أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

انخراط اضطراري:

واشنطن والناتو في مواجهة تحديات عميقة في العراق

28 فبراير، 2021


في المؤتمر الصحفي الذي أعقب قمة وزراء دفاع حلف الناتو، عبر الفيديو، في 17 فبراير الجاري، كانت نصف الأسئلة الموجهة للأمين العام ينس ستولتنبرج حول مضاعفة حجم المشاركة بناء على طلب رسمي من الحكومة العراقية ودور القيادة التي يتولاها الحلف في العراق بالتزامن مع جدول الانسحاب الأمريكي المفترض من هناك، وكانت الاجابات موحدة تقريباً حول أهمية الدور ومستوى المشاركة الذي سيزيد بمقدار ٣٥٠٠ عسكرياً ليصل إجمالي قوة الناتو إلى ٤٠٠٠ عسكرياً، لكنها لم تشر إلى خطة العمل الخاصة بمواجهة التهديدات المتنامية على الساحة العراقية في ظل الهجمات التي تشنها المليشيات المسلحة الموالية لإيران والتي تستهدف قواعد مشتركة تضم قوات أمريكية وأوروبية ومحلية. واكتفى الأمين العام بالإشارة إلى مشاركة الحلف في العراق وأفغانستان، حيث قال أن "هناك معضلات". 

وبشكل عام، يمكن القول إن الحلف حصل على قوة دفع قوية من الأعضاء للوجود في العراق، لاسيما من جانب الولايات المتحدة التي أكدت بالتزامن مع قمة الحلف وخلال مؤتمر ميونيخ على أنها بصدد إعادة قوة التحالف مع الضفة الأخرى من الأطلسي، وحرصت على توجيه رسائل مباشرة في المقابل بأنها لن تتراجع عن مواجهة التهديدات، على نحو بدا جلياً في الضربة العسكرية التي شنتها، في 26 فبراير الجاري، واستهدفت معبراً غير شرعي جنوب البوكمال يستخدم في تهريب الأسلحة الإيرانية من العراق إلى سوريا.

اختبار قوي:

تتبنى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن شعار "قوة الدبلوماسية" كمنظور لسياستها الخارجية، بينما يتحدث الحلف بلهجة عسكرية واضحة عن "قوة الردع" وإعادة بناء القدرات المشتركة مع الشركاء على التوازي للتعامل مع التهديدات المشتركة. وفي واقع الأمر، فإن كلا الشعارين يواجهان اختباراً قوياً في العراق والإقليم بشكل عام. إذ لا يبدو أن "قوة الدبلوماسية" سوف تحقق نتائج مباشرة، بل ربما تستغرق وقتاً حتى تتبلور تداعياتها. فضلاً عن أن الضربة العسكرية الأخيرة توحي بأن واشنطن لن تعتمد عليها بمفردها، وهو ما يعود إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الأخيرة على الساحة العراقية لم تنجح في الحد من التهديدات التي تتعرض لها، كما أن الإجراءات الدفاعية التي اتخذتها خاصة نشر بطاريات دفاع باتريوت في قاعدتى عين الأسد وأربيل التي تعرضت لهجمات إيرانية بعد عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ثبتت إمكانية تحييدها مؤخراً في عملية الهجوم على مطار أربيل. 

وبحسب خبراء في الشئون الدفاعية الأمريكية مثل روبرت كلارك، فإن بايدن يواجه اختباراً قوياً من جانب إيران التي تعمل على زيادة قدراتها النووية، كما اختبرت صاروخاً جديداً عابراً للفضاء، بالإضافة إلى مواصلة استهداف القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في العراق بشكل مستمر، وبالتالي – بحسب كلارك- فإن ايران تضع بايدن أمام مشكلة مركبة، حيث يتعين عليه محاسبة طهران عن عملياتها الهجومية في العراق أولاً بغض النظر عن الموقف من الملف النووي.

 كذلك تعكس تقديرات أمريكية أخرى أن تجربة حلف الناتو في أفغانستان في ظل وجود نحو ١٠ آلاف جندي بحاجة إلى أن تؤخذ في الاعتبار في إطار مقاربة تعزير الوجود في العراق لاسيما في ظل وجود العديد من القواسم المشتركة. ففي الأخير بعد نحو عقدين متواصلين لم تتغير الأوضاع، على نحو بات يشير إلى أن عملية الانسحاب ستشكل مغامرة، ومن هنا برز اتجاه للتراجع عن ذلك، كما أن البقاء بات خياراً قائماً في ظل تعثر المفاوضات مع حركة "طالبان" والتي وصفها أمين عام الحلف بـ"الهشة". وتركز هذه التقديرات على أن الدور الإيراني في العراق لا يفرض تهديدات للجانبين فحسب، بل للمنطقة بأسرها، ولا يقتصر على الساحة العراقية، خاصة أن تعزيز إيران لقدرات وكلائها يتجاوز حيز الساحة العراقية حيث يهدد أمن الإقليم بشكل عام. 

وبعبارة أخرى، فإن ما تجادل فيه التقديرات الغربية عموماً فيما يتعلق بالوضع في العراق خلال المرحلة الحالية، هو أن تراجع الحضور الأمريكي مقابل تزايد حضور الناتو لن يحل المشكلة، إذ أنه سيؤدي فقط إلى تقاسم التهديدات كما هو الحال بالنسبة لتقاسم الأعباء وتكاليف الإنفاق العسكري. 

