أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

استجابات مبتكرة:

ملامح النموذج الإماراتي في مواجهة أزمة "كورونا"

28 يونيو، 2020


في الوقت الذي اتخذت فيه أغلب استجابات الدول تجاه فيروس (كوفيد-19) طابعًا أمنيًّا من خلال استدعاء الجيش والقوى الأمنية، وفرض إجراءات قسرية وتطبيقها بشكل مركزي؛ قدمت الإمارات العربية المتحدة نموذجًا متفردًا يحكي قصة نجاح يمكن لها أن تلهم الآخرين. وكانت رسائل القيادة السياسية التي تعتمد على رصيد متراكم من الثقة الشعبية منذ بداية الأزمة تبعث على التفاؤل، وتثبت أن المجتمع الإماراتي بكافة مكوناته قادر على مجابهة التحدي. ولقد استقبل الجميع رسائل صاحب السمو الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة براحة واطمئنان رغم كلماتها القليلة مثل: "لا تشيلون هم".

وإذا كنا نؤمن بأن عالم ما بعد كورونا سوف يتغير يقينًا عن مرحلة ما قبل كورونا، فإنه سوف يمثل لحظة فارقة في تاريخ نهضة الإمارات العربية المتحدة. ولقد أثبتت الدولة استعدادها من خلال رؤية قيادتها الواعية وبنيتها التحتية والتكنولوجية، وأنها قادرة على مواجهة آثار الأزمة التي ألحقت ضررًا بالغًا باقتصاد وسمعة كثير من القوى الدولية الكبرى. ليس ذلك فحسب، فقد انشغل الفكر الاستراتيجي الإماراتي في التخطيط ووضع سيناريوهات مستقبلية لمسارات الدولة الاقتصادية والتنموية الشاملة. ولعل ذلك يطرح عدة تساؤلات حول طبيعة النموذج الإماراتي في سياق نماذج الاستجابات العالمية لمواجهة فيروس (كوفيد-19)، وهل يعكس خبرة نماذج أخرى ناجحة، أم إنه رسم لنفسه معالم متفردة تتسق وحالة الاستثنائية التي ميزت النموذج التنموي بشكل عام؟ وما هي خصائص النموذج الإماراتي في مواجهة أزمة (كوفيد-19)؟

الاقترابات الدولية لاحتواء "كورونا":

يُمكن التمييز بين ثلاثة أنماط من الاستجابة للفيروس وفقًا للقيم والنظريات الموجهة لها، وذلك على النحو التالي:

1- اقتراب الأمننة: وهو الأكثر شيوعًا، ولا سيما في الدول النامية. لقد أظهرت استجابات العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم لجائحة (كوفيد-19) كيف يمكن من خلال توظيف مقولات أمننة هذا التهديد حشد وتعبئة الجمهور لتحقيق الأهداف السياسية والأمنية للنظام الحاكم. وبالإضافة إلى تنفيذ تدابير الصحة العامة، مثل: الحجر الصحي، والاختبارات، وحالات الإغلاق، وغيرها من التدابير الاقتصادية والاجتماعية؛ استخدم بعض قادة الدول التي تبنت هذا الاقتراب مفردات ولغة "المعجم الأمني" لتقديم الفيروس كتهديد أساسي. وتحول الفيروس التاجي الجديد من مشكلة صحية ملحة إلى تهديد أمني كبير يتطلب إجراءات طارئة تتجاوز منطق السياسة العادية. وقد استغلت العديد من الحكومات والنخب الحاكمة الفيروس باعتباره تهديدًا مميتًا يواجه الدولة والمجتمع لتبرير الإجراءات الاحترازية غير المسبوقة التي تقيد حريات الناس. في هذه الحالة يعتبر الفيروس الجديد بمثابة تهديد لـلأمن القومي، حيث تسعى الدول القومية لحماية مواطنيها ومؤسساتها. ولعل ذلك هو ما يبرر وصف هذا الاقتراب بأن محوره السلطة المركزية وسلطتها الإكراهية التي تعتمد عليها في تنفيذ السياسات العامة، وذلك طبقًا لفهم نموذج وستفاليا للدولة الحديثة.

