أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

اشتراطات جوهرية:

هل تتجه الحكومة اللبنانية لإلغاء دعم الوقود قريباً؟

24 أغسطس، 2021


قررت حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في 21 أغسطس الجاري، رفع الدعم الحكومي للوقود جزئياً، بحيث سيتم استيراد الوقود بسعر مرجعي جديد قدره 8 آلاف ليرة، أي ضعف المعدل السابق البالغ 3900 ليرة، وبما يمثل خطوة مبدئية في طريق الإصلاح الاقتصادي، والتخلص من سياسة الدعم التي تبنتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة. 

وجاءت تلك الخطوة وسط مساعي الحكومة لتخفيف الضغوط المالية الواقعة عليها مع ارتفاع الالتزامات المالية المستحقة عليها، وللحيلولة أيضاً دون تآكل الاحتياطيات الدولية وسط شح مصادر النقد الأجنبي، غير أن قرار رفع دعم الوقود سيفرض، لا محالة من جانب آخر، أعباء معيشية جديدة على اللبنانيين.

قرار فجائي 

اتخذ مصرف لبنان (البنك المركزي اللبناني) في 12 أغسطس، قراراً، تم العدول عنه لاحقاً، يقضي بالتخلي عن تقديم سعر صرف تفضيلي لواردات الوقود، بحيث يتم استيراد الوقود من الخارج، وفق سعر الصرف السائد في السوق الموازي، والذي يتجاوز حاجز الـ 20 ليرة حالياً، مما يعني إلغاء دعم الدولة للوقود نهائياً وبصورة فجائية.


وقد رهن مصرف لبنان، وفق بيان صادر عنه، إمكانية عودة تمويل واردات الوقود بالسعر المرجعي السابق 3900 ليرة مقابل الدولار، بصدور قانون من البرلمان يسمح بتمويل الاستيراد من الاحتياطي الإلزامي، والذي يُقدر بنحو 14 مليار دولار، وهو إجراء لن يوافق عليه البنك، على الأرجح، تحت أية ظروف نظراً لخطورته البالغة. ولعل هناك ظروفاً مالية ونقدية دفعت المصرف لتبني ذلك الإجراء، تتمثل في التالي:

1- استنزاف الاحتياطيات الدولية: أدت سياسة دعم السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود والدواء والقمح وغيرها، والتي تقوم على تحديد أسعارها السوقية، بناء على سعر صرف تفضيلي للاستيراد يقل عن السعر السائد في السوق، لمضاعفة حجم المسحوبات من رصيد احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، لاسيما في ظل ارتفاع التزامات الديون الخارجية وفوائدها المستحقة على الحكومة اللبنانية. وقد بلغت الاحتياطيات الدولية (دون احتساب الذهب بالخارج) ما قيمته 23.3 مليار دولار في فبراير الماضي، أي بتراجع سنوي كبير بلغ 35.6%. 

2- خطورة استخدام الاحتياطي الإلزامي: رأى البنك المركزي اللبناني أنه من الخطورة، في ظل تآكل احتياطيات النقد الأجنبي، اللجوء لاستخدام الاحتياطي الإلزامي (وهو نسبة مئوية من ودائع المصارف الخاصة بالعملة الأجنبية تودع لدى مصرف لبنان)، حيث إنها تمثل الحائط الأخير لتعزيز الموقف المالي للبنك والدولة اللبنانية بشكل عام. ويحظر القانون اللبناني استخدامها إلا في حالة صدور تشريع من قبل البرلمان. 

3- وقف هدر الدعم الحكومي: يتسرب جزء ليس بقليل من الدعم الحكومي الموجه للسلع الأساسية في لبنان لغير مستحقيه. ويؤكد المسؤولون اللبنانيون أنه يجرى تهريب كميات كبيرة من الوقود المدعم من لبنان إلى السوق السوري عبر المنافذ غير الشرعية؛ لتحقيق أرباح في ظل فارق السعر السائد للوقود بين البلدين.