استحقاق إضافي: 

تشير التصريحات الأمريكية إلى أن الإدارة الجديدة بصدد زيادة ملفات الحوار في المفاوضات مع طهران بحيث تتضمن تقليص النفوذ الإيراني في الإقليم. وعلى ما يبدو، فإن إيران انتبهت مبكراً في المقابل لهذا التوجه، على نحو دفعها إلى مضاعفة حجم نفوذها في العراق، ويتمثل أحد أهداف الهجمات الأخيرة في إفشال أهداف إعادة الهيكلة الأمنية في العراق والخاصة بالحشد الشعبي. كما يؤكد الخبراء المحليون أن طهران زادت من حجم دعم وكلائها المحليين قبل الانتخابات النيابية المقبلة بهدف إعادة تموضعهم مجدداً ومحاصرة النفوذ الأمريكي في إطار تعزيز العلاقات الحالية مع الحكومة العراقية. وفي حال نجاح الأهداف الإيرانية ستكون واشنطن أمام مأزق تنفيذ خطة الانسحاب المقررة خلال عامين، كما سيواجه حلف الناتو مأزقاً مشابهاً بالنظر إلى طبيعة المهام الخاصة بمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى دعم قدرات الجيش العراقي الذي لن يكون في صالح إيران والتي تعمل على إضعافه. 

كذلك هناك إشكالية السيادة بالمنظور الدفاعي للتعامل مع الاختراقات الخارجية المستمرة لاسيما في ظل صعوبات السيطرة على الحدود العراقية، خاصة من جانب إيران التي تواصل تصدير أسلحتها إلى العراق وسوريا عبر الأراضي العراقية، وكان من اللافت في هذا الصدد المناقشة التي جرت في البرلمان الإيراني حول الإنفاق الخارجي في العراق وسوريا، إذ كانت النتائج التي أوردتها الحكومة كاشفة عن أولوية الاستمرار في العراق وتوسيع النفوذ هناك، حيث أن العائد الاقتصادي لكلفة الوجود الإيراني في العراق يعكس أهمية استمرار الاستثمار في هذه الساحة، بينما قد لا يبدو الأمر كذلك في سوريا، حيث يتعلق الوجود الإيراني بعائد لوجستي يتطلب الإنفاق في الساحة السورية. وبالتالي فإن طهران لن تغامر بالخروج من الساحتين أو إحداهما. وفي المقابل، تظل قدرة الحكومة العراقية على مواجهة التمدد الإيراني محدودة، حيث تطالب بشكل عام بوقف عملية تصفية الحسابات على أراضيها، كما دعا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مؤخراً إلى حوار مشترك بين دول الجوار العراقي لحل الأزمة التي تعاني منها بلاده، وهى جهود لا يبدو أنها سوف تحقق نتائج بارزة في ظل استمرار النفوذ الإيراني على الساحة العراقية.

السيناريو التالي: 

تواجه الولايات المتحدة في العراق تحدياً متعدد الأبعاد، على المستوى الأمني لمواجهة زيادة دور ونشاط ما تطلق عليها "القوى المارقة" وعلى المستوى السياسي لمحاولة الحد من النفوذ الإيراني المتزايد. ويبدو أن الإدارة تعمل مرحلياً على تقييم مخرجات الحوار الاستراتيجي على الصعيد الثنائي مع الحكومة العراقية، وسط ترجيحات بزيادة مستوى الانخراط في المرحلة المقبلة للاستعداد للعملية السياسية حتى لا تعود الأمور إلى المربع الأول، حيث ستكون أمام تحدي مواصلة الحوار الاستراتيجي مع حكومة أقرب لطهران من واشنطن. 

على جانب آخر، سوف تتولى كندا قيادة حلف الناتو في العراق للعامين المقبلين، لكن على الأرجح سيكون هناك انخراط اضطراري للولايات المتحدة في التعامل مع التحديات الأمنية تحت عنوان التحالف الدولي وتحت مظلة الحلف. كذلك، فإن قوى إقليمية أخرى من خارج الساحة، مثل إسرائيل، تراقب الوضع عن كثب وفي حالات معينة قامت بالتدخل المباشر على الساحة العراقية لمواجهة ما تقول إنه يشكل تهديداً لأمنها ومصالحها الإقليمية. أما تركيا فإن لديها أجندة خاصة في العراق كما تشارك ضمن عمليات الحلف هناك. وبالتالي لن يقتصر الأمر على السياسة الأمريكية تجاه معضلة الوجود الإيراني فقط في ظل تنامي حضور متعدد الأطراف لقوى إقليمية على الساحة العراقية لديها أجنداتها الخاصة التي تضعف العراق بشكل عام. 

في الأخير، يمكن القول إن المقدمات التي تعكسها سياسات الولايات المتحدة وحلف الناتو تجاه الوضع في العراق قد لا تؤدي بالضرورة إلى الغايات التي يعمل عليها الطرفان، وبمرور الوقت سيفرض الواقع العراقي في إطار المقاربة الإيرانية تحديات مستمرة تتطلب تغيير التكتيكات بشكل دائم للتعامل مع وضع سائل لا يزال من الصعوبة إعادة ضبطه بمجرد تفاهمات بين القوى الدولية في مقابل عدم قبول إيران للترتيبات التي تفرضها تلك التفاهمات.