وعلى سبيل المثال، فقد أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أن (كوفيد-19) يمثل "حالة طوارئ وطنية" وتهديدًا للأمن القومي بموجب أمر تنفيذي، واستخدم عبارة أن الولايات المتحدة "في حالة حرب" وهو نفسه "رئيس في فترة الحرب". والأهم من ذلك، ينظر هذا الاقتراب بشكل عام إلى الدول الأخرى كمصادر للتهديد، والتي تعكسها لغة الرئيس "ترامب" في وصفه لهذا التهديد الصحي بأنه "الفيروس الصيني" أو "فيروس ووهان"، وممارسة إغلاق الحدود من جانب واحد في مواجهة البلدان الأخرى.

2- الاقتراب المجتمعي: وهو ذو طابع إنساني، ويرتبط بسيادة القيم والتوجهات الليبرالية التي تُعلي من قيم الحرية والمشاركة المجتمعية وإجراءات الشفافية وحرية الوصول إلى المعلومات. وإذا كانت الدولة بسلطتها المركزية هي محور اقتراب الأمننة، فإن المجتمع هو محور هذا الاقتراب الذي يراعي اعتبارات المسؤولية الاجتماعية، وحماية الأفراد كهدف أسمى. وبدلًا من استخدام سلطات الطوارئ واستدعاء الجيوش والقوى الأمنية لمحاربة الفيروس، يتم الاعتماد على المبادرات المجتمعية ونشر المعلومات الصحيحة. على سبيل المثال، هناك اعتقاد شائع بأن نجاح التجربة اليابانية في مواجهة الفيروس لا تُعزَى للسياسات الحكومية بقدر ما تستند إلى أشياء لا يمكن قياسها، مثل العادات اليومية والسلوك الياباني. في بعض النماذج الأخرى مثل سنغافورة تم التركيز على أهمية الجهود المجتمعية وما يمكن للأفراد القيام به من خلال حملات التوعية العامة.

3- الاقتراب الهجين: الذي يجمع بين بعض مكوّنات اقتراب الأمننة والاقتراب المجتمعي الحقوقي الذي يراعي أمن ورفاهية المجتمع. يتضح ذلك من غالب استجابات بعض الدول الأوروبية التي عانت من معدلات إصابة مرتفعة بالمرض. في الحالة الإسبانية -على سبيل المثال- أعلن رئيس الوزراء "بيدرو سانشيز"، أن الحكومة سوف تقوم بتعبئة جميع الموارد، بما في ذلك الجيش، لاحتواء تفشي المرض نظرًا لأن هذه حالة طارئة تؤثر على حياة وصحة الجميع. وقد تم تفعيل أحد مواد الدستور الإسباني التي تسمح للحكومة بالحد من حركة الأشخاص والمركبات، والاستيلاء على السلع، ووضع اليد على المصانع والشركات، وتقنين استهلاك المواد الأساسية. ومع هذه الإجراءات الأمنية أكدت الحكومة أهمية الوعي المجتمعي ومسؤولية الأفراد، حيث لا يمكن الانتصار على الفيروس من خلال المراسيم، ولكن من خلال مسؤولية كل فرد تجاه نفسه وتجاه الآخرين.

النموذج الإماراتي لإدارة الأزمة:

