أخبار المركز
  • د. إبراهيم غالي يكتب: (الكابوس النووي القادم في آسيا والعالم)
  • د. محمود سلامة يكتب: (استجابة ثلاثية: بدائل تقليل الخسائر التعليمية في صراعات الشرق الأوسط)
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)

انتشار مستمر:

الأبعاد الاقتصادية لاستخدام الدرونز في الشرق الأوسط

07 مارس، 2017


 باتت الطائرات من دون طيار "الدرونز" إحدى الأدوات العسكرية الرئيسية التي تستخدم في الصراعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط. وقد ازداد الطلب عليها بوتيرة سريعة خلال الفترة الماضية من قبل بعض القوى الإقليمية لتوظيفها للقيام بمهام عسكرية وأمنية مختلفة. ويتمثل أحد الأسباب الرئيسية للإقبال عليها، وفقًا لاتجاهات عديدة، في تنوع المهام التي تقوم بها، علاوة على الانخفاض النسبي للتكلفة الرأسمالية والتشغيلية لها مقارنة بالطائرات أو المقاتلات الحربية التي تقوم بمهام الاستطلاع أو شن الغارات الجوية. 

ومع المزايا السابقة، من المتوقع أن يتضاعف حجم سوق الدرونز بالشرق الأوسط في السنوات المقبلة، حيث تشير بعض الشواهد إلى أن الدرونز أصبحت خيارًا لدى أطراف الصراع المسلح في كل من سوريا والعراق وليبيا، وربما بشكل لم يعد ينحصر في القوات الحكومية وإنما يمتد أيضًا إلى الفواعل المسلحة المختلفة بما فيها التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" وحزب الله. وبالإضافة للسابق، اتجهت الدول الأكثر استقرارًا بالمنطقة نحو توظيفها لتنفيذ مهام متعددة مثل مراقبة الحدود وبعض الأدوار المدنية الأخرى.

وعلى ضوء ذلك، من المتوقع أن تصبح الدرونز أحد العناصر الرئيسية في هيكل الصفقات العسكرية لبعض دول المنطقة خلال السنوات المقبلة. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي الطلب المتزايد عليها إلى تدشين مراكز إقليمية لتطوير التكنولوجيا الخاصة بها وإنتاجها محليًا، وهو الاتجاه الذي تبنته بعض الدول حاليًا، وبما قد يمثل لاحقًا أحد العوامل التي تساهم في رفع مستوى المبادلات العسكرية البينية بين دول الإقليم. 

استخدام متصاعد:

يتزايد الطلب على استخدام الطائرات من دون طيار "الدرونز" للأغراض العسكرية بوتيرة سريعة على المستوى العالمي، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الصعيد العالمي، تشير تقديرات شركة "آي اتش إس" للأبحاث إلى أنه من المرجح أن ينمو سوق الطلب على الدرونز بنسبة 5.5% سنويًا لتصل من 6.4 مليار دولار حاليًا إلى 10.4 مليار دولار عام 2024. أما على مستوى الشرق الأوسط، فترجح بعض التقديرات أن الطلب على الدرونز سينمو من نحو 260 مليون دولار حاليًا إلى 3.8 مليار دولار على مدى العقد المقبل وبما يمثل 8% من حجم الطلب العالمي. 

تكلفة استخدام الدرونز المدنية والعسكرية

Source: Are UAS More Cost Effective than Manned Flights?, available on this link (http://www.auvsi.org/hamptonroads/blogs/chris-mailey/2013/10/24/are-uas-more-cost-effective-than-manned-flights)

بينما على صعيد الاستخدامات المدنية لها، تشير تقديرات شركة "جارتنر" إلى أن إنتاج الطائرات من دون طيار للاستخدام الشخصي والتجاري ينمو أيضًا بوتيرة سريعة عالميًا. ومن المتوقع أن تزيد إيرادات الصناعة بنسبة 34% لتصل إلى أكثر من 6 مليار دولار بنهاية عام 2017، ومن المرجح أن تصل إلى  11.2 مليار دولار بحلول عام 2020، بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتم إنتاج ما يقرب من ثلاثة ملايين طائرة من دون طيار في عام 2017، أى بزيادة قدرها 39% عن عام 2016.

مراكز الاستهلاك والإنتاج:

تتحول العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط نحو استخدام الدرونز، وعلى مدار الأعوام الماضية، أبرمت بعض تلك الدول صفقات عسكرية للحصول على طائرات من دون طيار بهدف تعزيز قدراتها العسكرية مثل المغرب التي وقعت على صفقة مع فرنسا لشراء ثلاثة طائرات من دون طيار في عام 2014. 

أما في إطار الصراعات المسلحة التي تشهدها بعض دول المنطقة حاليًا، فتكشف بعض الشواهد أن الدرونز باتت خيارًا رئيسيًا لدى مختلف الأطراف المسلحة للقيام بمهام استطلاعية أو شن غارات جوية. وفي هذا الصدد قال أراز حسو ميرخان أحد المسئولين العسكريين في ميليشيا "البيشمركة" التي تشارك في المواجهات المسلحة مع تنظيم "داعش" في العراق: "تُمكننا الطائرات من دون طيار من تتبعهم أينما ذهبوا... نستخدم  طائرات من دون طيار وذلك بالتنسيق مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة". 

