أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

صعوبات التوظيف:

هل يؤثر تزويد أوكرانيا بمقاتلات "أف-16" في مسار الحرب؟

28 أغسطس، 2023


أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، الخميس 24 أغسطس 2023، أن واشنطن ستبدأ في سبتمبر المُقبل، تدريب طيارين أوكرانيين على قيادة مُقاتلات "أف- 16"، مُرجحة أن التدريب قد يستغرق ما بين 5 إلى 8 أشهر، اعتماداً على مهاراتهم الحالية. 

دلالات مُتعددة: 

في ضوء الإعلان الأمريكي السابق الإشارة إليه، يمكن الوقوف على عدد من الأبعاد، وذلك على النحو التالي:

1. الموافقة على تسليم كييف مُقاتلات "أف- 16": منحت واشنطن الموافقة لكل من الدنمارك وهولندا لتسليم مُقاتلات "أف- 16"، إلى أوكرانيا، بعد إتمام تدريب الطيارين الأوكرانيين بالكامل على قيادتها وصيانتها. وقد جاء ذلك عقب زيارة أجراها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى البلدين الأوروبيين، في أغسطس 2023، أسفرت عن الاتفاق على أن تتلقى كييف ما مجموعة 61 طائرة من طراز "أف- 16" (42 من هولندا و19 من الدنمارك). وقد وصف زيلينسكي الزيارة بأنها فعالة ومُثمرة، مقدماً الشكر العميق لكلا البلدين، وللولايات المتحدة لاستمرارها في دعم أوكرانيا. 

وفي السياق ذاته، فقد أعلنت النرويج، في 24 أغسطس 2023، عن عزمها تزويد أوكرانيا بمُقاتلات "أف- 16"، لتكون البلد الثالث بعد الدنمارك وهولندا الذي يوافق على تسليم أوكرانيا تلك المُقاتلات، مشيرة إلى أن عدد الطائرات والجدول الزمني لتسليمها سيتم تحديده لاحقاً. وقد أشارت وسائل إعلام نرويجية إلى أن عدد الطائرات المزمع تسليمها من أوسلو إلى كييف ما بين 5 إلى 10 مُقاتلات. 

وطالبت أوكرانيا منذ وقت طويل بتزويدها بهذه المُقاتلات النوعية، بحجة أن التفوق الجوي على روسيا هو السبيل الوحيد لتسريع استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، منذ بداية العملية العسكرية في فبراير 2022، وقد أوضح المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، يوري إهنات، أنه عندما تحصل كييف على طائرات "أف- 16" فإنهم سينتصرون في الحرب. 

وتُشير تقييمات غربية إلى أن مُقاتلات "أف- 16"، سوف تعمل على تعزيز سلاح الجو الأوكراني والذي يضم في أغلبه طائرات سوفيتية بما قد يسهم في ردع روسيا، سواءً في الصراع الحالي أم لسنوات مُقبلة، خصوصاً أن الطائرة تتمتع بقدرات هجومية ودفاعية، ولهذا يمكن استخدامها لصد وابل الصواريخ الروسية المتكرر الذي يستنفد أنظمة الإطلاق الأرضية الحالية في كييف، بينما يمكن إطلاق طائرات "أف- 16" في غضون دقائق وتجهيزها لإسقاط الصواريخ القادمة ومواجهة طائرات العدو.

2. تدريب الطيارين الأوكران: كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلن، خلال قمة مجموعة السبع التي عقدت في مايو 2023، عن السماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات "أف- 16"، وبالتوازي مع ذلك، فإن تحالفاً من 11 دولة، في مقدمتها الدنمارك وهولندا، يقود الجهود الدولية لتدريب الطيارين الأوكرانيين على تشغيل مُقاتلات "أف- 16"، بالإضافة إلى أطقم الدعم وصيانة الطائرات، كما كشفت وسائل إعلام غربية عن أنه سيتم افتتاح مركز للتدريب أيضاً في رومانيا، هذا إلى جانب إعلان زيلينسكي، خلال زيارته إلى أثينا، في 21 أغسطس 2023، أن اليونان ستشارك في تدريب الطيارين الأوكرانيين، وذلك بهدف تمكين أوكرانيا في نهاية المطاف من الحصول على مُقاتلات "أف- 16" لاستخدامها في الحرب مع روسيا. 

3. مواصلة الدعم الغربي لكييف: يُشير التحول في الموقف الغربي إلى الموافقة على تزويد أوكرانيا بمُقاتلات "أف- 16" إلى إجبار موسكو على الجلوس على طاولة المفاوضات للاتفاق على هدنة لوقف القتال، إذ يتزامن ذلك مع تعهد الدول الغربية بمواصلة الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي لأوكرانيا، على أمل استعادة مزيد من الأراضي التي سيطرت عليها روسيا خلال الأشهر الماضية. 

وتُعد الطائرة المُقاتلة "أف- 16" من المُقاتلات متعددة المهام خفيفة الوزن، وتبلغ سرعتها ضعف سرعة الصوت "2 ماخ"، أي ما يعادل 1500 ميل في الساعة، ويصل مداها إلى نحو ألفي ميل، ويتم استخدامها في القتال الجوي والهجمات البرية والحرب الإلكترونية، كما أنها تتميز بقدرة عالية على المناورة، ويمكنها تحديد الأهداف من على بُعد مسافات كبيرة. 