إذا استخدمنا لغة الأرقام لوجدنا أن دولة الإمارات العربية قدمت نموذجًا متفردًا يعكس خبرة متراكمة في إدارة الأزمات والتخطيط المستقبلي، وإن كان ذلك لا يمنع من الاستفادة من قصص النجاح الأخرى. طبقًا لما أعلنته وزارة الصحة ووقاية المجتمع في 27 يونيو 2020 فأنه قد انخفضت نسب حالات الإصابة المؤكدة من إجمالي الفحوص، لتصل إلى أقل من 1٪ في الإمارات خلال آخر 14 يوماً، فيما انخفضت نسبة المرضى المصابين بكورونا بنسبة 25% من إجمالي الحالات المصابة التي لاتزال تتلقى العلاج، كما انخفض معدل الوفاة إلى 0.1% خلال الفترة نفسها،  ليس هذا فحسب، حيث تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عالميًّا من حيث عدد الفحوص المخبرية الخاصة باكتشاف الفيروس 3,136,000 فحص، وهو ما يعني إجراء 317,119 فحص لكل مليون من السكان، وقد ارتفع متوسط الفحص اليومي في الإمارات من 25 ألف فحص إلى أكثر من 40 ألف فحص، وهو معدل قياسي بالمعايير العالمية. ولعل ذلك يطرح سؤالًا حول مقومات وخصائص هذا النموذج الفريد. نستطيع التحدث بشكل عام عن أربع ركائز تتمثل في: رؤية القيادة الواعية، والبنية التحتية والتكنولوجية ولا سيما تجربة المدن الذكية واستخدام الذكاء الصناعي، والمبادرات والحلول المبتكرة، وأخيرًا المشاركة المجتمعية التي تقوم على الثقة في القيادة وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- المتغير القيادي وإدارة الأزمة: يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، إن "الدول الناجحة لا تُقاس بحجمها، وإنما ‏بسرعتها في تحقيق الإنجازات، وابتكار الحلول للتحديات، للانتقال إلى المستقبل، والمشاركة الفاعلة في ‏صنعه، بما يحقق الخير لها وللعالم"‏‎.‎‏ ولعل ذلك يعكس فكر القيادة السياسية في التطلع للصدارة العالمية، ‏وتجاوز المرجعيات الإقليمية والشرق أوسطية. وتؤمن القيادة الإماراتية بأهمية التحديث والتخطيط والإعداد للمستقبل، ويتجلى ذلك في اعتماد مجلس الوزراء في سبتمبر 2016 ‏‎"‎استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل" بوزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، والتي تهدف ‏للاستشراف المبكر للفرص والتحديات في كافة القطاعات الحيوية في الدولة، وتحليلها، ووضع الخطط ‏الاستباقية بعيدة المدى لها على كافة المستويات لتحقيق إنجازات نوعية لخدمة مصالح الدولة‎.‎

ولقد أظهر تفشي الفيروس أهمية ونجاعة الرؤية الاستشرافية للقيادة السياسية، حيث أدى إلى تحويل العديد من الحلول المستقبلية التي استشرفتها القمة العالمية للحكومات، إلى واقع عملي. على سبيل المثال، أصبح العمل عن بُعد واقعًا ملموسًا حتى أضحت حكومة الإمارات تعمل بالكامل عن بُعد، كما أن قطاع التعليم لم يتضرر كما حدث في بلدان أخرى نظرًا لاستخدام تقنيات التعلم عن بُعد عبر منصات افتراضية، مرتكزًا على تجارب سابقة، مثل: برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي، ومنصة «مدرسة» وهي منصة تعليمية إلكترونية باللغة العربية توفر دروسًا بالفيديو متاحة بالمجان.

وفي لقاء مهم لصاحب صاحب السمو الشيخ "محمد بن زايد آلِ نهيان" ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، مع عدد من أركان الدولة أعطى رسالة واضحة تعكس فكر القيادة في مواجهة الأزمة، حيث أكد: "نحن بدأنا استعداداتنا قبل كورونا.. وبفضل الله تعالى الإمارات آمنة ومستقرة ومتطورة طبيًّا ونحن في خير وأمان.. وجاهزيتنا مستدامة لمواجهة التحديات كافة... أريدكم أن تتذكروا كلمة وهي أن الوقت الصعب الذي نعيشه سيمضي بإذن الله لكن يحتاج منا إلى صبر. الدواء والغذاء هذا خط أحمر لدولة الإمارات، عندنا القدرة للتأمين إلى لا نهاية... كل عمل تقوم به دولة الإمارات هو لحماية الإمارات وأهلها والمقيمين فيها، وهذه أمانة في رقابنا، لازم نكون أقوى وأصح وأكثر تطورًا... نحن عايشين لنؤمن مستقبل أحفادنا، ولا تشيلون هم".

وقد تحملت القيادة مسؤوليتها المجتمعية من خلال إطلاق الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في دولة الإمارات العديد من ‏المحفزات لدعم الاقتصاد الوطني ومجتمع الأعمال والأفراد في ظل الظروف المستجدة‎.‎ وشملت هذه المحفزات تقديم تسهيلات مصرفية للقطاعات الاقتصادية والشركات الصغيرة والمتوسطة ‏إضافة إلى الأفراد، ومنح إعفاءات وتأجيل مستحقات وغيرها من التسهيلات الأخرى. كما تم إعطاء الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات اليد الطولي في إدارة الأزمة الصحية بأسلوب علمي من أجل احتواء الفيروس عبر إجراءات الفحص، وتتبع المخالطين، وتوفير أماكن الحجر الصحي، وتحديد بروتوكولات العلاج، والحد من الأنشطة العامة خلال فترة تطبيق الإجراءات الاحترازية.

