أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تعهدات ولا حلول:

ثلاثة ملفات في تقييم زيارة هولاند إلى لبنان

22 أبريل، 2016


في زيارة هي الثانية له منذ توليه منصبه، وصل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى العاصمة اللبنانية "بيروت" في زيارة استمرت يومي 16 و17 أبريل 2016، وذلك ضمن جولة شرق أوسطية للرئيس الفرنسي شملت أيضاً كل من مصر والأردن.

وقد اكتسبت هذه الزيارة أهمية نسبية في ظل الأزمات العديدة التي تعيشها لبنان، بالرغم من تواضع النتائج الفعلية التي تمخضت عنها، وعدم تعليق الفرقاء اللبنانيين آمالاً كبيرة عليها، خاصةً فيما يخص أزمة ملف الشغور الرئاسي الذي لم تنجح فرنسا في إحداث أي تقدم جديد فيه.

أجواء الزيارة

تأتي زيارة هولاند في ظل ظروف صعبة تواجهها لبنان، على إثر استمرار أزمة الفراغ الرئاسي منذ 25 مايو 2014، والتي تعد الأكثر تعقيداً في ظل تمسك كل طرف بموقفه بعدم التنازل للأخر، وفشل مجلس النواب للمرة الثامنة والثلاثين في انتخاب رئيس للبلاد، لعدم اكتمال النصاب القانوني اللازم (وهو 86 من أصل 128 نائب)، مما تسبب في شلل إداري وسياسي في باقي مؤسسات الدولة، وولَّد أزمات فرعية.

ويُضاف إلى ذلك، تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها لبنان، خاصةً في ضوء تزايد أعباء اللجوء السوري إليه، وما يشكله ذلك من ضغط على الهيكل الاقتصادي اللبناني فيما يتصل بمرافق البنية الأساسية وسوق العمل.

وعلى الجانب الفرنسي، تأتي الزيارة في ظل تراجع كبير في شعبية الرئيس هولاند في الداخل، إلى ما دون 20%، حيث تشير استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخراً إلى أن حوالي 90% من المواطنين الفرنسيين لا يحبذون إعادة ترشحه لولاية رئاسية ثانية خلال الانتخابات المقررة في عام 2017.

ثلاثة ملفات رئيسية

تطرق الرئيس هولاند في مباحثاته مع المسؤولين اللبنانيين إلى عدة ملفات، تركزت بشكل أساسي على القضايا الثلاثة الآتية:

1- أزمة الشغور الرئاسي:

لم يحمل هولاند أي طرح أو مبادرة جديدة فيما يخص الأزمة الرئاسية في لبنان، حيث اكتفى الرئيس الفرنسي بحث اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية، معتبراً أن مصلحة لبنان والمنطقة والمجتمع الدولي تقتضي أن يتم انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن.

ويبدو أن باريس تسعى للظهور بمظهر الوسيط المحايد في الأزمة السياسية اللبنانية، خاصةً وأن الدعم الذي قدمه هولاند لمبادرة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، والتي كانت تقضي بترشيح رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية من فريق 8 آذار، لم يؤد الدور المطلوب منه في دفع نواب حزب الله وتكتل التغيير والإصلاح، للمشاركة في جلسات مجلس النواب وتأمين النصاب القانوني لانتخاب الرئيس.

وواقع الأمر أن فرنسا ربما لا تملك أوراق تأثير حقيقية من شأنها إحداث جديد في الأزمة الرئاسية، أو ترجيح كفة مرشح بعينه، والدليل على ذلك ما تردد عن وجود محاولات فرنسية للضغط على إيران من أجل العمل على حل هذا الملف.

2- مشكلة اللاجئين:

هيمنت أزمة اللاجئين السوريين على جدول أعمال هولاند في بيروت، حيث يستضيف لبنان نحو 1,1 مليون لاجئ سوري يعيش معظمهم في ظروف مأساوية، فيما لا يتخطى عدد سكان البلد 4 ملايين شخص. ويشكل هؤلاء اللاجئين ضغطاً على لبنان التي تعاني من محدودية الموارد، والتركيبة السياسية والطائفية الهشة.

وفي هذا الإطار، أعلن الجانب الفرنسي عن تقديم مساعدات مالية للبنان تُقدر قيمتها بنحو 50 مليون يورو خلال العام الجاري، و100 مليون يورو في السنوات الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى مشاركة فرنسا في تنفيذ برنامج إعادة توطين اللاجئين من لبنان في دول أخرى بمساعدة المفوضية العليا للاجئين. كما أكد هولاند أن بلاده تعتزم استضافة 3 آلاف لاجئ خلال العامين 2016 و2017، وجدير بالذكر أن فرنسا تستضيف حالياً أكثر من 10 آلاف لاجئ سوري.

ومن المقرر أيضاً أن يزور وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إرولت، بيروت، يوم 27 مايو المقبل، للتحضير لاجتماع مجموعة الدعم الدولية والدول المانحة للبنان.

ويأتي هذا الدعم الفرنسي لمساعدة لبنان على مواجهة الأعباء الاقتصادية الناتجة عن استضافة اللاجئين السوريين، في ضوء تزايد التخوف الأوروبي من موجات هجرة من لبنان (التي تعد واحدة من أكبر الدول التي تستضيف لاجئين في العالم) إلى قبرص واليونان عبر البحر، خصوصاً مع تشديد إجراءات انتقال اللاجئين في تركيا، واتفاق الاتحاد الأوروبي وأنقرة على إعادة اللاجئين غير الشرعيين من أوروبا إلى تركيا مقابل منافع متبادلة.

