أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

شرق الكونغو:

تهديدات أمنية متصاعدة في منطقة البحيرات العظمى

23 يونيو، 2022


شهدت الكونغو في الآونة الأخيرة تزايداً في أعمال العنف من قِبَل الجماعات المسلحة، التي كثيراً ما تتهم بحصولها على دعم خارجي، وهو ما يزيد من مخاطر عدم الاستقرار في الكونغو، التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 20 مليون نسمة.

اضطرابات شرق الكونغو:

يمكن إيجاز أبرز أعمال العنف التي شهدتها الكونغو في الآونة الأخيرة في التالي:

1- اشتباكات بين "23 مارس" والحكومة الكونغولية: نفذ مقاتلو حركة "23 مارس" المتمردة 4 هجمات متفرقة في شرق الكونغو خلال مايو الماضي. كما اشتبك مقاتلو الحركة مع الجيش الكونغولي في 28 مارس الماضي، وهاجموا المجتمعات المحلية بالقرب من منطقة روتشورو، مما أجبر حوالي 6 آلاف مدني على النزوح إلى أوغندا. كما قَتَلَ متمردو الحركة نحو 40 جندياً كونغولياً، بينهم عقيد، في هجوم وقع في 24 يناير بمنطقة نيسيسي، بالقرب من حديقة فيرونجا الوطنية.

2- سيطرة الحركة على قرية حدودية: تم تناقل أنباء حول سيطرة متمردي حركة "23 مارس" الكونغولية على بلدة بوناجانا على الحدود مع أوغندا في شهر يونيو الجاري، وذلك على الرغم من تأكيدات الدولة الكونغولية نجاحها في صد هجمات المتمردين، وهو ما يؤشر إلى رغبة المتمردين في الحصول على دعم خارجي.

3- اتهامات مُتبادَلَة بين الكونغو ورواندا: وجَّهت الكونغو اتهامات إلى رواندا بنشر 500 جندي من القوات الخاصة للانخراط في أنشطة عدائية مع حركة 23 مارس شمال كيفو شرق الكونغو. وفي المقابل، اتهمت رواندا جمهورية الكونغو بدعم "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" للمساعدة في اختطاف اثنيْن من جنودها. 

وترتب على ذلك تفاقم التوترات بين الدولتين، حيث استدعت الكونغو سفير رواندا، وعلقت رحلات الخطوط الجوية الرواندية. كما نظَّم عدد من مواطني الكونغو احتجاجات ضد رواندا بسبب الاتهامات بشأن تورط الأخيرة في دعم حركة 23 مارس. ومن جانبها، ردَّت رواندا بوقف الرحلات الجوية لشركة الطيران الوطنية إلى الكونغو الديمقراطية، واستدعاء السفير الكونغولي. 

كما تبادلت الدولتان الاتهامات بشأن إطلاق صواريخ عبر الحدود في شهر يونيو الجاري، فقد أشارت الكونغو إلى إطلاق رواندا 5 صواريخ على الأراضي الكونغولية، وأدى أحدها إلى مصرع طفليْن كونغولييْن، فيما اتهمت روندا القوات الكونغولية بإطلاق صاروخيْن عليها من منطقة بوناجانا الكونغولية على منطقة موسانزي في شمال رواندا. 

وأعلنت رواندا، يوم 24 مايو الماضي، أنها طلبت "آلية التحقق المُشترَكَة المُوسَّعة"، وهي هيئة تضم مجموعة خبراء عسكريين من المنطقة يراقبون الحوادث الأمنية ويحققون فيها، وذلك للقيام بتحقيق في قصف جيش الكونغو لأراضيها، مشيرةً إلى أن القصف أدى لإصابة عدة أشخاص وألحق أضراراً بممتلكات.

