أخبار المركز
  • د. إبراهيم غالي يكتب: (الكابوس النووي القادم في آسيا والعالم)
  • د. محمود سلامة يكتب: (استجابة ثلاثية: بدائل تقليل الخسائر التعليمية في صراعات الشرق الأوسط)
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)

الجهاز السري:

لماذا تم اعتقال نائب رئيس حركة النهضة في تونس؟

06 يناير، 2022


أعلنت حركة النهضة، في 31 ديسمبر 2021، قيام السلطات الأمنية في تونس باعتقال، نور الدين البحيري، نائب رئيس الحركة، وذلك تنفيذاً لقرارات وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، التي قضت بوضع البحيري، والمسؤول السابق بوزارة الداخلية، فتحي البلدي، تحت الإقامة الجبرية.

رفض النهضة:

عبرت حركة النهضة عن رفضها لعملية إلقاء القبض على البحيري، وذلك من خلال تبني خطاب سياسي وإعلامي لإدانة ما حدث، وتشويه الحقائق عبر تقديم الادعاءات التالية والتلويح بتحريك الشارع، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- اختطاف قيادات الحركة: أصدرت الحركة بياناً وصفت فيه عمليه إلقاء القبض على البحيري بالاختطاف واقتياده إلى جهة مجهولة، وهو ما ظهر في تصريحات رئيس الحركة، راشد الغنوشي، الذي عبّر عن انتقاده لما يقوم به الرئيس قيس سعيد، وذلك في محاولة لتأليب الرأي العام ضد السلطات التونسية التي نفذت هذه العملية، وأيضاً ضد الرئيس قيس سعيد وحكومته، وطالب الغنوشي سعيد بالكشف عن مكان احتجاز البحيري وتحميله مسؤولية تدهور حالته الصحية، حيث تم نقله لمستشفى الحبيب بوقطفة في بنزرت شمال البلاد، بعد تعرضه لوعكة صحية عقب يومين من اعتقاله.

2- التغطية على قصور أداء الرئاسة: عبرت حركة النهضة كذلك عن رفضها لعملية الاعتقال ووصفت أن ما يحدث حالياً من إجراءات أمنية ممثلة في محاصرة السياسيين ومحاكمة النواب والتضييق عليهم، يندرج تحت اطار محاولات الرئيس سعيد وحكومته للتغطية على فشلهم في علاج التحديات والمشكلات الداخلية التي تعانيها البلاد حالياً، واستدلت الحركة على ذلك الفشل بقانون المالية لعام 2022 الذي من شأنه زيادة أعباء المواطنين من خلال فرض المزيد من الضرائب، وذلك في محاولة أيضاً من حركة النهضة لتأليب الرأي العام ضد الحكومة الحالية والتغطية على تورط أعضائها في قضايا الفساد.

3- تصفية الخصوم السياسيين: اعتبرت النهضة أن ما يحدث من اعتقالات ومحاكمات قضائية بأنها الخطوة الأولى في طريق دخول البلاد لعصر جديد من الاستبداد وتصفية الخصوم السياسيين خارج إطار القانون من قبل ما أطلقت عليه منظومة الانقلاب في إشارة إلى الرئيس سعيد وحكومته. 

4- تنظيم ندوات واعتصامات: نظمت الحركة ندوة في مقرها الرئيسي بمنطقة "مونبليزير" بالعاصمة تونس، وتحريض بعض المحامين التابعين للحركة بتنظيم اعتصام داخل مقر نقابة المحامين بتونس للتعبير عن رفضهم القبض على نائب رئيس الحركة.

تطهير الدولة:

يمكن تفسير إلقاء القبض على البحيري في هذا التوقيت من خلال الرجوع إلى الأسباب والعوامل التالية:

1- تورط البحيري في "أخونة" القضاء: تعد من أبرز الاتهامات الموجهة إلى البحيري هو سيطرته على السلطة القضائية وتوظيفها لخدمة مصالح النهضة، وذلك من خلال تعيين العديد من القضاة الموالين للحركة بالمخالفة للقوانين المعمول بها في هذا الخصوص، وذلك خلال فترة تولي البحيري وزارة العدل في عام 2012 في حكومة حمادي الجبالي (2011 – 2013). 

وخلال هذه الفترة قام البحيري بالتدخل بشكل مباشر في اختصاصات وطبيعة عمل السلطة القضائية لدرجة أن المعارضين له أطلقوا على القضاء في ذلك الوقت "قضاء البحيري" في إشارة إلى درجة سيطرته على السلطة القضائية وتطويعها لأغراض حزبية ضيقة.

2- ارتباط البحيري المحتمل بالجهاز السري: جاء القبض على البحيري بسبب الاتهامات الموجهة له بمساعدة بعض الشباب التونسي على السفر للقتال في سوريا، وهو ما يتزامن مع مواصلة الدولة التحقيقات الخاصة بالكشف عن تورط الجهاز السري لحركة النهضة في عمليات اغتيال النشطاء التونسيين محمد براهمي وشكري بلعيد على يد بعض قيادات الحركة، وكذلك تورط الحركة في الاتصال والتنسيق مع بعض التنظيمات الإرهابية. ويؤشر ما سبق إلى وجود شكوك جدية لدى أجهزة الأمن التونسية بأن البحيري يرتبط بشكل مباشر بالجهاز السري للنهضة. 