ويُمثل إمداد الأطراف الغربية لأوكرانيا بهذه المُقاتلات، استكمالاً لما تم تزويدها به من قبل من أسلحة نوعية، مثل قاذفات صواريخ "هيمارس"، ودبابات "أبرامز" وصواريخ "باتريوت"، من الولايات المتحدة، وكذلك دبابات "ليوبارد" الألمانية و"تشالنجر" البريطانية. كما جرى أخيراً، وخلال زيارة زيلينسكي إلى السويد، في 19 أغسطس 2023، وهي الأولى منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الاتفاق على بدء تدريب الطيارين الأوكرانيين على طائرات "جاس-39 غريبين" السويدية، مما يُشير إلى أنه قد يكون هناك المزيد من الطائرات في طريقها إلى أوكرانيا.

مُحددات وقيود: 

رغم الاحتفاء الغربي والأوكراني بموافقة واشنطن على السماح بتزويد كييف بمُقاتلات "أف- 16" فإن ذلك الأمر يواجه بعدد من العقبات والقيود، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1. طول المدة الزمنية: بالنظر إلى الفترة الزمنية اللازمة لتدريب الطيارين الأوكرانيين على مُقاتلات "أف- 16" فإنها طويلة نسبياً، فالأمر يتطلب أشهراً وليس أسابيع، بل إن بعض التقديرات ترجح أن يمتد التدريب لنحو 18 شهراً. هذا إلى جانب أن برنامج تسليم تلك المُقاتلات سوف يمتد إلى عام 2025، وفي هذا السياق، فقد أفصحت رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن عن خطط تسليم تلك المُقاتلات إلى أوكرانيا، وقالت إنه سيتم في مطلع عام 2024 إرسال نحو ست طائرات، ثم ثماني طائرات في عام 2025 ثم خمس أخرى. 

كما أن هناك صعوبات تتعلق بتأهيل وتدريب الطيارين الأوكران أنفسهم، على قيادة تلك المُقاتلات، والتي تتطلب مهارات قتالية معينة ولغة إنجليزية جيدة. وقد أشارت مصادر أمريكية إلى أن كييف قد حددت 8 طيارين مقاتلين فقط يتحدثون اللغة الإنجليزية بشكل جيد، بما يكفي لبدء التدريب، وهذا يعتبر أقل من اللازم لسرب واحد. إلا أنه تم إرسال آخرين إلى بريطانيا لتعلم اللغة الإنجليزية. 

كما يمثل تجهيز البنية التحتية لاستقبال طائرات "أف- 16" عنصراً مهماً في تلك القضية، إذ تحتاج تلك المُقاتلات إلى مدرجات سلسلة وقواعد مركزية في كثير من الأحيان للعمل بها، فضلاً عن أنها تحتاج إلى خدمات لوجستية مثل سلاسل التوريد وإجراءات الصيانة والبنية التحتية. 

2. تحذيرات روسية: حذرت موسكو، على لسان سفيرها في الدنمارك، من إعلان كوبنهاغن أنها ستزود أوكرانيا بمُقاتلات من طراز "أف- 16"، مؤكداً أن ذلك سوف يدفع إلى الهاوية. كما اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن "أف 16 ستكون هدفاً مشروعاً لموسكو، في حال تزويد أوكرانيا بها". بل إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد صرّح في مقابلة صحفية، بأن طائرات "أف- 16" التي ستسلم إلى أوكرانيا ستعتبرها موسكو تهديداً نووياً، مضيفاً أن روسيا لا يمكن أن تتجاهل قدرة هذه الطائرات على حمل أسلحة نووية، مشيراً إلى أن موسكو حذرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا.

3. فعالية محدودة: تقلل بعض الأوساط الغربية من فعالية مُقاتلات "أف- 16" في المسرح الميداني للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، إذ صرّح الجنرال في القوات الجوية جيمس هيكر، أن تلك المُقاتلات يمكن إسقاطها بصواريخ أرض- جو روسية، كما أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي، أن "أف- 16" لن تكون سلاحاً سحرياً، يقلب المعادلات في ساحات المعارك، موضحاً أن لدى الروس 1000 مُقاتلة من الجيل الرابع، مضيفاً أن الأولى هو توفير قدر كبير من الدفاعات الجوية المتكاملة لتغطية ساحة المعركة وحرمان الروس من المجال الجوي. كما أكدت المصادر الروسية أن مُقاتلات "أف- 16" ستكون معرضة بشدة لأنظمة الدفاع الجوي الروسي "أس- 300" و"أس- 400"، ولهجوم طائرات "ميغ- 31"، و"سوخوي- 35".

وقد نجحت منظومة "أس- 400"، في إسقاط العديد من الطائرات والصواريخ البالستية التي تطلق من أوكرانيا، إذ إنها لديها القدرة على كشف الأهداف الجوية على بعد 600 كيلومتر، والتصدي لنحو 80 هدفاً في وقت واحد، عن طريق توجيه صاروخي أرض- جو لكل هدف، كما لديها القدرة على التصدي لكافة الطائرات المقاتلة، ومنها الشبحية والطائرات من دون طيار، والصواريخ البالستية والموجهة والصواريخ متوسطة المدى. 

وفي التقدير، يمكن القول إن واشنطن تواصل جهودها لإنجاح الهجوم الأوكراني المضاد، عبر السماح بإمداد أوكرانيا بمُقاتلات "أف- 16"، وذلك بعد تزويدها بالقنابل العنقودية من قبل، خاصة بعد النتائج المحدودة التي حققها هجوم كييف المضاد على روسيا. إلا أن عقبات بشرية وفنية ما زالت ماثلة أمام إمكانية استفادة أوكرانيا من تلك المُقاتلات، الأمر الذي قد يرجئ هذا الأمر إلى العام المقبل. وقد يمنح ذلك فرصة لموسكو لتقييم خياراتها المتاحة للرد على هذا التصعيد، سواءً بتوجيه ضربات للمطارات الأوكرانية، أم استهداف شحنات الأسلحة من الدول الغربية.