أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

مستقبل التدخل:

العمليات العسكرية الدولية في القرن الـ 21

03 يوليو، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم

يواجه المجتمع الدولي تغيُّرات عديدة في طبيعة العمليات العسكرية والفاعلين فيها؛ حيث لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد في ظل وجود فاعلين من غير الدول قادرين على إلحاق خسائر عسكرية بجيوش الدول، بالإضافة إلى وجود متغيرات كثيرة أدّت إلى تطور العمليات العسكرية، سواءً من حيث التسلُّح أو مسرح العمليات، فأصبح هناك ساحات جديدة للصراعات الدولية مثل الفضاء الإلكتروني. وبالتالي، فإن ثمة تغيُّراً في وسائل الصراعات المسلحة، وهو ما يستدعي تعاملاً عسكرياً على مستوى تلك التغيُّرات الدولية.

في هذا الإطار، يأتي كتاب "العمليات العسكرية الدولية في القرن الحادي والعشرين.. الاتجاهات العالمية ومستقبل التدخُّل"، الصادر في يناير 2015. وقام بتحريره كل من  M. Norheim-Martinsen- كبير الباحثين بمعهد "فافو" النرويجي للدراسات التطبيقية الدولية، و Tore Nyhamar الباحث في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية.

ويتناول هذا الكتاب العمليات العسكرية في إطار الدراسات المستقبلية، ويحدد التطورات التي سوف تلحق بالعمليات العسكرية حول العالم خلال القرن الحادي والعشرين، أخذاً في الاعتبار أن سياقات التدخل العسكري في النزاعات العالمية والأزمات المختلفة في جميع أنحاء العالم قد تطور بشكل سريع، وذلك بالتزامن مع الرغبة في تخفيض تكلفة العمليات العسكرية وتنفيذها بنجاح أكبر، كما يوضح الكتاب أنواع المهام العسكرية في العالم.

وفي السياق ذاته، يقدم الكتاب صورة شاملة عن العوامل المؤثرة على شكل وطبيعة العمليات العسكرية الدولية خلال السنوات المقبلة، وعلى رأسها التركيبة السكانية، والتطورات التكنولوجية الهائلة.

تغير بيئة العمليات العسكرية

يشير الباحث M. Norheim-Martinsen إلى أن البيئة التي تتم فيها العمليات العسكرية الدولية في الخارج باتت تتغير بشكل مستمر، وذلك على عدة مستويات مختلفة، أهمها أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في المدن، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على العمليات العسكرية بشكل كبير. كذلك، فإن ثمة معضلة متعلقة بإمكانية إجراء عمليات عسكرية غير مكلفة مادياً، وفي نفس الوقت تحقق المطلوب منها بنجاح. ومما لا شك فيه أن صعود قوى دولية جديدة - من بينها الصين والهند والبرازيل - سوف يكون له تأثير كبير على عمليات حفظ السلام مستقبلاً بشكل خاص، وعلى العمليات العسكرية بشكل عام.

ويشير الكاتب إلى أن التطورات التكنولوجية سوف تنعكس بشكل كبير على أي عمليات عسكرية، لما لها من تأثير على تطور التسلُّح العسكري وإمكانية أن يشكل ذلك فارقاً في العمليات العسكرية، ويرى أن التطرق إلى مستقبل العمليات العسكرية لا يعني الحديث عن إطار زمني محدد لأن كل عامل مؤثر على تطور العمليات العسكرية له إطاره الخاص به زمنياً.

العوامل المؤثرة على مستقبل العمليات العسكرية

يتناول الكاتب Tore Nyhamar مسارات الاتجاهات العالمية في العمليات العسكرية، ويؤكد أن تلك المسارات سوف تكون مرتبطة بعوامل عدة، على رأسها؛ (التركيبة السكانية، والاقتصاد، والتكنولوجيا، والجغرافيا السياسية). ويوضح أن تغيُّر التركيبة السكانية من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على سير العمليات العسكرية الدولية، وهو ما حدا بالبعض إلى الحديث عن أن "السكان الجدد قنبلة"، أي أن هذا التزايد السكاني له انعكاسات على العمليات العسكرية في العالم.

ومن المتوقع أن يصل عدد السكان بحلول عام 2050 إلى 11 مليار نسمة، ونسبة 90% من هذا النمو السكاني يتم خارج العالم الغربي، وهو مؤشر خطير. ويرتبط التطور الاقتصادي بشكل وثيق بالتغيُّرات الديموغرافية، خاصةً في ظل إمكانية أن يقل عدد المستهلكين، وانخفاض النمو الاقتصادي، ونقص عدد العمال. كما لا يمكن تجاهل تأثيرات التكنولوجيا والجغرافيا السياسية على مستقبل العمليات العسكرية خلال السنوات المقبلة.