2-البنية التكنولوجية المتقدمة: بما في ذلك نموذج المدن الذكية حيث أنه بعد تفشي جائحة كورونا وتطبيق الإجراءات الصحية الاحترازية حرصت حكومة الإمارات على تقديم كافة الخدمات الحيوية لجميع المتعاملين عن بعد على مدار الساعة بكفاءة عالية عبر ‏القنوات الذكية من خلال البوابة الرسمية للحكومة‎.‎ كما أسهم تفعيل نظام "العمل عن بعد" في الجهات الاتحادية في دعم استمرار انسيابية ‏العمل وكفاءته في مختلف الجهات والقطاعات بالاعتماد على البنية التحتية التكنولوجية في الحكومة ‏الاتحادية والمدعومة بالتقنيات والتكنولوجيا ذات المواصفات العالمية. ‎وقد ‎باتت الوسائط التقنية والتكنولوجية هي التي تسير دولاب العمل الحكومي وتوفر الخدمات للمواطنين والمقيمين على السواء. وقد تم الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في توفير خدمات عامة وقت الأزمة، مثل خدمة "دوائي" لتوصيل الأدوية مجانًا للمرضى في إمارة دبي، ويتم توفير الخدمة من قبل صيدلي متخصص. كما تعد دولة الإمارات نموذجًا عالميًّا رائدًا في استخدام الطائرات المسيّرة بدون طيار "الدرون" في مكافحة فيروس "كورونا" من خلال المشاركة في برنامج التعقيم الوطني. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن وجود وتطوير المدن الذكية المستدامة، ولا سيما في كل من أبوظبي ودبي، قد ساعد في استخدام الاقتراب التكنولوجي في مواجهة واحتواء فيروس (كوفيد-19). والمعروف أن المدينة الذكية المستدامة هي مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة، وتلبي في الوقت ذاته احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.

وقد أولت الدولة منذ عام 1971 اهتمامًا كبيرًا بتطوير القطاع الصحي حتى أضحت تحتل المركز الأول عالميًّا في عدد المنشآت الصحية المعتمدة، ومنها المستشفيات التي يحوز أكثر من 85 % منها الاعتماد الدولي وفقًا لتقارير اللجنة الدولية المشتركة لاعتماد المنشآت الصحية. كما تتربع الإمارات وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، على قائمة إقليم منطقة الشرق الأوسط في 19 مؤشرًا ومعيارًا يتعلق بالتعامل مع مخاطر الصحة العامة، حيث حققت الدولة أعلى نسب في تقييم القدرات الأساسية للدول الأعضاء من خلال التقييم الخارجي المشترك. ويعد القطاع الصحي أكثر القطاعات نموًّا في دولة الإمارات، حيث يتوقع أن تصل نسبة النمو في الاستثمار بالقطاع الصحي إلى أكثر من 300% خلال العقد القادم، كما يتوقع أن يرتفع إجمالي عدد أسرّة المستشفيات على امتداد الدولة ليصل إلى 14 ألف سرير بحلول نهاية العام الحالي، مقارنة بنحو 8000 سرير في عام 2010.