كما أن تركيا، بحسب شواهد مختلفة، اعتمدت على استخدام الدرونز في إطار حربها ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد، وكذلك من أجل مراقبة الحدود. وقد أشار الجيش التركي في عام 2015 إلى أنه عزز من استخدامه للطائرات من دون طيار وطائرات الاستطلاع على الحدود مع سوريا والتي تمتد لمسافة 900 كيلومتر.

فيما استخدمت القوات الروسية طائرات تجسس من دون طيار منذ تدخلها في سوريا بنهاية عام 2015، وذلك حسبما أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيجور كوناشنكوف في مناسبات مختلفة على مدار العامين الماضيين. كما ادعى الحرس الثوري الإيراني في فبراير 2016 استخدامه طائرات من دون طيار تحت اسم "الشاهد 129" لمساعدة النظام السوري، حيث زعم أنها تمتلك القدرة على حمل ثماني قنابل أو صواريخ.  

وفي المقابل، اتجهت التنظيمات الإرهابية والمسلحة إلى استخدام الدرونز في المناطق التي تتواجد فيها. ففي يناير 2017، أطلق تنظيم "داعش" ما يسمى بـ"وحدة مجاهدي الدرونز" كوسيلة جديدة لتعويض فقدان الكثير من مقاتليه منذ بدء معركة الموصل في أكتوبر 2016. وقد اعتاد التنظيم استخدام الدرونز في استهداف القوات والمنشآت العراقية على مدار الأشهر الماضية. فيما استخدم حزب الله مرارًا طائرات من دون طيار لاستكشاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وبالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت شواهد أخرى أن الحزب استخدم طائرة من دون طيار دعمًا للنظام السوري في ريف حلب خلال الأشهر الأخيرة من عام 2016.

أما على صعيد مراكز إنتاج الدرونز بالإقليم، فتعد إسرائيل هى إحدى المراكز الإقليمية والعالمية لإنتاجها، حيث تأتي كثاني أكبر المصدرين العالميين للدرونز عالميًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وبحجم صادرات بلغ 4.6 مليار دولار خلال الفترة من 2005 إلى 2012. وهناك العديد من المؤشرات الأخرى التي تكشف عن بروز مراكز إقليمية ناشئة للدرونز منها تركيا التي أطلقت طائرة من دون طيار في أبريل 2016 تحت اسم "بيرقدار التكتيكية بلوك 2"، وتم تزويدها بصواريخ محلية الصنع بواسطة شركة "بيرقدار". وعلى ما يبدو، فإن الطلب المتزايد عليها في الفترة المقبلة سيدفع الدول الأخرى لامتلاك التكنولوجيا الخاصة بتصنيعها.  

التكلفة والعائد:

يتمثل أحد العوامل الجوهرية لنمو الطلب على الدرونز عالميًا في الانخفاض النسبي لتكلفة التكنولوجيا الخاصة بامتلاكها مقارنة بالمعدات التقليدية العسكرية وما يلزمها من تكلفة تشغيلية مرتفعة علاوة على الخسائر البشرية المحتملة. وفي هذا الصدد، تشير التقديرات إلى أن تكلفة طائرة الدرونز مثل "Bell Eagle Eye" تبلغ نحو 8.3 مليون دولار وبتكلفة تشغيلية تصل في الساعة الواحدة إلى نحو 1000 دولار فقط، والتي ستتفاوت حتمًا بحسب طبيعة المهمة العسكرية، ولكنها بطبيعة الحال تقل كثيرًا عن التكلفة التشغيلية المرتفعة للمقاتلات الحربية الأخرى التي تقوم بمهام استطلاعية أو عسكرية. 

تكلفة استخدام المقاتلات الحربية والدرونز في سلاح الجو الأمريكي (الدولار/الساعة)

Source: Are UAS More Cost Effective than Manned Flights?, available on this link 

(http://www.auvsi.org/hamptonroads/blogs/chris-mailey/2013/10/24/are-uas-more-cost-effective-than-manned-flights)

ومع ذلك، فلا يزال تقييم تكلفة التكنولوجيا العسكرية الخاصة بالدرونز غير محسوم بصفة نهائية في ظل ارتفاع معدلات حوادث الدرونز. وبحسب المعدلات الأمريكية، فقد وصل معدل حوادث الطائرة من دون طيار "Predator" على سبيل المثال إلى قرابة 7.6 لكل 100 ألف ساعة طيران مقابل نسبة لا تتخطى 2.36 لطائرات "F-15S" وذلك بحسب بيانات عام 2011. كما أن الطائرات المقاتلة أكثر قدرة على المناورة، وأكثر تنوعًا في المهام. لكن الطائرات من دون طيار قد توفر العديد من المزايا الاستراتيجية الأخرى مثل العمل في مناطق معادية يخشى فيها على حياة الطيارين، بالإضافة إلى جمع وتحليل المعلومات الاستخبارية بشكل عالٍ، وتنفيذ الضربات الجوية بدقة عالية.

وختامًا، يمكن القول إنه على الرغم من صعوبات حسم التكلفة والعائد لاستخدام طائرات الدرونز، إلا أنها على ما يبدو ستصبح أكثر انتشارًا بالمنطقة خلال السنوات المقبلة، في ظل انخفاض التكلفة الرأسمالية لها ورغبة الدول في تفادي الخسائر البشرية.