دوافع تفاقم التوترات:

تتعدد العوامل التي تسهم في تصاعد العنف في منطقة شرق الكونغو، ما بين عوامل داخلية وخارجية، أبرزها الآتي:

1- استبعاد "23 مارس" من محادثات السلام: صنَّفت الحكومة الكونغولية الحركة على أنها جماعة إرهابية، واستبعدتها من محادثات السلام الجارية في كينيا منذ أواخر أبريل الماضي مع جماعات الميليشيات الأخرى الناشطة في شرق البلاد، وهي المحادثات التي تم إطلاقها خلال قمة رؤساء دول مجموعة شرق أفريقيا؛ مما ساهم في تصعيد التوترات بين الحركة والسلطات الكونغولية، علماً بأنه قد حضر محادثات نيروبي ما لا يقل عن 23 جماعة متمردة من شرق الكونغو، وتم الاتفاق على البدء في دمج المتمردين في المجتمع وتطوير مناطقهم لتعزيز السلام.

وربما يرجع السبب في استبعاد حركة "23 مارس" من المحادثات إلى تصاعد العنف بين الحركة والقوات الكونغولية في أواخر عام 2021، واندلاع اشتباكات هي الأخطر بين الطرفين في مارس الماضي، منذ نشأة الحركة في عام 2012 وتمكنها في نوفمبر من العام نفسه من السيطرة على مدينة جوما، عاصمة مقاطعة كيفو الشمالية في شرق الكونغو، ثم اضطرار مقاتلي الحركة إلى الفرار إلى رواندا وأوغندا في عام 2013 بعد تعرضهم لهزائم متتالية من القوات الكونغولية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وإلى توقيع اتفاق سلام مع حكومة الكونغو وافقت بموجبه الحركة على تسريح مقاتليها وتحويل نفسها إلى حزب سياسي، ولكن لم يتم تنفيذ الاتفاق ولم يتم دمج المتمردين في الجيش، ليعود هؤلاء المقاتلون إلى شن هجمات ضد القوات الكونغولية.

2- عودة التوتر بين الكونغو ورواندا: شهدت العلاقات بين الدولتين تطوراً إيجابياً بعد سنوات من التوتر، حينما أصبح تشيسكيدي رئيساً للكونغو في يناير 2019، حيث التقى به الرئيس الرواندي بول كاجامي للمرة الأولى على هامش قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في أديس أبابا في هذا العام، ثم قام تشيسكيدي بزيارة رواندا مرتيْن.

ووقعت الدولتان ثلاث اتفاقيات للتعاون في يونيو 2021، وتم التوافق بين الدولتين على معالجة القضايا الخلافية بينهما من خلال الحوار لمعالجة المسائل الأمنية ذات الصلة. ولكن ما لبثت هذه العلاقات أن شهدت توتراً مرة أخرى عقب اتهام الكونغو رواندا بدعم حركة "23 مارس"، وهي ميليشيا من عرقية التوتسي، فيما نفت رواندا هذه الاتهامات، وردت باتهام الجيش الكونغولي بدعم بقايا الجيش المتورط في الإبادة الجماعية لعام 1994 "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا" المسؤولة عن الإبادة الجماعية ضد التوتسي، بل وكان الرئيس الرواندي كاجامي قد ذكر في خطاب أمام البرلمان ألقاه في فبراير الماضي أن بلاده تواجه تهديداً أمنياً من منطقة كيفو الكونغولية، وألمح إلى نشر قوات في شرق الكونغو تحت شعار "محاربة النار من جذورها".

3- الصراع على الموارد: تتسم منطقة شمال كيفو بأنها غنية بالمعادن مثل الذهب والكولتان؛ لذا يتم تهريب ما يصل إلى 90% من ذهب الكونغو إلى دول الجوار، علاوة على حقوق النفط التي توجد في شرق الكونغو، لا سيما تحت بحيرة ألبرت، التي تمتد عبر الحدود بين أوغندا والكونغو. ولهذا السبب، تتركَّز الجماعات المسلحة وبعض الشبكات الإجرامية التي ربما يرتبط بعضها بأفراد من الجيش الكونغولي في هذه المنطقة، مستفيدةً من التهريب والتجارة غير المشروعة.