3- المبادرات والحلول الذكية المبتكرة: في المجال الصحي أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع تطبيق "الحصن" المخصص للأجهزة والهواتف الذكية، وذلك من أجل احتواء ومنع انتشار الفيروس، كونه يمثل منصة رقمية رسمية خاصة باختبارات فيروس كورونا المستجد بالإمارات. ويجمع التطبيق مزايا وخصائص تطبيقي TRACE COVID وSTAY HOME، إلى جانب كونه يضمن الحماية الفائقة لخصوصية المستخدم من خلال أفضل معايير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتكنولوجي. ويسمح التطبيق الذي يحمل اسم قلعة أبوظبي التاريخية بتوفير خدمات تم تطويرها على المستوى الوطني للأفراد الذين يخضعون لاختبارات الكشف عن الفيروس الجديد، ليتلقوا نتائج اختباراتهم مباشرة على هواتفهم. ويكون لدى كل مستخدم أيضًا رمز استجابة سريعة خاص به، والذي يعد بمثابة دليل على حالته الصحية. ومن جهة أخرى، أقامت الدولة أكبر مختبر على مستوى العالم -بعد الصين- لفحص وتشخيص الإصابة بفيروس كورونا المستجد بقدرات معالجة فائقة لإجراء عشرات الآلاف من الاختبارات بتقنية RT-PCR (تقنية تفاعل البوليمرز المتسلسل اللحظي) يوميًّا لتلبية احتياجات فحص وتشخيص الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

كما يُعد افتتاح مراكز إجراء الفحص من المركبة تطورًا مهمًّا في مستوى إجراءات الفحص والتي باتت تشكل تحديًا عالميًّا. وتغطي مراكز الفحص أغلب مناطق الدولة، وتتيح إجراء الفحوصات اللازمة خلال دقائق معدودة. وقد تم تزويدها بأحدث الأجهزة والتقنيات وبعدد كبير من الكوادر الطبية والتمريضية والإدارية من شركة "صحة" تم تدريبهم وتأهيلهم وفقًا لأفضل المعايير العالمية. ويعد مختبر الذكاء الاصطناعي إحدى المبادرات الرقمية التي أطلقتها دائرة الصحة في أبوظبي بهدف ‏تعزيز ثقافة ‫الابتكار، وتحفيز سبل جديدة للعمل للمبدعين في القطاع الصحي لمواصلة تطوير باقة متكاملة ‏من حلول الرعاية الصحية.‏ كما تصدت مؤسسات أبوظبي الصحية للفيروس من خلال نظام "التطبيب عن بعد"، والوصول إلى الخدمات ‏الصحية وخدمات التشخيص الطبي المبدئي والتوجيهات والإرشادات الطبية اللازمة للحالات غير الطارئة ‏بشكل آمن وميسر. إضافة إلى تتبع المرضى المصابين بفيروس "كورونا" عبر التطبيق الذكي‎.‎ ولعل تسجيل براءة اختراع أول علاج إماراتي بالخلايا الجذعية يمثل نقطة تحول فارقة في سياق الحلول ‏‏المبتكرة والذكية لمواجهة (كوفيد-19)، حيث قام بتطوير هذا العلاج فريق من الأطباء والباحثين في مركز ‏‏أبوظبي للخلايا الجذعية. وفي إطار الحلول الابتكارية الذكية لمواجهة "كورونا"، اعتمدت وزارة الداخلية تقنية الخوذات الذكية ‏القادرة على رصد الأشخاص المحتمل ‏إصابتهم بالفيروس.‬

4- المسؤولية الاجتماعية: لعل هذه الركيزة هي ما يجعل للنموذج الإماراتي في مواجهة الجائحة طابعه الخاص. نجد -على سبيل المثال- أن وثيقة الإمارات 2021 التي أصدرها مجلس الوزراء 2010 تم التركيز فيها على أهمية البعد الاجتماعي والبشري في إبراز أهمية العلم ‏والمعرفة في النهضة الإماراتية، حيث أقرت بأن الشعب الإماراتي طموح وواثق ومتمسك بتراثه. فالإماراتيون يتحلون بالطموح، والإحساس ‏بالمسؤولية، يرسمون بثقة معالم مستقبلهم، ويشاركون بفاعلية في بيئة اجتماعية واقتصادية دائمة التطور، ‏ويبنون مجتمعًا حيويًّا مترابطًا، مستندين في ذلك إلى الأسرة المستقرة، والتلاحم الاجتماعي، والقيم الإسلامية ‏المعتدلة، والتراث الوطني الأصيل.‏ كما يلاحظ أن مؤشر الثقة الشعبية بالحكومة ومؤسسات الدولة يضع الإمارات في مكانة متقدمة وفقًا لمقياس "إيدلمان" الخاص بثقة الشعب بالحكومة، والتي تجاوزت معدلات بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وحتى السويد‎.‎‏ ويتناول هذا المؤشر ثقة الشعوب بالمؤسسات والحكومة ‏والشركات ووسائل الإعلام. ويوزع المؤشر استبياناته على ثلاث فئات تشمل المثقفين وأغلبية الجمهور ‏وعامة الناس‎.‎

