أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تأملات في نتائج الانتخابات الليبية الأخيرة

09 فبراير، 2021


أخيراً نجح ملتقى الحوار السياسي الليبي في انتخاب سلطة تنفيذية جديدة تتكون من مجلس رئاسي ورئيس للوزارة الليبية، وكانت هذه الخطوة نتيجة طبيعية للخطوات المتلاحقة التي شهدتها الشهور الماضية في عديد من المدن العربية والأوروبية، وعكست رغبة جادة من الأطراف الليبية المتنازعة في التوصل إلى تفاهمات تضع حداً للصراع الدائر على حساب الشعب الليبي ولمصلحة قوى إقليمية ودولية طامع. وقد وضعت هذه الخطوة نهاية لأزمة الشرعية في ليبيا، حيث كان كل طرف من طرفي الصراع المحليين الرئيسيين يتهم الآخر بفقدان شرعيته. ولقيت الخطوة ترحيباً دولياً واسعاً من جميع الأطراف الإقليمية والعالمية وإن بدرجات وصياغات مختلفة. ولا شك أن ما تم يُعَد خطوة بالغة الأهمية سوف تكون لها، إن استُكملت بنجاح، انعكاساتها الإيجابية على حل الصراع في ليبيا، بل على باقي الصراعات في المنطقة العربية.

ومع ذلك فإن التدقيق فيما تم واجب، ليس بغرض تثبيط الهمم، وإنما لتوخي الحذر والتنبيه إلى الصعوبات المتوقع أن تعترض المسار السياسي والمساعدة على التغلب عليها. وثمة ملاحظات ثلاث يمكن الإشارة إليها في هذا الصدد.

الملاحظة الأولى تتعلق بأن هناك من اعترض على اختيار أعضاء ملتقى الحوار السياسي ذاته، واتهم الأمم المتحدة بالتحيز في هذا الاختيار، وبالتالي فإنه من البديهي أن يتحفظ هؤلاء المعترضون على نتائج الانتخابات، خاصة إذا لم تأت على هواهم، وبقدر وزنهم السياسي سوف يمثلون إحدى العقبات التي ستعترض استكمال المسار السياسي. أما لو كان هؤلاء المعترضون من حملة السلاح فسوف يكون لاعتراضهم شأن آخر كما سيجئ في الملاحظة الثالثة.

وفي الملاحظة الثانية من اللافت أن القائمة التي كان على رأسها عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب) مرشحاً رئيساً للمجلس الرئاسي وفتحي باشاغا (وزير داخلية حكومة الوفاق) رئيساً للوزراء، قد خسرت أمام القائمة المنافسة التي تضمنت محمد المنفي وعبد الحميد دبيبة مرشحين للمنصبين على التوالي رغم ما يبدو من أن القائمة الأولى مثلت ائتلافاً بين شخصيات وازنة في طرفي الصراع في الشرق والغرب، ولعل هذا يفيد بتحفظ أغلبية المشاركين على قدرة النخبة التي أدارت الصراع في سنواته السابقة على أن تقود الطريق إلى الحل. غير أنه من اللافت أيضاً أن ثمة توازناً واضحاً بين القائمتين، فقد حصلت الفائزة على ٣٩ صوتاً مقابل ٣٤ للثانية، علماً بأنها (أي القائمة الثانية) حصدت أعلى الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات (٢٥ مقابل ٢٠ لقائمة المنفي-دبيبة)، أي أن القائمة الفائزة إنما فازت اعتماداً على تكتلات صغيرة. وكلا الحقيقتين، أي التوازن النسبي بين القائمتين والعدد الأكثر لمكونات القائمة الفائزة، قد تعنيان صعوبات أكثر وأشد تعقيداً أمام دبيبة في مهمة تشكيل وزارة تحظى بثقة مجلس النواب، ما لم يتمكن من تكوين ائتلاف واسع سواء مع القائمة الثانية أو مع عناصر منها، وكذلك مع القوى الأصغر التي منحته ثقتها.

وقد تكون الملاحظة الثالثة والأخيرة هي الأهم، وتتعلق باستمرار وجود القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا رغم كل القرارات التي تقضي بخروجها. فبقاؤها يعني أن عملية إعادة البناء المعقدة سوف تتم تحت رحمتها، ومن ثم فستكون قادرةً على تخريب أي حل لا يأتي في مصلحتها. وهناك تصريحات بهذا المعنى صدرت عن قادة لميليشيات، كما أن هناك نغمة نشاز تحاول التفرقة بين قوات أجنبية شرعية بدعوى أنها أتت بموجب اتفاق مع حكومة السراج، علماً بأن هذا الاتفاق كان باطلاً سواء لانتهاء الأمد الزمني للحكومة وفقاً لاتفاق الصخيرات أو لعدم حصولها على ثقة مجلس النواب. وما لم تُحَل هذه المشكلة فسوف يعني هذا استمراراً للصراع.  

*نقلا عن صحيفة الاتحاد