تداعيات تفاقم العنف:

مما لا شك فيه أن تزايد حدة أعمال العنف في شرق الكونغو لن تقتصر تداعياتها داخل الحدود الكونغولية، ولكنها ستمتد إلى الدول المجاورة بمنطقة البحيرات العظمى، وهو ما قد تترتب عليه حالة من عدم الاستقرار على المستوى الإقليمي، وذلك على النحو التالي:

1- تصاعد أزمة اللاجئين: أشارت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن نزوح أكثر من 72 ألف شخص بسبب القتال من إقليم شمال كيفو، لتزداد أزمة النزوح في الكونغو، والتي يعتبرها التقرير السنوي الصادر عن "مجلس اللاجئين النرويجي"، الأزمة الأكثر إهمالاً في العالم بالنسبة للاجئين، وفق ثلاثة معايير هي نقص التمويل، وقلة اهتمام وسائل الإعلام، ونقص المبادرات السياسية والدبلوماسية الدولية.

2- تنامي التدخلات الإقليمية: يبدو أن الرئيس الرواندي، بول كاجامي، استشعر الخطر من التحركات العسكرية لأوغندا. ففي نوفمبر 2021، وعقب تفجيراتٍ وقعت في العاصمة الأوغندية، كمبالا، سمح الرئيس تشيسكيدي للقوات الأوغندية بالعبور إلى مقاطعة شمال كيفو بالكونغو لملاحقة "تحالف القوات الديمقراطية"، وهو تحالف من متمردين أوغنديين، ينتمي إلى تنظيم "داعش" الإرهابي. 

وفي الشهر التالي، تم السماح للجنود البورونديين بدخول الكونغو لمحاربة جماعة "ريد تابارا" المتمردة، التي استخدمت المنطقة كقاعدة لشن هجمات داخل بوروندي. ولذلك تصاعدت مخاوف رواندا من تزايد نفوذ دول الجوار في الكونغو بما قد يضر مصالحها؛ الأمر الذي ساهم في توتر العلاقات الكونغولية – الرواندية.

3- تراجع التعاون الاقتصادي: تتزايد مخاوف من أن تؤدي التوترات الجديدة إلى تراجع الجهود المبذولة لتنفيذ السوق المشتركة لمجموعة دول شرق أفريقيا، مع قيود سفر جديدة وعرقلة لحركة السلع والخدمات والعمالة. فقد أعادت هذه التوترات ذكريات الخلاف السياسي بين رواندا وأوغندا، والذي أدى إلى إغلاق المنطقة الحدودية بينهما عند معبر جاتونا لمدة ثلاث سنوات، وخسارة ما يقرب من ملياري دولار للدولتين.

وعلى الرغم من تصاعد الآمال في إمكانية توسع السوق وحدوث مزيد من التكامل الاقتصادي في المنطقة بعد انضمام الكونغو الديمقراطية، لتضم سوق دول شرق أفريقيا حوالي 266 مليون شخص ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدولها نحو 243 مليار دولار؛ فإن تصاعد التوتر بين رواندا والكونغو وإطلاق الصواريخ المتبادل، وفرض السلطات الكونغولية على الروانديين الذين يعبرون إلى الكونغو الحصول على تصاريح عمل صالح لمدة ثلاثة أشهر بتكلفة 40 دولاراً، سوف يؤثر سلبياً على جهود تنفيذ السوق المشتركة لمجموعة دول شرق أفريقيا.

أخيراً، إن ما تشهده الكونغو خلال الشهور الماضية من تصاعد أعمال العنف في شرق البلاد وعودة توتر العلاقات، أمنياً وسياسياً، مع رواندا، وسماح الكونغو لبعض دول الجوار بمواجهة متمردين على أراضيها، هي أمور يمكن أن تُنذِرَ بمزيدٍ من تصاعد أعمال العنف ليس فقط داخل الكونغو، ولكن ربما أيضاً في منطقة البحيرات العظمى، لاسيما مع استغلال جماعات التمرد والجماعات الإجرامية المنظمة وعصابات التهريب تردي الأوضاع الأمنية لزيادة أنشطتها واستغلال تماهي الخطوط الفاصلة بين الداخلي والخارجي في جمهورية الكونغو الديمقراطية.