‏وخلال أزمة (كوفيد-19)، قامت وزارة الصحة ووقاية المجتمع بتدريب المتطوعين لدعم المنظومة الطبية في دولة الإمارات. كما أطلقت ‏المؤسسة الاتحادية للشباب عدة مبادرات وطنية لرفع جاهزية الشباب الإماراتي في التعامل مع الأوبئة. ‎كما‎ ‎أطلقت المؤسسة أيضًا ‏بالتعاون مع وزارة تنمية المجتمع الدليل الإرشادي للاعتناء بكبار المواطنين أثناء انتشار الأوبئة‎.‎ كما أعلنت شركة مبادلة للاستثمار عن مبادرات مهمة تتكامل مع الجهود الرسمية للتصدي لفيروس (كوفيد-19)، وتقديم الدعم المجتمعي في دولة الإمارات وذلك من خلال حملة "نعمل_نخلص". وقد أطلقت دائرة تنمية المجتمع مع شركائها في القطاع الاجتماعي بأبوظبي، حزمة من المبادرات للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. وقد بلغ إجمالي المبادرات التي تم إطلاقها منذ بداية الأزمة 60 مبادرة تناولت الجوانب التوعوية والتفاعلية مع المجتمع، ومبادرات الدعم والمساهمات، إلى جانب مبادرات استهدفت الأسر المستفيدة والمستحقة للدعم الاجتماعي، مع باقة متنوعة من الخدمات لضمان استمرارية الأعمال. ولعل من أبرز تلك المبادرات برنامج "معا نحن بخير" الذي أعلنت عنه هيئة المساهمات المجتمعيّة "معا" التابعة لدائرة تنمية المجتمع، ويعتبر المشروع الأول للصندوق الاجتماعي لهيئة "معًا"، الذي يعمل بدوره على تمكين المجتمع من المشاركة في مواجهة التحديات الاجتماعية في أبوظبي.

 

ختاماً أظهرت جائحة (كوفيد-19) دولة الإمارات العربية المتحدة وهي مركز عالمي قد تتجاوز في مكانتها هونج كونج وسنغافورة، باعتبارها دولة رائدة وفعالة في مكافحة الفيروس، وأنها استطاعت تحويل هذا التحدي إلى إمكانية لبناء مستقبل أفضل. لقد أثبت قطاع التكنولوجيا في الدولة نجاعته، حيث تم تبني المقترب التكنولوجي بشكل مباشر مع تفشي المرض. وقد ارتكز النموذج الإماراتي -كما أسلفنا- على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات لمنع الفيروس من الانتشار، وضمان وصول الإمدادات الطبية إلى المناطق التي هي في أمسّ الحاجة إليها. وعلى سبيل المثال، تم إطلاق برنامج الجينوم السكاني، الذي يوفر التنميط الجيني السريع للمساعدة في جمع البيانات اللازمة للباحثين والأطباء لتطوير علاج للفيروس.

علاوة على ذلك، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا عن استخدام نظام "وريد" في المرافق الصحية في دبي والإمارات الشمالية. وقد تم تصميم النظام لمساعدة الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية على اكتشاف الحالات المحتملة للفيروس التاجي أثناء المواعيد الطبية. وهكذا نخلص إلى أن النموذج الإماراتي استطاع أن يستفيد من أفضل الممارسات العالمية في مواجهة الفيروس، مع توظيف المقترب التكنولوجي الحديث، مستفيدًا من تراكم الاستثمار في البنية التحتية والرقمية للدولة منذ عقود خلت. بالإضافة إلى تلاحم القيادة مع المواطنين والمقيمين لمواجهة التحدي في ظل منظومة من القيم الوطنية والإنسانية العامة التي ميزت النموذج الإماراتي في التنمية المستدامة، وهو الأمر الذي أعطى استجابة الإمارات لفيروس (كوفيد-19) طابعًا استثنائيًّا فريدًا، وليمثل نموذجًا يُحتذى في إدارة الأزمات على الصعيد العالمي.