تحرير جزئي

فاجأ قرار مصرف لبنان برفع الدعم كلياً عن الوقود مختلف الأطراف السياسية الفاعلة اللبنانية، بما في ذلك الرئاسة اللبنانية، وحكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة حسان دياب، واللذين رفضا القرار، وانضم إليهما العديد من التيارات السياسية الممثلة لمختلف الطوائف اللبنانية، معتبرين إياه أنه سيؤدي، لا محالة، لتدهور الأوضاع المعيشية للبنانين، وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. 

وفي هذا الصدد، رأت الحكومة اللبنانية، ويؤيدها مختلف التيارات السياسية، أن توقيت القرار خاطئ بشكل كبير، حيث لا يراعي واقع الأزمة المعيشية والاجتماعية التي يمر بها لبنان، ويستبق تطبيق أية إجراءات تعويضية للفئات الهشة المحتمل تأثرها بشدة برفع سعر الوقود، فيما كانت تنوي حكومة تصريف الأعمال تطبيق ما يعرف بالبطاقة التموينية، وهي عبارة عن دعم عيني سيقدم للأسر الفقيرة، من أجل امتصاص تداعيات رفع الدعم عن السلع الأساسية. 

ولم يكن هناك من مفر أمام الرئاسة اللبنانية أن تطالب مصرف لبنان للتشاور حول القرار، الذي أدى إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وقطع الطرق من جانب المواطنين تعبيراً عن غضبهم. وبدوره، عقد الرئيس اللبناني ميشال عون اجتماعاً عاجلاً مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحضور كل من وزيري المالية والطاقة من أجل مراجعة القرار.  

وبالفعل، تحت وطأة الانتقادات السياسية الواسعة والاحتجاجات الشعبية، تراجع مصرف لبنان عن سياسة التحرير الكلي لسعر صرف استيراد الوقود، وتم التوصل لتسوية مع الحكومة، في 22 أغسطس، سيقوم بمقتضاها المصرف بتمويل واردات الوقود عند سعر محدد بـــ 16.5 ألف ليرة مقابل الدولار، بينما ستطرحه الحكومة بالأسواق عند سعر مرجعي قدره 8 آلاف ليرة للدولار، وستتحمل الأخيرة الفارق بين السعرين. وسيقوم المصرف بتمويل واردات الوقود لمدة شهر واحد بحد أقصى 225 مليون دولار حتى نهاية سبتمبر المقبل.

ارتدادات محتملة

يعد قرار رفع الدعم الحكومي للوقود أخف ضرراً بالنسبة للمواطنين اللبنانيين، من حالة إلغاء الدعم نهائياً، وخضعت أسعاره نهائياً لقوى السوق. ولكنه على أية حال سيترك تداعيات سلبية على الصعيد الاقتصادي، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- ارتفاع قياسي في أسعار الوقود: ارتفعت أسعار البنزين والديزل والغاز المنزلي، بعد أن رفعت الحكومة اللبنانية دعم الوقود جزئياً، بنسب تراوحت بين 53% و 73%، وهي مرشحة للصعود بشكل أكبر بالسوق السوداء المنتشرة في لبنان منذ شهور طويلة، نتيجة أزمة شح الوقود. 

2- ارتفاع أسعار السلع والخدمات: من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى زيادة موازية في تكاليف نقل البضائع والركاب، والذي سينعكس بدوره على ارتفاع أسعار السلع والخدمات بالسوق اللبناني، أي بمعنى احتمالية مزيد من حدوث موجات تضخمية في البلاد، بعد أن بلغ معدل التضخم نحو 84.9% عام 2020. 