وتزامن القبض على البحيري مع إعلان السلطات الأمنية، في 31 ديسمبر الماضي، اعتقالها أحد المواطنين التونسيين الإرهابيين المتورطين في حادث نيس بفرنسا في عام 2016. وقد تكون هناك علاقة بين الحدثين، وربما يكون ذلك دافعاً للسلطات الأمنية للتحقق من تورط الحركة في مثل هذه العمليات الإرهابية، وهي ملفات ذات صلة بالحفاظ على الأمن القومي للبلاد.

دلالات مهمة:

حملت عملية إلقاء القبض على نائب رئيس حركة النهضة، نورالدين البحيري، بعض الدلالات السياسية والأمنية المهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- مواصلة الحرب على الفساد: جاء أمر اعتقال البحيري في إطار تنفيذ حملة الرئيس سعيد الخاصة بمواصلة الحرب على الفساد بشتى صوره السياسي والمالي والإداري، لاسيما داخل القضاء، حيث أمر الرئيس سعيد بضرورة تطهير السلطة القضائية من توغل الإخوان داخل مؤسساتها وكذلك من القضاة الذين تشوبهم اتهامات بالفساد والتواطؤ مع حركة النهضة، الأمر الذي أدى إلى تزايد الدعوات داخل المجتمع التونسي بضرورة حل المجلس الأعلى للقضاء.

2- إقصاء إخوان تونس: جاء القرار الخاص بإلقاء القبض على البحيري وهو أول قيادي كبير في حركة النهضة ومسؤول سابق يتم إصدار مثل هذا القرار في حقه منذ فرض الإجراءات الاستثنائية قبل خمسة أشهر، كما تم إصدار هذا القرار عقب عدة أيام من صدور حكم القضاء التونسي بمعاقبة الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، بالسجن لمدة أربع سنوات بعد اتهامه بالاعتداء على أمن الدولة القومي، وذلك على خلفية تعامله مع جهات ودول أجنبية والاستقواء بها بغرض التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وزعزعة أمنها القومي.

ومن الملحوظ أن اعتقال قيادي كبير بالنهضة، مثل البحيري، سوف تترتب عليه إصابة الحركة بمزيد من الإرباك والتشتت في الوقت الحالي، وزيادة مخاوف رئيسها، راشد الغنوشي، من احتمالات أن تكشف التحقيقات مع نائبه البحيري عن خبايا الحركة وعن تورط أعضائها وعلى رأسهم "الغنوشي" في قضايا فساد، خاصة فيما يتعلق بقضية الحصول على تمويلات أجنبية من قطر وتوظيفها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2019، الأمر الذي من شأنه وضع الحركة في مأزق سياسي كبير حالياً.

3- رفع النهضة خطاب المظلومية: لجأت النهضة إلى تبني خطاب سياسي يركز على انتقاد عملية القبض على البحيري ورفع شعارات تعرض قياداتها للظلم من قبل الدولة، حيث ركزت الحركة على نشر تصريحات زوجة البحيري التي اتهمت فيها السلطات الأمنية لتعنيف زوجها قبل اقتياده لمكان الإقامة الجبرية المحدد له في جهة غير معلومة واتهامها الرئيس سعيد باختطاف زوجها، في محاولة لكسب تأييد أنصارها وتابعيها وحشدهم ضد سعيد، إلا أن استخدام هذا الخطاب في الوقت الراهن، من غير المرجح أن يجد صدى له في ظل تراجع شعبية الحركة وتزايد حدة غضب الرأي العام التونسي ضدها؛ بسبب مسؤوليتها عما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد بعد توليها السلطة طيلة العشر سنوات الماضية.

وفي الختام، يرجح أن تكون عملية القبض على البحيري خطوة أولى في طريق الكشف عن مزيد من قيادات الحركة المتورطين في قضايا فساد مالي وإداري وسياسي والتورط في قضايا إرهابية، وهو ما يرجح أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من الكشف عن هؤلاء القيادات وبدء التحقيقات القضائية معهم، الأمر الذي من شأنه إضعاف حركة النهضة.

وفي المقابل، يرجح أن تقوم النهضة بتوظيف حادث اعتقال البحيري للتصعيد سياسياً ضد الرئيس سعيد، خاصة أنها قد طرحت قبل أيام قليلة من القبض عليه، مبادرة لتشكيل جبهة سياسية تحت شعار "استعادة الشرعية" في البلاد، ودعمها لمواصلة تنظيم "مواطنون ضد الانقلاب" التابع لها الدعوة لتنظيم تظاهرات في 14 يناير الجاري للاحتجاج ضد استمرار الحالة الاستثنائية في البلاد.