3- الملف الأمني:

أكد الرئيس الفرنسي، خلال تواجده في لبنان، عزم بلاده تقديم مساعدة فورية لتعزيز القدرات العسكرية اللبنانية في مواجهة الإرهاب، على أن يبحث وزير دفاعه جان إيف لودريان هذا الأمر مع نظيره اللبناني سمير مقبل، للاتفاق على الإمكانات المادية العاجلة التي يحتاجها لبنان لضمان تعزيز أمنه. وشدد هولاند على أن أمن لبنان هو أمن فرنسا وسائر دول العالم.

كما تمت مناقشة الهبة السعودية المجمدة، والتي كانت مخصصة لتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان عن طريق فرنسا بقيمة بنحو 2,2 مليار يورو. وتعتمد الحكومة اللبنانية على أن فرنسا تتمتع بصداقة وعلاقات وطيدة مع المملكة العربية السعودية تُمكنها من إثارة هذا الملف معها، وبما يؤدي إلى عدم إلغاء هذه المساعدات العسكرية كليةً.

دلالات الزيارة

تحمل زيارة الرئيس الفرنسي هولاند إلى لبنان ونتائجها، عدة دلالات، لعل أهمها ما يلي:

1- التأكيد على الدور الفرنسي في المنطقة: تأتي زيارة هولاند ضمن الجهود الفرنسية لاستعادة دورها في الشرق الأوسط، في ظل تنامي الحضور الدولي خاصةً الروسي والأمريكي بالمنطقة. ومن ثم، يسعى الرئيس الفرنسي إلى استغلال جولته الإقليمية الأخيرة في لبنان ومصر والأردن، لكي يثبت لمواطنيه أن فرنسا ما زالت لاعباً رئيسياً في قضايا المنطقة، بما يحافظ على مصالحها فيها، وبالتالي ضمان هولاند أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة.

2- مخاوف من تفاقم أزمة اللاجئين: الدلالة الثانية لزيارة هولاند أن فرنسا ترفض المساس بأمن لبنان، وأنها حريصة على استقرار هذا البلد والنأي به عن الصراعات التي تعصف به. ولعل هذا ما يعكسه اصطحاب هولاند لوزير دفاعه معه خلال الزيارة، لبحث تقديم مساعدات عسكرية عاجلة للبنان.

وهذا الاهتمام دافعه وجود مخاوف لدى فرنسا من أن يتحول لبنان، إذا انهار استقراره الهش، إلى بؤرة جديدة للإرهاب في الشرق الأوسط، وخشية أن ينضم إلى لائحة الدول المصدرة للنازحين واللاجئين إلى أوروبا، بدلاً من أن يبقى كما هو عليه اليوم بلداً حاضناً لهؤلاء اللاجئين.

وبالتالي، يمكن القول إن هاجس انتقال اللاجئين من بعض دول الشرق الأوسط إلى أوروبا، أصبح هو المحرك الرئيسي والأولوية حالياً لمعظم الحكومات في الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها فرنسا، في التعامل مع أزمات المنطقة.

3- التعاطي مع واقع الفراغ الرئاسي اللبناني: يبدو أن الجانب الفرنسي قد أيقن أن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ليس أمراً ممكناً في المدى المنظور، ومعه قرر التعامل مع الواقع اللبناني على هذا الأساس، بمعزل عن تركيبته الطائفية والسياسية. وقد ترجم ذلك عملياً بالتركيز على تقديم المساعدات في ملفي اللاجئين والأمن، مع الاكتفاء بالعبارات الدبلوماسية التي تحث اللبنانيين على سرعة انتخاب رئيس للبلاد.

4- التماشي مع الرؤية الخليجية: حيث إن عدم لقاء هولاند بأي من ممثلي حزب الله اللبناني خلال الزيارة الأخيرة، جاء في ضوء الرغبة الفرنسية للتماشي مع القرار الخليجي بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية، وأيضاً الالتزام بقرار سابق للاتحاد الأوروبي بوضع الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الإرهاب. وحرص الرئيس الفرنسي، بهذا التوجه، على الحفاظ على علاقاته الجيدة ومصالحه الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبصفه خاصة المملكة العربية السعودية.

خلاصة القول، لم تسفر زيارة الرئيس الفرنسي عن أي تأثير إيجابي على الوضع السياسي في لبنان، على عكس ما كان يتوقعه البعض بأن هولاند سيأتي إلى بيروت ومعه خطة أو مبادرة لحلحلة أزمة الانتخابات الرئاسية. ويبدوا أن ثمة اعتقاداً سائداً بأن مسار الأزمة الرئاسية اللبنانية سيظل مرتبطاً بمستقبل الأزمات الأخرى في المنطقة، وعلى رأسها الصراع في سوريا واليمن، وسيتوقف حلها على إمكانية حدوث توافقات إقليمية ودولية حيال تلك الملفات.

وبناءً عليه، يمكن القول إن نتائج زيارة هولاند إلى بيروت اقتصرت على تقديم تعهدات بدعم لبنان في مواجهة أزمة اللاجئين أو التهديدات الإرهابية المتزايدة على حدوده مع سوريا.