4- زيادة معدلات الفقر: يفرض رفع الدعم الحكومي للوقود أعباء مالية جديدة على المواطنين اللبنانيين، الذين يواجهون واقعاً معيشياً صعباً في الفترة الأخيرة، مما أبقى قطاعاً واسعاً منهم تحت خط الفقر. وقد ارتفعت نسبة الفقراء من سكان لبنان لتصل إلى نحو 55% خلال عام 2020، مقارنة بحوالي 28% عام 2019، وفقاً لحسابات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا". 

5- أعباء مالية حكومية: يساهم القرار الأخير، من دون شك، في تخفيف الأعباء المالية الواقعة على الحكومة، وسيبطئ كذلك من التآكل السريع لاحتياطيات النقد الأجنبي التي بحوزة مصرف لبنان. ورغم ذلك، فإن النهج الأنسب نحو ضبط المالية العامة هو التخلص من دعم الوقود كلياً، والذي يستهلك سنوياً قرابة 3 مليارات دولار، أي نصف المخصصات الحكومية لدعم السلع الأساسية. 


تحرير كلي 

كما ذكر آنفاً، ربما لا تستطيع حكومة تصريف الأعمال إلغاء دعم الوقود، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة. ولكن سيظل هذا القرار حاضراً في ذهن صانع القرار اللبناني في المستقبل القريب، والذي سيتوقف تطبيقه على عدة اعتبارات يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- برنامج الإصلاح الاقتصادي: يبدو السبيل الأمثل للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة تشكيل حكومة جديدة تعي ضرورة وحتمية الإصلاح الاقتصادي، وتضعه كأولوية على عاتقها. ويرى البنك الدولي أن التقاعس عن تنفيذ السياسات الإصلاحية، بما في ذلك رفع الدعم عن السلع الأساسية، يمثل تهديداً بمزيد من تدهور الأوضاع في لبنان. وقد رهن شركاء لبنان تقديم مساعدات مالية عاجلة لها، بتقديم برنامج إصلاح اقتصادي. 

2 - تأمين احتياجات السوق: يدعم وجود إمدادات كافية من الوقود بالسوق اللبناني، أية حكومة لبنانية ترغب في اتخاذ قرار بإلغاء دعم الوقود. وتفسيراً لذلك، فإن توافر معروض كافٍ من الوقود بالسوق اللبناني، يدعم ثقة اللبنانيين في نزاهة ومصداقية إجراء إلغاء دعم الوقود، كما سيجنب نشوء سوق سوداء موازية. ومن هنا، يمكن توفير احتياجات السوق اللبناني من الوقود، من خلال مصدرين: 

• الاعتماد على الموارد المحلية: يتطلب توفير الوقود وجود ضمانات من مصرف لبنان لتوفير التمويل اللازم لواردات الوقود، وهو أمر غير مؤكد في ظل سياسة المصرف للحفاظ على الاحتياطيات الدولية، وتلاشي تآكلها السريع.   

• المساعدات الدولية والإقليمية: بإمكان الحكومة اللبنانية، التي ستشكل، أن تبحث مع مختلف الشركاء الدوليين في الحصول على مساعدات عاجلة للنقد الأجنبي، لتمويل الواردات الأساسية، أو الحصول على مساعدات وقود وفق برنامج زمني قصير الأمد. 

3-محاصرة السوق السوداء: ينبغي على الحكومة اللبنانية، بالتعاون مع قوات الجيش، محاصرة السوق السوداء بالداخل، وكذلك عمليات تهريب الوقود، بما يعمل على استقرار السوق، والأسعار السائدة للوقود. 

والخلاصة، يمكن القول إنه من المتوقع أن تقوم الحكومة اللبنانية المقبلة بتبني سياسة إلغاء دعم الوقود بشكل كامل، ولكن يتطلب ذلك توافر عدة شروط، منها توفير المعروض الكافي بالسوق، وما يرتبط بذلك بمحاصرة السوق السوداء، فيما يتعين أن يتم قرار الإلغاء على عدة مراحل، بما يمكن فئات الشعب اللبناني من تحمل تداعياته مستقبلاً.