كما يُثمِّن من قيمة دراسة تجارب حركات الماضي لفهم طبيعة الحركات الاجتماعية التي تتم في الوقت الحالي، ويركز من خلال فصول الكتاب الثمانية على ضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام لوجهات نظر المحتجين من أجل فهمهم ومعرفة كيفية التعامل معهم.

ماهية الحركات الاجتماعية

تُعبر الحركات الاجتماعية، طبقاً لجاسبر، "عن مجموعة من الجهود العمدية (المقصودة) والمستدامة الهادفة لإحداث تغييرات قانونية واجتماعية، وتكون بالأساس خارج القنوات المؤسسية الرسمية للدولة". ومن هذا التعريف، يمكن استنتاج بعض العناصر الهامة لتوضيح خصائص الحركات الاجتماعية، ومنها:

1- الاستدامة: وتعني أن الحركات الاجتماعية تختلف في طبيعتها عن الأنشطة الفردية العابرة كالتجمعات بين الأفراد، إذ إنها تتيح لنشطائها فرصة تطوير منظمات رسمية، لكن في نفس الوقت يمكن للأفراد العمل بشكل منفصل في الشبكات الاجتماعية غير الرسمية.

2- العمدية: وهو ما يربط الحركات الاجتماعية بالثقافة والاستراتيجية؛ حيث إن جميع الناس لديهم أفكاراً خاصة عمَّا يريدون، وعن الطريقة التي يريدون تنفيذ تلك الأفكار بها؛ بحيث يتم تنقية هذه الأفكار من خلال تمريرها عبر ثقافتهم ونفسياتهم لمعرفة مدى ملائمتها لهم، وبما يحقق في النهاية أغراض تلك الحركات.

3- إحداث التغيير: فالحركات الاجتماعية هدفها تحقيق تغيير في الواقع الذين يرفضونه، وذلك من خلال أدواتهم الخاصة التي يستطيعون بها التعبير عن آرائهم وأفكارهم الجمعية المشتركة.

4- الطابع غير المؤسسي: وهو ما يميز الحركات الاجتماعية عن الأحزاب وجماعات المصالح التي لديها كيانات مؤسسية خاصة ونظم تمويل معروفة ومستقرة. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الحركات الاجتماعية قد تتحول بمرور الوقت إلى جماعات مصالح أو أحزاب في حالة إضفاء الطابع المؤسسي على أنشطتها.

ويشير الكاتب إلى أنه رغم ذلك التعريف، فإنه لا توجد حدود فاصلة بين الحركات الاجتماعية وبين الظواهر الأخرى كالثورات أو الاحتجاجات وأعمال الشغب. وقد فرضت الدوافع العديدة لانضمام الأفراد للحركات الاجتماعية إلى تعميق الحاجة للمنظور الثقافي لمحاولة تفسير هذا الأمر وفهم تصرفات الأفراد وسلوكياتهم بشكل أكثر وضوحاً.

البُعد الثقافي في الحركات الاجتماعية

تشمل الثقافة الأفكار والمعتقدات والمشاعر والأخلاقيات المشتركة، جنباً إلى جنب مع الطرق المادية التي يمكن من خلالها التعبير عن تلك الثقافة، بدايةً من الغناء إلى القراءة وحتى المسيرات التي تحدث في الشوارع؛ إذ تتخلل الثقافة سلوكيات المتظاهرين وكذلك اللاعبين الآخرين الذين يتفاعلون معهم، مثل القضاة ورجال الشرطة والمراسلين الصحفيين وغيرهم؛ بما يتطلب ضرورة فهم وجهات نظر تلك الأطراف المتفاعلة من أجل معرفة كيفية التعامل معهم.

ويوضح "جاسبر" أن للثقافة ثلاثة مكونات رئيسية، وهي كالتالي:

1- المعرفة Cognition: تشمل الكلمات التي نستخدمها، والمعتقدات التي نؤمن بها، والرؤى التي نحملها للعالم، وطرق تحليلنا للمشكلات، والنظريات التي نبتدعها، كما تشمل أيضاً الهُويات الجماعية للمواطنين، وحتى الطرق التي يتم من خلالها التعبير عن الأفكار والمعتقدات، فكلها تندرج تحت إطار المعرفة الثقافية وفهم كيفية تحرك الحركات الاجتماعية على الأرض.

ويؤكد "جاسبر" أن العديد من الباحثين يركزون في دراستهم للحركات الاجتماعية على تلك العناصر المعرفية للثقافة، لأنه من اليسير قياسها ووضعها في جداول ورسوم بيانية وخطب عصماء، لكن استئصال تلك العناصر من السياق الذي ظهرت فيه يفرغها في النهاية من مضمونها، بما يُمكِّن من معرفة كيف اختبر الناس تلك الأفكار، وكيف استخدموها لإقناع الآخرين، وكيف دفعتهم للتحرك.

2- المشاعر Emotions: هي التي تجعلنا أقرب لحياة الناس الحقيقية. ورغم أن العديد من الفلاسفة يتعاملون مع المشاعر كونها سيئة السمعة، ويُفضِّلون الحديث عن الأفكار والمُنتج النهائي لها بعيداً عن التطرق لدور المشاعر في الأمر، بل ويتم اعتبارها في بعض الأحيان نقيضاً للتفكير؛ فإن علماء النفس أثبتوا أن المشاعر هي الأخرى ترسل لنا رسائل تساعدنا على معالجة معلوماتنا، وتقييم مواقفنا، كجزء من وظيفتها التي تُمِّكننا من الوصول إلى حل لعلاج المشكلات.