على جانب آخر، يشير الكاتب إلى أن هناك تسعة أنواع من المهام العسكرية الدولية خلال القرن الحادي والعشرين، وتللك المهام هي؛ (عمليات عالية الحدّة، ومكافحة التمرد العسكري، وتقديم المشورة العسكرية، والعمليات الخاصة، وعمليات الأمم المتحدة، وعمليات المناطق الحضرية، والعمليات العابرة للحدود، والعمليات السيبرانية المتعلقة بالفضاء الإلكتروني، وأخيراً العمليات العسكرية التي تتمّ بهدف حماية وإنقاذ المدنيين).

مستقبل العمليات العسكرية

يشير الجنرال المتعاقد Sverre Diesen - وهو يعمل حالياً كباحث في المؤسسة النرويجية لأبحاث الدفاع - إلى أن عدد العمليات العسكرية ذات الكثافة أو الحدة العالية High-intensity في العالم قد تناقصت منذ نهاية الحرب الباردة وحتى الآن، بل باتت محدودة للغاية. ويرجع ذلك بالأساس إلى تراجع التهديدات السوفيتية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وهو ما نتج عنه تراجع التهديدات العسكرية في القارة الأوروبية. ويرى الباحث أن حربي الخليج عامي 1991 و 2003، وكذلك الضربات المتلاحقة للأراضي الليبية عام 2011، كلها أمور تستدعي التفكير في القدرة العسكرية جنباً إلى جنب مع القدرة السياسية، حيث إنه لابد من وجود وعي سياسي من أجل الوصول إلى الأهداف المرجوة بأقل الخسائر، وفي أقل وقت ممكن.

ويتوقع الكتاب أن يشهد مستقبل العمليات العسكرية خلال القرن الحادي والعشرين تغيّرات عديدة، من حيث نوعية الصراعات، والتي سوف تصبح صراعات مختلفة عن القائمة حالياً، وهو ما يتطلب تعاملاً عسكرياً مختلفاً، أي وجود مهام جديدة. وإلى جانب الصراعات والمهام الجديدة، سوف يكون هناك فاعلون جُدد، وهؤلاء الفاعلون قد يكونوا دولاً أو من غير الدول، بالإضافة إلى أن التطورات العالمية سوف يكون لها تأثير كبير، خاصةً التطورات التكنولوجية وما يمكن أن تقوم به.

ويدلل الكتاب على ذلك بأن ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط على سبيل المثال، اندلعت باستخدام تقنيات تكنولوجية ساعدت على اجتذاب أفراد أكثر، مما أعطى زخماً للصراع بين المواطنين والسلطة. وبالتالي، فإن التطورات التكنولوجية بشكل كبير تساعد على زيادة الوعي للمواطنين، وهذا الوعي المتزايد قد يصل بالمواطنين إلى الشعور بعدم المساواة، وهو ما قد يسبب انتشار للصراعات بين الدول المختلفة أو داخل الدولة الواحدة.

خلاصة القول، يؤكد هذا الكتاب على أن ثمة تغيُّراً عالمياً في العمليات العسكرية خلال القرن الحادي والعشرين، فالاتجاهات المستقبلية تبرز تغيُّرات عدة تشتمل على (طبيعة العمليات، والفاعلون، والمهام، والتحديات المستقبلية)، وهذه التغيرات المتوقعة في بنية الأمن العالمي يجب أن يتم التعامل معها في إطار الوعي المتزايد بأن هناك مخاطر مشتركة بين الدول، وهذه المخاطر قد تكون على البر أو البحر أو الجو، أو حتى في الفضاء الخارجي، بالإضافة إلى الفضاء الإلكتروني كمصدر كبير للتهديدات الأمنية في المستقبل في ظل تغذية كل الفاعلين - بما فيهم الفاعلين من غير الدول - بالمعلومات من خلال الفضاء السيبراني. وبالتالي، فإنه يتعين على الدول اتخاذ كل التدابير اللازمة لمواجهة التحديات الجديدة والأخطار المستحدثة، والتي لابد من وضع آليات لمواجهتها قبل أن تتفاقم في المستقبل، وتؤدي إلى أضرار كبيرة وجسيمة.

* عرض مُوجز لكتاب بعنوان: "العمليات العسكرية الدولية في القرن الحادي والعشرين: الاتجاهات العالمية ومستقبل التدخُّل"، والصادر عن مؤسسة Routledge"" في يناير 2015.

المصدر:

M. Norheim-Martinsen and Tore Nyhamar (eds.), International Military Operations in the 21st Century: Global Trends and the Future of Intervention (London, Routledge, January 2015) 258 pp.