ويؤكد الكاتب أن المشاعر جزء من الثقافة، لأننا نتعلم كيف ومتى يمكن التعبير عنها، وكيف يمكن وصفها (الخوف مقابل الغضب على سبيل المثال)، كما أنها تتخلل المعرفة أيضاً ولا تنفصل عنها، لأنها تجعلنا نعتنى بهُوياتنا الجماعية، ونكره الظلم والفساد وغيرها.

3- الأخلاقيات Morality: هي العنصر الثالث المكمل للعناصر السابقة، وتتكون من شقين:

الشق الأول، يمثل مجموعة من المبادئ المعلنة التي تساعدنا على إقناع الآخرين بوجهات نظرنا، وضمهم لصفوفنا في النهاية. فمثلاً "الكل حسب قدرته" و"الكل حسب حاجته" و"تعامل مع الآخرين بالطريقة التي تريدهم أن يتعاملوا بها معك"، فكلها مبادئ وقيم أفرزتها ثقافتنا من أجل إقناع الآخرين.

الشق الثاني، يرتبط بالحدس، والذي يحكم تصرفاتنا في غالبية المواقف، وهو غير مرئي وغير محسوس لأنه يتم الشعور به داخلنا في النهاية حتى وإن كانت الكلمات غير قادرة على وصفه. ومعظم الناس - حسب الكاتب – يدخلون معترك الحياة السياسية طبقاً لحدسهم أكثر من تلك المبادئ العامة.

وتظهر تلك المنظومة الثلاثية (المعرفة، والمشاعر، والأخلاقيات) في الحياة السياسية اليومية، سواء في تصريحات المسؤولين أو حتى في تصرفاتهم وقراراتهم. ولا يمكن اعتبار أن الثقافة تكمن فقط داخل عقولنا وقلوبنا، ذلك أنه يتم التعبير عنها في حياتنا وبالوسائل التي تتبعها الحركات الاجتماعية المختلفة، مثل صورة يتم التقاطها لشرطة تنتهك حقوق المواطنين، أو كتاب يشرح فلسفة وأيديولوجية حركة ما، أو مسيرة لمحتجين على أوضاع معينة؛ فكل هذه الأشياء بمثابة تجسيد للثقافة التي تكمن داخل عقول المواطنين وقلوبهم، بل إنها أيضاً تضمن استدامة تلك الحركات من عدمها لأنها تعتمد على التركيز على نفس القضية من خلال استمرار تسليط الضوء عليها، بل والعمل على إقناع عناصر جديدة لجذبهم لأفكار الحركة.

ماذا يخرج من إطار "الثقافة"؟

يشير "جاسبر" إلى نقطة غاية في الأهمية؛ حيث يؤكد أن "الثقافة موجودة في كل مكان، لكنها ليست كل شيء". وفي هذا الصدد أبرز ثلاثة عناصر لا يمكن إدراجها تحت مظلة "الثقافة" كمفهوم، وهي:ـ

1- الموارد: والمقصود بها الأموال والأشياء التي يمكن شراؤها، وتشمل الأسلحة التي تطلق الرصاص، والأبواق التي تساعد على وصول الصوت عالياً ولمسافات بعيدة، والتي تستخدمها الحركات الاحتجاجية وكذلك عناصر الشرطة وغيرها أثناء المسيرات أو الاحتجاجات الشعبية.

2- الساحات أو الأبنية السياسية: وهي الأماكن التي تُتخذ فيها القرارات الاستراتيجية الهامة، والمحكومة بقواعد رسمية وعادات غير رسمية، والتي يتم فيها استخدام الموارد بطرق معينة.

3- الأفراد: الذين لديهم العديد من الأفكار والطرق المختلفة لفهم وإدراك والإحساس بالعالم، لكنهم لا يتشاركونها مع الآخرين، لذا لا تعد ثقافة مهما كانت مبدعة.

وعلى الرغم من أن الموارد، والأبنية، والأفراد لا يعدون ثقافة، إلا إنهم يتفاعلون بشكل كبير معها، وهذه إحدى نقاط القوة في المنظور الثقافي، لأنها تساعد على فهم الأبعاد الأخرى للظاهرة؛ فالبوق - على سبيل المثال - في حد ذاته لا يمثل قيمة كبيرة، لكنه حينما يستخدم من أحد المحتجين لنقل كلمات حماسية لجمهور ثوري، فإن قيمته تظهر بقوة.

ويؤكد  "جاسبر" في ضوء توضيحه لذلك التفاعل، أن الأفراد يستخدمون الأدوات المادية بجانب أجسادهم للتعبير عن معاني وأفكار استقرت في ثقافتهم ووعيهم لبعضهم البعض أو للجمهور الخارجي، وفي ساحات معينة، ويضرب - من خلال فصول الكتاب - العديد من النماذج في العالم كله، والتي توضح طبيعة ذلك التفاعل.

ويصف "جاسبر" - في خلاصة كتابه - الحركات الاجتماعية بأنها مميزة، وعابرة، وهشة في الوقت نفسه، كما أنها تلعب في بعض الأحيان دور البطولة من خلال الأفراد البارزين فيها، والذين يستطيعون تعبئة الجماهير وتوجيههم نحو قضية معينة. ورغم أن الكاتب يميل لكفة المحتجين بشكل بارز، فإنه يؤكد على ضرورة تعزيز المنظور الثقافي في التعامل مع تلك الحركات الاجتماعية من أجل فهمها بشكل أكثر عمقاً.

المصدر:

James M. Jasper, Protest: A Cultural Introduction to Social Movements, (1st Edition, Polity Press, October 2014) pp 216